قعدة المكاتب ” وفتح الأدراج وشغل “تحت الطرابيزة ” هي من السمات المميزة لموظفي ومسؤولي المحليات ، ومن يتعامل معهم من أصحاب المصالح المعلقة أو الصفقات المشبوهة
منظومة حكومية مأزومة عنوانها ” الشقاء ” لكل مواطن ، وطريقها مفروش بـ”المعاناة ” التي تقود إلى فشل وشلل لمظاهر الحياة في العاصمة والأقاليم
تجسدت تلك المنظومة في ثلاثية الفساد والعشوائية والبيروقراطية المتجذرة، في حين تزهق مصالح المواطنين على مذبح الإهمال والتراخي وسيولة الروتين الرسمي
ظلت محليات مصر منذ عام 1979 كيانا مبعثرا في متاهات التبلد واللامبالاة ، والمركزية السلطوية ، يفتقر إلى الانضباط والتأديب ، فهناك شعور عام باختلال ميزان الثواب والعقاب في أروقة وإدارات الحكم المحلي المآسي والأزمات التي يدفع فاتورتها المواطن المصري .
مناخ قاتم تغلفه سحب كثيفة من المحسوبية المتزلفة ، تلك التي تخدم حصرا أهل الحظوة ذوي النفوذ الذين يقدمون الرشاوى والهبات والعطايا ليحصلوا على منافع ومكاسب تشكل في مجموعها ضررا جسيما للصالح العام ، والنتيجة موظف حرامي و مواطن راشي.
الفساد عنوان المحليات
الفساد والمحليات صارا كلمتين مترادفتين ، فما أن تذكر واحدة منهما حتى يتسدعي ذهنك الثانية ، فالفساد تغلغل منذ سنوات طويلة في أروقة الحكم المحلي ، ونشط كالخلايا السرطانية القاتلة في بدن المجتمع لينتج آثارا سلبية من شأنها أن تعرقل عجلة التنمية وتجفف منابع الاستثمار .
70 اجتماعا وحوارا مجتمعيا لمناقشة مشروع القانون الجديد وما زال الخلاف قائما
جرائم متعددة تعلن عن نفسها في سفور فاجر ، و كلها تمر عبر الأبواب الخلفية للوحدات المحلية بالقرى والأحياء بالتواطؤ بين أصحاب المصلحة ومسؤولي الحي ، من بينها التلاعب في استخراج تراخيص البناء على غير الواقع ، و انتشار العقارات المخالفة خاصة الأبراج السكنية الشاهقة التي قد تنهار فوق رأس سكانها في غمضة عين وتزهق أرواح الأبرياءلأنها تفتقر إلى مواصفات البناء ، والتعديات على أملاك الدولة من أراض أو انتهاك لحرم الشوارع ، وانتشار تلالا من القمامة والمخلفات الضارة بالصحة والبيئة في بعضها ، عن انهيار المرافق وتداعي البنية التحتية التي تتسنزف ملايين الجنيهات مما يتسبب في إهدار جسيم للمال العام .
تركة ثقيلة متراكمة من ذلك الفساد الإداري ، والذي أحيانا ما يصيب الحياة العامة بالشلل خاصة عند مواجهة ظواهر طبيعية تقع في جميع دول العالم ، مثل الأمطار التي فشل مرفق الصرف الصحي في استيعابها في كبرى مناطق وشوارع القاهرة وضواحيها ،حجم الظاهرة يتضخم بحساب النسب والأرقام ، حيث إن 90% من الأدوات الرقابية التي تقدم في مجلس النواب، خاصة بفساد المحليات ، ومن ثم صارت الرقابة المحلية والشعبية مهمة لمواجهة ذلك الفساد ،حسبما أكد النائب خالد عبد العزيز شعبان .
و الأدوات الرقابية التي يستطيع عضو مجلس النواب استخدامها، تحددها المادة للمادة 198 من اللائحة الداخلية للمجلس التي تنص على أنه يحق لكل عضو أن يوجه أسئلة إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم”وذلك للاستفهام عن أمر لا يعلمه العضو، أو للتحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه، أو للوقوف على ما تعتزمه الحكومة في أمر من الأمور.
