بعد سيطرة الحوثيين على محافظة البيضاء الاستراتيجية وسط اليمن، يبدو المشهد آخذا في التطور السريع لصالح الجماعة الموالية لإيران. التي ستكون على بعد خطوة من السيطرة على مأرب ومعها يكون شمال اليمن بالكامل في قبضتهم. ولدى تلك النقطة سيكون عليهم إما استكمال الاندفاع تجاه القوات الحكومية في المناطق الممتدة من الوسط باتجاه الجنوب أو الوقوف عند نقاط التماس للتفاوض في موضع قوي، وهو ما يشكل نقطة تحول في الحرب.
السيطرة على البيضاء يجعل إحكام قبضة الحوثيين على محافظة مأرب الخطوة الأسهل. وهو ما يشكل ضربة قاضية للحكومة اليمنية ويدفع جهود الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة إلى المزيد من التشتت والضياع. رغم ذلك، فإن ثمة احتمالاً أكبر في أن ينقل سقوط مأرب الصراع إلى مرحلة جديدة قد تكون أكثر دموية بدلاً من أن تنهيه.
وسيطرة الحوثيين على هذه المنطقة الغنية بالنفط تعزز الموقف التفاوضي للجماعة في محادثات السلام إذا ما قررت فعلاً الانخراط في عملية تفاوضية. رغم ذلك تثير التوترات في تلك المنطقة بوسط البلاد التي نزح إليها عدد كبير من اليمنيين هربا من القتال في أنحاء أخرى، مخاوف من حصول كارثة إنسانية.
وأحصت الأمم المتحدة 3.3 مليون نازح، بينما يحتاج 24.1 مليون آخرين، أي أكثر من ثلثي السكان إلى المساعدة الإنسانية. فيما تحذر منظمات دولية من أن اليمن الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم قادم على سيناريوهات كارثية ودموية.
هذا التطور دفع مجموعة الأزمات الدولية لإطلاق نداء عاجل للأمم المتحدة عبر مبعوثها الجديد. نطالبه بضرورة زيارة صنعاء ومأرب في أسرع وقت ممكن لإطلاق جولة حوار دبلوماسي يمني – يمني وإقليمي. وبدعم من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. على أن ينظر في جميع المقترحات، لمنع نشوب معركة مدمرة للسيطرة على مأرب.
أهمية البيضاء الاستراتيجية
تقع محافظة البيضاء بجوار مأرب الغنية بالنفط والغاز، والتي تشكل الجزء الواقع إلى أقصى شمال آخر مساحة تسيطر عليها الحكومة. وبالتالي فإن السيطرة عليها تعد نصراً كبيراً للحوثيين. وسرعان ما حققت الجماعة مكاسب سريعة في مأرب وكذلك في محافظتي شبوة وأبين، وجميعها تحاذي البيضاء. فيما يبدو أنها محاولة لقطع خطوط الإمداد التي تربط بين مختلف القوات المناوئة وتوسيع هجومهم على مأرب.
المحافظة، التي تتكون من 20 مديرية، تمثل قلب اليمن كونها تتوسط شمالي البلاد وجنوبها. فهي تحاذي أربع محافظة جنوبية هي أبين ولحج والضالع وشبوة. إضافة إلى محاذاتها أربع محافظات شمالية هي مأرب وإب وذمار وصنعاء. لذلك فإنّ هذا التقدم بمثابة ضربة حاسمة للحكومة، وبات تجدد اندفاع الحوثيين نحو مأرب محتملاً الآن. وما يترتب عليها من عملية نزوح هائلة، ومعها يزداد الوضع العسكري سواءً.
توصية عاجلة لإنقاذ الموقف
تقدير الموقف الذي نشرته مجموعة الأزمات الدولية، يطالب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مدعوماً بالأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بالاجتماع مع الفصائل المسلحة في البلاد والأطراف الدولية الداعمة لهم سعياً لوقف القتال. على وجه الخصوص، ينبغي أن يزور المبعوث الأممي صنعاء ومأرب، ليستكشف جميع الخيارات لمنع حدوث مواجهة دموية. كما يتعين عليه وضع استراتيجية لإنهاء الحرب الأوسع، بالنظر إلى فشل المقاربات السابقة.
والتطورات الحاصلة في البيضاء توازي في أهميتها بالنسبة لميزان القوى المعارك التي دارت على ساحل البحر الأحمر عام 2018. والاختراقات التي حققها الحوثيون في شمال اليمن في مطلع عام 2020 و2021 والتي أوصلت المتمردين إلى أبواب مأرب.
