منذ الإعلان عن قرار وزارة الصحة تسعير علاج مصابي كورونا في المستشفيات الخاصة، وحالة من الجدل دائرة بين المتخصصين والمهتمين بالشأن العام بسببه، لدرجة ظهور مقاربات ومقارنات بين هذا النموذج، وبين نماذج دول تفشت فيها الجائحة، واستطاعت بعد حشد جهودها وتعاون مؤسساتها القضاء عليها، آخر هذه الدول كانت إسبانيا التي لم تسجل حالات وفاة جديدة بالفيروس لليوم الثاني على التوالي، بعد أن كانت تتصدر قائمة بلدان القارة العجوز، لتتوقف الحصيلة عند 27127 وفاة، منذ الأحد الماضي.

الأزمة بدأت بإرسال الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص الطبية بوزارة الصحة والسكان منشورًا دوريًا، أمس، إلى جميع إدارات العلاج الحر بالمحافظات يتضمن تسعيرة علاج مصابي كورونا في المستشفيات الخاصة.

وقالت إنه سيتم العمل بالتسعيرة الجديدة بدءًا من أمس، وحذرت من عدم الالتزام بالأسعار، مؤكدة أن أي مستشفى لا يلتزم بالتنفيذ سيتعرض للغلق. 

الخطوة التي اتخذتها وزارة الصحة والسكان، بالإعلان عن التسعيرة لعلاج المصابين بكورونا في المستشفيات الخاصة جاءت بعد تلقيها العديد من الشكاوى بالمغالاة في تسعيرة العلاج والتي لا تتناسب مع تكلفة الخدمة.

وكشف خطاب موجه من رئيس قطاع مكتب وزيرة الصحة والسكان، محمد عبد الوهاب، إلى رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص الطبية، نهال الشاعر، بناء على تعليمات رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، بضبط أسعار علاج كورونا بالمستشفيات الخاصة عن تحديد تسعيرة العلاج باليوم للمرضى بداخلها.

وذكر الخطاب أنه بعد العرض على وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، نتيجة العديد من الشكاوى بالمغالاة في تسعيرة علاج كورونا بالمستشفيات، فقد تم تحديد الأسعار بشكل تقريبي.

تكاليف الخدمة

بحسب المنشور المرسل فإن وزيرة الصحة وافقت على أن تتراوح تكلفة العزل بالقسم الداخلي ما بين 1500 جنيها إلى 3000 جنيه، في حين تشمل تكلفة العزل بالرعاية المركزة شاملة جهاز تنفس صناعي 7500 جنيه وحتى 10000 جنيه، بينما تتراوح تكلفة اليوم في الرعاية بدون جهاز تنفس صناعي من 5000 جنيه وحتى 7000جنيه.

اقرأ أيضًا:

منظومة الصحة والأطباء.. بيئة طاردة وحلول غائبة

بحسب ما أكدته، وزيرة الصحة والسكان، فإن الأسعار شاملة الخدمة والمستلزمات وأجور الأطباء والتمريض والإقامة بالكامل وكذلك التحاليل والأشعة، مشيرة إلى تولي العلاج الحر والتراخيص الطبية مسئولية التنفيذ.

وشهد القرار انقساما حوله، حيث رأى البعض أن هناك مغالاة فيما يتعلق بالتكلفة المعلنة، في وقت تحتاج البلاد فيه إلى تضافر كافة الجهود لمجابهة الفيروس والذي بدأت معدلات الإصابة فيه تأخذ منحى تصاعديًا خطيرًا.

26 مستشفى عزل

في مارس الماضي، خصصت وزارة الصحة، 26 مستشفى على مستوى الجمهورية لعزل حالات كورونا في مصر، نظرًا لزيادة أعداد المشتبه فى إصابتهم بفيروس كوفيد-19، بعد أن كان مستشفى النجيلة في محافظة مرسى مطروح هو المستشفى الوحيد المخصص لهذا الشأن، فيما بعد وصلت إلى 320 مستشفى على مستوى محافظات الجمهورية، خصصتها لاستقبال جميع الحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا الجديد “كوفيد 19″، وضعت قوائمها ضمن تطبيق “صحة مصر” الذى يضم الخريطة التفاعلية لأسماء وعناوين المستشفيات التي خصصتها الوزارة، جرى تحديثه منذ بداية الشهر الجاري.

وبلغ إجمالي عدد المستشفيات بقطاعي الحكومي والخاص بالمحافظات لعام 2018 نحو 1848 مستشفى موزعة على محافظات الجمهورية، كما سجل إجمالي عدد الأسرة بقطاعي الحكومي والخاص نحو 131 ألف سرير.

