مساء الأربعاء الماضي 20 أكتوبر، شارك الدكتور فيصل محمد صالح، وزير الإعلام السوداني الأسبق، والمستشار الإعلامي لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي اعتقلته صباح أمس الاثنين قوة عسكرية. في حلقة نقاشية نظمها “مصر 360″، للحديث عن احتمالات الصدام بين شركاء العمل السياسي في السودان. وذلك في أعقاب إحباط انقلاب عسكري الشهر الماضي.
وكانت الحلقة التي أدارها الكاتب الصحفي خالد داوود، وشاركت فيها الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية. حملت تساؤلًا هو “هل يقف السودان على حافة صدام بين الشقين المدني والعسكري؟”.
نبوءة الانقلاب
خلال حديثه، بدا وكأن صالح، المتواجد حاليًا في مكان غير معلوم. في أعقاب الانقلاب الذي نفّذه الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي. كان يتوقع أن يقوم العسكريون، ومسانديهم من المنشقين عن إجماع التيار المدني. بحركة مفاجئة، لأن بعض الأطراف تحتاج لمثل هذا الصدام، بسبب التوترات الموجودة في الشارع السوداني” حسب قوله.
قال صالح: “في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، بدا الفريق البرهان ونائبه في اتهام الحكومة السودانية بالفشل، وكأنهم يقدمون مبرر للانقلاب السابق، وربما انقلاب لاحق أيضًا. فقد أدانوا الانقلابيين، لكنهم خلال أحاديثهم، وكأنهم يعطون آخرين مبررات للقيام بانقلاب آخر”.
أضاف: “بدا وكأنهم يشجعون على الانقلاب أو يخططون له، وبدأت بعد ذلك خطوات متسارعة، وهو ما يشبه أن يكون “انقلاب زاحف” لأن الانقلاب التقليدي الآن لم يعد ممكنًا، فلا الظروف المحلية أو الظروف الإقليمية أو الظروف الدولية تسمح بأن تسير الدبابات في الشوارع”.
وأوضح مستشار رئيس الوزراء -المعتقل حاليًا- أن أفضل السيناريوهات أمام الجيش في حالة الرغبة في الإطاحة بالمدنيين هي انقلاب يتخفى في غطاء خطاب مدني. عبر مجموعات أو قبائل تخرج لتطالب بدور أكبر للقوات المسلحة والقيادة العسكرية في الحياة السياسية.
أزمة السلطة
في قراءة للأحداث أثبتت صحتها، أشار صالح إلى أن الأسابيع الماضية شهدت أزمة بين شريكي الحكم في السودان، وهما حركة العدالة والمساواة وحركة تحرير السودان. بدأت بعد أن تم تعديل الوثيقة الدستورية، وصارت هناك ثلاث أطراف أساسية معترف بها، وهي المكون العسكري -وهو ما يُطلق على تواجد القوات المسلحة وقوات الدعم السريع- وقوى الحرية والتغيير. ثم ما يُسمى بأطراف العملية السلمية.
وأشار وزير الإعلام الأسبق إلى أن الحكومة الأولى التي شارك فيها، وكانت حكومة تكنوقراط تضم كفاءات مستقلة. واجهت هجومًا كبيرًا بحجة وجوب تولي أطراف سياسية المناصب بدلًا من التنفيذين.
وقال: “لذلك جرى تعديل وزاري، وتشكلت الحكومة الجديدة التي شارك فيها أطراف العملية السلمية بست وزراء، وآخرون من القوى التغيير. وبقي بعض التكنوقراط ضمن الحكومة الجديدة رشحهم التجمع المهني”.
إعادة ترتيب الأوراق
لفت وزير الإعلام الأسبق، إلى أنه عند حدوث الأزمة، تحركت قوى العدل والمساواة، والحرية والتغيير، وأطراف أخرى لم تشارك من قبل. وأضاف: “دخلوا في منازعات، ثم قرروا إنشاء منبر منفصل يحمل أيضًا اسم الحرية والتغيير، وبدا الأمر وكان هناك انشقاق. وكانت حجتهم الأساسية أن الحرية والتغيير استأثروا بنصيب كبير من السلطة، لا يتوافق ووضعهم في الشارع، ولابد من إعادة توزيع الأوراق”.
