في العام 2015 شكلت المملكة العربية السعودية رفقة جيرانها الخليجيين تحالفًا أطلقت عليه صفة عربية، وضعت على رأس أهدافه إعادة الشرعية اليمنية إلى صنعائها، وتمكين حكومةٍ فرّت لتوِّها إلى الرياض تحت وطأة حصار جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا، في حرب مفتوحة.
ست سنوات كانت كفيلة بإفراغ هذا التحالف من مكوناته حتى بات سعوديًا خالصًا، يتقاذف “اليمن الجريح” مع منافسه الإماراتي. تحوّلت إزاءه الأزمة السياسية إلى واحدة من أكثر المآسي الإنسانية في القرن الحالي، وفق إحصائيات للأمم المتحدة. فضلاً عن تحوّل كل شيء إلى نقيضه، فاليمن بات يمنيْن، تكاد تساوي مكوناته العسكرية عدد أقاليمه ومدنه، بموارد أصبحت في “جيوب أمراء الحرب”. انهار الجيش اليمني في الصراع بين الدولتين الخليجيتين، ولقي آلاف المدنيين مصرعهم، وشُرِّد الملايين، وتوطنت الأمراض والأوبئة على صنوفها أجساد اليمنيين الهزيلة. وفقَدَ البلد الكريم هويته، وأصبحت نخبته تتفاخر بلهجتها الخليجية، ولباسها غير المعهود، يتسابقون على فنادق الرياض وأبو ظبي، شُوّهت براءة الأطفال وهم يتعلمون “تعمير الكلاشنكوف” قبل تعلم الكلام.
الحرب العبثية
وبينما تركت الحرب، اليمن نسخة لا ينقصها أي تشوّه، ولم تترك في جسده موضعًا لمزيد من الرصاص، خرج واحد ممن يعترف دائمًا بأنه “صنيع الرياض”، بفضلها ورعايتها، ليرمي المملكة وأصدقائها الخليجيين بكل داء استوطن اليمن. أو هكذا قال الإعلامي اللبناني جورج قرداحي في لحظة صدق مع نفسه أو صدق مع أيديولوجيته، إن حرب اليمنية “عبثية”.
قرداحي، الذي أثار غضبًا واسعًا في دول الخليج، وصف الحملة العسكرية للتحالف المدعوم من السعودية في اليمن بـ”العدوان” ورأى أن الحوثيين “يدافعون عن أنفسهم”، ما أدى إلى سحب كل من السعودية والإمارات والبحرين والكويت سفراءهم من لبنان وطرد بعض تلك الدول سفراء لبنان لديها.
بتجاوز المواقف السياسية: “نعم حرب اليمن عبثية يا جورج”. هذا ما تكشفه الأرقام والحقائق، التي لا تنتظر برنامجًا تلفزيونيًا، أو رأيًّا من مسؤول أو متابع. فهل للمجتمع الخليجي الغاضب من تصريحات جورج أن ينكر خسارة اليمن من الحرب الدائرة في بلادهم نحو 100 مليار دولار. أو أن حجم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية لا تزال تدور رحاها حتى اليوم. هل يتنكر أطراف الحرب في اليمن أن الهجمات الجوية وحدها دمرت 473 موقعًا سياحيًا وأثريًا في اليمن.
اقتصاد يئِن جراء الحرب
كان اليمن ذات يومٍ يُهيِّئ نفسه اقتصاديًا للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي وهو محمَّل بثقل ونفوذ، بفعل اكتشافات النفط والغاز، وتسجيل معدلات نمو قياسية بفضل تصنيف ائتماني جيد. لكنّ كل شيء انهار، والدولة التي كانت تجلس على الطاولة في الجهة المقابلة باعتبارها طرفًا تفاوضيًا، باتت تابعة، بمكوناتها السياسية ومواردها الاقتصادية.
