رغم اعتياد ملاعب أوروبية وعريبة على تواجد حكمات سيدات في السنوات الأخيرة. إلا أن الملاعب المصرية، بما فيها المنظومة الإعلامية المرافقة لها. لا تبدو بالحماسة نفسها. فالبعض يتعامل مع تواجدهن داخل المستخيل الأخضر بذكورية شديدة. مثل عدلي القيعي، الإعلامي بقناة النادي الأهلي. وآخرون يستخدمون سلاح السخرية للتقليل من دور المرأة في الساحة الرياضية التي احتكرها الرجال لعقود طويلة.
فجر هذا الجدل ظهور الحكمة شاهندة المغربي كحكم رابع في مباراة المقاولون العرب والشرقية للدخان في الدور الأول بالدوري المصري. ما أنتج ردود أفعال كشفت عن الكثير من الآراء المتحفظة ضد ممارسة النساء كرة القدم بأي شكل من الأشكال. بينما تتمسك الحكمات المصرية بالتجرية، ومن قبلهم اللاعبات.
ظهورة شاهندة مغربي لم يكن مفاجئا للمتابعين عن قرب لدور السيدات في مجال التحكيم والجهد المبذول على مدار سنين ليصلوا في نهاية الأمر إلى تلك النتيجة. لشاهندة مغربي، ومنى عطا الله، وأخريات باع طويل داخل الملاعب. بدأن منذ سنوات يتحسسن خطاهن. وبالرغم من العراقيل والأزمات ونظرة المجتمع. إلا أن شغفهم وعشقهن للساحرة المستدير كان أقوى من أية معوقات واجهتهن. إلى أن جاءت النتيجة مثالية بالرغم من بعض المنغصات.
منغصات القيعي
ظهر الإعلامي عدلي القيعي، خلال تقديمه لبرنامج «ملك وكتابة» على قناة الأهلي، مهاجما مشاركة النساء في الدوري الممتاز وكرة القدم بشكل عام على اعتبار أنها لعبة ذكورية في المقام الأول، ولا تقوى النساء على حجز مكان داخلها.
وقال القيعي الذي شغل منصب مسئول التعاقدات السابق بالنادى الأهلى: “عندما تمارس السيدات هذه المهنة في مباريات الكرة النسائية يكون الأمر متكافئاً من حيث العنف، هو فيه حكمة هتستحمل حد يزعقلها بالطريقة دي، ولا هتعيط بقى في الملعب؟”.
السيدات لا تستطيع منافسة الرجال؟
يرى القيعي أن اعتبار الأمر بأنه نقلة حضارية خاطئ – من وجهة نظره – زاعما أنه لا معنى لأن تكون هناك امرأة تحكم مباريات كرة القدم، مختتما: “ما أقوله ليس عنصرية، الكرة لعبة قوية وسريعة وتتسم بالعنف، السيدات لا تنافسن الرجال، هناك مشاهد عنف في الملاعب، ممكن وهي بتجري تخبط في لاعب يسقطها على الأرض”.
لكن عصام عبدالفتاح، رئيس لجنة الحكام المصري. يرى أن اشراك سيدة في تحكيم مباريات الدوري الممتاز خطوة تأخرت كثيرا. حيث سبقتنا دول عربية وغربية، نجحت في حجز مكان للسيدات في مباريات كرة القدم الرجالي.
أما عن موقف “القيعي” يقول عصام في تصريحات لـ”مصر360″: “بالطبع سوف يكون هناك أصوات معارضة للتجربة لكن مهما زادت الأصوات فنحن ستمرون في تجربتنا إلى أن نصل للنتيجة التي نرجوها وهي ماشركة سيدات كحكم ساحة في مباريات دوري الممتاز – المحترفين – فهناك عزم من لجنة الحكام واتحاد الكرة في تطبيق تلك التجربة ومنحها الفرصة كاملة”.
وخلال الفترة الأخيرة. وضعت الاتحاد الدولي لكرة القدم اشتراطات بضرورة وجود فرق كرة قدم نسائية في بعض الأندية التي تشارك في البطولات الدولية، ويتم صرف أموال دعم من قبل الاتحاد لدعم تلك التجربة.
وطرح عبد الفتاح تساؤلا موجها للقيعي: “هل سيمتنع النادي الأهلي عن المشاركة في البطولات الدولية أم سيعمل على أن تكون للنساء فرقة تضم لاعبات قادرات على أن يحققن البطولات ويحصلن على الدعم الكامل من مجلس إدارة الأهلي وجمهوره، نحن تأخرنا كثيرا بالفعل ولا يجب أن يستمر الأمر أكثر من ذلك، التوجه في العالم أجمع بإتاحة الفرصة للنساء وبالفعل خلال السنوات الماضية كان هناك تجارب نسائية في دوري كرة القدم رجال في درجات مختلفة وتم إعدادهم لأن يكونوا متوجدات في أعلى الدرجات”.
