مازالت أصداء الجلسة العاصفة التي شهدها البرلمان التونسي، احتجاجا علي ممارسات حركة النهضة الإسلامية، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين-، فيما يتعلق بالشأن الداخلي، والنأي بالوطن التونسي والزج به في أتون الصراع الدائر في ليبيا الآن دعما لتيار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والنظام الحاكم في قطر، أبرز الحلفاء الداعمين للجماعة وتنظيمها الدولي- بحسب ما وصفه برلمانيون تونسيون- خلال الجلسة حاضرة، لتجعل الجميع يسأل عن أسباب تلك الانتفاضة، وماذا عن تبعاتها سواء فى الداخل التونسي أو محيطها العربي والإقليمي.

تعالت أصوات النواب التوانسة من المحسوبين علي التيار المدني، صارخين في وجه رئيس البرلمان راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية، موجهين له ولحزبه اتهامات بـ”العمالة لتركيا وقطر”.

الاتهامات التي استمع لها ” الغنوشي” وهو جالسا علي المنصة أثناء إدارته الجلسة، وتابعتها علي الهواء مباشرة، وسائل إعلام عربية ودولية، استمرت علي مدار أكثر من 16 ساعة، وكانت بطلة المشهد، زعيمة الحزب الدستوري الحر، النائبة عبير موسي، حيث  كانت الجلسة مخصصة لمناقشة الحزب، ومساءلة “الغنوشي” وسحب الثقة منه بصفته رئيسا للبرلمان .

اتهمت النائبة التونسية،” الغنوشي” علنا في كلمة وصفها المراقبون للشأن التونسي بـ”التاريخية”، بأنه بسبب ممارسته غير المسؤولة  هو وحزبه يعملون على انقسام التونسيين وزّج البلاد للتدخل في شؤون ليبيا لصالح حكومة الوفاق برئاسة فايز السرّاج والمدعوم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

جلسة متواصلة

الجلسة العامة والتي  شهدت إجراء نقاش حول الدبلوماسية البرلمانية في علاقته بالوضع بليبيا، في ظل اتهامات باصطفاف رئيس البرلمان إلى جانب طرف ليبي (السرّاج) على حساب الآخر، شهدت سجالا كبيرا بعد أن تعمد “الغنوشي” وأنصاره مقاطعة النائبة التونسية خلال كلمتها، والتي صممت بأن تأخذ حقها كاملا في الحديث والوقت المتاح لها، بعد أن اتهمها ، “الغنوشي” بسوء الأدب، فما كان منها إلا أن ردت عليه بالقول “من لا يعملون الأدب هم الكاذبون علي أنفسهم وبلدهم” في إشارة إلي رئيس البرلمان.

اقرأ أيضًا:

الإرهاب الفيروسي.. مخطط الجماعات المتطرفة لنشر كورونا في صفوف الشرطة بتونس

 

وتساءلت النائبة التونسية موجههة حديثها إلي ” الغنوشي” قائلة:” أنت متهم بالهروب من العدالة والمثول أمام القضاء؟ مضيفة ” عليك أحكام إدانة صادرة من محاكم تونسية ، ولكنك عقب الثورة التونسية قدمت إلى البلاد ولم تذهب إلي المحكمة لتبرأة نفسك، قائلة” عدت إلى تونس واستقبولك وكأنك طلع البدر علينا”.

حديث “موسى” ذكر التوانسة بمشهد عودة رئيس الحركة الإسلامية من بريطانيا عقب ثورة لم يشارك في مسارها ضد الرئيس التونسي الأسبق المخلوع، بن علي، ليقدم “الغنوشي” نفسه  على أنه منقذ التونسيين من الدكتاتورية والأزمة الاقتصادية، حينما استقبله أنصاره في مطار تونس قرطاج الدولي في 2011 على أنغام أنشودة ” طلع البدر علينا” وهي الأنشودة التي استقبل بها الأنصار في يثرب الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ومن هاجر معه من المدينة المنورة.