في الواقع، جاءت تلك التحركات على هوى العسكريين، الذين نادوا بحل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة بنفس المنطق. لينضم التحالف الجديد إلى العسكر في نفس المطالب. يشير صالح إلى أن “هذه التحركات وجدت عناية كاملة من المكون العسكري”.
لفت مستشار حمدوك أيضًا إلى أن مسيرة 16 أكتوبر شهدت لأول مرة منذ ما يقرب من العامين اقتراب محتجين من القصر الجمهوري، رغم انتشار الأمن وقوات التدخل السريع “كانت هناك دومًا حواجز أمنية من الجيش والشرطة وقوات الدعم السريع. تمنع اقتراب المتظاهرين من المواقع الحيوية وعلى رأسها القصر الجمهوري. هذه المسيرة لم تجد أي عائق أمامها، ولو حتى عسكري واحد”.
قال: “بدا هذا تواطأ واضحا جدًا. بعدها بدأ هذا الاعتصام الذي لقى رعاية كاملة من قوات الدعم السريع”.
وأوضح أنه رغم أن التحالف السياسي الذي يقف خلف هذا الأمر، يقول إنه لا يؤيد الحكم العسكري “ولكن كل ما هو داخل الاعتصام الحالي يتحدث عن تفويض القوات المسلحة. وهذا قرأناه في أكثر من تجربة ورأيناه أكثر من مرة”.
نوايا سيئة
رغم تولي الجيش سلطات واسعة في السودان طيلة حكم الرئيس السابق عمر البشير، بدا غريبًا أن يخرج البعض للمطالبة بصلاحيات أوسع للجيش. فسّر صالح هذا بقوله إن الأمر في مجمله ألعاب سياسية تعتمد على أمران. أولهما صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وأن الحكومة فشلت في معالجتها.
وأوضح صالح -فيما يشبه رؤية مستقبلية- أن توقيت التحرك ضد حكومة حمدوك سيء للآخرين وغير مبرر “فهناك ملامح للانفراج لأول مرة من عامين. حيث استقر الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية أربعة أشهر كاملة. ولم يصل مستوى التضخم إلى تأثير مباشر على قوت المواطن”.
وتابع: ” هو توقيت سيء لمن تحدثوا عن سوء الأوضاع الاقتصادية. فقد كانت الأوضاع في السابق أكثر سوء. الآن المؤشرات الاقتصادية المحلية والعالمية تشير إلى انخفاض التضخم، وبدأت بعض الاستثمارات تفد إلى البلاد. كذلك المواد التموينية والبترولية تم توفيرها، واختفت صفوف المنتظرين الطويلة”.
أمّا المؤشر الثاني الذي اعتبره صالح نية للتحرك ضد الحكومة، فكان حالة من الانفلات الأمني شهدتها البلاد “حدث هذا في أكثر من بلد حولنا لفترات متباينة. ونلاحظ في هذا الانفلات ترك افراد الأمن واجباتهم متعمدين. مثلما حدث في احتجاجات شرق السودان التي أدت إلى إغلاق الميناء وعدة طرق أخرى. فلم يتصد أي فرد من الأمن إلى هذه الاحتجاجات من البداية”.
وأشار إلى أنه في اعقاب الثورة السودانية قامت الجماهير انتزعت حقها في الاحتجاج والتظاهر السلمي “ولا أحد يطالب بقوة مسلحة أو العنف في مواجهة أي احتجاج. ولكن قبل ذلك، كانت هذه النوايا معلنة. وكانت هناك بعض المواقع تواجد الامن ليمنع الاقتراب منها، وتركها يُعّد نوع من التآمر المكشوف”.