يستيقظ خالد كمال في تمام السادسة صباحًا. يذهب إلى عمله في مصنع يعمل به في تغليف الأدوات الكهربائية. ينتهي عمله في تمام الثالثة مساءً. قبل أن يعود إلى منزله، ليلقي بجسده غوصًا في نوم عميق. ثم يستيقظ مرة أخرى في السادسة لرحلة عمل جديدة يخوضها سائقًا لمركبة «توك توك» اشتراها قبل عام، مستعينًا بإيرادها في مواجهة ضغوط الحياة.
يقضي «خالد» قرابة الأربع ساعات في العمل على التوك توك. يجمع في نهاية تلك الفترة مبلغًا يكفي لأن يعينه على طلبات عائلته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين. يقول: «راتبي من المصنع لا يتعدى ألفين جنيه». لكنه لا يستطيع ترك هذه الوظيفة التي تشبه إلى حد كبير في مميزاتها الوظيفة الحكومية. فقط كان عليه أن يحصل على وظيفة ثانية تدر له ولأسرته دخلاً إضافيًا. وكانت هذه المركبة حلاً اتخذه بعد مناقشات عدة مع الأصدقاء.
يحصل «خالد» على متوسط أرباح 100 جنيه يوميًا. ذلك بعد خصم مصاريف صيانة التوك توك، الذي يعامله كأنه فردًا في عائلته. يخشى عليه قرار الحكومة الجديد بشأنه.
قرار منع الاستيراد
فبشكل رسمي، أصدرت وزيرة الصناعة والتجارة الدكتورة نيفين جامع، أمس، قرارًا بوقف استيراد المكونات الأساسية (قاعدة – شاسيه – محرك) للمركبات ذات الثلاث عجلات «التوكتوك». وقد جاء ذلك تنفيذًا لتوصيات الاجتماع التنسيقي في أكتوبر 2021، بشأن تقنين أوضاع هذه المركبات وتنفيذ مبادرة الإحلال والاستبدال بسيارات «ميني فان».
هذا القرار الذي يستهدف مكونات هذه المركبات بدوره سيمنع استيرادها. لتبدأ عملية تنفيذ إجراءات الدولة بشأن الإحلال والاستبدال بسيارات الـ«ميني فان»، التي يتم ترخيصها وفقًا لقانون المرور المُتبع مع السيارات ذات الأربع عجلات.
في عام 2015، بلغ عدد مركبات التوك توك في مصر نحو 85 ألفًا و294 مركبة. فيما بلغ عام 2016 حوالي 99 ألفًا. وفي عام 2017 كان العدد في تزايد، فبلغ 125 ألف توكتوك.
وبحسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصلت أعداد التكاتك في مصر إلى 4 ملايين توك توك. بينها 226.7 ألف فقط خضع للترخيص، بينما غير المرخص 3 ملايين و780 ألف مركبة.

متى ظهر التوك توك؟
يعود ظهور هذه المركبات إلى بداية القرن التاسع عشر في الدول النامية، التي تعاني كثافة سكانية كبيرة. وكان ضمن حلول حكومات هذه الدول للقضاء على البطالة. بينما سجل أول ظهور فعلي له في مصر بعام 2005. فيما تزايدت أعداده بعد قرار عام 2008 بإدراجه تحت مسمى الدراجات النارية. وذلك وفق نص المادة السابعة من قانون المرور رقم 121.
وقد حددت هذه المادة (7 من قانون المرور) أماكن سير هذه المركبات، مع التحذير من تواجده في الطرق السريعة والمدن وخارج المحافظات. قبل أن تعدل لاحقًا في 2014. وذلك بالنص على مصادرة «التوكتوك» في حال سيره دون ترخيص أو لوحة معدنية. على خلفية استخدامه في عدد من الجرائم الجنائية. فضلاً عن دوره في وقوع عدد من الحوادث المرورية.
مواصلات الغلابة في العشوائيات
انتشر «التوك توك» في الأحياء الشعبية والعشوائيات لسببان رئيسيان؛ أولهما وجود شوارع يصعب الوصول إليها بالمواصلات العامة. والسبب الثاني انخفاض قيمة التعريفة الخاصة به مقارنة بوسائل التنقل الأخرى.
زينب جمال، سيدة خمسينية تعمل في إحدى الهيئات الحكومية بالجيزة، ترى فائدة كبيرة في «توكتوك». فهو وسيلة سهلة ومتواجدة بوفرة ولا تكلفها الكثير من المال. تقول: «أنا أسكن في شارع الهرم وهذه أنسب وسيلة نقل استقلها إلى مكان عملي في شارع فيصل». 5 جنيهات فقط قد تنخفض إذا سمحت باستقلال راكب آخر معها، كفيلة لأن توفر لزينب وصولاً سريعًا منخفض التكلفة لوجهتها. دون أن تتحامل على نفسها فتزيد آلام خشونة الركبة والعمود الفقري التي تعانيها.
