مع بداية شهر أكتوبر الماضي، انطلقت معركة انتخابات الأندية، في «مارثون» طويل يستمر حتى نهاية ديسمبر من العام الحالي، لاختيار رؤساء وأعضاء مجالس إدارات مئات الأندية الرياضية المصرية. وذلك للدورة الانتخابية (2021-2025).
حملت انتخابات الدورة الحالية اختلافات كثيرة عن الدورات السابقة. فشهدت تغيرات في أعداد ونوعية المرشحين لرئاسة وعضوية مجالس إدارات الأندية. خاصة الأندية الصغيرة. كما شهدت مغالاة في الدعاية وتنوعًا لأشكالها. وهي تغيرات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بما يحدث في مصر على الصعيد الاجتماعي والسياسي، سنحاول فهمه في السطور التالية.
انتخابات الأندية.. زيادة في أعداد المرشحين
عقب فتح باب الترشح لانتخابات الأندية في سبتمبر الماضي، أعلن مئات الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبحماس شديد، نيتهم خوض الانتخابات. لم تكن الصورة كما عهدناها خلال الدورات السابقة، سواء قبل صدور قانون الرياضة الجديد رقم (71) لعام 2017 أو خلال الدورة الماضية (2017-2021) التي تلت صدور القانون. فقد بدا المشهد أكثر زخمًا.
مئات الفيديوهات عبر البث المباشر على «فيسبوك» لشباب وشابات في العقدين الثالث والرابع من العمر، يعلنون الترشح لانتخابات مجالس إدارات الأندية. يدعون أعضاء الجمعيات العمومية للتصويت لهم. هذا بينما تردد آخرون في الإعلان، طلبوا من أصدقائهم عبر منشورات على مواقع التواصل، إبداء رأيهم في خطوة الترشح. وهم أيضًا بدوا على نفس الدرجة من الحماس، دفع كثير منهم لإعلان ترشحه لاحقًا. فبماذا يخبرنا هذا الزخم؟
الواقع السياسي والاجتماعي
استوعب المجال السياسي عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011 مئات الآلاف من الشباب. وكانت غالبيتهم تنتمي إلى الطبقة الوسطى، ممن فهموا الثورة وطبيعتها بمستويات وعي متفاوتة لم تتخط حدودها السياسية. ورغم أن الدعاية المناهضة للثورة -التي كانت مجبرة على تملق الانتفاضة الجماهيرية- ثمنت بشكل كبير دور هذا الشباب «النقي» غير المنظم (العمل في الفراغ). فإنها صورت العمل السياسي الحزبي أو داخل الحركات السياسية، على أنه يحمل أجندات وأهدافا خاصة بعيدة عن مصلحة الوطن. وذلك بغرض تشويه قيادات هذه الأحزاب والقوى، في محاولات مستميتة لترهيب الشباب ومنعهم من الانخراط في العملية السياسية.
هذه المحاولات لم تمنع أن يجمع حزب مثل الدستور عشرات الآلاف من التوكيلات في معركة التأسيس. أو أن تستطيع أحزاب مثل «مصر الحرية» و«العدل» وغيرها من جمع النصاب القانوني اللازم للتأسيس (5 آلاف توكيل). ولعل السبب وراء ذلك أن هذه الأحزاب جذبت وغازلت طبيعتها الإصلاحية أبناء الطبقة الوسطى.
أيضًا، تمكنت أحزاب محسوبة على التيار الإسلامي الإصلاحي مثل «مصر القوية» من جذب الآلاف. كما استطاعت أحزاب على يسار الأمثلة المذكورة جمع التوكيلات المطلوبة للتأسيس. ومنها الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي والتحالف الشعبي الاشتراكي.
عاما بعد آخر أخذ المجال العام مسارًا نحو الانغلاق، وسط تضييقات أمنية خنقت العمل السياسي. هذا التضييق الذي خلف قطاعًا كبيرًا من أبناء الطبقة الوسطى، ممن يبحثون عن دور في معترك العمل العام خارج المجال السياسي. بينما رأى كثير منهم في انتخابات الأندية فرصة جيدة للعودة إلى العمل العام. إلا أنها عودة من باب ربما كان أكثر أمانًا.
مع ذلك، فإن الظرف السياسي لم يكن وحده سببًا في التغيرات التي اتسمت بها انتخابات الأندية خلال هذه الدورة. إذ أن للظروف الاقتصادية والاجتماعية عامل مؤثر في هذا التغير.
انتخابات الأندية.. الحماس والرغبة في التغيير
المهندسة الشابة دينا الحصري، والفائزة بعضوية مجلس إدارة نادي قارون في محافظة الفيوم «تحت السن»، تقول إن لديها دائمًا رغبة كبيرة في ممارسة العمل العام. وقد مارست أدوارًا مختلفة داخل لجان تابعة لنقابة المهندسين بمحافظتها. لكنها رأت في انتخابات الأندية فرصة كبيرة لتحقيق رغبتها.
