تسعى وزارة التموين إلى اتفاق مع مؤسسة «سيتي جروب» العالمية، حاليًا، لوضع خطة تحوط من ارتفاع أسعار الزيت الخام والقمح. وتحديدًا وسط موجة تضخم عالمية أصابت أسعارها، وتخفيض بعض الدول المصدرة الكميات التي تضخها عالميًا.
مبررات التحوط مع «سيتي جروب»
التحوط عمومًا إجراءات تتخذها دولة معينة لمواجهة تقلبات الأسعار بسوق أخرى. ذلك بهدف تقليل التعرض للمخاطر غير المرغوب فيها. وفي مجال السلع يرتبط التحوط بالعقود الآجلة التي تمثل عن احتياطات أو وتعاقدات مناسبة لإجرائه ضد مخاطر تقلبات السوق السلبية.
قال الدكتور علي المصيلحي وزير المالية، في تصريحات صحفية أخيرًا، إن التعاقد مع «سيتي جروب» من شأنه تثبيت سعر توريد السلعة في متوسط يحدده المورد، طبقًا لبيانات الأسواق العالمية.
وارتفعت أسواق القمح العالمية هذا الموسم بعد أن تسببت الأحوال الجوية السيئة في تدهور المحاصيل في العديد من شركات الشحن الرئيسية. ما أدى إلى تقلص المخزونات العالمية. كما فرضت روسيا، أكبر مورد لمصر، ضرائب على الصادرات في محاولة لإبطاء المبيعات بالخارج.
وأعلن وزير التموين، في مؤتمر صحفي سابق، أن أسعار القمح بدأت الارتفاع عالمًيا منذ 3 شهور وأن الاحتياطي يكفي 5 أشهر. وأنه يتم التعاون مع وزارة الزراعة لتحديد أسعار توريد الأقماح المحلية في الموسم المقبل قبل بدء موسم الزراعة. مع الأخذ في الاعتبار الزيادة العالمية الحالية؛ لتشجيع الفلاحين.
وبحسب وزير التموين، فإن مخزون الأرز من إنتاج العام الماضي يكفي 3 شهور. كما أن موسم توريده المحلي يبدأ في شهر أكتوبر. بينما الاحتياطي من الدواجن يكفي 3.5 شهر. وقد تم تجديد التعاقد مع شركة اتجاهات السودانية لتوريد اللحوم لمدة عامين.
وارتفعت تكاليف استيراد هيئة السلع التموينية من القمح لأعلى مستوى لها خلال خمس سنوات. كما ألغت عدة عطاءات للشراء العام الحلي. وهو حدث غير عادي بالنسبة لأكبر مستورد للقمح في العالم، بحسب وكالة بلومبرج.
وفي أكتوبر الماضي، ألغت هيئة السلع التموينية مناقصة لشراء القمح بسبب ارتفاع الأسعار للمرة الخامسة في 2021. في الوقت الذي قفز فيه متوسط السعر الذي تدفعه الهيئة منذ بدء عمليات الشراء للموسم الجاري بنحو 100 دولار للطن.
لا تعديلات بالموازنة العامة
قال وزير المالية الدكتور محمد معيط إن الوزارة لن تدخل تعديلات على بنود الموازنة العامة للدولة لعام (2021 – 2022) بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمًيا. لكنها في الوقت ذاته تتابع المتغيرات وتتعامل معها لاستيعابها داخل مخصصات الموازنة.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية قرابة 130.0 نقطة في سبتمبر 2021. أي بزيادة 1.2% عن مستواه المسجّل في أغسطس وأعلى 32.8% عن الشهر ذاته من العام الماضي.
وارتفع متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب في سبتمبر بنسبة 27.3% عن الشهر ذاته من 2020. بسبب ارتفاع القمح بنسبة 4% على أساس شهري، و41% على أساس سنوي.
وتعتمد موازنة العام الحالي سعر طن القمح عند 255 دولارًا في المتوسط. وهو أقل بنحو 20 دولارًا عن السعر العالمي الذي يبلغ 275.75 دولار دون احتساب نولون النقل.
وتناهز واردات مصر من القمح ما بين 9 و10 ملايين طن سنويًا، موزعة بواقع 6 ملايين طن لوزارة التموين، و4 ملايين للقطاع الخاص. بينما ارتفع متوسط مؤشر الفاو لأسعار الزيوت النباتية 168.6 نقطة في سبتمبر، وبنسبة 60% تقريبًا عن الشهر ذاته من العام السابق. بسبب ارتفاع أسعار زيوت النخيل وبذور اللفت وتدني إنتاج ماليزيا. وهذا بفعل استمرار النقص في اليد العاملة المهاجرة.
وفي أكتوبر، ارتفعت أسعار خام زيت الصويا من 910 دولار إلى 1457 دولار، وخام عباد الشمس إلى 1550 دولار. فيما ارتفعت الزيوت بوجه عام بنسبة 90% عن الأسعار السابقة.
وظلت مصر حتى وقت قريب تستورد 97% من الزيوت. وذلك بما يعادل 800 ألف طن، قبل أن تستبدل الزيوت المصنعة بالبذور وعصرها في 32 مصنع محلي. ما خفض الاستيراد إلى 600 ألف طن. لكن المشكلة في ارتفاع أسعار البذور أيضًا.