لذا، فإن اختفاء هذه المركبات من الشوارع تراه زينب أزمة. وهي تتوجس خيفة من توفر سريع لبديل مماثل. «ما عنديش مشكلة لو اختفاءه هيحل أزمات تسبب بها. لكن يجب أن يراعى كبار السن غير القادرين بتوفير بديل في أسرع وقت ممكن».
جرائم التوك توك
رغم أنه لا توجد إحصائية دقيقة في مصر للجرائم التي تستخدم فيها مركبات التوكتوك. لكن تظهر بصورة معتادة جرائم وحوادث تلعب فيها دورًا ما. أو يكون نفسه هدفًا للسرقة، بسبب عدم وجود لوحات معدنية تميزه. هذا فضلاً عن مساهمته في زيادة عمالة الأطفال.
على سبيل المثال، حرر 3 مواطنين في مدينة تلا بالمنوفية في 2019، محضرًا يتهمون سائق توك توك بمحاولة خطف أبنائهم الثلاثة. ذلك أثناء عودتهم من أحد الدروس الخصوصية. حيث قام سائق التوك توك بتغيير مساره، وشك الطلاب في محاولة السائق خطفهم فقفزوا بينما لم يتوقف.
أيضًا، عثر أهالي بقرية أطفيح بالجيزة في أغسطس الماضي، على جثة طفل جوار المقابر. وبعد المتابعة والفحص لكاميرات المراقبة تبين أن الطفل الضحية عمل سائقًا لمركبة توك توك. وتعرض للقتل بغرض الاستيلاء على المركبة.
وقد شهدت سجلات الحوادث التي تظهر هذه المركبات طرفًا فيها، محاولة سائق توك توك التحرش بفتاة في أحد الشوارع بمنطقة المعصرة في حلوان بالقاهرة. حيث أفادت التحريات أن المجني عليها استقلت التوك توك بالطريق العام. لكنها فوجئت بالسائق يقوم بالإمساك بها من أماكن حساسة محاولاً اغتصابها. وهذا فضلاً عن محاولات السرقة التي تعرض لها عدد من المواطنين، بعد أن باغتهم مستقلو تكاتك سرقوا بعض ممتلكاتهم، مستغلين الفرار سريعًا بمركباتهم.
دراسة القرار قبل تنفيذه
يرحب الخبير الاقتصادي رشاد عبده، بقرار وزارة الصناعة منع استيراد قطع غيار هذه المركبات. وهو يراه يصب في صالح الوجه الحضاري للمجتمع المصري ككل. كما يلفت إلى أن هذا المنع ومحاولة التقنين تساهم في تقليل نسب الحوادث والجريمة التي تكون هذه الوسيلة طرفًا بها.
ويشير «عبده» كذلك إلى فكرة التقنين واستغلال فرصة منع استيراد قطع الغيار في التصنيع. فيقول: من الممكن لقرار منع استيراد قطع الغيار أن يفتح الباب أمام إمكانية تصنيع هذه الأجزاء في مصر، وبالتالي مزيد من فرص العمل وزيادة دخل الفرد. خاصة وأن تصنيع مثل هذه المركبات ليس بالأمر الصعب كونه آلة بدائية، على حد قوله.
لكنه يستدرك بالقول إن بقاء هذه المركبات على الحال الراهن من الانتشار في القاهرة الكبرى والتواجد على الطرق السريعة واستغلاله في عمالة الأطفال أمر صعب يجعله ظاهرة بحاجة للاختفاء. وإن كان يمكن استخدامه في الطرق والشوارع الفرعية وبشكل منظم وقانوني.
ومع ذلك، يتساءل الخبير الاقتصادي عن القرار. هل تم وفقًا لدراسة محددة وواضحة تم الاعتماد عليها، أم اتخذ بشكل عشوائي دون بحث لطرق المعالجة والتقنين. ويضيف: حتى اللحظة لم نعرف فيما تفكر الوزارة وهل القرار بمنع أم وقف استيراد لتنشيط الصناعة المحلية. جميعها تساؤلات لم تتضح حتى الآن في انتظار بيان مفصل من الوزارة، على حد قوله.
سياسة الحلول البديلة
يثير قرار منع استيراد أجزاء مركبات التوكتوك العديد من التساؤلات من بينها: هل سيتم القضاء على هذه الظاهرة بشكل كلي؟ وكيف ستتعامل الحكومة من أصحاب قرابة 4 ملايين مركبة، يستخدمونه كمصدر دخل؟ بينما تبقى الحقيقة الأكبر في أن استمرار هذه المركبات دون سند قانوني يعني استمرار الجرائم التي يكون وسيلة لارتكابها. فضلاً عن دوره في تسرب الأطفال من المدارس بغرض العمل، وهي كلها أمور توجب الكشف عن دراسة حقيقية.