كما أن تعزيز مكاسب الحوثيين في البيضاء يجعل الأنماط الميدانية لتحرك الجماعة في عمق البلاد أكثر وضوحاً. ويشنون حملة عسكرية منسقة وتتطور باستمرار على عدة جبهات. وبموازاة ذلك، يتواصلون مع زعماء القبائل المحليين في محاولة للتفاوض على دخولهم إلى مأرب.
ثمة سبب جوهري يساعد في نجاحات الحوثيين العسكرية، وهي تشرذم المكونات المناهضة للجماعة، ما يقود إلى مواجهات مسلحة بينها. كما حصل في المعارك التي دارت أكثر من مرة بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً في محافظتي عدن وأبين جنوبي البلاد.
فقدان الاهتمام الدولي باليمن
وتسود حالة من التوقف في أوساط الأطراف الدولية، الذين استنفدوا المقترحات قبل وقت ليس بالقصير. وفي العديد من الحالات باتوا يفقدون اهتمامهم باليمن مع ظهور أولويات دولية أخرى. ويبدو العديد من المسؤولين الأجانب العاملين على ملف اليمن غير مدركين أهمية المكاسب التي يحققها الحوثيون على الأرض. فما زالوا يطلقون المناشدات لإنهاء القتال والشروع في محادثات سلام، لكنهم يفتقرون إلى رؤية مشتركة وعملية لتحقيق أي من هذين الهدفين.
إذا انتصر الحوثيون في هذه المعركة، فإنهم سيصبحون القوة العسكرية والسياسية المهيمنة في شمال اليمن التي لا يستطيع أحد تحديها.
يبدو تعزيز قوة الحوثيين في البيضاء آخر خطوة نحو ما يمكن أن يكون آخر معركة لإلحاق الهزيمة بالقوات المتحالفة مع الحكومة في مدينة مأرب، أو على الأقل الإحاطة بها وعزلها. إذا انتصر الحوثيون في هذه المعركة، فإنهم سيصبحون القوة العسكرية والسياسية المهيمنة في شمال اليمن التي لا يستطيع أحد تحديها.
وهذا يشكل نهاية من نوع ما للمرحلة الحالية من الصراع، لكن الحرب لن تنتهي، وكذلك الأمر بالنسبة لمعاناة الشعب اليمني. إذ من المرجح أن تؤدي سيطرة الحوثيين على مدينة مأرب بحد ذاتها إلى هروب الآلاف من منازلهم. علاوة على ذلك، من المرجح أن يندفع الحوثيون عندها جنوباً لمواجهة الانفصاليين الجنوبيين في محاولة للسيطرة على البلاد بأسرها. أو على الأقل إجبار الجنوبيين على قبول اتفاق يكون لمصلحة الحوثيين حول تقسيم المناطق والغنائم. من شأن مثل ذلك الهجوم أن يدشن مرحلة جديدة من الحرب، مرحلة سيكون للحكومة المعترف بها دولياً دور أصغر بكثير وسيكون نفوذ الوسطاء الخارجيين عليها أقل.
خطوتان عاجلتان أمام المبعوث الأممي
ونصح تحليل مجموعة الأزمات الدولية مبعوث الأمم المتحدة، هانز غروندبيرغ، بخطواتين عاجلتين. الأولى: ينبغي أن يسارع إلى الانخراط في محادثات وجهاً لوجه مع الأطراف المتحاربة لاستكشاف جميع الخيارات من أجل تفادي وقوع معركة للسيطرة على مدينة مأرب. والثانية: أن يحضّر الأرضية لوقف شامل لإطلاق النار ومحادثات ترمي إلى التوصل إلى تسوية سياسية.
لذلك، ستشكل نقطة البداية الاستماع إلى مقترحات الحوثيين، دون أن يقبلها بالضرورة. وأن يدفع الحكومة لتحديد موقف خاص بها يعكس واقع التوازن الراهن للقوى. وفي الوقت نفسه، سيترتب على “غروندبيرغ” أن يشكل إجماعاً خلف استراتيجية وساطة أوسع مفصلة طبقاً للديناميكيات الراهنة للحرب.
