بينما يستعد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لاستقبال نظيره المصري سامح شكري وفريقه في العاصمة واشنطن يومي 8 و9 نوفمبر للمشاركة في الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر. أشارت ورقة بحثية حديثة، لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إلى أن التعاون بين البلدين هو معضلة سياسية طويلة الأمد.
وبينما يناقش بلينكن مع شكري قضايا دولية وإقليمية، منها حقوق الإنسان، والتعاون الثنائي في القضايا الاقتصادية والقضائية والأمنية والتعليمية والثقافية. تُلقي الورقة الضوء على كيفية دعم الديمقراطية والحقوق في الخارج. مع الحفاظ على علاقات أمنية تعاونية مع شركاء وصفتهم بأنهم “منقوصين ديمقراطيا”.
صراع الديمقراطية والمصالح
تُشير الورقة البحثية، التي أجراها توماس كاروثرز نائب رئيس الدراسات في المؤسسة، وبنجامين برس، وهو مساعد باحث في برنامج الديمقراطية والصراع والحكم. إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى إلى وضع الدفاع عن الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في صميم السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
لكن الإدارة الأمريكية تواجه حقيقة عنيدة، تتمثل في أن الولايات المتحدة تحافظ على علاقات أمنية وتعاون مع حكومات “غير ديمقراطية أو متراجعة ديمقراطيًا”. ذلك التعاون يرجع إلى مكافحة التهديدات الإرهابية، والحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، وإدارة المنافسة مع الصين.
وتلفت الورقة إلى أن مثل هذه المواقف تؤدي -في كثير من الأحيان- إلى معضلة سياسية. حيث إن مواجهة الحكومات الشريكة بسبب عيوبها السياسية هي مخاطرة قد تؤدي لفقدان واشنطن مزاياها لدى هؤلاء الحلفاء.
ومع ذلك، فإن “منحهم حرية المرور لقضايا الديمقراطية والحقوق يقوض مصداقية مناشدات الولايات المتحدة للقيم. مما يعزز التصور المدمر بأن أمريكا تدفع من أجل الديمقراطية فقط ضد خصومها. أو في البلدان غير ذات الصلة من الناحية الاستراتيجية”.
نهج حذر
في العام الأول من رئاسة بايدن، ظهرت العديد من التوترات في العلاقات. مع مصر، والمجر، والهند، والفلبين، وبولندا، والمملكة العربية السعودية، وتركيا.
وبينما أثار خليفة ترامب -بشكل علني وسري- قضايا الديمقراطية والحقوق مع هذه البلدان. إلا أن “نهجها الحذر تجاه بعضهم”، كما وصفه باحثو كارنيجي. بدأ يجتذب انتقادات من أولئك الذين يشعرون أن المصالح الأمنية على المدى القريب تحظى بأولوية شديدة للغاية مقارنة بالديمقراطية والإنسان.
لذلك حملت الورقة البحثية عنوان “الإبحار في معضلة الديمقراطية والأمن في السياسة الخارجية الأمريكية: دروس من مصر والهند وتركيا”.
شراكة حيوية
مرت الشراكة المصرية- الأمريكية منذ إعادة تأسيسها في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، بالعديد من المتغيرات، تحكم فيها أصحاب القرار في كلا البلدين، وفقا لإطار أمني ودبلوماسي كتب ميثاقه في اتفاقية كامب ديفيد عام 1978
ورغم منحنيات الصعود والهبوط في مستويات العلاقة. تصف الدبلوماسية الأمريكية مصر دومًا بأنها “شريك حيوي للولايات المتحدة”، حيث استمرت العلاقات بينهما أربعين عامًا. ضمت عدة ملفات، أهمها تعزيز التعاون الأمني، والنهوض بحقوق الإنسان، وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية.
عدم استقرار
جاءت السنوات العاصفة لإدارة بوش الابن حاملة عدم الاستقرار في المنطقة. حيث تلقى الرئيس الذي بدأ الألفية الثالثة في عالم أحادي القطب، صفعة لكبريائه تمثلت في ضربة 11 سبتمبر، وهي أضخم هجوم إرهابي في تاريخ البلاد. بعدها، واجه رفض الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للخضوع لرؤيته والكف عن تهديد إسرائيل.