النساء في ملاعب كرة القدم
شهدت مباراة كأس السوبر الأوروبي بين ليفربول وتشلسي، المقامة بمدينة إسطنبول التركية. للمرة الأولى وجود حكم ساحة امرأة وهي الفرنسية ستيفاني فرابارت، في خطوة اعتبرها البعض تتويجا لأدائها الممتاز في تحكيم المباراة النهائية بكأس العالم للسيدات 2019.
كما سبق أن شاركت السويسرية نيكول بيتينيا في إدارة مباراة بين الرجال كحكم رئيسي، في عام 2003 خلال مباراة في إطار الدور التمهيدي لمنافسة دوري أبطال أوروبا بين ناديي ستوكهولم السويدي وفيلكير الأيسلندي.
وفي الدوري الفرنسي، كانت صابين بونان أول امرأة تقود مباراة في كرة القدم عندما حلت مكان الحكم الرئيسي – الذي انسحب بعد تعرضه للإصابة – خلال مباراة دوري الدرجة الثانية بين أنجيه وتور في أكتوبر 2008.
وعلى المستوى العربي. أصبحت درصاف القنواطي، الحكم التونسي، أول سيدة تدير مباراة كرة قدم احترافية للرجال في ملاعب الدرجة الأولى في تاريخ كرة القدم العربية والإفريقية أيضًا، بعد إدارتها لمباراة نادي الترجي والنادي البنزرتي في الجولة الختامية للدوري التونسي مساء السبت الماضي والتي انتهت بفوز البنزرتي بنتيجة 2-1.
وكذلك بشرى كربوبي أول سيدة في المغرب تقود مباراة للرجال. حيث أدارت المواجهة التي جمعت فريق لمغرب التطواني وضيفه أولمبيك خريبكة في المباراة الأخيرة من الدوري المغربي.
المرأة والرياضة.. دائرة مستمرة من الرفض الأسري والمجتمعي
“الرد في الملعب”
اعتراض القيعي الذي اتهم موقفه بالذكورية، ليس استثناء. حيث عانت لاعبات مصريات في أكثر من لعبة رياضية إلى التنمر والسخرية من الجماهير بسبب الملابس التي يرتدنوها، أحيانا مثلما تعرضت دعاء غباشي لاعبة منتخب مصر للكرة الطائرة الشاطئية. للتنمر من قبل مشجعي كرة القدم. بعد انتشار صورة بالحجاب ضد لاعبة المنتخب الألماني كيرا فولكنهورست بـ”البيكيني”.
كما نال لاعبات منتخب مصر للسيدات حظهن من السخرية والتنمر بعد أداء مباراة ضد منتخب لبنان. بسبب لياقتهن البدنية المتراجعة. وسط مطالبات بمنع السيدات من ممارسة هذه اللعبة والتفرغ للأعمال المنزلية.
ربما هذا ما قال القيعي لكن بطريقة اكثر تهذبا بحكم منصبه والوسيلة الإعلامية التي يتحدث منها. إلا أن أغلب الانطباعات دائما لا تتراوح هذه المنطقة التي ينال فيها الفتيات العقاب المجتمعي لمجرد تفكيرهن في ممارسة الرياضة.
في المقابل. ترى منى عطا الله أول حكمة مصرية في ملاعب كرة القدم. أن مواقف البعض من ظهور المرأة في مباريات كرة القدم الرجالي لا يزعجها بالمرة، بل يزيد من حماسها لأن تثبت خطأ هؤلاء دون اعتبار لأسماء بعينها.
منى لها باع طويل في مجال التحكيم. حيث شاركت في بطولة كأس الجرف مع الاتحاد الدولي عام 2007. وشاركت في كأس العالم 2008 في الشيلي والأولمبياد الاولى للشباب 2010 في سنغافورة. وكذلك في كأس العالم تحت 20 عام في 2016 في نيو غينيا. وبطولة شمال إفريقيا لثلاثة سنوات، وبطولة أمم أفريقيا للسيدات خلال 5 أعوام.
تتحلى عطا الله بالثقة الكافية للرد على الانتقادات وتشجيع الفتيات لمواصلة المسيرة الرياضية. خصوصا أنها في هذا المضمار منذ 20 عاما: “الأمر ليس جديدا، أنا في مجال التحكيم منذ قرابة العشرين عاما، لدي خبرات جيدة وامتلك كافة الامكانات اللازمة لإدارة المباريات سواء للرجال أو النساء، وسبق أن حكمت مباريات رجال في الدوري الممتاز ب والدرجة الثالثة، ولم نخفق من قبل”.
من جانبه، يتوقع رئيس لجنة الحكام عصام عبدالفتاح أن تصل التجربة إلى أعلى المواقع. حيث أكد أن الخطة تشمل بعد فترة إعداد أن تشارك سيدات في دوري المحترفين في دور حكمة ساحة وكذلك حكمة راية، قائلا: “دعونا ننظر إلى العالم من حولنا ونواكبهم خطوة بخطوة لا سيما أن الدولة تدعم المرأة في كافة المجالات”.