تباينت مواقف المنظمات الحقوقية بشأن مراقبة الاتصالات والانترنت في مصر، خاصة في ظل القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، نظرا لما يعتبره الكثير من المنظمات بأنه يشكل خطورة وانتهاك صارخ للخصوصية، في الوقت نفسه تؤكد بأنها ليست ضد فكرة المراقبـة فـي المطلـق، فهي موجودة في كل دول العالم، ولكنها ضـد فكـرة المراقبـة العامـة.
من بين تلك المنظمات مركز” هردو لدعم التعبير الرقمي”، والذي أصدر مؤخرا ورقة موجز سياسات عامة بعنوان “مراقبة الاتصالات والانترنت في مصربين الحق في الخصوصية وحماية الأمن القومي”، في إطار عمله لدعم حرية الانترنت في مصر وتعزيز الحقوق الرقمية لجميع المواطنين والمواطنات.
الورقة ناقشت الإطار القانوني، حيث فرضت المادة الثانية من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات عمليات المراقبة، عملية مراقبة شاملة لجميع المواطنين وألزمت مقدمي الخدمة بحفظ وتخزين سجلات أنشطتهم لمدة ستة أشهر كاملة، على أن يكون من حق مأموري الضبط القضائي الاطلاع على هذه السجلات بموجب أمر من سلطات التحقيق المختصة، فضلا عن أحقيتهم في ضبط والدخول وتفتيش أنظمة المعلومات المختلفة بذات الشروط – الأمر القضائي – وهو ما ينتقص بشكل فج من حق المواطنين في الخصوصية ، المقرر في الدستور المصري طبقا للمادة 57، وفي القانون الدولي لحقوق الإنسان، لاسيما في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. فضلا عن مخالفة هذه القواعد للمعايير الدولية المتعارف عليها لعمليات المراقبة في ظل احترام حقوق الإنسان.
بحسب الورقة فإن الممارسات العملية للأجهزة الرسمية في مصر فيما يتعلق بالمراقبة والتجسس لا تحترم حتى القواعد القانونية الرسمية
بحسب الورقة فإن الممارسات العملية للأجهزة الرسمية في مصر فيما يتعلق بالمراقبة والتجسس. تلك الممارسات التي لا تحترم حتى القواعد القانونية الرسمية، والتي توجه غالبا لمعارضين سياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، بعكس الغرض الذي من المفروض أن تلتزم به هذه العمليات وهو توجيهها لحماية المواطنين من الجرائم بالغة الخطورة التي تمس الأمن القومي، والتي من أجلها تم قبول تقنيين المراقبة والتجسس رغم ما يمثلانه من انتهاك جسيم لحريات وحقوق المواطنين.
استعرضت الورقة تأثير هذه السياسات، القانونية والعملية السلبي على الدولة المصرية، معتبرة أن ذلك يؤثر بدوره على اتفاقيات التعاون الدولي، واتفاقيات تصدير التكنولوجيا والأسلحة، حيث تعرضت مصر بالفعل لهذ النوع من العقوبات خلال السنوات الأخيرة على خلفية انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. بالإضافة لذلك تؤثر تلك السياسات على جذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد. لاسيما تلك المتعلقة بقطاعي الاتصالات والانترنت. فضلا عن الكلفة المالية التي تفرضها استخدام برمجيات تجسس ومراقبة واسعة النطاق وهو ما يحًمل موازنة الدولة أعباء إضافية كان جديرا توجيهها للتعامل مع مشاكل ضعف الانفاق على الصحة والتعليم.
اقترحت الورقة بديلين للسياسات الحالية. يتعلق أولهما بتعديل بعض مواد القانون 175 لسنة 2018 بما توافق مع المعايير الدولية لمراقبة الاتصالات والانترنت في ظل احترام وحماية حقوق الإنسان، فضلا عن التوصية بالوقف الفوري لعمليات المراقبة غير القانونية التي تطال المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وغيرهم.
الورقة طالبت السلطات المعنية باحترام الدستور المصري الذي حفظ حق المواطنين والمواطنات في الخصوصية، والتوقف الفوري عن السياسات الحالية التي تهدر هذه الحق وتضر بسمعة البلاد في الخارج وتوثر على قدرة مصر على جذب الاستثمارات الخارجية.
