تسبب انتشار فيروس كورونا في موجة عالية من إغلاق المدارس بعدة دول ، مما أربك السياسات التعليمية بها ، خاصة فيما يتعلق بالأطفال والدور الذي يجب أن يؤدوه ، ولكن دولا أخرى وفي مقدمتها الصين وكوريا الجنوبية لجأت إلى هذه الخطة للوقاية لأبطاء تفشي الوباء .
في حين تعقد منظمة اليونسكو اجتماعا طارئا لوزراء التعليم في 10 مارس الجاري لتبادل الاستراتيجيات الرامية إلى الحفاظ على استمرارية التعلم وضمان الاندماج والإنصاف ، كما أوصت في الوقت نفسه باستخدام التطبيقات والمنصات التعليمية المفتوحة التي يمكن للمدراس والمعلمين استخدامها للوصل إلى المتعلمين عن بعد.
“لا تنتظر حتى فوات الأوان ، فالتاريخ يعلمنا أن نحافظ على أطفالنا في المنزل في وقت مبكر وقت تفشي الوباء حتى ننقذ حياتهم” ، هذه هي النصيحة التي قدمها مدير مركز تاريخ الطب بجامعة ميتشجان وأستاذ طب الأطفال دكتور هوارد ماركل لحماية تلاميذ المدارس من الإصابة بالفيروس ، والتي استخلصها من خبرة سنوات طويلة في دراسة الأمراض الوبائية و تاريخها وكيفية تعامل الدول معها .
عندما يتفشى الوباء
وقال في مقاله الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية :” أبحاثي التي أجريتها على التاريخ الطويل للأمراض الوبائية علمتني أنه عندما تتفشى الأمراض التنفسية المعدية ، فإن إغلاق المدارس يمكن أن يساعد في الوقاية من آلالاف الأمراض وحالات الوفاة .
وأكد هوارد أن المدارس هي أماكن تجمع كبيرة تضم عددا كبيرا من الأشخاص في نطاق مكاني واحد ومن السهل أن تنتقل الأمراض التنفسية وتنتشر بين الصغار والكبار على حد السواء، لافتا إلى أن إغلاق هذه المدارس يمكن أن يكون جزء أساسي لإبطاء انتشار الفيروسات المعدية ، وحتى لا تتعرض المستشفيات لاجتياح المرضى ، مما يسمح بتوفير الوقت لتطوير الأدوية المضادة للفيروسات ، والعلاجات الطبية او المصل .
13 دولة أعلنت إغلاق المدارس مما أثر على 290.5 مليون طفل وشاب في قطاع التعليم ما قبل الابتدائي إلى الصفوف الثانوية العليا.
وأضاف: ” ينبغي على صناع القرار الذين يعملون على وقف انتشار المرض ، أن يتذكروا جزءا أساسيا من المعادلة المعلوماتية التاريخية والتي تقول : لا نستطيع الانتظار بعد فوات الأوان “
ودعا المجتمعات الإمريكية إلى إغلاق المدارس قبل ، وليس بعد ، تفشي الوباء ، موضحا أن مصطلح “انتشار ” المرض غير دقيق “ولكني استخدمه لوصف وضع يشمل حالات متعددة عبر مدينة أوولاية ما ، مع مزيد من الحالات التي تظهر مع كل يوم يمضى .
وتحدث هوارد عن خبرته في دراسة الأوبئة قائلا :” قمت في 2007 ، مع زملائي بمركز تاريخ الطب بجامعة متشجين و المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية ، بدراسة وباء الإنفلونزا في 1918-1919 ، والذي قتل في هذه الفترة 750 ألف أمريكي ، ودرسنا حالة 43 مدينة كبرى طبقت مزيجا من التدخلات غير الدوائية مثل عزل المرضى أو المشتبه في أن يكونوا مرضى ، في المستشفيات أو في المنازل ، ومنع التجمعات العامة ، وفي بعض الحالات إغلاق الطرق و السكك الحديدية وإغلاق المدارس .
و أشار إلى أنه تبين أن إغلاق المدراس هو أحد أكثر الأساليب الوقائية فاعلية ضد انتشار الوباء ، فالمدن التي تصرفت بسرعة ، ولفترات طويلة ، وأغلقت المدارس و غيرها من الأساليب غير الدوائية المعتادة ، شهدت أقل معدلات الوفاة .
