تواجه الخطط الحكومية الرامية للتدوير الكامل للمخلفات. تحديات تتعلق بالتمويل الضخم وقدرات الجمع المنزلي على احتواء 30 مليون طن من المخلفات التي يتم توليدها في مصر سنويًا. بجانب اعتماد مربعات سكنية على الطريقة التقليدية بإلقاء المخلفات في الشوارع بمعرفة البوابين دون الانضمام للمنظومة الرسمية.
تحتاج مصر نحو 7.5 مليار جنيه سنويا في المتوسط لتحقيق التوافق التام مع الأطر البيئية فيما يتعلق بالمخلفات. التي تسعى الحكومة لتدوير 80% منها بحلول العام المالي 2025/2026، موزعة بين 60% لإنتاج الوقود والأسمدة، و20% في المعالجة الحرارية لتوليد الكهرباء.
يتعامل تحويل 20% من المخلفات إلى طاقة مع نحو 4.5 مليون طن سنويا. وتستهدف الحكومة الوصول لها خلال خمس سنوات بالاستعانة بالشركات المصرية أو الأجنبية في استثمارات مباشرة تناهز 17.5 مليار جنيه.
منظومة الجمع المنزلي
وأعادت وزارة التنمية المحلية العمل بمنظومة الجمع المنزلي، مجددًا، بعد إلغاء التعامل مع الشركات الأجنبية التي فشلت على مدار سنوات في حل الأزمة، ولجأت بعضها إلى التحكيم الدولي احتجاجًا على فسخ التعاقد معها.
اعتمدت الحكومة على الشركات المحلية في الجمع من المنازل والشوارع على حد سواء. في ظل امتلاكها أسطول ضخم من عربات التجميع تصل إلى ٣٠ ألف عربة. مع تأسيس مدافن صحية ومحطات وسيطة، سواء ثابتة أو متحركة، ومحطات معالجة مخلفات لمساعدتها على النجاح.
ويوجد في مصر نحو 8300 مصنع صغير لإعادة تدوير المخلفات مملوكة للقطاع الخاص. لكنها لم تكن كافية للتعامل مع الحجم الكبير للمخلفات. ما دفع الحكومة للتوسع في إنشاء مصانع لتدوير المخلفات في المنيا وسوهاج والمنوفية. ورفع كفاءة عدد من خطوط المخلفات لبعض المصانع بالغربية وجنوب سيناء، بجانب إنهاء مصنع تدوير المخلفات بسندوب بالدقهلية بطاقة 1200 طن يوميًا وتطوير مصنع آخر بالمنزلة.
أنفقت الحكومة حوالي 3 مليارات جنيه على مشروعات منظومة المخلفات في المرحلتين الأولى والثانية. تتضمن إنشاء مصانع ضخمة لتدوير المخلفات، وتكلفة رفع التراكمات التاريخية في 18 شهرًا بإجمالي 45 مليون طن مخلفات، بينها 15 مليون طن قمامة راكدة في الشوارع منذ سنوات.
كما أنفقت نحو نصف مليار جنيه على إصلاح معدات النظافة بالمحافظات بإجمالي 3809 معدات مع عودة الاعتماد عليها، بدلاً من الشركات الأجنبية خاصة الخليجية التي ظلت لسنوات محتكرة سوق المخلفات بمصر.
عيوب قديمة
تسعى الحكومة لتلافي عيوب المصانع الصغيرة التي تهتم فقط المواد الصلبة دون المواد العضوية التي تزيد على 30% من مكونات القمامة، وهي مواد قابلة حال التعامل معها وتحويلها إلى إنتاج 14 مليون طن من الأسمدة العضوية سنويًا كافية لزراعة مليوني فدان.
المخلفات الصلبة تتضمن المخلفات المنزلية الصلبة والصناعية غير الخطرة. والمخلفات الطبية والهدم والبناء وكنس الشوارع ونظافة المرافق العامة. ولا تتضمن المخلفات الزراعية او السائلة المشعة أو الخطرة. وتبلغ المخلفات المنزلية الصلبة نحو 26 مليون طن.
تختلف منظومة الجمع المنزلي حاليًا عن فترة عمل الشركات الأجنبية التي اعتمدت عليه من الباطن، في المقابل المالي الذي يحصل عليه العامل. فالأجانب تعاملوا معهم بـ”عدة قروش” عن الشقة والواحدة. ما دفعهم للعمل لصالحهم رغم حصول تلك الشركات على ما يناهز 3 مليارات جنيه أبان فترة عملها.
وسلمت وزارة التنمية المحلية 9 محطات وسيطة متحركة في 4 محافظات. وجار تسليم 34 محطة في 11 محافظة أخرى. وبالنسبة للمحطات الوسيطة الثابتة. فتم تنفيذ 15 محطة في 8 محافظات، بالإضافة إلى 5 مدافن صحية. وكان من المقرر تسليم 16 مدفنًا أخرى، بنهاية أكتوبر المنقضي.
تدخل تشريعي
ومثلت المحافظات الريفية تحديدًا تحديًا أمام منظومة النظافة، في ظل لجوء كثيرين للتخلص من النفايات بإلقائها على حواف المصارف والترع، لأسباب متباينة من أهمها تأخر وصول جرارات جمع القمامة إليها لعدة أيام، ما دفع الحكومة لإصدار تعديلات تشريعية تزيد من العقوبات المفروضة على إلقاء المخلفات.
