قدمت الحكومة مؤخرًا مشروع قانون جديد تستهدف به معالجة أوضاع المسنين في مصر، التي تأتي في تصنيف متأخر بين الدول التي توفر ظروف عيش جيدة لهذه الفئة من المواطنين. وقد وافق مجلس الوزراء -في اجتماعات سابقة- على هذا المشروع. ومن المقرر مناقشته في دور الانعقاد الثاني لمجلس النواب. بعد أن ناقشت لجنة التضامن الاجتماعي بالبرلمان مسودته في دور الانعقاد السابق، ووافقت عليه من حيث المبدأ.
ما هي أهم مواد مشروع قانون رعاية المسنين؟
مشروع القانون الجديد يتضمن عددًا من الامتيازات تمنح الحماية والرعاية الطبية والمجتمعية اللازمة لمن تخطوا سن 65 عامًا. وتشمل تيسير إنشاء أندية خاصة لكبار السن. فضلاً عن إلزام الدولة بتيسير الرعاية المناسبة لهذه الفئة في كل أماكن الاحتجاز والسجون، ووفق القوانين والنظم المعمول بها.
كما يتضمن مشروع القانون الجديد إعفاءً للمسنين من الضريبة الجمركية للتجهيزات والمعدات الطبية، ومختلف وسائل المساعدة. بالإضافة إلى الإعفاء من الرسوم القضائية في المحاكم بمختلف درجاتها.
وفيما يتعلق بالسكن، خوَّل مشروع القانون الجديد للجهة الإدارية تخصيص نسبة لا تقل عن 5% من المساكن التي تنشئها الدولة أو المدعمة منها للمسنين. وخاصة غير القادرين والمستوفين لضوابط ضمن اللائحة التنفيذية للقانون.
يبلغ عدد المسنين في مصر قرابة 7 ملايين، بنسبة 7.1% من إجمالي السكان، وفق إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في الأول من يناير 2020. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 17.9% عام 2052.
على من تؤول أولوية رعاية المسنين؟
أيضًا، حدد مشروع القانون على من تؤول أولوية رعاية المسن. إذ حددها بداية بالأسرة، ويتولاها كل من الزوج أو الزوجة طالما كانا قادرين على أدائها. ثم تنتقل إلى أحد أفراد الأسرة من الأولاد فأولاد الأولاد والأخوة. وإذا تعدد أفراد الأسرة اختاروا من بينهم من يتولى رعاية المسن.
أما إذا لم يتم الاتفاق بين الأفراد الملزمين برعاية المسن، ولم يتقدم أحد من أقاربه لرعايته، فقد ألزم مشروع القانون الوزارة المختصة برفع الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة المختصة ليصدر أمرًا على عريضة بتكليف من يتولى من الأقارب المشار إليهم أو من غيرهم برعاية المسن، أو تقرير إقامته في إحدى دور الرعاية الاجتماعية، بحسب كل حالة وظروفها. وقد حددت اللائحة التنفيذية ضوابط وشروطًا لتعيين المكلف بالرعاية وأحوال إلغاء هذا التكليف.
وتضمن مشروع القانون في تعديلاته إلزام الأقارب برعاية من تجاوز 65 عامًا، والإنفاق عليه من أموالهم.
كذلك، كان من بين أحد أهم الحقوق التي حرص المشرع على تقديمها لكبار السن، هو إقرار حق المسن الذي لا يقدر على تحمل نفقاته أو أهله، في الحصول على معاش له أو المكلف برعايته. وكذلك ضم كل الأشخاص غير المستفيدين من خدمات تأمين صحية تحت مظلة التأمين الصحي الشامل. مع إلزام الدولة بإدراج حقوق واحتياجات المسنين في برامج وسياسات مكافحة الفقر والحد منه.
الحق في وسائل النقل المخفضة
وقد أتاح مشروع القانون للمسن ومساعده الحق في استخدام وسائل النقل العام، بتخفيض نسبته لا تقل عن 50% من قيمتها المدفوعة. كما أجاز للمسن الحصول على خصم 25% على خطوط الطيران الداخلية، وخطوط السكك الحديدية، وذلك لشخصه وبحد أقصى مرتين في السنة.
حرية الإقامة وعقوبات المساس بحياة المسنين
إلى ذلك، اهتم مشروع القانون الجديد بعدم إجبار المسنين على الإقامة بدور الرعاية دون رضاهم. وفرض عقوبات تتراوح ما بين الحبس وغرامة لكل من يعرض حياة مسن للخطر.
ووجه مشروع القانون بضرورة إنشاء مؤسسات رعاية اجتماعية بمستويات اقتصادية مختلفة. وذلك سواء من خلال الوزارة المختصة أو الجمعيات والمؤسسات الأهلية أو الأشخاص الطبيعية أو القطاع الخاص، بعد سداد رسم لا يتجاوز 100 ألف جنيه لإصدار التراخيص.
كما أكد مشروع القانون على تمكين المسنين من ممارسة الحق في التعليم والتعلم والعمل.
وفقًا لبيانات مسح القوى العاملة 2019، بلغت نسبة الأمية بين المسنين 56.5% عام 2019 لتتضمن 43.8% ذكور و70.6% إناث. بينما ارتفعت نسبة الحاصلين على مؤهل جامعي فأعلى بين المسنين من 8.9% عام 2018 إلى 10.3% عام 2019 (14.02% ذكور، 6.2% إناث).