وتابع :” تعتبر بالطبع الأساليب غير الدوائية ، مثل العزل و الغلق وغيرها، قاسية اجتماعيا ولكن ينبغي اللجوء إليها كملاذ آخير للسيطرة على الأمراض التي تنتقل بمعدلات عالية والتي تتصف بالخطورة ، وينجم عنها نسب وفيات عالية .
وأكد أن المشكلة الأساسية في فيروس كرونا تتمثل في أننا لم نشهد تفشي الإصابة به من قبل ، لذا فإننا ليس لدينا حتى الآن أعداد جيدة ومستقرة كي توضح لنا مدى خطورته .
كان إغلاق المدارس أحد الأساليب الوقائية ضد انتشار الأنفلونزا في أمريكا عام 1918بعدما قتل 750 ألف شخص
واستند في هذا السياق إلى الخبراء بالمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية ، والذين تكهنوا بأن يكون معدل وفيات حالات الإصابة بفيروس كرونا المستجد “كوفيد 19 “ربما لا تقل عن 1% ، حيث أسسوا كلامهم على افتراض بأن عدد الحالات التي لم تظهر عليها أعراض أو الحالات المصابة بالأعراض في حدها الأدنى ، أعلى من الحالات المسجلة ، مشيرا إلى أنه بينما يعد هذا أعلى من معدل الأنفلونزا الموسمية (0.1%) ، إلا أنه أقل بكثير من النسبة المتأرجحة التي لاحظناها في وباء الأنفلونزا عام 1918 (2.5) في الولايات المتحدة وبنسب أكبر في دول أخرى .
ورجح ماركل أن تنخفض النسبة بمجرد أن “يكون لدينا شعور أفضل برقم الحالات الخفيفة ، فإذا حدث ذلك و معظم حالات كوفيد 19 لن تصبح أسوأ من نوبة أنفلونزا شديدة ولكنها غير مميتة ، لذا لن تكون الأساليب “غير العلاجية ” مثل غلق المدارس ، ضرورية .
واستدرك بأن هذا النوع من البيانات لن يتوفر حتى يتم تحليله ، حتى ينتشر فيروس كوفيد -19 على نطاق واسع ، داعيا إلى ضرورة تطبيق سياسات احترازية حتى لا نبكي على اللبن المسكوب .
وقال :” درسنا اللجوء إلى إغلاق 559 مدرسة في ميتشجان ، أثناء موجة تفشي وباء الإنفلونزا في 2009 ، حيث أن 83% من إغلاق المدارس تم بعد فترة طويلة من وصول انتشار الفيروس إلى ذروته بين الناس الذين يعيشيون في هذه المقاطعات التي تقع بها المدارس ، ومن ثم كان يمكن التبنؤ بجميع النتائج ، فإغلاق المدارس المتأخر كرد فعل ، كان له تأثير ضعيف على مستويات أمراض مثل الأنفلونزا .”
لا سيناريو للإغلاق
وأكد أنه ليس هناك سيناريو متفق عليه يحدد بالضبط متى تنطلق الدعوة لإغلاق المدارس ، ولكن إذا كان وقعت إصابة بالفيروس لعدة حالات في فصل مثلا بالصف الثالث بإحدى المدارس الابتدائية ، فإن ذلك يستلزم إغلاق المدرسة على الفور ، وستكون فكرة جيدة أن يشمل الإغلاق مدارس أخوة طلاب الصف الثالث والأطفال ممن هم على اتصال بهم .
ونبه ماركل إلى أن مايزيد على 80% من حالات كوفيد-19 حالات اصابة خفيفة ، وكان عدد قليل من الأطفال من بين المصابين الذين يعانون من حالات خطيرة أو قاتلة ، مستدركا بأن معظم الآباء لايتحملون القلق الناجم عن إغلاق المدارس إذا كان معناه أنهم يتجنبون خطورة طفيفة نسبيا على صحة أطفالهم .
وقال إن الأطفال بجميع الأعمار “وسط ملائم” بشكل خاص لنشر الفيروسات التنفسية ، مما يضع الكبار الذين يعملون في المدارس و العاملين بمجال الصحة في غرف الطوارئ والمستشفيات ، إذا ظلت المدارس مفتوحة ، مؤكدا أن الحفاظ على الأطفال في المنزل قد يكون عاملا مهما في إنقاذ حياتهم .
