استغلت مصر فعاليات “أسبوع القاهرة للمياه” وطرحت أمام المجتمع الدولي جملة من الحقائق بشأن سد النهضة، ومعايير الأمان، وكيفية إدارته، والنقاط الخلافية مع إثيوبيا، بيد أن التطورات التي تشهدها السودان خلال الأيام الأخيرة تزيد الملف غموضًا، بحيث ليس من المعروف إن كانت المفاوضات التي كانت منتظرة قريبًا ستخضع لإعادة تقييم أم تشهد تطورًا إيجابيا.
مصر تشكك في أمان السد.. وتدرس احتمالية انهياره
على المستوى الرسمي شككت مصر في معاملات الأمان لسد النهضة، وقالت إنها تضع في الحسبان احتمالية انهياره. وهي التنبؤات التي ترددت خلال الفترة الأخيرة على لسان خبراء ومختصين في السدود والمياه، لكن وزير الري محمد عبد العاطي نقلها على المستوى الرسمي بقوله في بيان للوزارة، الجمعة، إن “دراسات حديثة تطرح العديد من علامات الاستفهام حول أمان سد النهضة”.
وأشار عبد العاطي، في الجلسة العامة الثالثة ضمن فعاليات “أسبوع القاهرة للمياه” الذي انطلقت فعالياته الاثنين حتى الخميس، إلى أن وزارة الري تعمل على كافة الاحتمالات الخاصة بسد النهضة، ومنها احتمال انهيار السد، وذلك من خلال إنشاء بنية تحتية حول السد العالي في أسوان تستطيع استيعاب كميات كبيرة من المياه تصل إلى بحيرة ناصر في وقت قصير.
مصر تخطط لأن تصبح أكبر دولة في العالم تعيد استخدام المياه
وقال إن الدولة تستهدف لأن تصبح “أكبر دولة في العالم تعيد استخدام المياه، بنسبة 40%” عقب الانتهاء من مشروع “إعادة استخدام المياه لري أراضي الدلتا الجديدة” في غرب الدلتا، مشيراً إلى أن المنطقة الشرقية تعيد حالياً استخدام مياه الصرف الزراعي التي كانت تلقى في البحر لتصل سيناء “وهي مشكلة تم تحويلها إلى فرصة”. كما لفت إلى أن مصر تعيد استخدام 33% من المياه.
مصر تعيد استخدام 33% من المياه حاليا وتخطط للوصول بالنسبة إلى 40% باعتبارها الأكبر في العالم
واعتبر أن هذين المشروعين “يعملان كستارة مياه تمنع وصول مياه البحر المتوسط والأحمر المالحة إلى دلتا نهر النيل، وهو ما يحمي الخزان الجوفي في الدلتا”. وأضاف وزير الري أن “الوزارة تتحكم في كل نقطة مياه من خلال الشبكة الموجودة على نهر النيل والترع الكبرى”، كما “يتم الحفاظ على كل نقطة مياه تقع من خلال الأمطار، ويتم إعادة شحن الخزان الجوفي من خلال السدود في المناطق الجبلية”، وهو أمر يستفيد منه البدو في الزراعة والري والاستخدامات المنزلية.
وأكد أهمية وجود بنية تحتية واستثمارات للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه توفير المياه من زيادة سكانية وتغيرات مناخ، فضلاً عن الوعي العام عند الشعوب، مشيراً إلى وجود تحديات كبيرة تواجه مصر في إدارة المياه. وقال إنه يتم عمل اتزان بين زيادة ونقص المياه، لافتاً إلى ارتفاع منسوب سطح البحر وتأثيره على المناطق المنخفضة في الدلتا، ولذلك تم تنفيذ مشروعات لحماية الدلتا عن طريق حماية الشواطئ على سبيل المثال.
أكبر مشروع في العالم لإعادة تأهيل الترع
وتابع عبد العاطي أن الوزارة تقوم بتنفيذ خطة طموحة للتحكم في الآبار الجوفية عن بعد، وهو ما يحافظ على استدامتها. كما أنه يتم العمل على تطبيق نظام المحاسبة المائية، بحيث يتم قياس المياه واستخداماتها من لحظة إطلاقها وحتى استخدامها. وأوضح أن تلوث الترع له تأثيرات بيئية كبيرة على الصحة والبيئة والناس، لذا فقد بدأت الحكومة في تنفيذ مشروع تبطين الترع، وهو أكبر مشروع على مستوى العالم لإعادة تأهيل الترع يحدث في العصر الحديث، حيث يجري تبطين 20 ألف كيلومتر من الترع لأول مرة في تاريخ مصر، وهو مشروع يحقق العدالة في توزيع المياه، بحسب الوزير.