بحسب الاتهامات التي وجهها البرلمانيون التونسيون فإن الغنوشي قام بزيارة سرية أجراها إلى تركيا وعقد اجتماعًا مُغلقًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو ما لم يعلن عنه “الغنوشي” في حين فضحته وسائل إعلام تركية، مما أثار انتقادات شعبية واسعة من باقي التيارات السياسية الرافضة لحركة النهضة، ليغير “معادلة الحياد” والمنحى الذي تتخذه تونس منذ بداية اشتعال الأحداث فى بلد الجوار ليبيا ما بعد القذافي، ودعما صريحا  لمطامع أردوغان في ليبيا والمنطقة.

اقرأ أيضًا:

أكاديمي تونسي: حرية الرأي ساهمت في مكافحة كورونا لدينا.. وعززت الوعي (حوار)

عريضة الاتهامات التى وجههتا النائبة التونسية، إلي زعيم حركة النهضة ، تضمنت دعم السرّاج، حيث أشارت فى كلمتها إلى أن ” الغنوشي،  هنأه في مايو الماضي، على ما وصفه بالانتصار إثر قيام الجيش الوطني الليبي بانسحاب تكتيكي من قاعدة الوطية الليبية.

اتهمت النائبة التونسية  “الغنوشي” بـ”الكذب” على الأعضاء فيما يخص اتصاله بأطراف ليبية قائلة ” انت وحركتك جزء بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين”، مضيفة ” أنه لا يشرف برلمان تونس التي أسس استقلالها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة”.

استندت “موسي” في اتهاماتها إلي ما اعتبرته علاقات الغنوشي مع شخصيات متهمة بالإرهاب على غرار يوسف القرضاوي وعدد من شخصيات التنظيم التي تؤمن في أدبياتها بالعنف على غرار الإرهابي الليبي عبدالحكيم بلحاج، متعهدة بمواصلة حزبها النضال للإطاحة براشد الغنوشي الذي يتخابر مع تركيا والتنظيمات الإرهابية في ليبيا ضد مصلحة الأمن القومي التونسي.

من جانبه، قال النائب التونسي، حاتم المانسي، ” مكالمة الغنوشي لفايز السراج الهدف منها الزج بتونس في سياسة المحاور في ليبيا” مضيفا، “زيارة الغنوشي لرجب طيب أردوغان في أنقرة تحدٍ صارخ للرئاسة التونسية وسطو على صلاحياتها”، مستطردا ” إزاحة الغنوشي من رئاسة البرلمان التونسي أصبحت أمراً مستعجلاً ومطلباً لا هوادة فيه” .

وعلي الرغم من فشل اللائحة التي طرحها “الحزب الدستوري الحر” ،  حول التدخل في ليبيا وتضمنت سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بعد إسقاط مجلس النواب التونسي لها مساء الأربعاء، خلال الجلسة العاصفة، إلا أنها كشفت ورقة التوت عن حركة النهضة ودعمها لمحور “تركيا –قطر”، فضلا عن اشتعال الموقف الداخلي والأزمات الصادرة عن الحركة، والتي تزيد من حالة الإحتقان في الداخل التونسي.

السلطان العثماني بالبرلمان

ما تعرض له رئيس حركة النهضة الإسلامية، ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، من هجوم خلال الجلسة سبقه هجومًا أشد وطأة بعد أزمة المعايدة  لموظفي البرلمان وكوادره بمناسبة عيد الفطرالماضي، حيث تعرض موجة من الجدل في صفوف التونسيين وخلفت ردود أفعال سياسية شاجبة، بعد أن ظهر الغنوشي وهو يتوسط حشدا من الموظفين الذين وقفوا يمينا ويسارا لتحيته في مشهد يحيل إلى بروتوكولات سلاطين الدولة العثمانية أو المرشد الأعلى في إيران.

