تواصل البنوك المركزية حول العالم الدفاع عن فكرة أن موجة التضخم التي يشهدها العالم حاليًا مؤقتة. رغم تسجيل مستويات الأسعار المستوى الأعلى في عقود. وتفاقم أزمات القطاع العقاري في الصين بانضمام شركات جديدة لقائمة المتعثرين عن سداد الديون.
تشير بيانات التضخم عن شهر أكتوبر الماضي، التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع القليلة الماضية أنها تجاوزت التوقعات السلبية للخبراء بعد الوصول لأعلى مستوى في 30 عامًا، متجاوزًا حتى مستويات أزمة شهر أكتوبر 2008.
في ألمانيا، التي تمثل الاقتصاد الرئيسي الذي يتمتع بأفضل سجل في مكافحة التضخم، تجاوز المعدل الرئيسي 4٪، وهو أعلى معدل لها منذ نشأة اليورو قبل 22 عامًا، وبلغ التضخم الأساسي الذي يستبعد السلع المُسعرة، أو دائمة التذبذب مثل الوقود والغذاء بنسبة 3٪ ، وهو أعلى معدل منذ 15 عامًا، بحسب وكالة بلومبرج.
لا يختلف الأمر كثيرًا في الصين المعروفة دائمًا بتسجيلها معدلات منخفضة للتضخم، قفزت المؤشرات لديها لأعلى مستوى في 25 عامًا. ما يضر أيضًا بصادراتها التي ارتفعت فيها كلفة المدخلات. ما يرفع سعر المنتج النهائي الذي حافظت بكين على انخفاضه لمنع نفسها مزايا تفضيلية بأسواق التصدير عالميًا.
مستويات قياسية.. معدلات التضخم
أما أوروبا بشكل عام، فقد سجلت معدلات تضخم هو الأعلى من 2008 مع تفاقم مشكلة الطاقة التي تسببت بنسبة 23% في ارتفاع التضخم إلى 4.1% على أساس سنوي لهذا الشهر، وأعلى من توقعات الخبراء الاقتصاديين الذين رجحوا تسجيله مستوى 3.7%.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 500% ما تسبب في رفع أسعار بعض السلع إلى 22.5% في المتوسط وسيادة مخاوف من حدوث الركود التضخمي. الذي يعني نمو اقتصادي ضعيف وبطالة وتضخم عالٍ. أو بمعنى آخر انخفاض القدرات الإنتاجية لحدوث أمور غير اعتيادية تؤثر في عوامل الإنتاج والتوسع الكبير في عرض النقود كطبع بنكنوت لسد عجز الموازنة، أو توسع غير محسوب في الإقراض من قبل الجهاز المصرفي).
للركود التضخمي ذكرى سلبية في الغرب تعود إلى السبعينيات حينما ارتفعت أسعار النفط لأكثر من ضعف مستواها، والتي يقول أورلاندو، كبير المحللين الاستراتيجيين لسوق الأسهم في Federated Hermes إنه يستعد للعودة. مؤكدًا أن الارتفاع في التضخم لا يثبت أنه عابر مثلما تحدثت إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، قائلاً نصًا: “إنها لزجة ومستدامة عندما تجاوزنا ذروة النمو.. هذا تضخم مصحوب بركود”.
يشير الركود التضخمي إلى عامي 1973 و1979، عندما نشبت حرب أكتوبر، واندلعت الثورة الإيرانية، وتوقفت معهما صادرات النفط في الشرق الأوسط، وعلى إثرهما هبط الإنتاج العالمي من النفط. وعانت المراكز الصناعية الكبرى في العالم وارتفاع أسعار السلع المصنعة بشكل كبير وهو ما ا”لق عليه الركود التضخمي.
ارتفعت أسعار النفط مجددًا كاسرة حاجز 85 دولارًا، مدفوعة بالمخاوف بشأن المعروض من النفط بعد أن اتفق منتجو “أوبك +” في اجتماع قصير على التمسك بوتيرة بطيئة في زيادات الإنتاج البالغة 400 ألف برميل يوميًا لشهر ديسمبر، رافضة بصورة رسمية الدعوة الأمريكية لتسريع زيادة الإنتاج، حتى مع اقتراب الطلب من مستويات ما قبل الوباء.
قطاع العقارات يعاني في الصين
بات قطاع العقارات في الصين، أيضًا، مصدر مخاوف عالمية بعد تخفيض التصنيف الائتماني لشركة Nese Kaisa ثاني أكبر شركة مقترضة في القطاع العقاري بالأسواق الدولية ذات العائد المرتفع إلى “سي سالب” بعد “إيفر جراند” والتي يخشى عدم قدرتها على خدمة أعباء ديونها في الوقت المناسب وتشير إلى احتمال إعادة هيكلة الديون.
تتزامن مشكلة Nese Kaisa تأتي مع لهث شركة إيفر جراند لحل لبيع الأصول وجمع السيولة لحل مشكلة الديون التي سجلت نحو 300 مليار دولار, وتمكنت الشركة حتى الأن من تسديد 148 مليون دولار فقط من السندات المستحقة عليها وسط حالة من الجدل حول مصدر الأموال ومدى تقديم دعم حكومي لها أم قدومها من مالكها بعدما حصته بكين على السداد من أمواله الخاصة.
في التوقيت ذاته، أعلنت شركتان صغيرتا الحجم للتطوير العمراني في الصين هما “فانتازيا” وسينيك” تعثرهما، وتراجعت أسهم الأولى، بنسبة 37% في بورصة هونج كونج، ما يشير القلق إزاء أوضاع قطاع العقارات الصيني.
وحذر خبراء “دويتشه بنك” من حدوث أزمة اقتصادية عالمية قريباً أو عام 2023 بسبب الآثار السلبية المحتملة للتضخم، فالخطة التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي بعدم تشديد سياسته النقدية ومواصلة السياسة التحفيزية وسط ارتفاع التضخم يمكن أن “تتسبب في ركود ضخم، وتطلق سلسلة من الضوائق المالية في أنحاء العالم، لا سيما الأسواق الناشئة”.
تحول الذهب حاليًا لمأوى ضد التضخم التقليدي ووصل الخميس إلى 1862 دولار مسجلاً أعلى مستوى له منذ 5 أشهر مع ارتفاع السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة وزيادة جاذبية المعدن الأصفر باعتبارها وسيلة للتحوط من التضخم، بجانب ارتفاع سعر الدولار إلى أعلى مستوى له في العام الحالي مقابل الإسترليني واليورو.
واستفاد الذهب من سعي دول كبرى لرفع نسبته من الاحتياطي النقدي لها مثل روسيا التي باتت من في المرتبة الخامسة عالميًا بعد الصين واليابان وسويسرا والهند في الاحتياطيات النقدية بقيمة 618.2 مليار دولار، بعدما رفعت وحصة المعدن النفيس في احتياطياتها من 7.8% في بداية عام 2014 إلى 23.3% نهاية عام 2020.