تعود مرام حسن بذاكرتها للوراء، لعام 2007. ذلك العالم الذي تخرجت منه من كلية الحقوق في جامعة المنصورة. لتحلم بالبدء في مهنة المحاماة التي تحبها. تسعى للحفاظ على حقوق المواطنين. لكنها اصطدمت على مدار عام كامل خلال فترة التدريب التي تؤهلها للعمل بعقبات كبيرة. تمنعها من الاستمرار في هذا المجال الذي تحبه ولكنها لا تقدر على عقباته.
في فترة التدريب واجهت مرام . التحرك عبر أكثر من مكان :”كان من الممكن أن يطلب مني السفر لمدن ومراكز مجاورة للمنصورة. والعودة في نفس اليوم للحصول على أوراق وتصاريح، السفر هنا كان يعني تكلفة مادية وبدنية أصلا”.
5 مواصلات في يوم واحد
وأضافت: “كان من الممكن أن استقل أكتر من 5 مواصلات في اليوم الواحد، بجانب تعنت الكثير من الجهات في استخراج الأوراق التي تمكن المحامين من الاطلاع على القضايا”. وهنا تصف مرام أن هذا التعنت ليس قانونا أو أمرا موحدا في جميع المحاكم والنيابات. ولكن لكل منطقة قانونها الخاص بها. يمكن أن تكون تلك القواعد شفوية دون كتابة أو قرارات، ولكنها تطبق ويتم الالتزام بها.
تلك العقبات يؤكدها المحامي نجاد البرعي. الذي أوضح أن هناك عليمات تمنع المحامين في بعض القضايا الجنائية من الحصول على صورة من قرار الاتهام وملاحظات النيابة العامة، وهو أمر يعطل المحامي عن القيام بعمله في متابعة القضية، بالإضافة أيضا لتعليمات تمنع المحامين من استعمال توكيلات موكليهم العامة إن كان قد مر عليها خمس سنوات، وهو أمر يمكن تجنبه وتسهيله من خلال الاتجاه للمعاملات الإلكترونية، فبدل الذهاب للشهر العقاري مجددا لتجديد التوكيل يمكن تجديده إلكترونيا، مشيرا إلى أن المحكمه تستعلم من الشهر العقاري عن سريان التوكيل من عدمه. فالجهتان تتبعان وزارة العدل.
تعقيدات تسبب العزوف عن المهنة
ويتفق البرعي الذي خاص سنوات في تلك المهنة. مع رأي مرام التي لم تختبرها سوى عام واحد فقط. في أن تلك الإجراءات تضيع الوقت، وتجعل هناك حالة من العزوف عن المهنة. فكما قال البرعي “أنا كمحام أروح وأقف طابور وادفع رسوم علشان أجيب شهادة بسريان التوكيل أو أقول للموكل اعمل لي توكيل جديد، ده تصعيب على الناس والمحامي اللي بيقدم توكيل غير سار بيتحبس عادي”.
مالك عدلي المحامي الحقوقي. يرى أن تلك الأمور ليست قواعد عامة. لكنها قواعد استثنائية في محاكم معينة. مثل المحاكمات الاستثنائية التي تتم أمام نيابة أمن الدولة، والتي يكون القرار بها بات دون درجات من التقاضي. فيصبح عدم إطلاع المحامي أو حصوله على صورة من قرار الاتهام، مانعا يحيل بينه وبين متابعة القضية.
وفي المقابل يشير عدلي إلى أن عدم سريان التوكيل بعد مرور 5 سنوات يمكن أن يكون منطقيا، خوفا من التلاعب بالتوكيلات، إنما الجزء الخاص بعدم الحصول على صورة من قرار الاتهام أو أوراق القضية هو أمر غير منطقي، وأيضا غير مفهوم.
تلك القرارات التي لا تسري وفقا لتعليمات مركزية، تجعل كل محكمة مختلفة عن الأخرى في التفاصيل، ولكن تلك التفاصيل تعيق المحامون المستمرون في المهنة من العمل، وأيضا تجعل المقبلون على المهنة ينفرون منها، كما قال المحامي محمد قنديل، فمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية أصدرت أمر إداري يمنع التعامل مع التوكيلات التي يقدمها المحامون والتي مر عليها أكثر من 7 سنوات، وحظر على الأقسام والنيابات التابعة للمحكمة هذا الأمر، ومن ستخالفه سيتعرض للمسائلة القانونية.
التظلم على قرار لم يطلع عليه
بضيف المحامي أحمد ناصر من الإسكندرية. أنه قبل سنوات ترفض النيابات تصوير القرارات التي تصدر منها “يمنع هذا الأمر المحامي من التظلم، وعندما يطلب صورة من قرار النيابة للتظلم يرفض طلبه، ويرد عليه الموظف أنه يمكنه التظلم لكن دون الحصول على صورة من القرار، وهنا يصعب عليه الأمر، لأنه لا يعرف على أي قرار سيتظلم”.
الحل في “الرقمنة”
يؤكد المحامون أن هناك اتجاه للرقمنة. وهو الأمر المتبع في العديد من الدول، ولكنه لا ينفذ في منظومة القضاء، زعند تنفيذه سيتم اختصار أوقات كثيرة للمحامين وبالتالي موكليهم، وأيضا سرعة إصدار القرارات التي تتأخر بسبب هذا الروتين، وهو الأمر الذي يضمن عودة المحامين الذين تركوا المهنة بسبب تلك التعقيدات، والاكتفاء بالعمل كوكلاء لرجال الأعمال، وهي المهنة التي لا تتطلب محاميا في الأساس.
بعد مرور أكثر من 10 سنوات من تخرج مرام. تحن لما درسته في الجامعة، وتحن للعودة لمهنة كانت وما زالت تحبها: “أهلي وأصدقائي يستشيروني دوما في آراء قانونية، لأنني أقرأ دوما في المحاماة والقوانين، أحبها ولذلك التحقت بكلية الحقوق، ولكني لا أقدر ولا أستطيع مواصلة العمل تحت تلك الظروف، فقط في حال اتجاهها للرقمنة كما هو متبع في عدة أماكن، وكما هو متبع في العديد من الدول، سأعود لمهنتي التي أحبها”.