كلفة الحرب
بلغ حجم الخسائر الاقتصادية التراكمية بسبب الحرب في اليمن حوالي 100 مليار دولار، وفق وكيل وزارة التخطيط محمد الحاوري. كما خسرت العملة المحلية حوالي 180% من قيمتها أمام العملات الأجنبية، مما ساهم في صعود حاد للأسعار وتدهور مستوى المعيشة وانخفاض متوسط دخل الفرد بحوالي 60%.
كما تراجعت صادرات النفط والغاز، مع انخفض إنتاجهما بنسبة 90%، مقارنة بعام 2014، وهما يشكلان 90% من صادرات البلاد، وثلث إجمالي الناتج المحلي للبلاد. ووفق تقارير محلية، قدرت الخسائر الناتجة عن تضرر التجارة الخارجية بحوالي 36 مليار دولار.
هذا الوضع الكارثي، دفع البنك الدولي للإعلان في يوليو أن اليمن “البلد الأشد فقرًا في قائمة البنك الدولي لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ عام 2015 بسبب الصراع”. كما أن الأمم المتحدة حذرت من أنّ الوضع الهش في اليمن يدفع لانزلاقه نحو المجاعة، بسبب اشتداد الصراع.
اقرأ أيضًا| كيف جعلت السعودية والإمارات إنهاء الحرب في اليمن مستحيلاً؟
وبينما ساهم أطراف الصراع بدور رئيسي في الوصول إلى تلك الحالة المتدهورة، بفعل استخدام الاقتصاد كأداة بالصراع. فضلا عن الأسباب المباشرة للحرب، فإن البلد باتت على شفا مرحلة “اقتصاد الفوضى”، وهي المرحلة التي يتقاطع فيها خمسة أنواع من الاقتصادات هي: “غير الشرعي، الخفي، الفساد، الجريمة، الحرب”.
من سهّل مهمة النهب؟
الخسائر الاقتصادية السابقة، تمثِّل الأرقام التي تسنَّى للمجتمع الاقتصادي والمالي حسابها. لكن عمليات النهب والسرقات فهي البحر المفتوح على كل الشواطئ، يغترف منه الجميع. ثقبٌ في جدار اليمن ابتلع كل خيراتها، من سرقها؟ ومن تعاون على نهبها؟.
عمليات النهب في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، والتي تواصلت خلال سنوات الحرب، وجدت بدول الخليج أرضًا خصبة. وهرب نظام “صالح” أموال اليمن إلى الخارج، أغلبها بالإمارات والسعودية. ووفق تقرير للأمم المتحدة عام 2015، فإن حجم الأموال التي نهبها علي عبدالله صالح، خاصةً في عقود النفط والغاز يصل إلى 60 مليار دولار. يعادل ذلك المبلغ خمسة أضعاف موازنةَ اليمن.
وبدلاً من أن يحاكم أو تساعد دول الخليج السلطة اليمنية لاستعادة أموالها المنهوبة، جاءت المبادرة الخليجية وأنقذت رقبة “صالح” وأمواله من مقصلة مساءلة ثورة فبراير، عندما وقّع على اتفاق التنازل عن الحكم مقابل منحه حصانة من المحاكمة وعدم ملاحقة أمواله.
الحكومة اليمنية المقيمة في الرياض، أحاطتها شبهات فساد ونهب للمال العام بالمليارات، بغطاء وتسهيلات سعودية. فعندما نقلت مقر البنك المركزي إلى عدن، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، رصد تقرير الأمم المتحدة تحويل 423 مليون دولار من البنك إلى شركات خاصة وتجار على علاقة بالسعوديين.
أيضًا الجنوبيون المدعومون إماراتيًا، كان لهم نصيب من النهب، في واحدة من تلك المرات استيلاء قوة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على 4 حاويات أموال للبنك المركزي، تحوي 18 مليار ريال يمني، من ميناء عدن بعد طبعها ووصولها إلى اليمن.
