تشكل الأمراض الحيوانية المنشأ نسبة كبيرة من الأمراض المعدية المكتشفة حديثًا، ومن بينها فيروس كورونا الذي لا يزال العالم يقاوم جائحته. وهي تتضمن أكثر من 200 نوع معروف، وفق منظمة الصحة العالمية. ما يجعل من الاهتمام بقطاع الطب البيطري ضرورة لحماية الأفراد والتأكد من سلامة الغذاء الواصل إليهم.

ومع هذا، فإن قطاع الطب البيطري في مصر لا يزال يواجه أزمة طاحنة في عدد الأطباء تنذر بكوارث خطيرة فيما يتعلق بسلامة الغذاء وصحة المواطنين. ذلك لما يدخل في اختصاصاته من الإشراف وفحص منتجات الحيوانات والأسماك والطيور ومشتقاتها. فضلاً عن الإشراف على المجازر والمزارع والطيور، والحجر الصحي للحيوانات واللحوم المستوردة.

80% عجزًا في عدد الأطباء البيطريين

يعاني قطاع الطب البيطري في مصر فجوة كبيرة في عدد العاملين بالخدمات البيطرية. إذ وصل العجز في عدد الأطباء العاملين بالهيئة العامة للخدمات البيطرية والوحدات البيطرية والإدارات المختلفة بالمحافظات إلى 80%. وتضم الهيئة حاليًا 115 طبيبًا بيطريًا فقط، وفق تصريحات رئيس هيئة سلامة الغذاء  الدكتور حسين منصور. ما يعني أن كل 750 ألف مواطن، مسؤول عن الرقابة على غذائهم من البروتين الحيواني طبيب بيطري واحد فقط.

هذا العجز بدأ مع توقف التعيينات منذ 1995 بقرار من الدولة. فيما فاقمه استمرار خروج الأطباء البيطريين العاملين بها على المعاش. فمنذ سنوات قليلة كان عدد الأطباء البيطريين المُعينين بالجهات الحكومية نحو 15 ألف طبيب. وقد انخفض عددهم إلى أقل من 9 آلاف طبيب بيطري. بينما خلال السنوات الخمس الأخيرة، انخفض عددهم مجددًا إلى 4 آلاف طبيب فقط. ذلك على الرغم من وصول عدد الأطباء البيطريين إلى نحو 60 ألفًا. إضافة لوجود نحو 19 كلية طب بيطري في مصر.

وفق دكتور خالد سليم، نقيب الأطباء البيطريين ورئيس اتحاد البيطريين العرب، فإن هناك ٢٦ دفعة من خريجي الطب البيطري منذ سنة 1994 لم يعين منهم إلى الآن سوى قرابة 2000 طبيب فقط، عن طريق مسابقات أو سد عجز في أماكن محدد.

أزمة البيطريين وهيئة سلامة الغذاء

مع تفاقم أزمة نقص الأطباء البيطريين، أعلنت هيئة سلامة الغذاء -في أكتوبر 2020- الاستعانة بالصيادلة في الإشراف على سلامة الغذاء من أصل حيواني. فتصاعدت الأزمة بين البيطريين والهيئة. وقد دفع تأزم الوضع نقابة البيطريين وهيئة الخدمات البيطرية إلى تقديم مذكرة رسمية لمجلس الوزراء. وطالبوا في المذكرة بالتدخل العاجل لفصل الاختصاصات بين الهيئتين. وتضمنت المطالب نقل المختصين للهيئة القومية لسلامة الغذاء لتأمين غذاء المواطنين. بالإضافة إلى سد العجز بهيئة الخدمات البيطرية. وذلك لحماية المواطنين من الأمراض التي تنتقل من الحيوان للإنسان، وحمايتهم من الغش التجاري، وللتأكد من صلاحية المواد الغذائية للاستخدام الآدمي.

أنشئت هيئة السلامة علي الغذاء طبقاً للقانون رقم 1 لسنة 2017 . وهي هيئة خدمية ذات شخصية اعتبارية تتبع رئيس الجمهورية ومقرها الرئيسي بمحافظة القاهرة. وتهدف تحقيق متطلبات سلامة الغذاء، بما يحفظ صحة المواطنين. وتتولى ممارسة جميع الصلاحيات والاختصاصات المقررة للوزارات والهيئات والمصالح، فيما يخص الرقابة على تداول الغذاء.