لماذا سيتي جروب؟
اعتماد مصر على «سيتي جروب» يأتي وسط تزايد دور تلك الصناديق عالميًا، حتى تم اتهامها بالمسئولية عن أن ارتفاع الأسعار العالمية المواد الغذائية والتلاعب في أسعارها، فأسعار الغذاء بلغت أدنى مستوياتها منتصف عام 2020. ثم ارتفعت بشكل مفاجئ وسريع في النصف الثاني من السنة الماضية، بزعم انقطاع الإمدادات ومعوّقات في حركة النقل العالمية. لكنها ليست السبب الأساسي.
قبل شهور، كشف «ساكسو بنك» عن ارتفاع صافي عقود الشراء التي تحتفظ بها صناديق التحوّط. عبر عقود 24 سلعة أساسية لمستوى قياسي عند 2.7 مليون عقد بقيمة إجمالية تبلغ 144.4 مليار دولار.
وتجتمع المضاربة على السلع الغذائية مع عوامل أخرى مثل ضعف الدولار وارتفاع كلفة شحن الحبوب والبذور الزيتية، أعلى مما كانت عليه في جميع الأشهر منذ أكتوبر من عام 2019. كذلك الحال مع مخاوف من التضخم دفعت بمستثمرين للمضاربة بأسعار السلع الغذائية.
وحققت صناديق التحوُّط خلال عام 2020 أرباحًا بلغت 127 مليار دولار. ليبلغ حجمها 1.4 تريليون دولار منذ نشأتها عام 1949، عندما أطلق عالم الاجتماع ألفريد جونز أول صندوق تحوط. وحاول تقليل مخاطر مراكز شراء الأسهم التي لديه ببيع أسهم أخرى على المكشوف. ليصبح هذا النموذج الكلاسيكي لصناديق التحوط.
تسعى مصر من التعاون مع «سيتي جروب» إلى وضع استراتيجية صفقات طويلة/قصيرة (شراء/بيع). وهو أقرب شكل من أشكال استراتيجية الاستثمار في الصناديق المشتركة التقليدية عبر صفقات شراء طويلة المدى. بهدف تجنب المخاطر نسبيًا. إذ يكون لدى العاملين فيها القدرة على المنافسة، وتوقيع الصفقات على المدى البعيد.
منافسة على العقود
تعاقدت المؤسسة العامة للحبوب بالسعودية على شراء 1.3 مليون طن من القمح، خلال مناقصة نهاية الأسبوع الماضي. ما يعادل نحو ضعف الكمية المتوقعة لها من لاتحاد الأوروبي والبحر الأسود وأستراليا وأمريكا الجنوبية والشمالية.
وارتفع سعر القمح الشتوي الأحمر الناعم المعياري المستخدم في تصنيع البسكويت والكعك بنسبة 3.6% ليبلغ 8 دولارات للبوشل (27 كيلو جرام). وهو بذلك يسجل أعلى مستوى منذ ديسمبر 2012. كما ارتفع القمح الشتوي الأحمر الصلب، الذي تعتمد عليه صناعة الدقيق متعدد الأغراض بشكلٍ كبير، وبنحو 3% ليبلغ 8.095 دولار للبوشل ليصل لأعلى سعر منذ مايو 2014.
تتحدث إيران عن حاجتها لشراء كمية قياسية من القمح تبلغ ثمانية ملايين طن في الموسم الحالي. وذلك مقابل مليون طن العام الماضي. بعد تضرر محصولها المحلي بفعل الجفاف. وهي تسعى لضمان توفر الخبز، مع توقعات بأن يقل محصول القمح الإيراني هذا العام نحو 30%
وكشفت هيئة الرقابة الزراعية الروسية «روسبوتريب نادزور» أن الشركات الروسية تعمل على زيادة صادرات القمح من روسيا إلى الجزائر، التي تم استئنافها في يونيو الماضي. بعد توقف دام خمس سنوات. وقد أكدت أن من بين المشترين الرئيسيين إيران 1.29 مليون طن، وتركيا 0.84 مليون طن، وبنجلاديش ونيجيريا 210 آلاف طن لكل منها.
تحوط يستهدف السلع الاستراتيجية
كما أعلنت الهيئة العامة للسلع التموينية أنها اشترت 180 ألف طن من القمح الروسي في مناقصة دولية للشحن في الفترة ما بين 11 و20 ديسمبر المقبل. إلى جانب سعيها لشراء زيت الصويا وزيت دوار الشمس في مناقصة دولية للتسليم بين 20 ديسمبر والعاشر من يناير. بإجمالي 30 ألف طن من زيت الصويا وعشرة آلاف طن من زيت دوار الشمس.
خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، قال إن التعاقد مع «سيتي جروب» هدفه مواجهة الموجة التضخمية في الأسعار والارتباك التي تشهده أسعار السلع الأساسية الاستراتيجية. خاصة أن مصر تستورد كميات كبيرة من احتياجاتها من القمح والزيوت التي تحركت أسعارها بسبب أسعار الطاقة والغاز.
وفتحت مصر أخيرًا خط اتصال مع فرنسا يعتمد على التعاقد طويل الأجل مع رابطة موردي القمح الفرنسيين. ما يمنح مصر أفضلية على مستوى الأسعار، عبر مشاركة الشركة الوطنية للملاحة في عمليات الشحن. في إطار تنويع المصادر والتحوظ من نقص كميات الاستيراد.
أضاف الشافعي أن التحوط يهدف إلى ضمان وصول إمدادات الغذاء للمواطنين بأسعار معقولة دون نقص. خاصة السلع الاستراتيجية مثل القمح والزيوت التي يتم استيراد الكمية الأكبر منها من الخارج.