اقرأ أيضًا:

عودة داعش : ضربات موجعة بتونس للذئاب المنفردة

بحسب ما ذكرته، وسائل إعلام تونسية، ظهر رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في مشهد “السلطان” وهو يقوم بتحية كوادر وموظفي البرلمان، في مشهد لم يسبقه إليه أحد منذ سقوط الدولة العثمانية في تونس”.

واستحضر التونسيون من خلال هذه الصورة لقطات من المسلسلات التركية التي تؤرخ للعهد العثماني حيث كانت الجواري وخدم القصر يصطفون على اليمين والشمال عند مرور السلطان.

وتداول مستخدمو التواصل الاجتماعي فيديو على نطاق واسع، يظهر فيه ” الغنوشي” وهو يدافع عن موقفه  بالقول “أن القائد العسكري العثماني سنان باشا حرَّر تونس من الاستعمار الإسباني وجنَّبها مصير الأندلس، في قراءة تاريخية أخرجت المستعمر العثماني من ثوب المحتل”، مضيفا أن تونس (الإيالة التونسية سابقا) مدينة بإسلامها لسلاطين الدولة العثمانية، إذًا فالتونسيون حسب اعتقاده مطالبون برد الجميل لا الوقوف في وجه المشروع العثماني الجديد في المنطقة الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفقا لما رصدته تقارير إعلامية فإن هناك مساع داخل الحركة لتغيير النظام الداخلي، ما يسمح للغنوشي بتجديد ولايته عليها لفترة ثالثة أو رابعة وربما أكثر، بحسب ما ذكرت صحيفة العرب الصادرة من لندن .

من هو الغنوشي

هو سياسي ومفكر إسلامي تونسي، وزعيم حركة النهضة التونسية ومساعد الأمين العام لشؤون القضايا والأقليات في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيسه، وعضو مكتب الإرشاد العام العالمي لجماعة الإخوان المسلمين.

 وُلد باسم (راشد الخريجي) في 22 يونيو 1941 بالحامة (ولاية قابس) ، وعاش في المهجر في لندن بعد نفيه من بداية التسعينات إلى أن عاد بعد الثورة التونسية في 2011.

تشير الجريدة إلي أنه وعقب عودة ” الغنوشي”  إلي تونس  تدرج في صناعة هالة إعلامية حوله بتقديم نفسه رجل المصالحة وإصلاح ذات البين بين مختلف المشارب السياسية في البلاد وزاهدا عن السلطة وملذاتها وحكيما قل نظيره، حتى انقشعت السحابة سنة 2019 بعد أن قرر خوض الانتخابات التشريعية والحصول على منصب سياسي في الدولة، وهذا ما وقع فعلا بانتخابه رئيسا للبرلمان التونسي.

قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية والتي فاذ فيها الرئيس التونسي، قيس سعيد في أكتوبر الماضي،  لمّح الغنوشي إلى إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية إلا أن حظوظه الضعيفة في الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية دفعته إلى التراجع، بينما فسر عدد من قيادات حزبه تراجعه بكونه يصب في مصلحة التوازن السياسي في البلاد وبأن الحركة لا تريد الجمع بين رئاستي الجمهورية والحكومة درءا لتغولها، بحسب تقارير إعلامية.

5 عقود من احتكار السلطة

يحتكر راشد الغنوشي السلطة المطلقة داخل حركة النهضة منذ 5 عقود تقريبا فهو الآمر الناهي فيها، فرغم الاستقالات التي عصفت بالحركة ومنها استقالة أمينها العام ورئيس الحكومة التونسية الأسبق حمادي الجبالي وعدد من القيادات التاريخية استطاع الغنوشي الحفاظ على موقعه داخلها عبر صورة المرشد الأعلى، وهي في حقيقة الأمر جزء من أبجديات حكم الجماعة، لكن مراقبين يشيرون إلى أن الأخير بدأ بتحويل صورة المرشد من داخل حركته إلى البرلمان التونسي وبالتالي إلى مؤسسات الدولة، بحسب تقرير لجريدة العرب.