وتابع أن الرؤية العامة للدولة هي تحقيق الأمن المائي عن طريق عدة عوامل، مثل تحسين المياه وتحسين كفاءتها عن طريق مشروعات تحسين الري وتقليل الهدر وتنمية موارد مائية جديدة كتحلية المياه، مؤكداً أن الري الذكي والبحث والتطوير في إدارة الموارد المائية من أهم العوامل لتحسين المياه.
خبير: الأقمار الصناعية تكشف هبوطًا أرضيًا قرب سد النهضة
المعلومات المصرية الرسمية تزامنت مع معلومات طرحها أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض بجامعة تشابمان الأمريكية هشام العسكري، بشأن المخاطر المحيطة بسد النهضة، نتيجة تباين هبوط القشرة الأرضية أسفل جسد السد.
وقال العسكري، خلال كلمته بالجلسة العامة الخامسة في أسبوع القاهرة الرابع للمياه، إن فريق بحثي يضم الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري أخرج دراسة هامة حول استخدام تكنولوجيا الرادار عبر الأقمار الاصطناعية في دراسة لرصد تحرك القشرة الأرضية رأسيًا أو افقيًا في منطقة تشييد سد النهضة.
وأكد أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض، أن مشروع سد النهضة يتكون من إنشائيين الأول هو جسد السد الخرساني وآخر صخري والمعروف بسد السرج الذي رفع من قدرة التخزين خلف السد الخرساني بشكل كبير وقد يكون خطيرًا جدًا على القشرة الأرضية في تلك المنطقة التي يحيط بها مناطق تعاني من تشققات وتصدعات أرضية.
مناطق ضعيفة أسفل البناء الحالي للسد
ولفت إلى أن استخدام الأشعة المدارية المخلقة المسماة اختصارًا (سار) تمكنت من إمدادنا بمعلومات كثيرة ومختلفة حول تباين في معدلات هبوط وارتفاع الأرض في منطقة إنشاء سد النهضة في الفترة من 2017 وحتى 2021. وتابع: “هناك اختلاف واضح في ارتفاع الأرض بين القطاع الشرقي والغربي للسد، ووجود اختلاف في الخصائص الجيولوجية في منطقة تشييد السد، إلى جانب وجود مناطق ضعيفة أسفل البناء الحالي للسد”.
وعرض “العسكري”، خلال الجلسة صورًا للأقمار الاصطناعية ترصد هبوط رأسي مستمر في إحدى نقاط سد النهضة، بالتزامن مع الملء الأول، وهو ما دلل عليه بظهور موجات من المياه عند حافة الجسد الخرساني لسد النهضة ورصدت الأشعة المدارية اختلاف في حركة المياه عند تلك المنطقة. وأشار إلى أن نتائج الدراسة تعني فقط بحالة الأرض وحركتها أسفل جسد سدي النهضة والسرج ولا تتطرق إلى الانشاءات الهندسية التي لا تتناولها الدراسة ولا يتخصص فيها القائمين عليها.
كما رصدت الدراسة، تلوث المياه في بحيرة سد النهضة بسبب الغطاء الأخضر وهو ما أظهرته صور الأقمار الاصطناعية عبر الأشعة المدارية التي لديها قدرة كبيرة على اختراق الأرض وامددنا بنتائج متنوعة ومختلفة.
شراقي: احتمالات انهيار “سد النهضة” واردة
الأمر نفسه أكده أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي بقوله إن انهيار سد النهضة سيشكل خطرا على دولة السودان، وستصل المخاطر إلى السد العالي في مصر.
وأضاف شراقي، عبر فضائية “TeN”، أن “مخاطر انهيار سد النهضة كبيرة”، وأشار إلى أنه في حال انهيار السد “سيكون فناء للشعب السوداني الذي يعيش على النيل الأزرق، ولن يتضرر إثيوبي واحد”. وأوضح أن “المخاطر المحتملة لانهيار سد النهضة تتوقف على توقيت انهياره وسعة ملء سد النهضة، وأيضا سعة ملء السد العالي” ولفت إلى أن السد يبعد 2000 كيلو متر عن السد العالي.
