طالعتنا وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مطلع الأسبوع الجاري بجريمة من أبشع الجرائم التي شهدها المجتمع المصري مؤخرا. والتي اشتهرت إعلاميا “بجريمة الاسماعلية“، حيث قام شاب بقطع رأس عجوز في الخمسينيات من العمر، في أحد شوارع المدينة، والتجول بها أمام المارة. في تطور جديد لمثل هذه النوعية من الجرائم.
وتحتل مصر المركز الثالث عربيا والـ24 عالميا في جرائم القتل، بحسب تصنيف “ناميبو” لقياس معدلات الجرائم بين الدول. فيما كشفت دراسة صادرة عن جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلي وحدها باتت تشكل نسبة الربع إلى الثلث في إجمالي جرائم القتل. وأكدت دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن 92% من هذه الجرائم تُرتكب بدافع العرض والشرف.
لم تكن هذه الجريمة الأولى من نوعها في ادعاء القاتل أن الدافع هو الثأر لشرفه. لكنها الأبشع نظرا للتمثيل بجثة الضحية وأنها تمت أمام المارة بدون خوف أو تردد أو أي شعور بالندم. وهو مؤشر خطير يسترعى الانتباه لكون تلك الجرائم أصبحت معتادة خصوصا في المجتمعات المغلقة كحال معظم المدن الصغيرة.
وفي أكتوبر الماضي قتلت فتاة على يد والدها وشقيقها بإحدى قرى مركز الصف جنوب الجيزة، بدافع الانتقام بعد شكهما في سلوكها. حيث سدد الأب طعنات نافذة بسلاح أبيض “سكين” لجسد ابنته، وانهال الابن عليها بالضرب مستخدما “شومة” فسقطت قتيلة. وفي يوليو الماضي أيضا أدى الشك إلى ارتكاب جريمة مروعة، راحت ضحيتها فتاة مراهقة في إحدى قرى صعيد مصر، على يد شقيقها وكانت تبلغ من العمر 16 عاما. أقدم شاب وخاله على ذبح شقيقة الأول في منطقة أكتوبر. وفي إمبابة استدرج شخص زوجته داخل منزل مهجور وانهال عليها طعنا بالسكين. وفي المنيا قتلت فتاة في العقد الثاني من عمرها بعدة طعنات نافذة وخنقت بحبل غسيل بسقف غرفة نومها.
جرائم الشرف تتصدر القائمة
ويشير تقرير أعدته الأمم المتحدة عام 2020 إلى أنه يقع سنويًا حوالي 5 آلاف شخص، ضحايا لـ”جرائم الشرف” أغلبهم من الإناث، في المجتمعات المحافظة، حيث يُقتلن خنقا أو حرقا أو رجما أو طعنا.
وأصبحت جرائم الشرف شائعة في بلدان كثيرة، مثل باكستان، أفغانستان، الهند، إيطاليا، الأردن، اليمن، تركيا، السويد، العراق، المغرب، ومصر، الأمر الذي يدفع المنظمات الحقوقية والدولية للمطالبة بتشديد العقوبات على هذا النوع من الجرائم.
أما في مصر، فقد كشفت إحصائية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الجرائم الأسرية التي تندرج معظمها تحت مسمى “جرائم الشرف”. يرتكبها الأزواج أو الآباء أو الأشقاء بدافع الغيرة على “الشرف وغسل العار”.
وأكد التقرير أن 70% من جرائم الشرف ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم، و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم. بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم، أما نسبة الـ3% الباقية من جرائم الشرف. فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم، في وقت تراوح عدد ضحايا جرائم الشرف من 900 لـ2000 جريمة سنويًا.
ورصد معهد “دفتر أحوال” البحثي المستقل وقوع 371 حالة قتل أو إصابة. بدعوى “الشرف” وقعت في مصر، خلال الفترة الممتدة ما بين 1 يناير 2015، حتى 31 ديسمبر 2019.