ووجه أيضًا بضرورة أن ينشأ بوزارة التضامن الاجتماعي صندوق يسمى «صندوق رعاية المسنين». على أن تكون له الشخصية الاعتبارية العامة، ويتبع الوزارة المختصة، ويكون تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء. ويجوز لمجلس إدارة هذا الصندوق إنشاء فروع أخرى له في المحافظات.
آراء حول مشروع قانون رعاية المسنين
لم يكن مشروع القانون المقدم من الحكومة هذا الوحيد. إذ سبق وناقشت لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب مشروع قانون حقوق المسنين في مارس الماضي. وقد تقدم به النائب عبد الهادي القصبي. ووافقت اللجنة على مشروع القانون. على أن تتم مناقشته مرة أخرى، بعد دمجه مع مشروع قانون الحكومة ليكون هناك مشروع قانون واحد يتم التصويت عليه.
هذا التوجه والاهتمام الأخير بفئة المسنين في مصر قال عنه الدكتور عبد الهادي القصبي، رئيس لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوي الإعاقة بمجلس النواب، إنه يؤسس «لأن تكون الدولة المصرية حقوقية»، على حد قوله. بينما أشار إلى أن قانون رعاية المسنين يهم الشارع المصري وله أبعاد اجتماعية واقتصادية.
ويشير القصبي إلى أن القانون قسم المسنين إلى قسمين؛ الأول عادي وثاني معوز. بينما منح مزايا من أجل رعاية المسنين، أبرزها إصدار بطاقة للمسن المعوز لكفالته. وهو مستند رسمي يصدر عن الوزارة لإثبات استحقاق صاحبه للخدمات المقدمة لهذه الفئة.
مشروع القانون الجديد يأتي شاملاً للمسنين المصريين والأجانب المقيمين في مصر. لذا فإن هناك ضرورة حتمية لحصر أعداد المسنين، خاصة من هم خارج منظومة المعاشات وتكافل وكرامة، لأنهم الأجدر بالرعاية، كما ترى النائبة عزة حسين عضو مجلس النواب ولجنة التضامن الاجتماعي.
خبيرة علم الاجتماع سامية خضر أشادت بشروع القانون الجديد، فقالت إن إلزامية رعاية المسن التي فرضها المشروع الجديد هي الأقوى في تنظيم تلك العلاقة. وذلك في حال تجاهل المجتمعات للتقاليد والأعراف التي تتبنى احترام الكبير.
وتشير خضر إلى ضرورة أن تكون لدى مصر منظومة متكاملة في كيفية التعامل مع المسنين وتوفير الرعاية والراحة لهم، مستنكرة رفض عدد من دور المسنين بالترحيب بالمرضى منهم، والاتصال بذويهم لاستردادهم من الدار في حالة المرض.
أرقام عن أوضاع المسنين في مصر والعالم العربي
منظمة «HelpAge» المعنية بأوضاع المسنين عبر العالم، لم تختر في عام 2015 إلا أربع دول عربية في مؤشرها الخاص بظروف عيش المسنين. إذ حضرت دول المغرب والأردن والعراق وفلسطين من بين 96 دولة شملها هذا المؤشر الذي تصدرته سويسرا كأفضل دول العالم رعاية للمسنين، متبوعة بالنرويج، ثم السويد. بينما كانت المرتبة الأخيرة من نصيب أفغانستان.
أما الدول العربية، رصدت المنظمة 4 دول عربية جاءت في المراتب الأخيرة، يتقدمها المغرب في المركز 84، ثم الأردن في الـ85، وبعدها العراق في المركز الـ87، ثم الأراضي الفلسطينية في المركز الـ93، بينما غابت أغلب دول الخليج عن المؤشر وبقية دول شمال إفريقيا.
وبالنسبة للمغرب، فيوجد حوالي 3,3 مليون من فئة كبار السن، ولا يتمتع 90% من هذه الفئة على مستوى تعليمي،.وستنتقل نسبة المسنين حسب المؤشر إلى 23.4% عام 2030. أما بالأردن، فحوالي 400 ألف بلغت سن الشيخوخة، بينما يحصل حوالي 42% من شيوخه على المعاش. ومن المتوقع أن تصل نسبة المسنين فيه عام 2030 إلى 15,8 في المئة.
وما يميز مشروع القانون المصري الجديد أنه تضمن أغلب مزايا وحقوق المسنين، كما فعلت الدول الأخرى. ففي تونس وفي العام 1994، أقر البرلمان التونسي أول قانون يتعلق بحماية المسنين. وفرض هذا القانون أن تتحمل الأسرة مسؤولية حماية أفرادها المسنين وتلبية احتياجاتهم، وتقوم الدولة عند الاقتضاء بمساعدة الأسرة على القيام بدورها في هذا المجال، كما تعمل على تطوير الخدمات الموجهة للمسنين وتسهيل اندماجهم في وسطهم العائلي والاجتماعي.
ويقوم القانون التونسي على مقاومة جميع أشكال التمييز والإقصاء من الوسط العائلي والاجتماعي. وقد كشفت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن التونسية نزيهة العبيدي -في تصريحات سابقة- أنها خلصت إلى ضرورة إحداث خطة لحماية كبار السن، ومنها إعفاؤهم من نصف التعريفة في وسائل النقل ومراكز الترفيه، وإدراج التوصيات في مجلة حماية كبار السن التي تحال إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليها.