“يراودنا الأمل في (حياة كريمة) بعد طرح المعاش التأميني للمزارعين” عبارة بسيطة حملت في كواليسها الكثير من الآلام التي قدمها إلينا بعض عمال التشجير ممن أصبح “حلم التعيين البعيد” أقرب لواقعهم تأثراً بإطلاق مشروع “معاشك بإيدك”> وبدء تنفيذه التجريبي الشهر المقبل بمحافظة الفيوم. وبعد جمود طال أمده لسنوات طويلة ظهرت المبادرة التي جعلتهم يشعرون أن حقهم الذي تأخر لسنوات أصبح قريب المنال.
متوسط أعداد عمال التشجير يقدر بنحو 34 ألف على مستوى الجمهورية، وتبدأ قصتهم بحلم التعيين والتشبث بالأمل لنحو 25 عام، ظلوا خلالها يصدقون الحلم ويسعون وراءه ثم تحبط آمالهم ويتم طيها في أدراج مكاتب مسئولى وزارة الزراعة والجهات المعنية،إلى أن يصدر قرار جديد فيعيدهم لدائرة التمني التي لم تغلق حتى اليوم، ولقيت الرغبة بداخلهم مصرعها بعد أن رأوا زملاء عملهم “المؤقت” يفارقون الحياة قبل أن يحصلوا على “التثبيت” تاركين أسر بلا عائل أو معاش آدمي يحميهم.
وقبل أيام تحركت المياه الراكدة بداخلهم مرة أخرى وجددت تلك التطلعات بالإعلان عن الشروع في صرف معاش تأميني للمزارعين خاصة أن المناقشات طالت عمال الزراعة الغير نظاميين، وهو الأمر الذي جعل عمال التشجير يرون حلمهم البعيد قريب منهم، ونبت الأمل المجهض بداخلهم مرة أخرى، وراحوا يطرقون أبواب الجمعيات الزراعية في محاولة للإمساك بحلمهم.
منها “معاشك بإيدك”.. إجراءات إعادة أحيت آمال عمال التشجير
أطلقت الدولة من خلال الجهات المعنية ومنها التضامن الاجتماعي برنامج الحماية التأمينية وتم البدء في العمل على حصر العمالة غير منتظمة في جميع أنحاء البلاد لمنع تعثرهم وإتاحة حزمة من مظلات الحماية الدائمة لهم منها التأمين الصحي والتأمين على الحياة.
اعتبر وزير التضامن، دكتورة نيفين قباج، أن التوجه للقطاع الزراعي واحد من الخطوات الهادفة لحماية القطاع الغير رسمي ودمجه في قاعدة بيانات الدولة الرسمية، وأن هناك نحو 42 ألف صياد في جميع المحافظات دخلوا بالفعل خلال الفترة الماضية بمظلة الحماية التأمينية وتم تحسين مناخ عملهم بالتعاون مع وزارة الداخلية لتأمين السواحل ووزارة البيئة وأنشأت قاعدة بيانات خاصة بهم، وكذلك صناع الاخشاب والموبيليا في دمياط وغيرها من المحافظات فقد تم التوجه لحصر أعدادهم وفتح مشاريع عمل معهم لإنعاش تلك الصناعة من خلال التعاون معهم في تجهيز الوحدات السكنية في المشاريع الحكومية وغيرها، وكذلك اشراكهم في المعارض التي تم إقامتها بمختلف المحافظات لضمان وتأمين جانب من العمل لهم.
أما عن القطاع الزراعي فقد أكدت القباج، أن الإجراءات تتم على قدم وساق لشمولهم بمظلتي التأمين الصحي والتأمين على الحياة خاصة أن عدد المؤمن عليهم في القطاع المقدر عددهم بنحو 5 مليون مزارع لا يتجاوز الـ 5.5% فقط، وحيازات بعضهم وحصيلة عملهم لا ترقى لحد الكفاف لتلك الأسر.
طرح نموذج “معاشك بإيدك” لطرح خيارات متنوعة في الحصول على المعاش منها الدفع لمرة واحدة ودفعات على فترات بما يساعد العمالة الغير منتظمة في القدرة على تأمين اشتراكها به، وللحصول على التأمين الصحي والتأمين على الحياة سيتم الدفع بحد أدنى 5000 جنيه سنوياً بحسب وزيرة التضامن، كما أن كل فرد يمكنه تحديد قيمة المعاش الذي سيحصل عليه من خلال اختيار قيمة الاشتراك المدفوع، وتم فتح التسجيل للنساء سواء كانت تعمل بالزراعة أو زوجة مزارع، وتحدد سن الاشتراك بـ “18 لـ 50” عام، واتيح التوقف عن الدفع ونيل المعاش من سن الـ 50 عام بحد أقصى.