أما الحوثيون، فالحديث عن عمليات النهب والسطو التي مارسوها يطول، واحدة منها وثقها تقرير سري للأمم المتحدة في يناير الماضي، بأنّ الحوثيين حولوا 1.8 مليار دولار عام 2019 من أموال الدولة لصالح أنشطتهم القتالية في الحرب.
من يتاجر مع أمراء الحرب؟
أمراء الحرب في اليمن، ذراع مترعرع في دول الخليج، لا ينفك أحدهم يستثمر في الصراع بدون غطاء ومساعدة خليجية. هذا تحديدا ما فعله الملياردير أحمد العيسي، مستشار الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي بات أحد أبرز تجار الحرب في اليمن. تعاظمت إمبراطوريته العيسي، خلال مرحلة ما بعد 2011، وأصبح أحد أكبر مستوردي المنتجات البترولية في اليمن. حصل العيشي الذي يقيم في الرياض على دعم غير قليل من السعوديين، مقابل تأمين مصالحهم في مناطق نفوذه. تقارير غير رسمية قالت إن العيسي يحتكر تصدير شحنات البنزين إلى ميناء عدن مقابل الحصول على مبالغ تتراوح بين 30 و40 مليون دولار شهريًا.
اقرأ أيضًا| اليمن المنهوب.. كيف سُرقت أموال اليمنيين؟
العيسي ومسؤولون حكوميون يستحوذون على عائدات مبيعات النفط المستخرج من هذه المحافظات النفطية، وإيداعها في حسابات خاصة لدى البنك الأهلي السعودي، وفق تقارير عديدة. أما رئيس الحكومة الحالي معين عبدالملك، فهو واحد من أكبر تجار اليمن. وذلك من قبل أن يمنحه الرئيس هادي مهمة قيادة حكومة لم تستطع الاجتماع في الأراضي اليمنية حتى الآن. وتدير أمورها افتراضيًا من الرياض. استغل عبد الملك موقعه الحكومي ودعم من السعودية لبناء امبراطورية استثمارية وتجارية.
أين موارد اليمن؟
بينما تسبب الحوثيون بشمال اليمن في تبديد كافة الموارد الوطنية على الحرب، كانت بقية المناطق، تحت سطوة الأطماع الخليجية، وفق جملة من المؤشرات توحي في حصيلتها بأنّ السعودية والإمارات يتسابقان الخطى نحو اقتناص أكبر قدر من كعكة اليمن المتداعي. ما بين الاستيلاء على موانئ أو استغلال الموقع الاستراتيجي للبلد الفقير في مشروعات البلدين الخليجيين التوسعية.
في الوقت الذي كانت الإمارات تضع يدها على “كنز اليمن” (جزيرة سقطرى)، كانت السعودية قد قطعت شوطا كبيرًا في صناعة نفوذها في محافظة المهرة، فالأولى تمثل عمقًا استراتيجيا لأبو ظبي، وهو ما دفعها لنقل خبراء ومعدات عسكرية وأجهزة اتصالات ومعدات متنوعة إلى الجزيرة. في إطار عزمها إنشاء مرافق عسكرية واستخبارية هناك. وتمثل سقطرى واحدة من أهم الكنوز اليمنية المهدرة، سواء بثروتها النفطية، أو موقعها الاستراتيجي وطبيعتها الخلابة التي يمكن أن تجعلها على رأس المقاصد السياحية العالمية.
أما السعودية فقد أعادت إحياء مشروعها القديم المتمثل في مد أنبوب نفط إلى بحر العرب عبر محافظة المهرة. وفي السابق اشترطت السعودية شراء الأرض التي سيقام عليها المشروع بطول 320 كيلو مترًا داخل المهرة, تتولى فيها قوات خاصة من المملكة مهام الحماية الأمنية والعسكرية.