اقرأ أيضًا:

أمرآة وهبت حياتها لنصرة المظلومين بتونس

ويشير التقرير إلي أن رئيس البرلمان التونسي يسعى لتحويل الأنظار عن قضية اصطفافه خلف الإسلاميين في ليبيا إلى قضية تستهدف شخصه لا أكثر، وهو ما دفع به إلى محاولة استنقاذ صورته المهزوزة داخله.

تضيف بإن حركة النهضة الإسلامية  تستعد لعقد مؤتمرها الحادي عشر العام الجاري والذي من المفترض أن يفرز قيادة جديدة تقطع مع احتكار راشد الغنوشي للسلطة طيلة 5 عقود تقريبا وفق ما ينص عليه النظام الداخلي للحركة والذي حدد فترة الرئاسة بمدتين لا أكثر، وأن  مصادر مقربة من الحركة تشير إلى وجود مساع لتغيير النظام الداخلي قبل المؤتمر العام باتجاه تنقيح فترة الرئاسة، ما يسمح للغنوشي بتجديد ولايته عليها لفترة ثالثة أو رابعة وربما أكثر.

مراقبون يرون بإن الانتقادات تفاقمت  داخل الحركة لأداء الغنوشي وسيطرته على مفاصل الحركة بعد أن أطلقت قيادات تاريخية، بينها رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني ووزير الصحة عبداللطيف المكي وحتى زبير الشهودي مدير مكتب الغنوشي، دعوات للتغيير وفسح المجال للطاقات الشابة داخل الحركة.

صدام مع الرئيس

في 24 مايو الماضي، تجاوزت كلمة الرئيس التونسي قيس سعيد ،حدود البروتوكولات الكلاسيكية والروتينية، لتتحول إلى قصف كلامي موجه ضد حركة النهضة الاخوانية ورئيسها راشد الغنوشي.

وفي الوقت الذي يطرح فيه بعض الفاعلين السياسيين مشروعية تدخل الغنوشي في الشؤون الليبية، قال سعيد في خطاب له بمناسبة حلول عيد الفطر “إن الدولة التونسية واحدة.. ولها رئيس واحد في الداخل و الخارج.

وأضاف: “هناك من يريد العيش في الفوضى.. فوضى الشارع وفوضى المفاهيم ولكن للدولة مؤسساتها وقوانينها.. الدولة ليست صفقات تبرم في الصباح وفي المساء”.

وتابع سعيد: ” لا أبحث عن خلق الأزمات في تونس، أو إدارة الأزمات، كما يفعل بعض الأطراف السياسية”، مؤكدا أنه لن يسمح لأي طرف بتجاوز القانون أو تجاوز صلاحياته التي منحها الدستور.

واعتبر محللون أن تصريحات الرئيس التونسي، خلال خطابه ردًا على تدخل راشد الغنوشي في الملف الليبي التي تجاوز فيها صلاحيات رئيس الجمهورية وفق دستور سنة 2014، فضلا عن أن الإشارة إلى الأموال المنهوبة هو “إنذار” رئاسي بفتح الصندوق الأسود لثروة الغنوشي المتراكمة والمجهولة المصدر”، قائلا :”أموال الشعب المنهوبة يجب أن تعود إلى الشعب التونسي، وهو بصدد اعداد مشروع قانون لمكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة”.

وربط مراقبون بين مشروع القانون، والعريضة الشعبية التي أطلقها العديد من النشطاء السياسيين والشخصيات الأكاديمية التونسية، في 17 مايو الماضي،  وذلك من أجل التثبت من مصادر تمويل رئيس إخوان تونس ومصادر ثراء حركته الإرهابية.

وطالبت العريضة بالتحقيق في مصادر ثروة رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي ومصادر تمويل الحركة، وتجاوزت العريضة الشعبية المطالبة بالتحقيق في ثروة رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي نحو 5 آلاف توقيع في مدة لا تتجاوز 24 ساعة،عقب الإعلان عنها.