واللجنة العاملة في إدماج المزارعين بالمنظومة الرسمية تتشكل من عدد من المسئولين في جهات مختلفة منها وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة المالية والبنك المركزي وبنوك مصر والأهلي والزراعي وشركة مصر للتأمين على الحياة وعدد من الخبراء، تحت إشراف رئيس الوزراء.
تقدم العمر والمرض وتجديد وهم التعيين دورياً وراء انتظار عمال التشجير لسنوات
مؤخراً قدم النائب البرلماني، محمد عبد الله، طلب إحاطة لرئيس مجلس النواب، متهما خلاله وزراء الزراعة والمالية والتنمية المحلية بالمماطلة في تقنين وضع عمال التشجير، مطالباً باستدعائهم لبحث الأمر والوقوف على حل نهائي لتلك الأزمة التي طال انتظار حسمها حتى وصل أغلب العمال لسن المعاش.
وأرفق عبد الله، طلب الاحاطة بقرار رقم 702 لسنة 2011 الصادر عن وزير الزراعة بتثبيت العمالة المؤقتة والمخاطب به مختلف الجهات التابعة للوزارة ومنهم العاملين بالادارة المركزية للتشجير وعدد من القطاعات الأخرى والمقر باحتساب مكافأة شاملة لهم بعد الحصول على موافقة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، مستندا لما تم الوقوف عليه من قرارات للوزارات المعنية في حضور “التنظيم والادارة” خلال عام 2013 والتي انتهت إلى إلزام وزير المالية بتوفير المخصصات المالية المطلوبة للتعامل مع هذا القرار وتنفيذه.
“تجاوزت الـ 50 عام ولم يعد أمامي سوى انتظار التعيين”، بهذه العبارة بدأت سهام ابراهيم أحمد، عاملة التشجير حديثها معنا لتروي لنا قصة مريرة ومعها عدد من رفيقات ما أسمته بـ “السراب” في إشارة لـ “التعيين والتأمين الصحي”، قائلة “حصلت على مؤهل متوسط وسعدت بفرصة العمل في جمعية زوير الزراعية التابعة لمركز شبين، فهي قريبة من بيتى وتتيح لي فرصة رعاية أسرتي، ومرت الأعوام وأنا لا أتقاضى سوى 40 جنيه وأحاسب على الغياب ويتم الخصم منهم وبعد مزيد من الوقت أصبح الراتب 70 جنيه كل ثلاثة أشهر ثم انقطع ذلك الراتب تماما منذ نحو 13 عام”.
فسهام عملت لنحو 25 عام بعقد مؤقت بدأ في عام 1996، ومرور كل هذه الأعوام في عمل مؤقت بدون أجر استوجب التساؤل عن أسباب التمسك به وعدم البحث عن بدائل لتبادرنا بإجابة حملها صوت هادئ بطئ الايقاع شبيه بحجم صبرها على ضياع العمر: “السنوات تسربت من بين أيدينا ففي السنوات الخمس الأولى كان من الطبيعي أن ننتظر لادراكنا أن التعيين لا يأتي إلا بالتقادم خاصة الحكومي منه، وبعد ذلك تلاعب بنا مسؤولوا “مصر” في اشارة منها لوزارة الزراعة والجهات المعنية بالقاهرة، كلما مر عام يرسلون في طلب أوراق منا فنبتهج ونشعر أن التعيين وشيك ونرسل شهادات مختومة تثبت عملنا لدى الجمعية الزراعية، وننتظر الرد وظل الأمر على هذا النحو لعشر سنوات وربما أكثر إلى أن اتجه بعضنا للقضاء وهنا لم يكن أمامنا بديل سوى الانتظار بعد أن فقدنا حماسة الشباب الراغب في البحث عن عمل، والخوف من ضياع السنوات التي أمضيناها بالفعل في الانتظار”.
التأمين الصحي هدف عمال التشجير المرجو من التعيين
كشفت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، عن توجيه رئيس الجمهورية بالعمل على تقنين أوضاع العمالة المنتظمة في مختلف أنحاء الجمهورية و إدماجهم في المنظومة الرسمية وإحاطتهم بمظلتي التأمين الاجتماعي والصحي.
“أحلم بتأمين صحي فالأمراض تلاحقنى بعد أن تجاوزت الـ 50 ولا أملك قيمة العلاج”، وأضافت سهام ابراهيم في حديثها لنا: ” أعاني من غضروف في فقرات ظهري وخشونة في بعضها وأجريت جراحة للغدة الدرقية قبل أعوام وأتناول يوميا علاج تكلفته لم تعد في مقدوري وزوجى الذي يتقاضى معاش تأميني قدره 1500 جنيه ولنا ثلاث أبناء”.
وتربط سهام بين التعيين والتداوى على نفقة الدولة فتقول: “لا أرغب في الحصول على مستحقاتي المتأخرة لا مانع لدي في التنازل عن كل ما فات وما أمضيته من عمل بلا أجر لنحو 25 عام ولكنى فقط أحلم بالتأمين الصحي لأتمكن من مداواة أمراضي التي كثرت بعد التعيين”.
وتشاركها هذا الأمل المرتبط بالصحة عاملة التشجير سهير أبو العلا، التي تعتبر أن عمل أشعة رنين لها بقيمة 900 جنيه هو الأمل المنتظر والذي بات وشيك بعد الحديث عن معاش المزارعين قائلة: “أنا مريضة وطلب مني الطبيب عمل اشعة رنين بقيمة 900 جنيه ومن كرم ربنا سمعت انهم ممكن يعينونا قريب وانهم خلاص هيأمنوا على المزارعين، فهقدر اعملها وكمان اشوف دكتور كويس زي باقي المتثبتين رسمي”.
فيما تطمح العاملة سهام عزب في التمكن من الإنفاق على تعليم ابنها فهي مطلقة وتعول ابنها وتقيم في غرفة معه بمنزل والدتها واعتبرت أن الحديث عن التعيين “طوق النجاة” لتحسين وضع تلك الأسرة قائلة: “ببيع خضار واسترزق منه مه مفيش مرتب لكن بعد التعيين هيبقى عندى مرتب وتأمين وارتاح من مرمطة الفجر في الأسواق”.
عقد المتدربين ومحاولات الضغط من أجل التعيين
سبق أن صرح وزير الزراعة، السيد القصير، أمام البرلمان في مطلع العام الحالي أن أزمة عمال التشجير مسئولية المحافظات التي كان عليها اتمام تعاقداتهم في المديريات التابعين لها، وأنه يتواصل مع وزارة المالية والجهات المعنية للعمل على حلها في أقرب وقت ممكن.
ولمئات المرات احتج عمال التشجير على وضعهم بل وقدم بعضهم من المحافظات للقاهرة متظاهرين ضد تجاهل وزارة الزراعة لأمرهم رغم عملهم لصالحها وطالبوا بتقنين أوضاعهم ولمرات مثيلة يعدهم المسؤولين بأن الأمر منتهي وأن التعيين وشيك بلا جدوى.
سهام إبراهيم تسخر من حديث المسئولين عن عقودهم قائلة: “بعد أكثر من 20 عام عمل لصالح الجمعية الزراعية فوجئنا بهم يخطرونا أن عقودنا للتدريب فقط أول مرة أعرف ان فيه تدريب 20 سنة، طب بعد سنتين تلاتة واحنا لسة شباب ونقدر نشوف شغلانة تانية مقالوش كدة ليه، هو فيه تدريب تأبيدة إحنا لو مسجونين كنا خرجنا حسن سير وسلوك وشوفنا الدنيا اللى مش عارفين نتحصل عليها بعقد تعيين رسمي”.
تؤكد أن الجمعية التي تعمل لصالحها في قرية زوير التابعة لشبين الكوم بالمنوفية بها نحو 45 عامل بنفس صيغتها الموصوفة “بعقد التدريب”، وأن أغلبهم من النساء، وكل قرية بها عدد مقارب في مركز واحد داخل محافظة واحدة وهو الأمر ذاته المتكرر في باقي المحافظات معتبرة أن الآلاف منهم لا يجدون فعلا ما ينفقون به على علاجهم بل أن البعض فارق الحياة بالفعل دون أن يتثنى له التداوي.
واستطردت قائلة: “حتى “حياة كريمة” ملناش نصيب فيها، فقد حاولت أن أتقدم بأوراقي للحصول على معاشها وأخبروني في الوحدة المحلية بأنى لا أصلح لكوني موظفة وأقسمت لهم أني لا أتقاضى أجراً ولكنهم استمروا في الرفض”.
وفي نهاية يونيو الماضي اضطر وزير الزراعة السيد القصير للتوجيه بتعيين نحو 113 عامل يتبع الادارة المركزية للتشجير بعد حصولهم على حكم نهائي بالتعيين في محافظة أسيوط بعد 3 سنوات من التقاضي.