4 آثار سلبية
وبشأن الآثار المترتبة على السياسة الحالية لمراقبة الاتصالات والانترنت في مصر بشكل عام اعتبرت الورقة أن ” السياسات الحالية لمراقبة الاتصـالات والانترنـت فـي مصـر تشكل انتقاصـا لحـق المواطنين في الخصوصية، ذلك الحـق المحمـي بموجـب الدسـتور المصـري وفقا لنص المادة 57، وانتهاكـا لالتزامـات مصـر أمـام المجتمـع الـدولي فيمـا يتعلـق بـاحترام حقـوق الإنسـان”.
تري الورقة أن السياسات الحالية لمراقبة الاتصـالات والانترنـت فـي مصـر تشكل انتقاصـا لحـق المواطنين في الخصوصية، ذلك الحـق المحمـي بموجـب الدسـتور المصـري وفقا لنص المادة 57
رصدت الورقة 4 من الآثار المرتبة على هذه السياسات منها ، التأثير على سمعة مصر أمام المجتمع الدولي لافتة إلى أن مصر تتعــرض بشــكل مســتمر لانتقــادات دوليــة ســواء مــن هيئــات رســمية مثــل : الآليــات الدولية لحقوق الإنسان داخل الأمم المتحـدة أو مـن منظمـات غيـر حكوميـة معنيـة بحقـوق الإنســان ، فضلا عن تأثير ذلـك علـى الاتفاقيـات الدوليـة المتعلقـة بالتسليح وبتصدير التكنولوجيا للـدول التـي يشـيع فيهـا انتهـاك حقـوق الإنسـان بشـكل منهجي، مشيرة إلي أن مصر تعرضت لعقوبات من هذا النوع عدة مرات في السنوات الأخيرة بسـبب ٦ انتهاكات حقوق الإنسان من دول مثل: الولايات المتحدة، وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
الأثار شملت أيضا ، ما سمته الورقة بـ “هروب الاستثمارات الأجنبية من البلاد “، بحسب الورقة فإن تعاظم الاستثمار في قطاع التكنولوجيـا والاتصـالات فـي السـنوات الأخيـرة بشـكل مطـرد ، حتـى أن شـركات مثـل “جوجـل” و “فـيس بـوك” أصـبحت قيمتهـا الماليـة تفـوق النـاتج القـومي لـبعض الـدول، وبـالتي يتعـين علـى أي دولـة تسـعى لجـذب الاسـتثمارات أن تـولي اهتمامـا خاصا بهذا القطاع ، وتوفر له مناخا صحيا وحر ا للعمل ، وهو على العكـس تمامـا ممـا تـؤدي إليه السياس ات الحكومية الحالية في التعامل مـع مسـألة ال مراقبـة ، وهو عكس ما يحدث حيث أن هـذه الممارسـات المتزايــدة ســببت هــروب جــزء مــن شــركات التكنولوجيــا الكبــرى مــن مصــر.
أوضحت الورقة أنه من بين الآثار أيضا، إثقال موازنة الدولة بالتكلفة المالية لهذه السياسات مشيرة إلي أن التكلفة التي تتحملها موازنة الدولـة – المثقلـة بالـديون والأعبـاء – كتكـاليف لشـراء وإدارة وتشـغيل برمجيـات التجسـس والاختـراق التـي تسـتخدمها الأجهـزة الرسـمية فـي عمليات المراقبة، ولكنها أشارت إلي أنها لا تملك رقم دقيـق عـن تكـاليف هـذه البرمجيـات نظـرا للسـرية، التـي تحــاط بهــا صــفقات شـراءها ، وكونهــا لا تــدرج كبنــود مفصـلة داخــل ميزانيــة الــدفاع والأمن، فانه يمكن الاستدلال على ما تتكبده موازنة بالدولة بمراجعة أسعار التقنيات التـي يرجح أن السلطات المصرية تسـتخدمها ، وهـي أسـعار معلنـة مـن قبـل الـدول الأخـرى التـي اشـترت هـذه التقنيـات.