“الفساد في المحليات وصل للركب”، اعتراف للتاريخ وللبلاد سجله زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق ، في حقبة التسعينيات ، رغم أنه كان أحد رجالات ذلك العصر الذي ولدت سياسته من رحم “الديكتاتورية والاستبداد” رحل نظامه ولكن الأزمة ظلت باقية ، تستعصى على الحل .
مشروع القانون
يتألف مشروع قانون الإدارة المحلية من 156 مادة قدمته لجنة الإدارة المحلية منذ دور الانعقاد الأول للمجلس، وتم إحالته للأمانة العامة وظل حبيس الأدراج ،وذهبت بعض المزاعم فى هذا الصدد بأنه تم التأجيل لأكثر من مرة ، نظرا لوجود استحقاقات انتخابية أخرى تتعلق بمجلسي النواب والشورى ، رغم أنه استحاق دستوري أيضا .
وتضمن المشروع مستجدات لم تتوفر فى القانون القديم الحالى رقم 43 لسنة 1979 الذى عفى عليه الزمن ولا يواكب التطورات والتغيرات التكنولجية الحديثة ، ولم يتم تعديله إلا عام 2003، بينما أجريت انتخابات محلية عام 2008، ثم تعطلت المجالس المحلية منذ 2011 حتى أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما يقضي بحلها .
يتضمن المشروع الجديد مواد تنص على ضرورة توافر آليات رقابية قوية للقضاء على البيروقراطية والفساد فى المحليات والتحول إلى نظام اللامركزية المالية والإدارية ، وأن يتولى مجلس المحافظين إقرار وسائل تمكين الوحدات المحلية بما يدعم اللامركزية وتقويم أداء الأجهزة ، كما يمنح المحافظين اختصاصات وصلاحيات إدارية ومالية واسعة ، مثلما يمنح المجالس المحلية حق تشكيل لجان تقصى حقائق بشأن القضايا والمشكلاتوهو لا يجيز في الوقت نفسه، جمع المحافظ بين منصبه وعضوية المجالس النيابية أو المحلية.
90% من الأدوات الرقابية التي تقدم في مجلس النواب، خاصة بفساد المحليات
“هذا القانون استحقاق دستوري ولا بد من إعمال العقل” ، وفقا للنائب محمد الغول ، من أجل المصلحة العامة على حساب المصلحة الشخصية ، بينما زاد النائب يحي كدواني على ذلك بأنه “ضرورة ” لمواجهة أزمات المحليات .
أما النائب عبدالمنعم العليمي نبه إلى أن الأوضاع في الشارع المصري في حاجة ماسة لقانون الإدارة المحلية لمواجهة إشكاليات انعدامها خلال الفترة الماضية ، معلنا موافقته على مشروع القانون ومناقشته والذي وافق عليه أيضا النائب طلعت خليل، ولكن مع ملاحظات أبداها على النظام الانتخابي وتوافقه على القائمة المغلقة التي انتهت في كل دول العالم.
نقاط خلافية
70 اجتماعا وجلسة استماع وحوارا مجتمعيا شهدها مشروع قانون الإدارة المحلية بمجلس النواب ،شارك فيها كثير من المحافظين، وأعضاء مجالس محلية سابقين، والخبراء والمتخصصين وكل من له علاقة بالقان وما زال الخلاف قائما حول عديد من النقاط والتي تتمثل في اللامركزية ، الاستقلال المادي والإداري للوحدات الانتخابية وتشابك الاختصاصات بين المحافظين ووزير التنمية المحلية ، واختيار المحافظين بالتعيين أم الانتخابات ، والصلاحيات الرقابية لأعضاء المجالس المنتخبة ، بل إن بعض المشاركين قال إن بعد مواد مشروع القانون تتعارض مع الدستور ، ولكن فريقا آخر أكد أنه المشروع شهد مراجعات كثيرة.