«هناك حماس كبير وأفكار لدى الشباب، وهم القادرون دون غيرهم من الأجيال التي تسبقهم، على التغيير ومجاراة الرتم السريع للواقع»؛ هكذا هو إيمان دينا الحصري في الدور الواجب بمجال العمل العام.
الإيمان بالقدرة على تقديم طرح مختلف كان المحرك لدى محمد الجندي، مرشح نادي «المحافظة» بالفيوم «تحت السن»، لخوض مثل هذه المنافسة. وحتى بعد أن استسلم لحظ لم يحالفه بالحصول على مقعد بمجلس الإدارة، فإنه يتمسك بضرورة خلق ثقافة رياضية من نوع خاص، وطرح أفكار ابتكارية لتطوير النادي، يرى أن مجلس الإدارة السابق يفتقدها.
وفق الباحث الاجتماعي، سعيد علي، فإن زيادة أعداد المرشحين لانتخابات الأندية هذا العام يرجع إلى رغبة كبيرة لدى قطاع من أبناء الطبقة الوسطى، في لعب دور داخل المجال العام. وهي رغبة يحركها التحقق الذاتي. كما أنها محاولة تعويضية للتدهور الاقتصادي الذي لحق بقطاعات كبيرة كانت للطبقة الوسطى.
ويلفت انتباه علي أن ترشح الشباب من فئات اجتماعية متوسطة لعضوية مجالس الإدارات كان في الغالب داخل الأندية المتوسطة والصغيرة، خاصة أندية الأقاليم. ومن هؤلاء صحفيون ومدرسون ومهندسون ومحامون، في بداية مشوارهم المهني. وإن كان بعضهم خاض معارك قوية أمام مرشحين من الشرائح العليا من الطبقة الوسطى مثل القضاة، وأمام رجال أعمال وأعضاء بالبرلمان.
مكاسب مادية ووجاهة اجتماعية وأشياء أخرى
هذه المعارك الانتخابية تعبر عن رغبة قوية لدى تلك الشرائح في الترقي الاجتماعي. وحماس نحو إيقاف الانحدار المستمر الذي يطارد الطبقة المتوسطة. لكن هل تُرضي تطلعات هذه الشرائح، مجرد المكانة الاجتماعية التي تمنحها لهم عضوية مجالس إدارات الأندية؟ فهم في النهاية سيقدمون دور خدمي لن يتقاضوا عليه أي عائد مادي.
يؤكد أحد أعضاء الجمعية العمومية لنادي «بهتيم» بمحافظة القليوبية أن هناك مكاسب مادية كبيرة يستطيع تحقيقها أعضاء مجلس الإدارة. وإلا فلماذا ينفقون كل هذه الأموال على الدعاية؟
عضو نادي «بهتيم» والذي حصل على مقعد بمجلس إدارة النادي في دورة سابقة، يتحدث عن علاقات كبيرة بالمسؤولين التنفيذيين المحليين تتيحها عضوية مجالس إدارات الأندية بالمحافظات. وهي علاقات تمكنهم من استفادات مادية كبيرة. وهو يضرب مثالاً بمهندس شاب فاز بمقعد في مجلس الإدارة الدورة الماضية، فادته علاقته بأحد التنفيذيين في الحصول على عملية تشطيبات تابعة للمحافظة. يزعم العضو أن هذه العملية نقلت المهندس الشاب نقلة كبيرة على المستوى المهني.
أشرف عبد الونيس، القيادي العمالي وعضو حزب «العيش والحرية»، والذي خاض تجربة الترشح لعضوية مجلس إدارة نادي قارون «فوق السن»، يؤكد أن النادي يمتلك موارد تتعدى الملايين. وقد انحصرت هذه الموارد في استفادات مالية لمجالس الإدارات السابقة، على حد قوله.
التكلفة الكبيرة التي يتكبدها بعض المرشحين في الدعاية، والتي تتخطى مئات الآلاف وأحيانًا تصل لملايين الجنيهات لمرشح واحد من أجل الحصول على مقعد في مجلس إدارة ناد صغير، خاصة خلال الدورة الحالية، تجعل من هذه النقطة مجال خصب للبحث. لكن يبقى تحليلنا عاجزًا عن تفسير لماذا ينفق بعض الأشخاص كل هذه الأموال. في حين أنهم متأكدون من الفشل في الانتخابات. بينما لا يكاد أحد يتذكر أسماءهم بعد انتهاء العملية الانتخابية.
انتخابات الأندية.. متنفس وحيد وفرصة للاشتباك
انتخابات الأندية هي المتنفس الوحيد، والذي يمكن من خلالها الاشتباك مع الناس في هذه الفترة. حتى ولو كان هذا الاشتباك من خلال مشكلات تتعلق بمجتمع محدود، مثل «مجتمع النادي». هذا هو المسار الآمن في ظل غلق المجال العام وتعرض ممارسي النشاط السياسي للخطر.