هذه الأزمات أدت لشن حربين لم تتخلص الولايات المتحدة من آثارهما بعد في أفغانستان والعراق. لكنها كانت دعوة كافية لإقامة مثل هذا الحوار مع مصر كقوة رئيسية في المنطقة. إلا أن بوش الابن لم يكن يقيم وزنًا للدبلوماسية والحوار. بل فضَّل سياسات القوة والإملاء.
ومع مجيء إدارة أوباما، بدا أن هناك نهجًا جديدًا في السياسة الخارجية مستندة على الحوار. حيث الانفتاح ليس فقط مع الأصدقاء، بل أيضًا مع الخصوم. وقتها استجابت واشنطن لدعوة تأسيس حوار مؤسسي ومنتظم مع مصر، التي اختارها الرئيس كموضع للحديث إلى العالم العربي والإسلامي.
وخلال ولاية دونالد ترامب كانت العلاقات المصرية الأمريكية بلا أزمات، ومن ثم لم تبد الحاجة إلى صيغة الحوار الاستراتيجي المنتظم بين البلدين، واستبدل بلقاءات واتصالات متكررة بين وزيري الخارجية.
تضارب المصالح
أشارت الورقة إلى أن التقييمات الدقيقة للقضايا الأمنية والسياسية المطروحة، يمكن أن تساعد صانعي السياسة في الولايات المتحدة على تقليل الميل طويل الأمد للتراجع بشكل انعكاسي عن الديمقراطية والحقوق عند ظهور تضارب المصالح.
وضمت التقييمات خمسة أسئلة رئيسية، منها المصالح الأمنية الأمريكية التي ستساعد الشراكة في تعزيزها. والعلاقة بين المصالح الأمنية التي تأمل الولايات المتحدة أن تخدمها الشراكة والوضع الديمقراطي الإشكالي للشريك.
وطرحت الورقة البحثية أسئلة هامة، حول كيف يمكن أن تتعرض المصالح الأمنية الأمريكية للتهديد إذا دفعت الولايات المتحدة شريكًا أمنيًا معينًا بقوة أكبر نحو الديمقراطية؟ وكيف يمكن إثارة قضايا الديمقراطية والحقوق مع شريك أمني إشكالي سياسيًا بطريقة تزيد من إمكانية تعزيز التقدم الديمقراطي؟ وما هو المعقول الذي يمكن توقع تحقيقه من خلال الضغط بقوة بشأن الديمقراطية؟
ولفت الباحثان إلى أن التوترات بين الديمقراطية والأمن “ليست سمة جديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
أقنعة الديمقراطية
خلال الحرب الباردة، شابت الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لما كانت تصفه دومًا بأنه “الدفاع عن العالم الحر” شراكات متكررة. وقتها أبقت على علاقات قوية مع من كانت تصفهم بـ “المستبدين المناهضين للشيوعية الذين قمعوا الحركات الديمقراطية في بلدانهم بلا رحمة”.
وعندما تلاشت أقنعة مناهضة الشيوعية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. اتسع نطاق المصالح الأمريكية الدائمة، مثل الحفاظ على الاستقرار الجيوسياسي إلى مكافحة الإرهاب. ما دفع صناع السياسة الأمريكيين إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع من تصفهم داخليًا بـ “شركاء غير ديمقراطيين” في العديد من الأماكن.
وكان الدعم الأمريكي لهؤلاء هو سبب رئيس في تصاعد التوترات الديمقراطية والأمن في العقود الأخيرة. حيث دعم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون نظام سوهارتو في إندونيسيا. وتشارك جورج بوش الابن مع الجنرال الباكستاني برفيز مشرف. وحتى باراك أوباما كان يتراوح بين الدعم والترك لحلفائه خلال فترة الربيع العربي.
أمّا دونالد ترامب، فقد قلل من اهتمام بلاده بدعم الديمقراطية دوليًا إلى مستوى منخفض. يكاد يكون منعدم القيمة. على عكس بايدن الذي جاء حاملًا ترقيات لمكانة الديمقراطية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
فرض الديمقراطية
يلخص الدبلوماسي السابق ريتشارد هاس السياق الاستراتيجي الأوسع لخيارات الأمريكية بقوله: “لقد سمح الرؤساء دائمًا بتنحية الالتزامات المعلنة تجاه حقوق الإنسان والديمقراطية جانبًا عندما تظهر مصالح أو أولويات أخرى في المقدمة”.