اختراق البيضاء.. جائزة استراتيجية
منذ عام 2020، ينظر المراقبون اليمنيون والدوليون إلى معركة محافظة مأرب على أنها نقطة تحول محتملة في الحرب اليمنية. والتي تلعب فيها السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة جميعها أدواراً مهمة. لقد وفرت الاختراقات العسكرية الحوثية في محافظتي صنعاء والجوف في مطلع عام 2020 للجماعة نقطة انطلاق لهجوم منسق في غرب مأرب. لكن الحوثيين كانوا مقيدين في قدرتهم على شن حملة مماثلة جنوب المحافظة، حيث تقع المدينة التي تشكل هدفهم النهائي. فمن أجل دخول جنوب مأرب، كان يترتب على الحوثيين السيطرة على المزيد من الأراضي في محافظتي البيضاء وشبوة المجاورتين.
وهكذا أصبحت البيضاء جائزة استراتيجية. فهي تحد المحافظات الثلاث التي تحتفظ فيها القوات المتحالفة مع الحكومة بمعظم السيطرة. وهي مأرب إلى الشمال، وشبوة إلى الشرق وأبين إلى الجنوب. كما تجاور البيضاء محافظتي الضالع ولحج، اللتين يسيطر عليهما المجلس الانتقالي الجنوبي المعادي للحوثيين. لكن يرى في الحكومة أيضاً تهديداً وجودياً لا يقل خطراً.
كما تقع في مأرب وشبوة حقول نفط وغاز كبيرة، تشكل مصدراً رئيسياً لموارد الحكومة والسلطة المحلية. التي يتهم الحوثيون الفصائل المتحالفة مع الحكومة بنهبها. إضافة إلى مدن في شمال حضرموت، التي تحد مأرب وشبوة من الشرق، لذلك فإن المحافظات الثلاث تعمل حتى الآن ككتلة متكاملة. وتنتقل القوات والمعدات العسكرية، وكذلك المواد الأساسية كالغذاء، والوقود وغاز الطبخ، بشكل منتظم بين هذه المحافظات. ما يجعل الطرق الواصلة فيما بينها شرايين حياة. إلا أن صراع البيضاء، الذي قطع العديد من هذه الطرق، لم يجتذب نفس الاهتمام الدولي الذي اجتذبته حملات ساحل البحر الأحمر ومأرب من قبل.
اخنق وفاوض.. حملة على أربع
منذ أواخر سبتمبر، استعمل الحوثيون البيضاء كمنصة انطلاق لحملة على أربع جبهات في غرب شبوة وشمال أبين. فقد بدأوا بالتزامن بالدفع بقوة أكبر على طول جبهة مأرب الجنوبية التي كانوا قد فتحوها في يونيو 2020. وذلك عندما سيطروا على مديرية ردمان آل عوض على الحدود بين البيضاء ومأرب. يبدو أن هذه التحركات كانت تهدف إلى قطع الطرق الرئيسية التي تربط المحافظات الثلاث، وقطع التواصل بين مختلف القوى المعادية للحوثيين داخلها. إضافة إلى توفير طرق جديدة للقوات اليمنية إلى جنوب اليمن.
يبدو أن الحوثيين يطبقون استراتيجية مزدوجة الآن. في الشمال، يخنقون خصومهم عسكرياً، بينما يوفرون لهم مخرجاً عبر اتفاقات عدم اعتداء. وفي هذه الأثناء، في جنوب وغرب اليمن، يحاولون تفريق وهزيمة القوات المعادية للحوثيين بتعميق خطوط التماس فيما بينها.
في شمال اليمن، أرفق الحوثيون دائماً الضغط العسكري الهادف إلى عزل وإضعاف قوات خصومهم وتدمير معنوياتها بعروض التفاوض كطريقة للسيطرة على مزيد من الأرض. وقد استعرضوا استخدامهم لهذه الاستراتيجية بوضوح في مأرب. حيث حاولوا التوصل إلى اتفاقات مع زعماء قبليين ليسمحوا لأنفسهم بالتحرك على مدينة مأرب دون عوائق.
حاول الحوثيون التوصل لصفقة مع زعماء قبيلة مراد، التي تسيطر على مديريات مأرب في أقصى الجنوب، تمكنهم من دخول المحافظة. فبعد سيطرتهم على ردمان آل عوض عام 2020، تحرك الحوثيون إلى ثلاث مديريات تسيطر عليها قبيلة مراد في جنوب مأرب. ومن ثم بدأوا بالاندفاع نحو جبل مراد، خط الدفاع الأخير عن مديرية الجوبة المجاورة، في المناطق الداخلية التي تسيطر عليها قبيلة مراد، والتي يقع فيها الطريق الرئيسي الذي يربط عتق، عاصمة محافظة شبوة، بمدينة مأرب، التي تحدها الجوبة من الشمال.