وكان “الشك في السلوك” سبب وقوع العدد الأكبر من القتلى، بإجمالي 231 قتيلاً (4 ذكور، 227 إناث). يليه دافع “ترك المنزل” بإجمالي 41 حالة (جميعاً من الإناث)، في حين حصد “الشك في نسب الطفل” العدد الأكبر من القتلى الذكور (13 من الذكور و12 إناث، بإجمالي 25 قتيلاً).
فيما كانت الوسيلة الأكثر استخداماً لتنفيذ هذه الجرائم هي الطعن، بإجمالي 104 حالات. وتليها وسيلة “الخنق/ الغرق” بإجمالي 75 حالة.
مباركة مجتمعية لجرائم الشرف
ورغم أن جريمة القتل من أبشع الجرائم الإنسانية مهما كانت مبرراتها وأسبابها. إلا أنه لا يزال هناك من يبرر ارتكابها بضمير مرتاح ويكيل بمكيالين فيختل ميزان العدالة لصالح الجاني. وفق رواية المشيرة النفسية، سماح إسحاق عن رؤية علم النفس لجرائم الشرف. قائلة: “كل الجرائم بلا شرف وهذه الجرائم من المفروض أن يعاقب عليها القانون بشدة أكبر من المعتاد لأنها تسلب من إنسان حقه في الحياة بدعوي فاسدة”.
وهو ما حدث بالفعل مع جريمة الإسماعيلية، حيث جاءت معظم التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي في صالح الجاني وكان أبرزها “راجل من ضهر راجل”، “تسلم أيدك”، “أبو الرجولة”.
وأضافت سماح “غالبا ما يتم سحق المرأة ما بين القانون والشرع، فالرجل في المجتمعات الشرقية يستمد شرفه من أخلاق المرأة. وأصبح هذا المسلك هو الأسهل فبدلا من أن يحافظ الرجل على شرفه عبر مبادئه وقيمه وأخلاقه”.
وتابعت إسحاق أنه بالرجوع إلى النماذج التي تقوم بارتكاب هذه الجرائم نجدهم ما بين متعاطي عقاقير مخدرة وسكير ومتعدد العلاقات.
وأشارت إلى فترة عملها بالصعيد بمحافظة أسيوط أعترف لها أحد الرجال خلال إحدى محاضرات التوعية أنه لا يمانع أن تعمل زوجته ولا يرغب في ختن بناته. لكن إذا حدث ذلك سوف يتم وصمه ولن يستطيع أن يجلس مرفوع الرأس وسط الرجال. وقالت إن كسر هذه العادات الخاطئة يتطلب شجاعة قد لا يملكها البعض. فيلجأ المعظم من الناس إلى السير مع التيار للحصول للالتزام بسياق المجتمع وإن كان ذلك على حساب المرأة بشكل عام.
القانون يكيل بمكيالين
وينص قانون العقوبات المصري في مادته (237) على أن “من فاجأ زوجته حال تلبّسها بالزنا وقتلها في الحال ومن يزني بها فإنه يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234 و236”. إذ يستفيد الزوج من التخفيف في عقوبة قتل الزوجة. في حين أنه يفرق بين الرجل والمرأة في شروط تحقق واقعة الزنا، فالمرأة المتزوجة تعاقب على فعل الزنا بغض النظر عن مكان وقوعه. سواء كان في منزل الزوجية أو خارجه، على عكس الرجل الذي إن ثبت واقعة الزنا عليه خارج منزل الزوجية. فلا يعدّ ذلك جريمة، وإن كان خارج منزل الزوجية مع امرأة غير متزوجة، فلا يعدّ الفعل زنا من الأساس. ويضاف إلى ذلك أن عقوبة الزنا للرجل في حال ثبوتها تكون ستة أشهر، بينما تسجن المرأة لمدة لا تزيد على سنتين.
