لا تقتصر تأثيرات وباء كورونا عند الحد الذي نراه الآن. بل ستمتد لتحول دفة الاقتصاد العالمي والعمل في المستقبل. الأمر الذي سيتطلب مجموعة من المهارات غير المتوفرة لدى الكثيرين الآن للالتحاق بسوق العمل.
ونشر معهد ماكينزى نحو 50 مهارة يحتاج إليها سوق العمل في المستقبل. معتبراً أن 85% من وظائف 2030 لم يتم اختراعها حتى الآن نتيجة سرعة عمل التقنيات الرقمية في تغيير طريقة العمل بشكل فاق جميع التوقعات حتى الآن.
والتقرير التالي يستعرض المهارات الأساسية التي قد لا ينتبه الكثيرون لها. ولا يسعون في الوقت الراهن لاكتسابها رغم أهميتها. بالإضافة إلى التعرف على أسلوب التكيف مع المهارات المطلوبة في حال اختلافها عن المكتسبة خلال عقد الأخير من العمل في الأسواق.
المهارات الموجودة والخوف من تغيرها
تخيم حالة من القلق على الأشخاص الذين يشغلون وظائف في الوقت الراهن خوفاً من تبدد جهدهم وذهابه أدراج الرياح نتيجة التحول الذي قد يطرأ على عملهم. وكذلك المهارات التي اكتسبوها.
وساهم التحول الكبير في سوق العمل المحلية والعالمية في تضخم تلك المخاوف. والبحث عن احتياج سوق العمل في المستقبل بعد انتهاء وباء كورونا. ما سيتبع ذلك من تحول مؤكد في نمط العمل ووقته وأساليب النجاح والارتقاء فيه.
وبدأت الكثير من الشركات العالمية تضيف إلى مهارات موظفيها. بل سعت للتعامل مع الأزمات النفسية الناشئة. كنتاج لعملهم تحد ضغط الخوف من الوباء والإصابة المتكررة. فمنحت شركة Nike موظفي مكتبها أسبوع إجازة للصحة العقلية. وبدأ أن العمل عن بعد سيكون المستقبل الدائم لشركة Google.
ولكن ظل الخوف من المجهول أحد أبرز الأزمات التي يعاني منها الموظفين حول العالم. فضلا عن تقلبات سوق العمل ورهبة عدم القدرة على التكيف مع المستقبل الغامض.
فهم ذواتنا وقدراتنا والثقة بالنفس
فهم ذواتنا وقدراتنا والثقة بالنفس. للوهلة الأولى قد يظن القارئ أن تلك المهارة ضرب من المفاهيم الانشائية غير الفعالة في أماكن العمل. وهنا فقط يمكننا أن نسأل عن تأثير إدراكنا لذواتنا وقدراتنا على الأداء بشكل عام. وستكون الإجابة واضحة ومتسقة فالوقوف على تلك القدرات يمكن الأفراد من معرفة الوقت اللازم لطلب المساعدة قبل إفساد العمل. بل ويُمكنهم من خلال فهم ذواتهم مساعدة الآخرين بما يمتلكونه من أدوات ومهارات قد يتطلبها مسار العمل الجماعي.
وتفيد عملية إدراك الذات والقدرات أيضاً. في الحد من إعطاء الوعود الوهمية خاصة إذا كانت لا تتوافق مع المهارات المملوكة للأفراد فعلياً.
واعتبر معهد ماكينزي أن الثقة بالنفس واحدة من أهم ثلاث مهارات يجب أن تدرك عند الموظف، وعادة ما ينتج عنها دخل مرتفع ورضا وظيفي وشعور أدوم بالاستقرار، فالبعض يعمل بوظائف قد تنال من ثقتهم في أنفسهم. وهو أمر يجعلهم في قبضة الشعور بعدم الرضى وأنهم غير مناسبين للعمل في هذا المكان وبالتالي يتم ترجمة تلك المشاعر في الممارسة والأداء العام.
تحدي إضافة قيمة لمكان العمل
واحد من أهم الأمور التي يجب أن تشغل تفكير الموظفين في المستقبل. هو القيمة المضافة التي سيتم تقديمها لمكان عملهم في ظل الزخم التكنولوجي الصناعي. وكذلك توغل الخوارزميات في مجال عمل مختلف المؤسسات.
وأصبح الأمر يفرض نوعا من التحدي حول إمكانية امتلاك المهارات الناعمة. التي يصعب توفيرها من خلال الوسائط الاصطناعية المتطورة. واتجه الكثيرون لامتلاك تلك القدرات والمهارات التى لا يمكن الاستغناء عنها مهما بلغ حجم التطور واتسعت المساحات الافتراضية والبدائل الاصطناعية.
وظل التساؤل حول كيفية التكيف مع المستقبل وحجز مكان مناسب في وظيفة لائقة. واحد من أولويات بحث ودراسة الموظفين حول العالم خاصة بعد فقد الملايين منهم لوظائفهم خلال فترة الجائحة.
التكيف مع عدم اليقين
واحدة من أهم المهارات التي تبحث عنها الشركات هي قدرة الموظفين على التكيف مع الواقع. والحفاظ على الهدوء في مواجهة بيئة العمل المتغيرة والتي قد تكون متقلبة في وقت الأزمات كما حدث خلال فترة الجائحة.
وانتشار فيروس كورونا جعل الشركات تدرك أهمية المهارات الناعمة. التي يعتبر التكيف واحداً منها. خاصة هؤلاء الذين تمكنوا خلال جائحة كورونا. من العمل وتحقيق قدر من الإنجاز على المستوى الشخصي والمهني. بل وتأقلموا مع ضبابية المشهد طوال تلك المدة وقدرتهم على الاستمرار في تلك الأجواء مستقبلاً.
