عرفت البشرية في القرون القديمة السجون كوسيلة لردع الخارجين على القانون أو مرتكبي الجرائم. وهي عادةً أماكن يتم فيها احتجاز الأشخاص إلى أن يستكملوا عملية قانونية أو يقضون فترة محكوميتهم. وقد بدأ استخدام السجن كعقوبة مباشرة تفرضها المحكمة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في القرن الثامن عشر، وانتشر تدريجياً إلى معظم البلدان، وكثيراً ما كان ذلك نتيجة القمع الاستعماري.
وعلى مر السنوات بدأت المناقشات القوية ولا تزال تجري حول أغراض عقوبة السجن. وبحسب دراسات للأمم المتحدة فإن بعض المعلِّقين يحتجون بأن السجن لا ينبغي استخدامه إلا في غرض معاقبة المجرمين. ولكن يصر البعض الآخر على أن الغرض الأساسي هو ردع الأفراد الموجودين في السجن عن ارتكاب جرائم أخرى بعد إطلاق سراحهم. وكذلك ردع من تنزع نفسه إلى ارتكاب الجريمة.
وفي منظور آخر يتم إرسال الأشخاص إلى السجن لإصلاحهم أو إعادة تأهيلهم. ويعني ذلك أنهم سيدركون أثناء فترة بقائهم في السجن أن ارتكاب الجريمة عمل خاطئ، ويتعلمون مهارات تساعدهم على التزام القانون في حياهتم بعد إطلاق سراحهم.
أغراض عقوبة السجن
ومن الناحية العملية يتم تفسير أغراض عقوبة السجن على أساس هذه الأسباب كلها أو بعضها. وتتفاوت الأهمية النسبية لكل سبب حسب ظروف كل سجين على حدة. ولكن ظهر رأي آخر يزداد اتساعاً ويقول إن السجن هو حل أخير مكلِّف ولا ينبغي استعماله إلا إذا اتضح للمحكمة أنه ليس من الملائم تطبيق عقوبة غير احتجازية.
يقال إن المرء لا يعرف أمة ما من الأمم إلا إذا دخل سجونها. فالحكم على الأمم لا ينبغي أن يرتكز على معاملتها لموطنيها، ولكن على معاملتها لمن في المستويات الدنيا. (نيلسون مانديلا)
كأضعف الإيمان أمَّنت المواثيق الدولية حدوداً دنيا من معاملة السجناء، وكذلك وضع معايير إنسانية لمواصفات أماكن الاحتجاز. وتحمي الوثائق الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان حقوق السجناء، والتي منها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR). واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من أشكال العقوبة أو المعاملة أو العقوبة القاسية. وحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو العقاب، دون استثناء.
بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه “يجب معاملة جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم بإنسانية وباحترام للكرامة المتأصلة في الإنسان”. كما يتطلب أن يكون “الإصلاح وإعادة التكيف الاجتماعي للسجناء” هدفًا أساسيًا للسجن.
حقوق السجناء
وتبرز العديد من الوثائق الدولية الإضافية حقوق الإنسان للأشخاص المحرومين من الحرية، وتقدم إرشادات حول كيفية امتثال الحكومات للقانون الدولي. وأشمل هذه المبادئ التوجيهية هي قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعروفة باسم “القواعد النموذجية الدنيا”. والتي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في عام 1957.
لمطالعة قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء اضغط هنا
كما تشمل الوثائق الأخرى ذات الصلة بتقييم أوضاع السجون مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن. والمبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، وفيما يتعلق بالسجناء الأحداث، الحد الأدنى المعياري للأمم المتحدة. وهناك قواعد إدارة قضاء الأحداث (المعروفة باسم “قواعد بكين“). مثل القواعد النموذجية الدنيا (SMR)، وهذه الصكوك ملزمة للحكومات إلى حد أن المعايير المنصوص عليها فيها توضح المعايير الأوسع الواردة في معاهدات حقوق الإنسان.
تؤكد هذه الوثائق بوضوح مبدأ احتفاظ السجناء بحقوق الإنسان الأساسية. وأحدث هذه الوثائق، المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، التي تعلن: “باستثناء تلك القيود التي من الواضح أنها تقتضيها حقيقة السجن. يجب أن يحتفظ جميع السجناء بحقوق الإنسان والحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي العهد الدولي الخاص بالاقتصاد.
وفي عام 1992، أوضحت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن على الدول “التزامًا إيجابيًا تجاه الأشخاص المعرضين للخطر بشكل خاص بسبب وضعهم كأشخاص مسلوبي الحرية”. وقالت: لا يجوز تعريض الأشخاص المحرومين من حريتهم للتعذيب أوغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. بما في ذلك التجارب الطبية أو العلمية. كما لا يجوز إخضاعهم لأي مشقة أو قيد بخلاف ما ينتج عن ذلك من الحرمان من الحرية؛ يجب ضمان احترام كرامة هؤلاء الأشخاص في ظل نفس الشروط المطبقة على الأشخاص الأحرار.