تعليقًا على هذه الأزمة، قال نقيب البيطريين إن القانون يكفل لهيئة سلامة الغذاء نقل التخصصات الواقعة في نطاق الدور المحدد لها، وهو ما لم يحدث. مؤكدًا عدم وجود درجات وظيفية بالهيئة، وأن عدد الأطباء البيطريين بها يكاد يكون معدومًا.

ويشير سليم إلى أن من يقوم بمهمة فحص مصادر البروتين من أصل حيواني وداجني وسمكي ومشتقاتها داخل الهيئة موظفين. في حين يجب أن يكونوا أطباء متخصصون، مثل الهيئات معمول بها في العالم والدول العربية. مضيفًا أن أبعاد ممارسة المهنة من غير المتخصصين، قد تصل إلى التسبب في وفاة البشر بشكل غير مباشر. ذلك لأن اللحوم نفسها يمكن أن يكون بها آثار متبقية من أدوية وعقاقير كان يتناولها الحيوان قبل ذبحه. والتعامل مع مثل هذه الأمور لا يمكن أن يدركه إلا متخصص، على حد قوله.

لماذا لا يجدي إسناد سلامة الغذاء لغير المختصين؟

أيضًا، لفت نقيب البيطريين إلى أن العجز في أعداد البيطريين يضر بالثروة الحيوانية كلها. لأن طبيب الوحدة لا يقوم فقط بالكشف والعلاج وإنما التحصين من خلال الحملات القومية. وغيابه يفتح الباب للمربيين باللجوء إلى منتحلي الصفة الذين يمارسون المهنة دون أن يكون لهم حق أو علم. بينما لفت إلى نقص عدد الحيوانات نتيجة كثافة الأمراض الحيوانية وانتشار الأوبئة والأمراض الوافدة. الأمر الذي عززه نقص الأطباء.

ويتولى الأطباء البيطريين أيضًا مهمة الإشراف على الفنادق والمطاعم. وهم مسؤولين عن سلامة الغذاء من أصل حيواني. بإجراء الفحوص على اللحوم لمعرفة مصدرها، وهل هي من الأنواع التي يتغذي عليها الإنسان أم من الأنواع الأخرى التي لا يجب تناولها.

هنا، يؤكد الدكتور محمود حمدي، الطبيب والجراح البيطري، أن الوضع صحيًا بات مقلقًا بشدة، نتيجة نقص البيطريين المنوطة بهم المراقبة.

وبينما يرفض قرار إسناد هذه المهام لغير البيطريين، يشير إلى خطورة الأمر بأن تناول اللحوم وبها آثار عقاقير حيوانية يسبب السرطان ويؤثر على الكلى والكبد البشرية. هذا فضلاً عن ضرورة الإشراف البيطري على الذبح. لأنه قد يكون الحيوان سليمًا، لكن طريقة الذبح أدت إلى إفساد لحومه. وفي كل هذا تأكيد على دور الطب البيطري الذي يصل إلى وجوب منحه سلطة الضبطية القضائية لتمكينه من التحفظ على اللحوم غير الصالحة.

4000 درجة شاغرة تنتظر التعيين

وقد طالب الدكتور البدري ضيف، عضو مجلس النواب، وكيل النقابة العامة للأطباء البيطريين ووزارتي الزراعة والتخطيط والإصلاح الإداري، في بيان قدمه للبرلمان، بسد العجز في عدد من القطاعات المختلفة. وشدد على ضرورة فتح الباب لتعيين أطباء بيطريين جدد. خاصة بالمجازر والوحدات البيطرية بجميع المحافظات، وهيئة سلامة الغذاء، والحجر البيطري.

وأشار النائب، في بيانه، إلى أن عمليات الندب من هيئة لأخرى لن تجدي نفعًا. لأن جميع القطاعات تعاني من العجز، وفي حاجة لزيادة الأعداد. مضيفًا أن الطب البيطري يمثل أهمية كبرى، بما يمثله من خط دفاع عن الإنسان.

وقد أكد النائب على توافر 4000 درجة شاغرة بالتنظيم والإدارة لتعيين أطباء بيطريين. وشدد على ضرورة قيام هيئة سلامة الغذاء بدورها في تدريب الأطباء البيطريين وتأهيلهم على أعلى مستوى لمعاينة الأغذية، وبيان مدى مطابقتها للمواصفات القياسية العالمية، حرصًا على الصحة العامة للمواطنين.