يُضيف: “لكن التحول الأوسع في السياسة الخارجية للولايات المتحدة اليوم، مع تشديده على كل من المنافسة بين القوى العظمى والأولويات المحلية قصيرة الأجل. جعل هذه المقايضات أكثر تكرارًا وحادة “.
انطلقت الورقة البحثية من فرضية أن إدارة بايدن ترغب بصدق في جعل دعم الديمقراطية جزءًا أساسيًا من سياستها الخارجية. وتركز على تحديات القيام بذلك مع أنواع معينة من الشركاء الذين يحتاج إليهم الأمن الأمريكي. بينما لم تتعمق في المناقشات الجارية حول النطاق العام للمصالح الأمنية الأمريكية أو تتخذ موقفًا بشأنها.
ويرى الباحثان أن الدعم الأمريكي، مثل المساعدة العسكرية أو التعاون الاستخباراتي. قد يساهم بشكل مباشر للغاية في الحفاظ على الأنظمة غير الديمقراطية في مكانها.
وتنقسم الورقة إلى ثلاثة أجزاء. تبدأ بإلقاء نظرة عامة موجزة على بعض المصالح الأمنية الرئيسية التي دفعت الإدارات الأمريكية الأخيرة إلى تنمية علاقات وثيقة مع العديد من الحكومات غير الديمقراطية. ثم دراسات متعمقة لثلاث حالات رئيسية برزت فيها معضلة الديمقراطية والأمن إلى الواجهة. وهي علاقات الولايات المتحدة مع مصر والهند وتركيا.
وتختتم الورقة بسلسلة من التوصيات السياسية حول أفضل السبل لفهم وإدارة التوتر بين الديمقراطية والمصالح الأمنية.
معضلة الأمن
تلقي الدراسة الضوء على العديد من الاختلافات والتعقيدات المتأصلة في معضلة الديمقراطية والأمن الأمريكي. حيث تتمتع الدول الثلاث محل الدراسة منذ فترة طويلة بعلاقات أمنية مهمة مع واشنطن.
ويؤكد الباحثان أن الولايات المتحدة طالما اعتبرت السلام بين مصر وإسرائيل أمرًا حاسمًا للأمن الإقليمي. لذلك تقدم أكثر من مليار دولار سنويًا كمساعدات أمنية للقوات المسلحة المصرية. وهي التي اقتطع بايدن بعضها مؤخرًا بدعوى الضغط من أجل حقوق الإنسان.
ويشيرا إلى أنه منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين “تقلص الفضاء السياسي في مصر بشكل كبير وسط حملة قمع وحشية على المعارضة”. بينما وصفا الديمقراطية في تركيا بأنها “متدهورة بشدة”، حيث زاد الرئيس أردوغان بشكل كبير من القمع والتعددية السياسية المحدودة على مدى العقد الماضي.
أمّا الهند، فقد دفع رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهند إلى مسار مقلق من عدم الليبرالية السياسية، مما دفع معهد أنواع الديمقراطية في تصنيفاته لعام 2021 إلى تحويل الهند من “ديمقراطية انتخابية” إلى “استبداد انتخابي”.
مستويات القمع
تتطرق الدراسة إلى النطاق الجيوسياسي والتنوع الوظيفي لمعضلة الديمقراطية والأمن في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. حيث تتراوح الشراكات الأمنية. التي تطرح المعضلة من علاقات معاملات نسبية متجذرة في مجالات محددة للغاية للعمل المشترك. إلى شراكات شاملة تستلزم تعاونًا عميقًا عبر مجموعة من المجالات.
وبالنسبة لقضايا الديمقراطية والحقوق، قد تركز واشنطن، بالنسبة للديكتاتوريات الكاملة. على تشجيع الحكومة على تقليل حدة القمع المستمر، أو التفكير في بعض الأشكال الأساسية جدًا للتحرير السياسي.