موانئ اليمن فقرة أخرى في استنزاف الموارد، بل وتعطيلها، فموانئ عدن والمنافذ الاستراتيجية، على سبيل المثال، عملت الدولتان الخليجيتان كل شيء دون تنميتها أو تطوير بنيتها التحتية، في محاولة لتجميد أهمية تلك الموانئ، باعتبارها تهدد بفقدان موانئ دبي وجبل علي جدواها الاقتصادية. كما خلقت السعودية والإمارات اقتصادًا موازيًا في الداخل اليمني، عبر مشروعات يديرها الأطراف الموالية لهم في مناطق نفوذهم.
أبرياء على شريط قطار الحرب
للأبرياء فصل قاسٍ في دفتر الحرب اليمنية، التي أدت إلى تراجع التنمية البشرية بمقدار عشرين عامًا من عمر البلد الذي كان سعيدًا. وفق تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. فقد ذكر أرقامًا مفزعة، عندما حلل حالة التنمية البشرية في اليمن. فقد افترض أن الحرب أما إذا ما انتهت عام 2022، فيبلغ معدل التراجع في مكاسب التنمية حوالي 26 عامًا، أي ما يقارب جيلاً بأكمله. وإذا ما استمرت الحرب حتى عام 2030 فسيتزايد معدل الفقدان إلى أربعة عقود. باعتبار أن يعيش 71% من السكان في فقر مدقع، فيما سيعاني 84% منهم من سوء التغذية، وسيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 657 مليار دولار.
الخسائر البشرية
ذكر أن الحرب أدت إلى مصرع 233 ألف يمني؛ نتيجة القتال والأزمة الإنسانية. بينما وثقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قتل وجرح أكثر من 200 ألف مدني في القتال منذ مارس 2015.
التقارير تحدثت عن أن حوالي 24 مليون يمني باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية كي يبقوا على قيد الحياة. وما يقرب من 16 مليون شخص يستيقظون جوعى كل يوم بسبب الحرب في اليمن. التي تجعله من بين أكثر النزاعات تدميرًا منذ نهاية الحرب الباردة. فوفقًا لليونيسف.
منذ 2015، نفَّذت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات عشرات الغارات الجوية العشوائية وغير المتناسبة على المدنيين والأعيان المدنية فأصابت المنازل والمدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد ومواكب الأعراس والجنازات. (منظمة العفو الدولية)
جرائم حرب
وقالت منظمة العفو الدولية إنها وثقت عشرات الضربات الجوية للتحالف شكَّلت انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، ويصل العديد منها إلى حد جرائم الحرب. وذكر تقرير للمنظمة، عبر موقعها على الإنترنت، أن التحالف استخدم ذخيرة دقيقة التوجيه صنعت في الولايات المتحدة الأمريكية في هجوم جوي على منزل سكني في محافظة تعز.
وبعدما سرد التقرير ضربات محددة ودقيقة لمنازل ومراكز احتجاز تابعة للحوثيين، أدت لمقتل مدنيين وأطفال. قالت المنظمة إنها وثقت استخدام التحالف ستة أنواع مختلفة من الذخائر العنقودية، من بينها نماذج مصنوعة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبرازيل، في محافظات صنعاء وحجة وعمران وصعدة. ووثقت المنظمة أيضًا تنفيذ مسلحي الحوثي عمليات قصف عشوائي. بالإضافة إلى شن هجمات بالهاون وضربات جوية وألغام أرضية، وترويع المدنيين، وهدم منازل ومستشفيات ومدارس.
أطفال في سن الثامنة اغتُصبوا في مدينة تعز اليمنية. ولم يخضع الجناة المشتبه بهم، ومن بينهم أعضاء في ميليشيات مدعومة من قبل التحالف، للمساءلة حتى الآن. (تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية)
مستوى آخر من الجرائم ارتكبت في اليمن، عندما فرض التحالف قيوداً على إدخال البضائع والمعونات، من قبيل المواد الغذائية والوقود والإمدادات الطبية، بينما أعاق الحوثييون عمليات نقل المساعدات الإنسانية داخل البلاد، وفق المنظمة أيضًا.