واكتساب مهارة العمل في ظل حالة انعدام اليقين تجاه بيئة العمل. ومدى استقراره سواء كان داخل مكاتب بها آلاف الموظفين أو بكيان محدود عددياً. فتلك المهارة ستكون واحدة من الأدوات التي يجب العمل على اكتسابها خلال الفترة المقبلة.
فهم التحيزات والطلاقة الرقمية
التحيزات الخوارزمية “الوقوف على الأخطاء النظامية في نظم الحاسوب التي تؤدي إلى نتائج غير عادلة”. واحدة من المهارات التي تحتاج للدراسة والتمكن من امتلاكها في المستقبل القريب، فالتكنولوجيا المستخدمة بشكل يومي مبنية إلى حد كبير على تلك المهارة.
ولكن هناك صعوبة نسبية في فهم التحيزات. لأن بعضها يدعم الصورة النمطية. التي قد لا تكون دقيقة بل. وفي بعض الأحيان ضارة. ويعتبر ما حدث في برنامج الرعاية الصحية بالولايات المتحدة الأمريكية خير مثال يوضح ذلك الأمر. حيث وجد الباحثون أن الخوارزمية المستخدمة تثبت تفضيل توفير رعاية طبية إضافية للبيض على السود.
الذكاء الاصطانعي
ورغم استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف الأعمال اليومية. إلا أن البشر لديهم قيمة مضافة. ويمكنهم استخدام أدوات للتغيير والتأثير بطرق قد تعجز التكنولوجيا عن استيعابها. وفهم أوجه الخلل في التحيزات الخوارزمية أحد المهارات التي ستحتاجها الكثير من جهات العمل مستقبلاً. ويجب أن يكون الراغب في الترقي الوظيفي على دراية وإلمام بتلك المهارة الحيوية.
وتعد أيضاً الطلاقة الرقمية واحدة من المهارات الأساسية. وهنا لا نتحدث عن دراسة مجال التكنولوجيا بمفهومها الواسع رغم أهمية ذلك في المستقبل. ولكن يجب أن تكون لدى الموظف. قدرة على التنقل بين البرامج الرقمية المرتبطة إلى حد ما بمجال عمله وامتلاك القدرة الكاملة على استخدامها.
وهنا يجب أن يدرك الموظف أنه تمكن من محو أميته في عالم الكمبيوتر بشكل مؤكد. بل والقدرة على التعاون الرقمي من خلال برامج الاتصالات السحابية المتنوعة. حتى لا يكون أقل كفاءة في مهارة ستكون لها الأولوية في معظم الوظائف مستقبلاً.
مهارات الأمن السيبراني
التعامل مع المجال الرقمي يجعل الأفراد على دراية بأهمية البيانات التي يتم الحصول عليها، ومن ثم العمل على حمايتها بشتى الطرق الممكنة.
وأغلب الشركات يقع على كاهلها الالتزام بحماية بياناتها. وكذلك بيانات عملائها لأن تلك الحماية هي ضمانة الثقة المتبادلة مع الآخرين. وحدثت جراء ذلك كوارث كبرى لبعض الشركات كان منها تغريم أمازون نحو 746 مليون يورو نتيجة أخرق بياناتها.
وامتلاك مهارات الأمن السيبراني”حماية الأنظمة والشبكات والبرامج ضد الهجمات الرقمية”. أو ثقافة المعرفة بأهمية البيانات. والهياكل التي تجعلها عرضة للضرر أصبحت أداة هامة في المستقبل نظراً لحاجة قطاع كبير من الشركات لها في مختلف مجالات عملها.
التحكم في التوتر والتفكير النقدي
بعض الموظفين ينتهي بهم الأمر بالدخول في دائرة الشعور بالعبء المعلوماتي والوصول لمستويات مرتفعة من الإرهاق. ارتبط بمستوى مرتفع من التوتر والقلق.
تلك الحالة عادة ما تضع صاحبها في منطقة ضبابية تجعله يتخذ قرارات خاطئة ويعطي رسائل سلبية قد لا تكون مقصودة على الإطلاق.
وامتلاك مهارة التحكم في الضغط والتفكير النقدي. واحدة من الأدوات المطلوبة مستقبلاً في كثير من الشركات خاصة أن الرغبة في التطوير وسرعة المنافسة ستكون هي المسيطرة على سوق العمل.
وتستفيد أماكن العمل المختلفة من التفكير النقدي في الوقت الحالي. وسيكون لممتلكيه كراسي فارغة تنتظرهم مستقبلاً نتيجة انتشار المعلومات المضللة إلى حد كبير والحاجة إلى نمط تفكير يمكنه التعامل مع الكم الهائل من المعلومات، والتأكد من دقتها والتفاعل معها بقدر من الاتزان دون الوقوع تحت ضغط القلق والتوتر.
ريادة الأعمال
يعتقد الكثيرون أن الوظائف المستقبلية. تتطلب منهم أن يصبحوا “طائشين بلا طيار”. وأن الصخب الجانبي والضجيج قد يربح في بعض الأحيان. ولكن هذا النهج ليس صحيا ويوصى بالابتعاد عنه في التفكير حيال الوظائف المستقبلية.
وحقيقة الأمر أن ريادة الأعمال واحدة من القيم التي يحتاج الكثير لاكتسابها. فهي مهارة تميز من يمتلكها عادة بأنه لا يخشى المخاطرة. ولكنه يدرك ضرورة الوقوف على أفكار جديدة غير نمطية تساعد على النجاح.
ويمكن قياس قيمة ريادة الأعمال بالنظر إلى الشركات الناشئة والتكنولوجيا الأوسع، فعادة ما نجد النجاح حليف كل من رغب في تجربة شئ مختلف. وامتلك القدرة على تحقيقه على أرض الواقع.