بشكل ملحوظ، شددت لجنة حقوق الإنسان أيضًا على أن الالتزام بمعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم بكرامة وإنسانية هو قاعدة أساسية. وقابلة للتطبيق عالميًا، ولا تعتمد على الموارد المادية المتاحة للدولة.
معايير بناء السجون
للسجون معايير تخص اشتراطات بنائها وضع لها العديد من المتخصصين عوامل أساسية تخصها. والتي منها ما أوردته موسوعة بريتانيكيا عن تعريف وتاريخ السجون. والتي اعتبرت أن اختيار الموقع واحد من أهمّ الأمور التي يجب أن تؤخذ في الحسبان. إذ إنّ موقع السجن يجب أن يكون متصلاً مع باقي الأماكن التي تتمّ فيها عمليّات نظام العدالة الجنائيّة. كما يجب أن يكون مريحا وسهلا بالنسبة للموظفين والزوار معا.
ويتمّ اختيار موقع السجن بناءً على ثلاثة معايير رئيسيّة، منها اختيار مساحة الموقع نسبة للاحتياجات التي يجب توفيرها في السجن. حيث تُحدَّد المساحة المطلوبة للبناء حسب السعة المتوقعة للسجن، والمساحة المطلوبة للأنشطة الخارجيّة كمواقف السيارات، وساحات الأنشطة، وطرق الوصول، وغيرها. وقد تشكّل العناصر المعمارية الخارجية (كالساحات الخارجية) ما نسبته 80% من المساحة الكلية للسجن.
وكذلك الموقع، إذ يفضّل أن يكون الموقع قريباً أو ذا وسيلة وصول سهلة إلى بعض المباني المتعلقة بالسجن كالمحكمة. وألّا يكون قريباً من المناطق السكنيّة، فيمكن وضعه في مناطق حكومية أو في مناطق صناعية. كما أنّ وضع السجن في منطقة ذات ضجيجٍ مرتفعٍ تقلّل من السيطرة على وسائل المراقبة السمعيّة فتزيد حالات الهروب.
التصاميم الداخلية
أما في التصميم الداخلي فتنص المبادئ والمعايير الدولية على التقيد بتوفير ظروف معيشية للسجناء تحفظ كرامتهم. ولا تؤدي لزيادة معاناتهم وتؤثّر سلباً على صحتهم. والتي منها المعايير البيئية مثل الحفاظ على التهوية، حيث يجب أن تكون نسبة التهوية 4% من المساحة الكليّة للغرفة. ولا تشمل هذه النسبة مساحة الأبواب والمناطق المحميّة بالقضبان. وتوفّر ما مقداره 0.1-1.4 متراً مكعباً من الهواء في الدقيقة للشخص الواحد.
كذلك توفير الإضاءة، حيث ينبغي توفير ضوء طبيعي كافٍ لغرف السجن، حيث تكون مساحة الإضاءة 8% من المساحة الكليّة للغرفة. وأن تصل الإضاءة لعمقٍ يصل إلى ضعفي المسافة من الأرض إلى أعلى النافذة. وأن يكون ارتفاع النافذة يسمح للسجين بأن ينظر عبرها.
كما يجب أن تكون درجات الحرارة 15-25 درجة مئوية للمناخ المعتدل، و20-30 درجة مئوية للمناخ الدافئ. وذلك بوضع مواد عزل للمبنى، وزيادة نسبة منطقة التهوية من المساحة الكليّة للغرفة.
وفي المناطق الحارة يجب تصميم السقف مرتفعاً لزيادة التهوية. ويمكن عمل فتحة في السقف أو تركيب حواجز حرارية مشعة داخل فراغ السطح. أما المناطق الباردة فيجب عزل المبنى جيّداً لتقليل تكلفة التدفئة.
وحول غرف السجناء فبالنسبة للغرف التي تخص شخصا واحدا، فيجب أن تكون مساحتها 5.4 أمتار مربّعة. أما الغرف المزدوجة فتكون مساحتها 3.4 أمتار مربّعة للشخص الواحد، فضلا عن العنابر وهي التي تضمّ مجموعةً من السجناء. وينبغي أن توفّر مساحة 3.4 أمتار مربّعة للشخص الواحد في حالة استخدام الأسرّة المفردة. ومساحة 2.6 مترا مربّعا للشخص الواحد في حالة استخدام الأسرّة الطابقيّة المزدوجة. ومساحة 2.3 متر مربّع للشخص الواحد عند استخدام الأسرّة الطابقيّة الثلاثيّة.
في المرافق الصحية يفضل عمل مرحاض لكل زنزانة في السجن. أما إذا كانَ ذلكَ صعبَاً فيجب توفير حمام واحد على الأقلّ لكل 25 سجينا. أما مرافق الاستحمام فتكون خارج الزنازين، ويجب توفير مرفق استحمام على الأقل لكل 50 سجينا.