بعد دخول مديريتين في شمال شبوة أواخر سبتمبر، سيطر الحوثيون على مديرية حريب في مأرب، إلى الشرق من الجوبة. وبدأوا باندفاعة جديدة إلى معقل مراد من الجنوب، والشرق والغرب. يقول زعماء القبائل إنه منذ ذلك الحين صعد الحوثيون محاولاتهم لإقناع مراد بالموافقة على هدنة. وقد رفض الزعماء هذه المبادرات حتى الآن.
بين مبادرة مأرب واتفاق ستوكهولم
يبدو أن الحوثيين يتبعون خطة مماثلة على مستوى المحافظة. فعند بداية الهجوم عام 2020، أعلن مسؤولون حوثيون كبار مبادرة من تسع نقاط لتفادي حدوث معركة للسيطرة على مأرب. في يونيو 2021، قدم زعيم الحركة، عبد الملك الحوثي، نسخة رسمية من هذه المبادرة إلى أعضاء وفد عماني، نقلها إلى المسؤولين السعوديين في الرياض. يقترح الحوثيون أن تشكل سلطاتهم بحكم الأمر الواقع في صنعاء إدارة مشتركة مع قادة مأرب. إضافة إلى بناء هياكل أمن وإدارة موارد مشتركة تشرف على توزيع الوقود من منشآت النفط والغاز في المحافظة في سائر أنحاء المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والتي ستشمل مأرب. وتستخدم الإدارة المشتركة إيرادات مبيعات الوقود لتدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.
مقترح الحوثيين يشبه من عدة أوجه اتفاق ستوكهولم الذي وضع لمنع حدوث معركة للسيطرة على مدينة الحديدة في ديسمبر 2018. فصّل ذلك الاتفاق صفقة لوضع ترتيبات أمنية مشتركة وإدارة مشتركة للإيرادات. إضافة إلى وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة وحولها. لكن الاتفاق يبقى غير منفذ إلى حد بعيد، حيث يختلف الحوثيون والحكومة بشكل متكرر حول مسائل تتعلق بمن يؤمّن المدينة وكيفية تحصيل إيرادات الميناء وتوزيعها. أما مبادرة مأرب فهي أكثر وضوحاً، من حيث أنها تنص على أن السلطات المدنية للحوثيين في صنعاء ستلعب دوراً قيادياً في إدارة مأرب.
مقترح الحوثيين يشبه من عدة أوجه اتفاق ستوكهولم الذي وضع لمنع حدوث معركة للسيطرة على مدينة الحديدة في ديسمبر 2018. فصّل ذلك الاتفاق صفقة لوضع ترتيبات أمنية مشتركة وإدارة مشتركة للإيرادات
يقول مؤيدون للحوثيين إنهم متأكدون من أن الطرف الآخر سيغير رأيه مع تضييق المتمردين طوقهم حول مأرب. ويقول زعماء قبليون وسكان إنهم يحضّرون لمعارك شوارع دموية في مدينة مأرب. ومن المؤكد أن مثل تلك المواجهة ستعمق أزمة النزوح الداخلي والأزمة الإنسانية في اليمن. في الحد الأدنى، ستترك مأرب محاصرة من كل الجهات.
فرِّق تَسُد
في جنوب غرب اليمن، يسعى الحوثيون إلى استغلال جملة من الانقسامات اليمنية – اليمنية. ففي محافظة أبين على سبيل المثال، تقاتل القوات المتحالفة مع الحكومة ضد الحوثيين وأيضاً ضد مقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي. بعد أن سيطر المجلس على عدن في أغسطس 2019، حاولت قواته السيطرة على أبين وشبوة. تفاوتت التوترات بين الحكومة والمجلس بين مد وجزر منذ توسطت السعودية في اتفاق بين الطرفين لإنهاء القتال في نوفمبر 2019، ما عُرف باتفاق الرياض. الذي لم ينفذه أي من الطرفين بشكل كامل.
ضخّم الحوثيون التوترات بين المجلس الانتقالي والحكومة في بياناتهم. فانضموا إلى المجلس في وصف القوات الموالية للحكومة بأنها جزء من قوات الإصلاح أو القاعدة. الإصلاح هو الحزب السياسي الإسلامي السني الرئيسي في يمن ما قبل الحرب، الذي لعبت شبكاته العسكرية والقبلية دوراً محورياً في تعزيز صفوف القوات المعادية للحوثيين في مأرب، وشبوة، وأبين وتعز.