وقال شراقي إن “السد العالي قادر على تخزين 162 مليار متر مكعب، وفيه مفيض يمكن توسعته لتمرير مليار متر مكعب، حيث إن لدينا قناة جانبية للسد العالي لم يتم استخدامها حتى الآن”. وأشار إلى أنه يتم الآن دراسة تطوير “مفيض توشكى، والاستفادة من هذه المياه في المنخفضات”، وأن “مخاطر انهيار سد النهضة في ظل غياب المعلومات الكافية لا تزال قائمة”.
عرض مصري لإثيوبيا
أعلن وزير الري محمد عبد العاطي، أن مصر عرضت على إثيوبيا العديد من السيناريوهات التي تضمن قدرة السد على توليد الكهرباء بنسبة تصل إلى 85% في أقصى حالات الجفاف.
وأشار عبد العاطي خلال جلسة عن “الأمن المائي في إطار تغير المناخ” على هامش مؤتمر التغيرات المناخية COP26، إلى أن التغيرات المناخية تزيد من صعوبة الوضع في إدارة المياه في مصر وتجعلها شديدة الحساسية تجاه أي مشروعات أحادية يتم تنفيذها في دول حوض النيل.
وطالب وزير الري بأهمية مراعاة البعد العابر للحدود في إقامة المشروعات التنموية بدول منابع النيل، مؤكدا أن مصر عرضت على إثيوبيا العديد من السيناريوهات التي تضمن قدرة سد النهضة على توليد الكهرباء بنسبة تصل إلى 85% في أقصى حالات الجفاف.
ولفت إلى أنه لا يوجد اتفاق قانوني عادل وملزم، وإدارة السد بشكل منفرد وإصدار بيانات مغلوطة تسبب في حدوث أضرار كبيرة على دولتي المصب، حيث تتكلف دول المصب مبالغ ضخمة تقدر بمليارات الدولارات لمحاولة تخفيف الآثار السلبية الناتجة عن هذه الاجراءات الأحادية.
مسؤولة أوروبا في القاهرة الأسبوع المقبل لمناقشة الأزمة
قال سفير الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، كريستيان بيرجر، إن هناك حاجة للتوصل لاتفاق بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا لأنه أمر أساسي وضروري ولا مفر منه من أجل مصلحة دول حوض النيل.
وأضاف: “هذا هو موقفنا منذ البداية ونحن ندعم المشاورات والتفاوض من خلال الممثلة الخاصة بالاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي المعينة حديثا والتي ستزور مصر الأسبوع القادم”.
وأكد أهمية الدور المحوري الذي تلعبه مصر في كل القضايا التي تخص المنطقة والعمل من أجل الوصول لحل النزاعات القائمة، مشيرا إلى أن هناك تنسيقا مستمرا بين الجانبين المصري والأوروبي في هذا الإطار.
ولفت إلى أهمية أسبوع المياه الذي استضافته مصر وأهمية تنمية الوعي للحفاظ على المياه، ذاكرا أن الاتحاد الأوروبي أسهم بنحو 250 مليون يورو لدعم قطاع المياه في مصر نظرا لأهميته في تعزيز استقرار الاقتصاد المصري.
انقلاب السودان.. عقبة جديدة أمام مفاوضات سهد النهضة
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، الخميس، إن الخرطوم تحترم قرار الاتحاد الإفريقي القاضي بتعليق عضوية السودان، على خلفية الأحداث الأخيرة، مشيرا إلى الاتحاد هو المخول بالبت في مصير مفاوضات سد النهضة المتعثرة.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية: “مستعدون للعودة لمفاوضات سد النهضة إذا قرر الاتحاد الإفريقي استئنافها، وإذا قرر الاتحاد الإفريقي تعليق المفاوضات بسبب تعليق عضوية السودان فنحن ملتزمون”. وتابع: “وجود السودان في مفاوضات سد النهضة مهم، لكننا نلتزم بما يقرره الاتحاد”.
وكان الاتحاد الإفريقي أعلن، الأربعاء، تعليق مشاركة السودان في جميع الأنشطة حتى عودة السلطة التي يقودها المدنيون، وهي خطوة تعني ضغطا سياسيا من جانب الاتحاد، إذ إنه يمنع الخرطوم من المشاركة في اجتماعات المنظمة القارية.
ويشرف الاتحاد الإفريقي حاليا على مفاوضات سد النهضة التي تجمع إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى. ويفترض أن يمنع حضور السودان أي مفاوضات تحت مظلة الاتحاد بسبب قرار التجميع، ما لم يصدر قرار بعكس ذلك.