وتشير الإحصاءات الواردة في النشرة الصحية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن حصة القطاع الحكومي من المستشفيات بلغت 691 مستشفى، مقابل 1157 مستشفى تتبع القطاع الخاص، كما كانت حصة القطاع الحكومي من الأسرة نحو 95 ألف و683 سريرا، مقابل 35 ألف و320 سريرا.

ابتزاز المواطنين

أحد الانتقادات جاءت من تحت قبة البرلمان على لسان، الدكتور أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، متهما المستشفيات الخاصة بأنها تبتز المواطنين في إعداد مسحات كورونا، أو تقديم العلاج اللازم للحالات الموجودة.

اقرأ أيضًا:

الخبير الصحي علاء غنام يضع خارطة طريق لفك الاشتباك بين الصحة ونقابة الأطباء

اتهامات ” أبو العلا” جاءت خلال تصريحات متلفزة، دعا فيها إلى التوجه نحو الرقابة على الأسعار داخل مستشفيات القطاع الخاص، معتبرًا أن بعض المستشفيات الخاصة كانت تطلب دفع مقدم 300 ألف جنيه لعلاج مصاب كورونا، وهو ما يعكس التكلفة العالية على مرضى كورونا.

وأشار إلى أن بعض المستشفيات حصلت على أكثر من ذلك خلال أسبوع واحد فقط، مشيرًا إلى أن بعض المواطنين طلب منهم “مبالغ خيالية- على حد قوله.

وينتقد مهتمون بالشأن العام، القرار الأخير معتبرين أن الدولة تواجه وباءًا عالميًا وهو ما يتطلب معه تخفيف الأعباء عن المواطنين بحيث تلتزم جميع الفئات وعلى رأسها أصحاب المنشآت الصحية الخاصة، بتجاوز تلك المرحلة من خلال المساهمة والمشاركة لمواجهة مخاطر تفشي الفيروس، وأيضا تحقيق جزء من الأرباح.

تسليع الكارثة

وطالب الدكتور علاء غنام، الخبير في إصلاح النظام الصحي ومدير برنامج “الحق في الصحة” في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بضرورة وضع استراتيجية واحدة لمواجهة الوباء.

وكتب “غنام ” تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” متسائلا: “كيف تفرغ القضايا من مضمونها لما نقول تكامل كل الامكانيات الصحية الموجودة سواء عام أو أهلي أو خاص، أو خاص جدا، في استراتيجيه واحدة لمواجهة الوباء، من خلال ما أطلق عليه بـ حوكمة النظام وإدارته الأزمة بالتكليف وليس التشريف في الأزمة”- بحسب تعبيره.

وأضاف “يكلمونا عن تخفيض سعر الليلة لمن يريد في مستشفى خاص وكأنه في نزهة، ويقولك عملنا اللي علينا بدلا من عشرين وثلاثين ألف الخ”.

ويرى “غنام” أنها ليست تلك هي القضية وأن المطلوب بشكل عاجل وضع استراتيجيه شاملة للمواجهة وليس “اتفاق جنتلمان” بين الوزارة، وأصحاب المستشفيات الخاصة وكأنها فنادق سياحية، منتقدا ما وصفه بـ ” تسليع الكارثة” قائلا”هذه حرب بحاجة إلى تضافر جميع الجهود”.

الحكومة على خط الأزمة

مع تزايد المطالب والشكاوى من استغلال بعض المستشفيات الخاصة لجائحة كورونا، عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعا الأحد الماضي، للمجموعة الطبية؛ لمناقشة عدد من الملفات الخاصة بإجراءات التعامل مع التصدي لانتشار فيروس “كورونا”، وذلك بحضور كل من الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، واللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، والدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، وأسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، والدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية لشئون الصحة والوقاية، واللواء بهاء الدين زيدان، رئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي، ومسئولى الجهات المعنية.

اقرأ أيضًا:

أطباء “كورونا” ووزيرة الصحة.. اتهامات وتبرير ومطالبات بالإقالة

 وكلّف “مدبولى” الوزراء المعنيين بوضع ضوابط للمستشفيات الخاصة التى بدأت تشارك فى علاج المواطنين من فيروس كورونا، بحيث يكون هناك سقف محدد لتكلفة العلاج، ولاسيما أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعاً مبالغاً فيه فى تكلفة العلاج والعزل بعدد من هذه المستشفيات، وأكد رئيس الوزراء على ضرورة توافر جميع المستلزمات الطبية بالمستشفيات، مطالباً بالتأكد من صرف هذه المستلزمات لجميع الأطقم الطبية، وعدم الاكتفاء بالاطمئنان لوجودها بالمخازن فقط.