يمن بلا وجه
تشوّه وجه اليمن بكل تفاصيله، فلا مؤسسات بقيت على حالتها حتى وهي مهترئة، ولا الإرث المجتمعي ظل محتفظًا بنكهته المعهودة. جاءت الحرب على بنية المجتمع فدمرت أغلب مكوناته، وتركت المستقبل يحمل تصورات أكثرها تفاؤلاً أن تضع الحرب أوزارها، لكن من يجري لها عمليات التجميل؟
انهيار المؤسسات
من الناحية المؤسسية، تاركت الحرب اليمن بلا مؤسسات، حتى داخل الجناح الواحد، فالأجسام السياسية المحسوبة على الحكومة يضربها الانقسام في كل شيء. بفعل دعم الإمارات للجنوبيين حتى تمكنوا من إعلان والتلويح بورقة الانفصال، وباقي أطراف الحكومة مدعومين سعوديًا.
كان الهدف الرئيسي من التحالف العربي الذي دشنته السعودية هو تقوية الشرعية في اليمن، لكن الأخيرة بقيت أضعف من المصطلح، وأصبحت الأطراف الموالية للدولتين الخليجيتين، أكثر انشغالاً بانتزاع مناطق نفوذ أكثر من انشغالهم بصنعاء التي وقت في يد الحوثي، الذي اقترب من السيطرة على الشطر الشمالي كاملاً من البلاد.
أما الجيش اليمني، فقد ناله من التفكيك ما نال غيره من بقية المؤسسات، جراء التنازل المناطق والأيديولوجي الذي ضرب أركانه. بينما يقف على رأس الأسباب التي أدت إلى إضعافه بهذه الطريقة التنازع الخارجي على المكونات المحلية، وهو ما أوجد حالة استقطاب واتهامات بالاستعانة بتنظيم القاعدة، والجماعات المتطرفة.
هكذا؛ فإنّ انخراط السعودية والإمارات في اليمن، قاد إلى إضعاف ما شكّلا تحالفًا عسكريًا لدعمها، حتى بقيت الأطراف المناوئة لجماعة الحوثي (الشرعية بكل مكوناتها)، شراذم من فتات مسلح، تتعدى عدد الأجسام السياسية والألوية العسكرية عدد المناطق، وهو ما أدى بدوره إلى صراع على مؤسسات الدولة، بشكل مستعر.
فقدان الهوية
أنا من الناحية الاجتماعية، فإن المتابع للحالة اليمنية يلحظ تغيرًا عميقًا، تركته سنوات الحرب في الأجيال الحالية. وإن كانت النخبة أبرز من طالها هذا التغيير. فيما تحتفظ مجتمعات قروية بإرثها الاجتماعي في محاولة لتجاهل تبعات الحرب.
ليست غريبًا أن الحروب تجتزئ الكثير من الثوابت الاجتماعية والثقافية والتراثية لدى الشعوب. اليمنُ مثالٌ على هذا الاجتزاء الجارح. ثوابت تاريخية تلاشت من تفاصيل الحياة اليومية لليمنيين، وتركت صورتين في الإجمال، الأولى تتعلق بطبائع الناس وتصرفاتهم، والعلاقات الاجتماعية بين الأسر والقبائل بالنظر لحالة العنف التي سيطرت تحكمت في المجتمع، والثانية تخص التاريخ وعبقه الذي تلاشى هو الآخر تدريجيًا، حتى باتت النخبة ومن قبلها بعض المنتفعين يتفاخرون باللهجة والزي الخليجي.
مع دخول الحرب عامها السابع، هل استعادت اليمن مؤسساتها؟، هل عاد الرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن التي اتخذها عاصمة مؤقتة للبلاد، فضلاً عن العودة لصنعاء العاصمة الأصلية، هل توقف نزيف الدم، هل تحقق أي نجاح سياسي أو عسكري أو اقتصادي؟ إذا كانت الإجابة: لا، وهي كذلك، فلماذا تستهجن دول الخليج مفردة “العبثية” التي أطلقها قرداحي على حرب اليمن.