طرحت الورقة عددا من التساؤلات بشأن المراقبة وكيف تطبق دوليا، مؤكدة بأنها موجودة في كل دول العالم، ولكن هناك تقنين دولي لفكرة المراقبة والتتبـع الإليكتـرونين
حذرت الورقة من ارتفاع أسعار خدمات الاتصالات نتيجة لتلك السياسات متسائلة عن التكلفـة الماليـة لعمليـات المراقبـة الجماعيـة القانوني التي تتحملها الشركات الخاصة والعامة من مقدمي خدمات الاتصالات والانترنـت فـي مصـر، معتبرة أن الوسائط والتكنولوجيا والموارد البشرية اللازمة لتخزين وتتبـع سـجلات ١٠٠ مليـون مـواطن سـتمثل بالتأكيـد عبئـا ماديـا إضـافيا علـى هـذه الشـركات ، والتـي مـن المحتمـل أن تسـعى بدورها لتحميله للمستخدمين حتى تتمكن من تغطية تكاليف تشغيلها وتحقيـق أربـاح ، ممــا قــد يــؤدي لرفــع أســعار هــذه الخــدمات فــي مصــر ويــؤثر علــى قــدرة المــواطنين علي الاسـتمتاع بهـا نتيجـة لمسـتواهم الاقتصـادي المتـدني ، أو يجعـل اسـتثمارات أخـرى تعتمـد علـى هـذه الخـدمات.
مطالب بتعديل القانون ليتوافق مع المعايير المقبولة دوليا
الورقة طالبت كحل لتلك الإشكاليات السابقة، تعديل القانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨، خاصة مع تعديل المادة ٢ والمادة ٦ من القانون بحيث تتوافق المادتين مـع المعـايير المقبولـة دوليا لمراقبة الاتصالات في ظل احترام حقوق الإنسان وخصوصية المواطنين بحيث يتم الغاء الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون، و اســتبدال نــص المــادة ٦ مــن القــانون بــالنص التــالي : “للنيابــة العامــة أو قاضــي التحقيق، بحسب الأحوال، أن تصدر أمرًا مسببًا لمأموري الضبط القضائي المختصـين، لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا قابلـة للتجديـد لمـرة واحـدة، متـى كـان لـذلك فائـدة فـي ظهور الحقيقة على ارتكاب جريمة معاقب عليها في هذا القانون بواحـد أو أكثـر ممـا يأتي .
انتهت الورقة إلي أنها ليست ضـد فكـرة المراقبـة فـي المطلـق ولكن ضـد فكـرة المراقبـة العامـة، بالمناسـبة فـي هذا الاجراء اهدار لمبدأ قـانوني هـام وهـو قرينـة البـراءة
طرحت الورقة عددا من التساؤلات بشأن المراقبة وكيف تطبق دوليا، مؤكدة بأنها موجودة في كل دول العالم، ولكن هناك تقنين دولي لفكرة المراقبة والتتبـع الإليكتـرونين، بينما تشير الورقة إلي أنه و فـي الدول الديموقراطية تكون ممارسة المراقبة والتتبـع أو التجسس مقصـورة علـى اشـخاص بعينهم وبموجب قرارات من سـلطات تحقيـق ولكـن فـي الدولـة القمعيـة يـتم مراقبـة كـل مواطن على حدة .
انتهت الورقة إلي أنها ليست ضـد فكـرة المراقبـة فـي المطلـق ولكننـا ضـد فكـرة المراقبـة العامـة، بالمناسـبة فـي هذا الاجراء اهدار لمبدأ قـانوني هـام وهـو قرينـة البـراءة حيـث افتـرض المشـرع أن كل الموطنين مجرمين إلى أن يثبت العكس وبالتالي سيتم تسجيل تحركـاتهم وعنـد ثبـوت العكـس سـنقوم بالكشـف عـن سـرية مـا سـجلناه.
ودللت الورقة علي حكـم شـهير لمحكمـة الـنقض، أرسي مبدأ قانوني حول أحقيـة رجـال الأمـن باسـتيقاف المـواطنين وسـؤالهم عـن بطاقـات الهوية في الشارع (فقط السؤال عـن الهويـة ولـيس التفتـيش) حيـث اعتبـرت المحكمـة ان هــذا الاجــراء انتهــاك لحقــوق المــواطنين لأنــه يهــدر قرينــة البــراءة المفترضــة فــي جميــع المواطنين.