ظرف استثنائي

في الظروف العادية يحدد عدد من العوامل تسعير الخدمة الصحية، بحسب الطبيب، الدكتور صديق الحكيم، المتخصص في النظم الصحية، والتي يلخصها في 6 عناصر أساسية يمكن استنباطها من أبحاث سوق الرعاية الصحية الهادفة للربح، ويجب الاستناد عليها عند التسعير، وهي معرفة تكلفة الخدمة وحجم الطلب عليها، ومعرفة مدى رغبة الزبائن، وقدرة المستهلكين، وقابلية الدفع، واستجابة المنافسين، وتصنيف الخدمة ضرورية وملحة أم يمكن جدولتها مثل عمليات التجميل الاختيارية.

يضرب “الحكيم” مثالا لمن يعتقدون أنه سعر عادل أو متوقع يمكن دفعه، في عملية تكميم المعدة يسأل المريض عن سعر العملية تقريبا في أكثر من 10 أماكن وفي مدن مختلفة من القاهرة إلى الإسكندرية والمنصورة والزقازيق وطنطا وطبعا يكون بجانب السعر خبرة الأصدقاء والمقربين في استعمال الخدمة”.

يضيف “قرارات التسعير المتخذة في المنظمات الصحية الهادفة لتحقيق الربح، مثل المستشفيات الخاصة، تختلف كليا عن ممارسة التسعير في المنظمات الصحية غير الهادفة لتحقيق الربح، فهذه الأخيرة تحدد أسعارها من خلال تقدير التكاليف الكلية مضافا إليها حد ربحي مرغوب ثم مراعاة مبادئ السوق للوصول إلى سعر يعرف بالفائض”.

النموذج الأوروبي 

يرى مراقبون أنه بالإضافة إلى ما خلفته الآثار الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا، إلا أنها كشفت بعض الثغرات والعيوب في إدارة تسيير الأنظمة الصحية الأوروبية والتي يعرف عنها أنها تقدم أفضل الخدمات على مستوى العالم، لكن مستشفياتها أظهرت بسبب عدوى كورونا أنها غير مجهزة بما يكفي للتعامل مع الوباء القاتل.

 ويعتقد خبراء طبيون أن عدم جاهزية المراكز الصحية ونقص الخبرة في التعامل مع كوارث صحية هي من بين الأسباب التي حفزت استشراء الوباء في القارة الأوروبية.

وفقا لما للدكتور بريس دولافين مشرف برامج كوفيد19 ضمن منظمة مراسلون بدون حدود فإنه “حين تكون مصابًا بداء السرطان فإنك تفضل أن تعالج داخل مستشفى أوروبي، لكن أوروبا لم تشهد وباء تفشى داخلها منذ أكثر من قرن، ولا يعرف المسؤولون ما الذي سيخططون له لاحقا”.

ويعتقد ” دولافين”، أن أوروبا تقاعست في التعامل مع تبعات عدوى فيروس كورونا في البداية، ولم تتوخ اتباع الطرق الصحيحة، تلك المتعلقة بتعقب سلسلة انتشار الوباء ما بين الأفراد، كما يضيف: “صحيح أن عمليات التتبع شاقة فعلا، ذلك أن مسؤولي الهيئات الصحية يتعقبون الأشخاص الذين كان لهم اتصال مع المصاب لتحديد نطاقات انتشار الفيروس”.

اقرأ أيضًا:

كيف انتشر كورونا؟.. العالم يتفق على محاسبة “الصحة العالمية”

في وقت سابق، وجهت منظمة الصحة العالمية، باللائمة على بعض الدول متهمة إياها بأنها ضيعت فرصة سانحة لمنع الفيروس من الانتشار موضحة “أن تلك الدول كان لها أن تتفاعل بشكل أكثر حزما قبل شهرين من خلال إجراء اختبارات وفحوصات على نطاق أوسع”.

بحسب ما كشف عنه”مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض” الأوروبي (ECDC) ظهر وكأنه غير قادر على التعامل مع جائحة بهذا الحجم، إذ أنّ المواثيق التي يقوم على أساسها التعاون الأوروبي تحفظ للدول الأعضاء صلاحية إدارة قطاعات الصحة، والحماية الاجتماعية وإدارة الحدود، وهو ما استغلته كل دولة بشكلٍ منفردٍ من دون أي مناقشات أو تعاونٍ مع الدول الأخرى.

ما سبق يطرح تساؤلات ومخاوف إذا كان هذا هو حال بعض الدول التي وصلت فيها النظم الصحية تطورا كبيرا، وعجزت رغم ذلك  عن مواجهة الوباء، كيف هو الحال في بلد مثل مصر تعاني فيه المنظومة الصحية من عدة تحديات، لو خرجت الأمور عن السيطرة في القريب العاجل، وهل يمكن أن تخضع تلك المنشآت إلى وزارة الصحة، ويكون فيها العلاج بالمجان؟.