إحباط دولي
جاء الرد الدولي على الأحداث في البيضاء خافتاً. فحتى أواخر سبتمبر، كان كثير من المسؤولين الغربيين يعتقدون أن فشل الحوثيين في دخول مدينة مأرب بعد سنة ونصف السنة من المحاولة يعني أن الصراع برمّته وصل إلى طريق مسدود. ويقول مسؤولون غربيون إنهم ينتظرون ليروا الكيفية التي سيقارب بها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مهامه. الدبلوماسي السويدي هانز غروندبيرغ، الذي بدأ عمله في 5 سبتمبر، أي قبل أقل من أسبوعين من تعزيز الحوثيين قواتهم في البيضاء، ورث مفاوضات متوقفة على مبادرة من أربع نقاط اقترحها سلفه، مارتن غريفيث لتفادي وقوع معركة للسيطرة على مأرب.
تشير الأحداث إلى إحباط القوى الدولية بدلاً من بعث النشاط في مقاربتها. وأثر الولايات المتحدة كبير على الصراع لكن من غير المرجح أن تتخذ إجراءات جديدة فعالة لتغيير مساره. وكان المسؤولون اليمنيون والسعوديون يأملون بإمكانية إقناع واشتطن بأن الدعم الجوي في مأرب ذو طبيعة دفاعية لا هجومية. لكن بات من الواضح أن إدارة بايدن، متشككة بشكل عام في الفائدة من الانخراط العسكري الأمريكي الواسع في اليمن.
وعلّق بعض المراقبين اليمنيين آمالهم في إنهاء القتال على النقاشات السعودية – الإيرانية التي جرت بوساطة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. والتي عقدت أحدث جولاتها في 21 سبتمبر، وعلى محادثات سرية بين السعوديين والحوثيين، خاصة تلك التي تجري بوساطة عُمانية.
وتكهنت تقارير دولية بأن الحرب في اليمن أوشكت على النهاية، بعد مناقشة المسؤولين السعوديين والإيرانيين قضية اليمن خلال محادثاتهم. لكن المسؤولين الحوثيين والإيرانيين على حد سواء يصرون على أن طهران لا تتمتع بسلطة الفيتو على صنع القرار الحوثي. إضافة إلى ذلك، ومع رؤية نصر يلوح في الأفق في مأرب من شأنه أن يعزز موقف الحوثيين بشكل كبير. فإن إيران لن تدفع الحوثيين للتفاوض على نهاية للصراع الآن وليس لاحقاً، حيث يحققون سيطرة كاملة على شمال اليمن.
بداية نهاية اللعبة؟
في حين أن نهاية تلوح في أفق الحرب للسيطرة على شمال اليمن، فإن انتصار الحوثيين لا يعني نهاية للحرب برمتها. بدلاً من ذلك، قد يكون اليمن على شفا مرحلة جديدة أكثر دموية وأكثر طائفية في الصراع، مع توسيع الحوثيين سيطرتهم جنوباً ومقاومة خصومهم، بدعم سعودي أو إقليمي آخر أو بدونه.
لذلك فإنّ مبعوث الأمم المتحدة الجديد يواجه قدراً هائلاً من الصعوبات. إذا سيطر الحوثيون على مأرب خلال أيامه الأولى في المنصب، فإن الأمم المتحدة والقوى الرئيسية الضالعة من المرجح أن تفقد ما بقي من مصداقيتها كجهات فاعلة قادرة على إنهاء الصراع. تحدٍ آخر يتمثل في أن غروندبيرغ يفتقر إلى إطار واقعي للمحادثات السياسية. حتى لو تمكن من التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
إذا كان انحدار اليمن إلى انهيار اقتصادي أمر لا يمكن وقفه، فإن الاقتتال اليمني الداخلي قد يصبح قريباً فوضوياً إلى درجة تجعل مقاربة سياسية متماسكة غير قابلة للتطبيق.
لكن إذا توصل المبعوث الأممي لاتفاق بوقف إطلاق النار، يمكنه أن يحاول إقناع الطرفين بثلاثة أشياء:
أولاً: مزايا منع حصول معركة للسيطرة على المدينة تفوق تكاليف اكتساب الحوثيين للسيطرة الإدارية على المحافظة.
ثانياً: إذا رفض هادي والسعودية مقترح الحوثيين، ينبغي على مبعوث الأمم المتحدة أن يضغط عليهم لتقديم عرض مقابل.
ثالثاً: يمكن لغروندبيرغ أن يشجع الحكومة والسعودية على رفع حظر الوقود الذي تفرضه على الحديدة دون التخلي عن السيادة على الميناء.