تنمية الموارد واستثمار المشروعات الخاصة بنادي قارون. ومنها قاعات الأفراح والفندق الذي من الممكن بعد تطويره أن يستوعب خريجي كلية السياحة والفنادق بالفيوم للعمل. بالإضافة إلى استغلال قاعات المؤتمرات لمجموعات التقوية للطلاب من أبناء المحافظة. وأيضًا فتح النادي أمام غير الأعضاء بعد القضاء على المساحات الخضراء في المحافظة، مقابل رسم دخول رمزي، هي نقاط تضمنها برنامج أشرف عبد الونيس الانتخابي.
هذه النقاط تشابهت مع نقاط ذات خلفية سياسية طرحها مرشحون آخرون في أماكن متعددة. وقد حاولوا أن تلعب الأندية دورًا اجتماعيًا يتخطى حدود خدمة «مجتمع النادي». وهي محاولات تعطي مؤشرًا على مدى عجز هذه الكوادر عن ممارسة العمل في الشارع من خلال الأحزاب في ظل الظروف الأمنية الحالية.
مرشح شاب لعضوية مجلس إدارة أحد أندية محافظة الشرقية -تحدث إلينا مفضلاً عدم ذكر اسمه- يعتبر «النادي» كأي تجمع للمواطنين يمثل أرضية جيدة لممارسة الدعاية السياسية عندما تحين الفرصة. ويقول: “بينما يغلق النظام المجال العام أمام ما تبقى من الأحزاب والقوى السياسية، ويعاقب أعضائها على ممارسة النشاط السياسي، بالحبس الاحتياطي الذي يزيد في بعض الأحيان عن عامين، في مخالفة حتى لقانون الحبس الاحتياطي الجائر، علينا أن نستغل الأدوات المتاحة للوصول إلى الناس”.
لامركزية القانون.. الأندية بديلاً للمحليات
الانتخابات هذه الدورة بمثابة الترجمة الأولى لتوازنات القوى داخل الجمعيات العمومية للأندية. وذلك في ضوء قانون الرياضة الجديد رقم 71 لعام 2017. إذا اعتبرنا أن انتخابات الدورة الماضية (2017-2021)، والتي تمت أيضًا في ضوء القانون الجديد، لم تكن سوى انتخابات إجبارية، اضطرت لها الأندية طبقًا للوائح الجديدة (اللامركزية)، وضعتها الأندية كترجمة لقانون 71. وهو الرأي الذي تبناه الكثير من المحللين آنذاك، بالنظر إلى نتائج انتخابات الدورة الماضية، وإلى سير العملية الانتخابية برمتها، وما سبقها من إقرار اللوائح.
أعاد القانون الجديد بلورة العلاقة بين الأندية والدولة. كما أعطى رغم سلبياته حرية كبيرة للهيئات الرياضية. فضلاً هم منحها استقلالية نسبية عن الجهات الإدارية. بعد أن كانت الأندية خاضعة لسلطة وزير الرياضة بموجب القانون القديم 77 لسنة 1975، فكان يمكنه تعيين مجالس إدارتها وحلها متى شاء.
صيغ قانون الرياضة الجديد بشكل فيه كثير من اللامركزية. وكأنه تعويضًا عن قانون المحليات المتعثر صدوره منذ برلمان 2012.
مصدر قريب من حزب «مستقبل وطن» صاحب الأغلبية في البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ بمحافظة الجيزة، يقول لـ«مصر 360» إن الحزب سعى إلى تسكين كوادره الشابة في مجالس إدارات الأندية، فوجههم إلى الترشح في الانتخابات. وهو ما يعتقد المصدر أنه تم في العديد من المحافظات.
ما يقوله المصدر، يؤكده أشرف عبد الونيس، عضو حزب «العيش والحرية»، والذي ترشح لعضوية نادي «قارون الرياضي»، أنه حدث بشكل أو بآخر في الفيوم. كما يؤكده عضو الجمعية العمومية بنادي بهتيم، في حديثه لنا.
ليس لدينا إحصاء بأعداد المرشحين ولا انتماءاتهم السياسية. لكن تبدو هذه الرؤية أقرب إلى المنطقية. فالحزب الوطني عمل خلال سنوات طويلة على تسكين كوادره وتدريبهم عبر هيكل المحليات. قيادات الوطني اعتبرت انتخابات المحليات بمثابة عملية إحماء لكوادرها السياسية. ما مثل تمهيدًا لانتقاء الكوادر التي ستخوض الانتخابات البرلمانية. ويمكن اعتبار أن حزب «مستقبل وطن» يسير على نفس الطريق، من خلال انتخابات الأندية. كما يمكن اعتبار عضوية إدارات مجالس الأندية، بل ومجرد الترشح، عملية إرضاء ومكافأة لكوادر الحزب الشابة.
انتخابات الأندية.. دراسة عميقة
التحليلات التي طرحها هذا التقرير استنباطًا من كلام المصادر والمعطيات التي توافرت لدينا. وهي ليست سوى محاولة للفهم، لكن انتخابات الأندية وما طرأ عليها من تغيرات وأعداد المرشحين وانتماءاتهم السياسية ومواقعهم الطبقية، ونتائج انتخابات الأندية السياسية والاجتماعية لا تزال بحاجة إلى دراسة أكثر عمقًا.