وأضاف :” لم نكن في تاريخ الطب ، أكثر استعدادا لمواجهة ذلك الفيروس أكثر من اليوم ، ولكن هذا التاريخ يعلمنا أيضا ، أنه عندما يتعلق الأمر بغلق المدارس ، فيجب علينا أن نتحرك اليوم وليس غدا “
اجتماع طارئ
ومن المقرر أن تعقد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو اجتماعا طارئا لوزراء التعليم في يوم 10 مارس الجاري لتبادل الاستراتيجيات للحفاظ على استمرارية التعلم وضمان الاندماج والإنصاف.
وقالت المديرة العامة للمنظمة، أودري أزولاي: ” نعمل مع الدول لضمان استمرارية التعلم للجميع، وخاصة للأطفال والشباب الضعفاء، وهم الذين عادة ما يكونون الأكثر تضررا من إغلاق المدارس”
اليونسكو: إغلاق المدارس، حتى لو كان مؤقتا، يؤثر على التحصيل الدراسي، و تراجع الأداء التعليمي، فضلا عن خسائر أخرى صعبة القياس
واضافت أنه وعلى الرغم من أن الإغلاق المؤقت للمدارس نتيجة للأزمات الصحية وغيرها ليس بالأمر الجديد، “إلا أن سرعة واتساع النطاق العالمي للاضطراب التعليمي الحالي لا مثيل لهما.” وحذرت المسؤولة الأممية من أن طول أمد الاضطراب “قد يهدد الحق في التعليم”.
ولفتت المنظمة إلى أنه تم إغلاق المدارس في 13 دولة مما تسبب في تعطيل الدراسة لنحو 290.5 مليون طالب على مستوى العالم ، مؤكدة أنها تقدم دعما فوريا لهذه البلاد عبر حلول “التعليم عن بعد “
كما أعلنت 22 دولة في ثلاث قارات مختلفة عن إغلاق المدارس نتيجة للمخاوف الصحية المرتبطة بالفيروسبينما كانت الصين قبل أكثر من أسبوعين فقط، الدولة الوحيدة التي فرضت مثل هذه الإجراءات.
وبعد وقت قصير من ذلك، أعلنت ثلاث عشرة دولة إغلاق المدارس على مستوى البلاد، مما أثر على 290.5 مليون طفل وشاب في قطاع التعليم ما قبل الابتدائي إلى الصفوف الثانوية العليا ، بينما نفذت تسع بلدان أخرى عمليات إغلاق المدارس المحلية لمنع أو احتواء فيروس كورونا.
وأففادت اليونيسكو إنه في حال أعلنت هذه الدول عن إغلاق كامل للمدارس على المستوى الوطني، فسيمنع ذلك 180 مليونا آخرين من الشباب والأطفال، من الدراسة.
التعليم عن بعد
وأعلنت المنظمة عن دعمها تنفيذ برامج واسعة النطاق لخدمات التعليم عن بعد ، حيث أوصت باستخدام التطبيقات والمنصات التعليمية المفتوحة التي يمكن للمدراس والمعلمين استخدامها للوصل إلى المتعلمين عن بعد .
“هوارد ” : الأساليب غير العلاجية مثل العزل والغلق وغيرها، قاسية اجتماعيا و ينبغي اللجوء إليها كملاذ آخير للسيطرة على الأمراض المنتشرة بمعدلات عالية.
كما تقوم المنظمة بتوفير معارفها في” أفضل الممارسات” في الاستفادة من تقنيات الهواتف المحمولة زهيدة الثمن، لأغراض التدريس والتعلم للتخفيف من الاضطرابات التعليمية التي تشهدها البلدان المتأثرة.
وأكدت أن إغلاق المدارس، حتى لو كان مؤقتا، فإنه يتسبب في خفض الوقت التعليمي، مما يؤثر على التحصيل الدراسي، وتراجع الأداء التعليمي، فضلا عن تسبيبه لخسائر أخرى صعبة القياس ، من بينها تعقيد حياة الأسر وخفض الإنتاجية الاقتصادية، حيث يكافح الآباء لتحقيق التوازن بين التزامات العمل ورعاية الأطفال، وغير ذلك من التأثيرات.
وتعهدت المنظمة أنها ستواصل رصد ومراقبة حجم الإغلاقات المدرسية ونطاقها وانتشارها الجغرافي، وأنها “على أهبة الاستعداد” لدعم البلدان المتأثرة التي تتخذ تدابيرها الشاملة المناسبة.