أما في السياقات الاستبدادية التنافسية، فقد يكون التركيز بدلاً من ذلك على ضمان الحقوق السياسية للمعارضة، أو الحفاظ على أي مساحة موجودة للمجتمع المدني المستقل، أو حماية قدر ضئيل من وسائل الإعلام المستقلة على الأقل.
وفي البلدان التي بدأ فيها التراجع للتو، قد يركز صانعو السياسة الأمريكيون بدلاً من ذلك على الحد من الخطاب غير الليبرالي. أو الحفاظ على نزاهة العمليات الانتخابية. أو التراجع عن الجهود المبذولة لتقويض استقلال القضاء.
دعم استراتيجي
يؤكد الدليل الاستراتيجي للأمن القومي المؤقت لإدارة بايدن أن الحفاظ على الأمن الأمريكي “يتطلب منا مواجهة التحديات. ليس فقط من القوى العظمى والخصوم الإقليميين. ولكن أيضًا من الجهات الفاعلة العنيفة والإجرامية من غير الدول والمتطرفين. ومن تهديدات تغير المناخ، والأمراض المعدية، والهجمات الإلكترونية، والمعلومات المضللة التي لا تحترم الحدود الوطنية”.
وفقًا لهذا المنظور التوسعي، يسعى صانعو السياسة الأمريكيون إلى إقامة شراكات مع مجموعة واسعة من البلدان من جميع الاتجاهات السياسية. حتى لو كانت شراكات مع “مستبدين” أو “متقاعدين ديمقراطيين”، كما تم وصفهم على مدى العقدين الماضيين.
لذلك نجد أنه بين عامي 2018 و2020، انخرطت الولايات المتحدة في تعاون لمكافحة الإرهاب مع 85 دولة. تصف المؤسسات الأمريكية معظمها بأنه “ناقص ديمقراطيًا”.
هذه الدول نفسها هي ما اعتمدت عليه الولايات المتحدة في الحفاظ على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. تحتاج إليهم لتوفير القواعد العسكرية، ودعم العمليات الأمريكية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق المبادرات الأمنية الإقليمية. لذلك تظل قيمة الشراكات الوثيقة مع دول مثل مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات. بمثابة عقيدة للعديد من مؤسسات الدفاع والاستخبارات والدبلوماسية الأمريكية.
مصر.. الديمقراطية على الطاولة
لم يكن قبول الولايات المتحدة للوضع الديمقراطي المصري موضع تساؤل جاد داخل دوائر السياسة. لكن، في السنوات الخمس عشرة الماضية، برزت القضية بشكل دوري كمصدر للخلاف بين النظامين.
ظهرت قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان لأول مرة بطريقة جادة في العلاقات بين البلدين خلال رئاسة جورج دبليو بوش. الذي فاجأ الرئيس الراحل حسني مبارك بالحديث علانية عن العجز الديمقراطي في البلاد. لكن تلاشى الحماس بعد ذلك، بسبب مماطلة الرئيس الراحل في وقت تعثرت فيه الإدارة الأمريكية.
عادت قضية الديمقراطية إلى الظهور عندما تصاعدت الاحتجاجات الضخمة المناهضة لمبارك في أوائل عام 2011. حيث دعم باراك أوباما وإدارته المتظاهرين. حيث اتهم البعض أوباما بأنه “ألقى مبارك تحت الحافلة”.
دعم أوباما للرئيس الراحل حتى اللحظة التي أصبح من الواضح فيها أن نظامه لا يمكنه النجاة من الاحتجاجات. عندها ألقى خطاب في مطلع فبراير 2011 قال فيه: “ما هو واضح، وما أشرت إليه الليلة للرئيس مبارك. هو إيماني بأن الانتقال المنظم يجب أن يكون ذا مغزى، ويجب أن يكون سلميًا. ويجب أن يبدأ الآن”.
علاقات معقدة
يقول الباحثان إن إدارة أوباما حاولت تعزيز التحول الديمقراطي المهتز في مصر من خلال دعم الانتخابات، وتكثيف المساعدة المتعلقة بالديمقراطية، ومحاولة العمل بشكل بناء مع أول رئيس مدني منتخب لمصر، محمد مرسي.
