بعد سنوات من الاستغاثة، والتلكؤ التشريعي، باتت أزمات القطاع الطبي في هذه الآونة واحدة من الأوراق الرئيسية على طاولة مجلس النواب، فبعد التحريك النسبي لقانون المسؤولية الطبية، الذي تأخر مناقشته 5 سنوات كاملة، وفقا لنقابة الأطباء، تلقى البرلمان مشروع قانون آخر يستهدف الحد من الاعتداءات التي تطول الكوادر الطبية في مواقع عملهم.
فأمس، تقدم النائب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، بمشروع قانون جديد بشأن الاعتداء على الأطباء والمنشآت الطبية، يستهدف تغليظ عقوبة الاعتداء على الفريق الطبي بالمستشفىات، خصوصا بعد ارتفاع وتيرة العنف ضد الأطباء، نتيجة الإهمال الطبي في بعض الأحيان،
ويستهدف مشروع القانون معالجة الظاهرة تشريعيا، والحرص على أداء مهمة الفريق الطبي، تقديرا من المشرع المصري لمهنة الطب، باعتبارها من أهم المهن الإنسانية التي تمثل مكانة عالية في المجتمع.
وبحسب التعديلات المقترحة من قبل أبو العلا، ييعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن 4 سنوات وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه كل من يعتدى على أي من المنشآت الطبية، أو أي من العاملين فيها. وتكون العقوبة الحبس الذي لا يقل عن سنتين ولا يزيد عن خمسة سنوات أو بالغرامة التي لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه إذا وقع الاعتداء على طبيب أو أي من أعضاء الفريق الطبي المعاون له وإذا وقعت الجريمة أثناء وبسبب تأديتهم لعملهم.
وستكون العقوبة السجن مدة لا تزيد عن سبعة سنوات أو بالغرامة التي لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 300 ألف جنيه إذا وقعت الجريمة من أكثر من شخص أو استخدم فيها أسلحة أو أي من الآلات أو الأدوات التي تضعف مقامة المجني عليه، وإذا ترتب على الجريمة الوفاة تكون العقوبة السجن المؤبد.
سنوات من المطالبة
الاستجابة البرلمانية جاءت عقب سنوات من مطالبة نقابة الأطباء بتغليظ عقوبة الاعتداء على الأطباء، نتيجة المحاضر التي تستقبلها النقابة بالاعتداء على الأطباء والمنشآت الطبية.
في هذا السياق، تقول الدكتورة منى مينا، وكيل مجلس نقابة الأطباء الأسبق، أن تشديد العقوبة في حالة الاعتداء على مقدم الخدمة الطبية هو أمر مطلوب وبشدة، وذلك بعد ملاحظتنا لفترة طويلة تصالح البعض مع فكرة الاعتداء على الأطباء في المستشفيات والتمريض، كرد فعل على تقديم الخدمة الطبية.
تشير مينا في حديثها مع “مصر 360” إلى إشكالية أخرى وهي أنه في حالة وقوع الاعتداء على الطبيب يبدأ في محاولة تقديم شكوى او تحرير محضر بقسم الشرطة يكتشف بتحرير محضر ضده من قبل أهلية المريض، وهنا تلجأ الجهات المخولة لعرض محاولات التنازل من قبل الطرفين، بدلا من حساب الطرفين، قائلة: “لابد من أن يكون لدينا إجراءات تنفيذية دقيقة تمنع السماح للاتهامات الكاذبة وحتى لا نصل إلى مرحلة التنازل”.
وفي السياق نفسه، يأتي ضروريا حتى لا تختلط الأدوار والأخطاء، بضرورة إقرار قانون المسؤولية الطبية، وأيضا لابد من أن تكون الخدمة الطبية مرضية، وذلك من خلال الالتزام بالنص الدستوري بأن تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
تشدد مينا على ضرورة احترام الدستور والالتزام بمجانية خدمات الطوارئ احتراما للحق في الصحة، وحتى لا يتم تحميل المرضى أعباء أخرى، مثل شراء مستلزمات طبية، أو تحمله رسوم إدارية ترفع من تكلفة الخدمة المقدمة، فإذا حققنا ذلك نزعنا فتيل الأزمة مبكرا.