أشهر السجون في العالم
منذ إنشاء السجون اشتهر بعضها بسبب سوء المعاملة، والآخر بسبب بعض الأحداث التاريخية والسياسية، وربما لأسباب تتعلق بشهرة قاطنيها ومنها على سبيل المثال:
سجن الباستيل
وهو سجن فرنسي يعد من السجون الأشهر في التاريخ، إذ كان قديمًا قلعة تم تحويله مع الوقت إلى سجن. وأول سجين دخل هذا السجن هو المهندس المعماري الذي قام ببنائه، فقد تم اتهامه بأنه يقوم بتدنيس المقدسات الدينية. ودخل هذا السجن عدد كبير من السجناء. ومن أشهر زواره فولتير، وهو كاتب وفيلسوف فرنسي وكان يتميز بنقده الساخر. وقد قام بتدميره الثوار الفرنسيون كما يتم الاحتفال سنويا بتدميره في يوم 14 يوليو من كل عام.
سجن جزيرة ألكتراز
يعتبر سجن جزيرة ألكتراز من السجون الأكثر شهرة فى العالم، ويقع في ولاية كاليفورنيا، وهو من أكثر السجون غرابة. ويعرف هذا السجن أيضا باسم “روك”، وظهر في العديد من الأفلام المختلفة. ويقع في وسط خليج سان فرانسيسكو، حيث كان بمثابة منارة وحصن عسكري، ثم أخيرا سجن اتحادي في عام 1963. وخلال 29 عاما منذ بنائه لم يكن بإمكان أي سجين أن يهرب من هذا السجن، لأنه محاط بالماء.
سجن سيريسو تشيتومال
يعتبر سجن سيريسو من السجون الأكثر شهرة في العالم، ويقع في المكسيك. والسجناء يحلون جميع مشاكلهم من خلال ممارسة الملاكمة. والشيء المثير للاهتمام هو أن السجن لم يشهد أي عنف. وعلاوة على ذلك، يوجد داخله برامج فنية ممتازة لتدريب السجناء وتعليمهم، ويمكنهم بعد ذلك بيع عملهم للسياح.
سجن جزيرة باستوي
ويقع هذا السجن في النرويج، وهو عبارة عن جزيرة، وهو أيضًا موطن للمجرمين سيئي السمعة. ويستخدم فى السجن الألواح الشمسية لإنتاج الطاقة، ويتم طهي معظم المكونات الغذائية في السجن بهذه الألواح. وخفضت هذه الألواح الشمسية احتياجات الكهرباء بنسبة 70%.
سجن أرانجويز
يعتبر من السجون الأكثر شهرة في العالم ويقع في إسبانيا، بإمكان السجناء أن يقضوا بعض الوقت مع أسرتهم. ويحتوى على مشاتل وملاعب للأطفال، وصور ديزني مرسومة في جميع أنحاء الجدران. والفكرة الكامنة وراء ذلك هو ربط الأطفال بوالديهم المسجونين، وعدم منحهم الانطباع بأن والديهم في السجن. ويوجد حوالى 36 زنزانة للعائلات. كما أن هناك غرف تعرف باسم الخلايا الخمس نجوم وتكون نظيفة جدا.
سجن سان بيدرو
سان بيدرو يعتبر من أغرب وأشهر السجون في العالم، حيث يقوم السجناء بشراء زنزاناتهم. وهو الأكبر فى مدينة بوليفيا، ويمكن أن يشغله حوالى 1500 سجين. ويوجد حوله أسواق ومطاعم وفنادق، ولا توجد قضبان معدنية على النوافذ، ولن تجد أي حراس أو على الأقل يتواجدون ولكن ليس بالزى الرسمى. ويقول أحد السجناء: “إذا كان لديك مال يمكنك أن تعيش مثل الملك فى هذا السجن”، ويمكنك شراء أجمل أماكن الإقامة وغيرها من الخدمات.
سجن كوانج بانج
يقع في تايلاند وهو قريب من العاصمة التايلندية بانكوك، ويضم عددا كبيرا من السجناء الأجانب المحكومين لمدة تزيد على 25 عاماً. ويلزم السجناء بارتداء الأصفاد والأغلال خلال الأشهر الثلاثة الأولى من فترة عقوبتهم. وبالنسبة للمحكومين بالإعدام فعليهم ارتداء أصفاد ملحومة على أرجلهم. ولا تقدم للسجناء سوى وجبة طعام واحدة في اليوم، وهو من الأسوء عالميا.
سجن لاسابانيتا
يعتبر من أسوأ السجون في العالم، حيث تتفشى فيه الأمراض بسبب الاكتظاظ وسوء النظافة. والعديد من السجناء الموجودين فيه هم ضحية فساد يحكم السجن، إذ يعامل السجناء بأفضلية لمن يدفع أكثر. وخلال عام 2019 أطاحت الكوليرا بحوالي 700 سجين مرة واحدة. ونتيجة لأن كل 150 سجينًا يتقدمهم حارس واحد تحدث العديد من جرائم العنف داخله.