ولكن بعد الإطاحة بجماعة الإخوان في يوليو 2013، فشلت إدارة أوباما في تنفيذ غرضها. رغم وصفه ما حدث بأنه “ليس انقلابًا”. وقتها، تم إلغاء مناورة عسكرية مشتركة. وصرّح أوباما بأن “تعاوننا التقليدي لا يمكن أن يستمر كالمعتاد”.
لكن مع ترسيخ السيسي لنظامه، تراجعت إدارة أوباما. في غضون بضعة أشهر. خاصة عند مشاركة مصر في العمليات العسكرية كعضو في التحالف الدولي لهزيمة داعش. وقتها أعلنت إدارة أوباما أن مروحيات أباتشي المحجوبة سابقًا سيتم تسليمها إلى مصر.
بالتزامن مع هذا، تم تسييل 650 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي. رغم قرار وزير الدفاع الأمريكي -آنذاك- تشاك هاجل أن الولايات المتحدة “لم تكن قادرة بعد على التأكيد من أن مصر تتخذ خطوات لدعم التحول الديمقراطي”.
وأضافت الدراسة: “واصلت الإدارة التنازل عن حقوق الإنسان في مقابل حزم المساعدات العسكرية على مدى السنوات التالية. بحجة مصالح الأمن القومي”.
الحقوق مقابل المساعدات
في عام 2015، كان البيت الأبيض يضغط بشكل علني من أجل إزالة شروط المساعدة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية من تشريعات الاعتمادات. حتى لا يضطر إلى إصدار شهادة غير ملائمة للتقدم السياسي الذي ترى الإدارة الأمريكية أنه لم يحدث بالفعل.
وبعد مكالمة مع السيسي في مارس 2015، أعلن أوباما أنه سيرفع تعليق تسليم المعدات العسكرية الذي كان ساريًا منذ أكتوبر 2013 وسيسعى مرة أخرى للحصول على 1.3 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية لمصر.
وأكد أن المساعدة العسكرية المستقبلية سيتم إعادة تركيزها على المجالات الأساسية التي تتوافق فيها المصالح الأمريكية والمصرية، وهي جهود مكافحة الإرهاب، والأمن البحري، وأمن الحدود، وأمن سيناء، والحفاظ على ترسانة مصر الحالية من الأسلحة.
سنوات ترامب
تشير الورقة البحثية إلى أن أي توترات مستمرة بين الأولويات الأمنية ودعم الديمقراطية تراجعت تمامًا خلال إدارة ترامب.
فخلال سنوات ترامب ظهرت بعض القيود الطفيفة على التعاون الأمني بين مصر والولايات المتحدة. فقد نظرت إدارة ترامب في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية في عام 2019. وهو ما كان سيحقق هدفًا طويل الأمد لمصر. لكنها اختارت في النهاية عدم القيام بذلك.
وبينما انضمت مصر في البداية إلى تحالف ترامب الاستراتيجي للشرق الأوسط. وهي خطة لاحتواء القوة الإيرانية من خلال بناء “حلف شمال الأطلسي العربي”، انسحبت في نهاية المطاف بسبب المخاطر المرتبطة باستعداء إيران بشكل مباشر.
كذلك واجه البلدان توترات بشأن مواقفهما المختلفة من المتقاتلين في ليبيا. حيث دعمت الولايات المتحدة حكومة الوفاق الوطني، بينما دعمت مصر الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
أمّا النقطة الأخطر في تلك التوترات، فكانت مواصلة السيسي تنويع استراتيجية مصر لشراء الأسلحة. والتي تضمنت شراء طائرات مقاتلة روسية من طراز Su-35 بقيمة ملياري دولار. الأمر الذي أجبر واشنطن على النظر فيما إذا كانت سترد بفرض عقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا. واحتمالية فرض العقوبات.
حجب المساعدات
تشير الدراسة إلى ازدهار الصداقة بين واشنطن والقاهرة خلال سنوات ترامب. والتي نادرا ما كانت مثقلة بحقوق الإنسان أو مخاوف الديمقراطية. بينما الإجراء الأكثر أهمية الذي اتخذته إدارة ترامب بشأن القضايا المتعلقة بالديمقراطية. هو حجب المساعدات على أساس اعتماد مصر لقانون يحد من التمويل الأجنبي للمنظمات المحلية غير الحكومية.