كما أن قانون العقوبات يخفّف من عقوبة الزوج الذي يفاجئ زوجته متلبسة بالزنا فيقتلها ومن معها. فلا ترى عليه العقوبة التي تسري في جرائم القتل المتعمد أو الضرب الذي يفضي إلى موت. إنما يعاقب بالحبس 24 ساعة، وذلك تفهماً لأن القتل هنا جاء بفعل الغضب الشديد الذي سيطر عليه.
تعديلات تشريعية
وتقول المدير التنفيذي لمؤسسة المرأة الجديدة، نيفين عبيد لمصر 360 “لا تزال قوانين الزنا بحاجة الي تعديل. لكن هناك تطور في الأحكام نسبيا، في محاولة لتجاوز الازمة في الحكم”.
وأضافت عبيد “هذا لا يعني أن القوانين ليست بحاجة لتغير بالعكس نحن في حاجة لتغيير قوانين الأحوال الشخصية والقوانين الأخرى التي تتقاطع معها. وأن نعمل كمجتمع على شيء أكبر من القوانين وهو إقامة علاقات أسرية صحية بين الرجل والمرأة. لأن أصل هذه المشاكل هو عدم تغيير طبيعة الأدوار والأنماط التي تخص الرجل والمرأة في الاسرة فيتسبب ذلك أحيانا الي وصول الخلافات الي حد الجرائم”.
نفين عبيد: نحن بحاجة إلى المزيد من الأبحاث عن تطور نمط الجرائم بداخل الأسرة المصرية وشكل هذه الجرائم وارتباطها بالأحوال الشخصية. فعلي سبيل المثال منذ عامين بطنطا قتل رجل زوجته وشكك في سلوكها لأنها أرادت الطلاق وهو لم يرد إعطائها حقوقها. وهذا يعد تطور في شكل الجريمة لإيجاد مبرر منطقي للقتل بالإضافة لتخفيف الحكم.
وأشارت المدير التنفيذي لمؤسسة المرأة الجديدة إلى أهمية الاستفادة من الخطاب الرسمي المتصدر الآن. بإعلاء قيمة المرأة وإظهارها في السلطة العامة وتمكينها سياسيا واقتصاديا ودعم هذه الصورة من قبل المؤسسات الإعلامية الرسمية. بأن تقوم بدور تحفيزي لتغيير الأنماط السائدة في العلاقات الاسرية لأخرى أكثر قبولا.
وطالبت عبيد بأهمية الاستجابة لمطالبات المنظمات النسوية لوقف دائرة العنف ببعض التعديلات عبر قرارات رئاسية ووزارية. واقترحت لحل الأزمة أن يتبني البرلمان أجندة للتعامل مع قضايا العنف الأسري كي يكون هناك إجراءات حاسمة تشريعيا على مستوى مناهضة العنف.
الشرع يرفض
مفتي الديار المصرية شوقي علام أكد في فتوى سابقة، أن الشرع وضع تعريفاً دقيقاً ومنضبطاً لجرائم الشرف. واحتاط احتياطاً شديداً في إثباتها. ووضع شروطاً دقيقة لترتيب العقوبة عليها. ولم يثبتها إلا بأحد أمرين: إما الاعتراف وهو الإقرار من الفاعل بأنه ارتكب الجريمة. وإما البيّنة، وهي أن يشهد أربعة أشخاص بأنهم رأوا حدوث الفعل. مضيفاً أنه لا يعوّل على إثبات جريمة الزنا من دون الأمرين السابقين أو أحدهما، مع تأكيده أن اللجوء إلى القانون لا غنى عنه، لا القتل.
ورغم صدور تلك الفتوى وغيرها من الفتاوى التي تجرم القتل بدافع الانتقام للشرف. إلا أن ذلك ليس له صدى على أرض الواقع طالما أن هناك اختلال في ميزان القانون الجنائي لصالح الرجل. وأن المجتمع يدعم ذلك ولو كان هذا الدعم بالصمت والتغافل.
.