للمسؤولية الطبية أهمية
بالتوازي مع مناقشة الاعتداءات على الأطباء، يبرز قانون آخر سيساعد أيضا على الفصل في مدى مسؤولية الطبيب عن أخطائه المهنية في العمليات الجراحية وغيرها. حيث تقدمت النقابة العامة منذ 5 سنوات بمشروع قانون للمسؤولية الطبية، وهو المقترح الذي تنباه عدد من نواب مجلس الشعب، وتحديدا النائب أيمن أبو العلا، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية، الذي يتصدر المشهد في الدفاع عن حقوق الأطباء داخل مجلس النواب، لمحاسبة الأطباء أو أي عضو هيئة طبية متهم بالإهمال أو الخطأ الطبي، وكذا منع حبس الأطباء في القضايا المهنية التي لا تتضمن الإهمال الطبي المتعمد.
وبحسب أبو العلا، فإن تطبيق قانون المسئولية الطبية سيحمي الطبيب من الإهانة في مقر عمله، والتعرض للحبس في حالة الخطأ الطبي غير المتعمد، كما يجبر شركة التأمين أن تعطي تعويض مادي للمريض المتضرر.
وتقول مينا إن المسؤولية الطبية من المفترض أن تفرق بين المضاعفات وهي واردة الحدوث ولا يعاقب عليها الطبيب. وبين الخطأ الطبي الذي يعاقب الطبيب بدفع تعويض لأسرة المريض ولا يعاقب جنائيا، فلا يجب أن يكون الأطباء كبش فداء ويجدون أنفسهم في محل إدانة بعقوبات ثقيلة لأفعال خارجة عن إرادتههم.
وتسبب تعرض العديد من مقدمي الخدمة الطبية لعقوبة الحبس عزوف الكثير منهم وبالأخص الأطباء عن العمل في تخصصات معينة أو التدخل لمناظرة حالات مرضية قد ينتج عنها ضرر طبي، مما يكون له الأثر السيئ على المريض المصري والمنظومة الصحية، بحسب العريضة.
ويقول الدكتور أسامة عبد الحي، الأمين العام السابق لنقابة الأطباء، أن الدفع حاليا بمشروع قانون لتغليظ عقوبة الاعتداء على الأطقم الطبية هي خطوة إيجايبية بلا شك، وإن كانت متأخرة، حيث سبق أن طالبت النقابة لسنوات طويلة وقبل انتشار ظاهرة الاعتداء على الأطقم الطبية.
اللحاق بركب الخليج
يشير عبد الحي إلى أنه حين بدأ تلك الظاهرة في دول الخارج قامت السعودية والعراق والكويت والأردن بإصدار قوانين لتغليظ عقوبة الاعتداء على المنشآت الطبية والأطقم الطبية، لاعتبارها تشكل جريمة ضد الإنسانية كما تعرفها الأمم المتحدة، خاصة وانها تمنع تقديم الخدمة لباقي المرضى وتعرض حياتهم للخطر.
وخلال السنوات الماضية قدمت نقابة الأطباء مشروع قانون إلى مجلس النواب السابق لتغليظ عقوبة التعدي على الأطباء داخل مستشفيات مصر، إلا أنه لم يتم الموافقة عليه من قٍبل المجلس.
وجاءت مطالب الأطباء بأن يتضمن التشريع الجديد ينص على عقوبة لا تقل عن سنتين حبس، وغرامة لا تقل عن 25 ألف جنيه في حال التعدي على الطبيب، وذلك بديلا عن العقوبة الحبس 6 أشهر.
ولفت عبد الحي إلى أن السعودية ودول الخليج أقرت عقوبة الغرامة مليون ريال وسجن يصل إلى 10 سنوات، وذلك ما نريد تطبيقه، مشيرا إلى دول العالم يصل درجة قبول الاعتداء على الأطقم الطبية صفرا، وهو ما يجب أن يتم تعميمه، فمن تضرر من إهمال طبي يتوجه إلى الجهات المنوط بها تقبل الشكاوي وليس الاعتداء على الطبيب “نحن لسنا في غابة”.
يسير تغليظ العقوبة جنيا إلى جنب بجانب قانون المسؤولية الطبية والذي يستدعي الوضع الحالي لسرعة إقراره لأنه يضمن حق المريض وينظم عملية التحقيق بطريقة منصفة سواء للطبيب أو المريض، وفقا لأمين عام نقابة الأطباء السابق.