وحدد قانون تنظيم إدارة المخلفات، رقم 202 لسنة 2020. عقوبة من يلقي أو يتخلص من المخلفات غير الخطرة في غير المواقع أو الأماكن المخصصة، بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه لكل من ألقي أو تخلص من المخلفات غير الخطرة بغير المواقع أو الأماكن المخصصة لذلك، وفرز أو عالج المخلفات البلدية بغير الأماكن المخصصة، أو تسليم المخلفات غير الخطرة لشخص أو منشأة غير مرخص لها.
وسمحت التنمية المحلية لشركات النظيفة باستخدام المركبات ثلاثية العجلات “تريسكل” للوصول للشوارع الضيقة بالمحافظات وتوزيع أكياس بعينها في الريف لمنع غير المنضمين للمنظومة من استغلالها، مع رفع قيمة الاشتراك إلى 30 جنيهًا بخلاف الاشتراك الأصلي الموجود على فاتورة الكهرباء.
وتستهدف وزارة البيئية الوصول بمعدل الجمع المنزلي إلى حاجز الـ90% في عمليات الجمع والنقل، مقابل55% قبل عام 2018، مع رفع كمية التدوير إلى 80% بحلول 5 سنوات مقابل 20% فقط في العام المالي 2018/2019.
إشكاليات معقدة
تتضمن القمامة ثروة اقتصادية كبيرة ما يغرى “النباشين” و”الجميعة” للعمل في الشوارع أيضًا. بالتقاط المواد القابلة للتدوير منها وترك المواد العضوية. ومعزم يعملون لصالح أشخاص من ذوي الملاء المالية الذين يتولون توريد حصيلة الجمع اليومي لمصانع التوريد أو يملكون مصانع بالفعل تتعامل معها.
يبلغ سعر الطن من زجاجات المياه الغازية المستعملة حوالي 8400 جنيه. ومتوسط أطباق وورق الألومنيوم 4800 جنيه. وطن البلاستيك القديم نحو 2420 جنيهًا. والورق بنحو ألف جنيه حسب حالته وجودته.
كما تمثل المخلفات الإلكترونية المنتجة في مصر أيضًا تحديًا كبيراً في طريقة التعاطي معها. التي تصل سنويًا لنحو 88 ألف طن سنويًا خاصة الواردة من المنازل التي يتضمن بعضها مواد ذات قيمة مرتفعة للغاية أهمها الذهب والنحاس.
أطلقت الحكومة تطبيقًا إلكترونيًا منذ شهور يحمل عنوان “e-tadweer“. لتشجيع المواطنين على تجميع الأجهزة الإلكترونية والكهربائية القديمة وتوريدها لمصانع متخصصة. مقابل الحصول على نقاط تمنحه خصومات عند شراء أجهزة جديدة. وحمل التطبيق حتى نهاية أغسطس الماضي نحو 100 ألف مستخدم.
اشتراطات المدافن الصحية
وتمثل المدافن الصحية اشتراطات مغايرة تمامًا عن المدافن التقليدية في مصر تتعلق بدك التربة وعزلها لمنع نفاذ المواد السائلة داخلها. وإقامة سور مرتفع وحولها وخطوط لجمع الغازات سواء بالطرق البسيطة أو الأنظمة النشطة للجمع، وبينها غازات ذات قدرة عالية على الاشتعال مثل الميثان.
تعتمد المنظومة الجديدة على دور أكبر للقطاع الخاص في جمع المخلفات. لكن مع توفير بيئة معلوماتية كاملة حول تكلفة التشغيل والأرباح. بعدما كانت بعض المحافظات لا تعرف في الأصل كمية المخلفات التي تتضمنها وحجم التكلفة الفعلية للجمع والتخلص منها ما منعها تقييم جيد للعروض المالية التي ترد إليها من المقاولين.
وقال طارق سلامة، صاحب شركة لإدارة مخلفات. إن النباشين يمثلون مشكلة أزلية لمنظومة جمع القمامة في مصر. فخطوط الفرز في مصنع التجميع التي تصل لها مخلفات يفترض أن قيمتها تتراوح بين 12 و15% والعائد فيها يتراوح بين نصف و2%. بسبب النباش الذي يفرزها قبل وصولها أو عامل التجميع الذي يخزن الأشياء ذات القيمة منها.
وأضاف أن فرز النباشين يؤدي لضغط على المصانع التي يقل فيها إنتاجية العامل بسبب انخفاض قيمة المخلفات التي تصل إليه. فالمخلفات العضوية تصل في الأساس إلى 50% كمتوسط بين المناطق الفقيرة التي تصل فيها لـ 60% والغنية التي تقدر فيها بنحو 40%.
يشير سلامة إلى أن إشكاليات التكنولوجيا المتقدمة في التدوير تتعلق بارتفاع أعياء صيانتها. التي تقلل من إيرادات النشاط على عكس المنظومات القديمة في الإنتاج التي تخرج منتج أقل في الجودة. لكنه مقبول في عاد العمليات التشغيلية. ما يتطلب وجود جهة واحدة فقط مسئولة عن المخلفات بجميع مراحلها من الجمع والفرز والتدوير بدلاً من تعدد الجهات حاليًا.