كما أن هناك نقطة أخرى تعذر التوافق بشأنها وتتمثل في إجراء انتخابات مجلسي النواب والشيوخ والإدارة المحلية معا وفي توقيت واحد ، وذلك يعود لعصوبة تنفيذ إجراءاتها ، بحسب النائب أحمد السجيني ، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب ، الذي قال :” بعض الأحزاب لديها رؤية في توقيت إجراء انتخابات المجالس المحلية، ولو تم إصدار القانون المحليات فإن الانتخابات لن تجرى الانتخابات إلا مع حلول 2021 لأن القانون مقيد بلائحة تنفيذية التي يستغرق إعدادها بدورها ما لايقل عن 6 شهور .
عقبة العمال بين القانون والدستور
أما تعريف العامل فشكل بدوره عقبة أثناء المناقشات التي شاركت فيها النقابات العمالية التي أبدت تحفظها إزائه ، غير ان الدستور حدد النس سواء للعامل أو غيره من الفئات الأخرى في المجتمع ، ومن ثم فإن تغييرها يستلزم تعديلا دستوريا ، حيث تنص المادة 180 من الدستور بأنه :” تنتخب كل وحدة محلية مجلسا بالاقتراع العام السرى المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط فى المترشح ألا يقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب، على أن يُخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالى عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسبة تمثيلا مناسبا للمسيحيين وذوى الإعاقة ، وتختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على السلطة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، على النحو، الذى ينظمه القانون، ويحدد القانون اختصاصات المجالس المحلية الأخرى، ومواردها المالية وضمانات أعضائها واستقلالها.”
التأخير ..”فتش ” عن الأحزاب
طالبت الأحزاب التي حضرت الجلسات بمهلة للقوى الحزبية، لإعداد وجهات نظرهم للحصول على قانون توافقي من شأنه أن يرضي جميع الأطراف ، شارك نحو 20 من رؤساء الأحزاب ، و أحزاب مستقبل وطن و ائتلاف دعم مصر الذي يمثل الأغلبية البرلمانية .
الدكتور عماد جاد أصيب بالذهول من رفض مناقشة مشروع قانون بزعم أن الأحزاب “غير مستعدة” ، أو أن مصر تتعرض لمؤامرة، قائلا :” ممكن نقول مصر بتتعرض لمؤامرة ونأجل انتخابات مجلس النواب أيضا الاستحقاق الدستوري لا يجب أن يخضع لاستعدادات الأحزاب لخوض الانتخابات.”
الأحزاب تريد قانونا توافقيا يرضي جميع الأطراف
غير إن أشرف رشاد، رئيس حزب مستقبل وطن، قال إنه لا مانع من التأخر في إصدار قانون الإدارة المحلية، حتى تستطيع القوى السياسية التوصل إلى مشروع قانون يعالج موضوع النسب داخل القوائم ، في حين قال عبد الناصر قنديل، الأمين العام المساعد لحزب التجمع، إن هؤلاء النواب الذين وقعوا على مشروع قانون الإدارة المحلية اختفوا تماما عند النقاش حول أهمية القانون
كما حذر المستشار بهاء الدين أبوشقة، رئيس حزب الوفد، من العجلة في إصدار قانون المحليات بشكل انفعالي، مشددا على ضرورة التأني كي يأتي قانونا توافقيا .
الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، كرر تأكيده أن مناقشة القانون التزام دستوري لا يجب التملص منه ، مؤكدا أن الإدارة المحلية هي المدرسة التي يتعلم فيها المواطن فن إدارة الحكم داخل المجالس، وتنمية أي مجتمع لا تتم إلا من خلال المجتمع المحلي، بجانب أن الإدارة المحلية جزء من البنيان الإداري والدستوري .
ويظل السؤال قائما ، هل يتأتى للتشريع قيد الحوار والمناقشات المتسفيضة أن يمنع الممارسات الجائرة التي ترتكبها الإدارات المحلية ، و التي تنعكس على الشارع المصري، ومن ثم يشكل القانون بداية للحكم المحلي الرشيد ؟ أم أن الممارسات الراسخة داخل المحليات تحتاج إلى سنوات كثيرة مقبلة لإعادة هيكلة العقلية الإدارية ؟