وفي أغسطس 2017، أخطر وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون الحكومة المصرية بأن وزارته كانت تضع قرارًا تنفيذيًا على 195 مليون دولار في صندوق التمويل العسكري. حتى ألغت الحكومة الإدانات وخففت القانون.
ونتج عن هذا الضغط تنازلات محدودة حيث برأت محكمة مصرية بعض العاملين الأجانب في المنظمات غير الحكومية وعلقت تنفيذ قانون المنظمات غير الحكومية. وقد قام مايك بومبيو بتحويل الأموال في نهاية المطاف في عام 2018.
مع نهاية عهد ترامب، في عام 2020، اقترح بعض المسؤولين في وزارة الخارجية تجميد ما يصل إلى 300 مليون دولار من صندوق التمويل الصغير المشروط. وذلك رداً على وفاة مواطن مصري- أمريكي، توفي أثناء سجنه بتهم تتعلق بالإرهاب.
وعند الضغط على هذه المسألة في جلسة استماع بالكونجرس، تحدث بومبيو عن الفرق بين من وصفهم بـ “المستبدين الذين يحاولون محو أمم بأكملها من على وجه الأرض” وآخرين، مثل السيسي، الذين “يشاركوننا بالفعل للمساعدة في الحفاظ على أمن أمريكا”.
تحول بايدن
في بداية حملته الانتخابية، غرد الرئيس الأمريكي جو بايدن في يوليو 2020 بأنه “لن يكون هناك المزيد من الشيكات على بياض” ليُثير آمال بعض المراقبين لإعادة التوازن الأساسي للعلاقة بين البلدين.
وفي نوفمبر من العام نفسه، انتقد وزير الخارجية أنتوني بلينكين علنا اعتقال موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وإدراكًا منها أن البيئة في واشنطن على وشك التغيير، أطلقت الحكومة المصرية عددا من السجناء. بل -وفق الدراسة-قامت بحملة ضغط بقيمة 65 ألف دولار شهريًا لتبييض سمعة مصر.
لكن على الرغم من خطابهم المرتفع بشأن الديمقراطية والحقوق. فإن إدارة بايدن وافقت على مبيعات صواريخ بقيمة 200 مليون دولار إلى مصر في فبراير 2021.
وفي مايو 2021. شهدت المنطقة تصاعد العنف بين إسرائيل وحماس. عندها لم تجد الإدارة الأمريكية من يُمكن للطرفين تقديره والتوسط لوقف إطلاق النار سوى المصريين. وهو ما حدث بالفعل، ليتفجر الود من إدارة بايدن، حيث تلقى السيسي اتصالين هاتفيين تعهد خلالهما الرئيس الأمريكي بالحفاظ على خط اتصال مفتوح.
وعلى الرغم من مخاوف بايدن وبلينكن بشأن حقوق الإنسان في مصر. لكن وزير الخارجية جاء إلى القاهرة في زيارة ودية للرئيس المصري. ناقش الرجلان المخاوف الأمريكية لمدة ساعة. سعى بايدن إلى إقامة حوار بناء حول حقوق الإنسان، بينما لم يتخذ السيسي سوى القليل من الإجراءات المجدية ردًا على ذلك.
ضغوط مصرية
يرى الباحثان أن تصميم بايدن على رفع مكانة الديمقراطية والحقوق في السياسة الأمريكية تجاه مصر في عهد السيسي قد اصطدم بالفعل بحدة مع العادة المتجذرة بعمق في الحفاظ على علاقات أمنية وثيقة مع البلاد. حيث لم تُترجم رغبة واشنطن في دفع هذه القضايا إلى أفعال من شأنها أن تشكك في العناصر الرئيسية للشراكة القائمة منذ عقود.
وتقدر الدراسة أنه من شبه المؤكد أن إدارة بايدن ستستمر في البحث عن طرق لإقناع الزعيم المصري أو الضغط لتقليص سياساته المحلية. رغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون على استعداد للذهاب إلى أبعد من ذلك في استخدام المساعدة الأمنية -مصدر النفوذ- لتحقيق هذا الهدف.