“حد يعرف متعافى كورونا يتبرع ببلازما لحالة بتموت حتى لو هياخد فلوس الله يخليكم شير الحالة”، لا تتعجب عند قراءة تلك الرسالة أو رسائل أخرى مُشابِهة لها على صفحات طبية أو “جروبات” دشنها متطوعون للمساهمة في مواجهة فيروس “كورونا”، بعد تصاعد الحالات وتكدس المستشفيات خلال الأيام الماضية، وهو ما دعا الأزهر إلى التدخل بإصدار فتوى شرعية للتأكيد على ضرورة التبرع، من الناحية الفقهية، في ظل أزمة دستورية تواجه السلطات المصرية إذا ما أقبلت على إجبار المتعافين بالتبرع، ليبقى الرهان على وعي وضمائر المتعافين من كورونا بأهمية التبرع لمحاربة جائحة عجز العالم عن إيجاد لقاح لها حتى الآن.
وفي محاولة لحث المتعافين على التبرع وتسهيل التواصل بينهم وبين المرضى، دشن متطوعون على مواقع التواصل الاجتماعي “الحملة الشعبية للتواصل بين متبرعين البلازما ومرضى فيروس كورونا”.
ووفقا لما أعلنه القائمون على الحملة فإنهم يستهدفون تقديم خدمة مجتمعية مجانية، من خلال التواصل بين المريض و المتبرع في سرية تامة، مؤكدين عدم مسؤوليتهم عما يحدث من اتفاق أو خلاف أو عدم التزام بين الطرفين.
استمارة “أون لاين”
تبدأ العملية باستمارة تشترط الحملة ملؤوها لمن يرغب في الخدمة سواء للقائمين على العمل أو للمتبرع أو المريض، مع اشتراط عدم التعريف بالاسم سواء في (الهاتف) أو في الاستمارة حرصًا على الخصوصية.
ينص النموذج على أن: “الموافقة على ملء الاستمارة تعني الموافقة على إعطاء معلومات شخصية من أجل مساعدتي و من أجل المصلحه العامة وأن أكون على استعداد لتلقي مكالمات للتواصل بخصوص الأمر”.
بعد رفضها تخفيض أسعار “كورونا”.. هل تشرف الدولة على المستشفيات الخاصة؟
تقول إحدى عضوات الفريق المتطوع: “طول اليوم ناس بتكلمني بتدور على متعافين كورونا يتبرعوا بالبلازما بتاعتهم لأهاليهم وأصحابهم” مضيفة: “ناس تانية خفت الحمد لله و دمها بقى فيه أجسام مضادة مش عارفين يتبرعوا لمين، و الحمد لله وصلت 4 ببعض عشان يلحقوا بعض.”
وتتابع “قلت إنه لو في سيستم يجمع الناس بسهولة، هنلحق ناس أكتر ونوصل لناس أكتر” مرجعة الفضل إلى أحد المتطوعين ويدعى مينا مهيب، حيث إنه عندما رأى تدوينتها، قرر تصميم “أبليكشن” يتضمن “سيستم” لتسهيل وسرعة التواصل بين المرضى والمتعافين.
فتوى الأزهر
وعلى خط الأزمة دخل الأزهر الشريف، بتأكيد مركزه العالمي للفتوى، مساء السبت الماضي، على وجوب تبرع المتعافين من فيروس كورونا بالبلازما، وحرمة الامتناع عن التبرع بغير عذر، وأن الامتناع بغير عذرٍ لا يجوز شرعًا ويأثم الممتنع.
وأضاف المركز، في فتوى أعاد نشرها: “أنه في ظل سعي البشرية الدؤوب للوصول لعلاج أو لقاح ينهي أزمةَ جائحة فيروس كورونا، ويخفِّف آلام المُصابين به، دعت الأجهزة الطبية المتعافين من هذا الداء للتبرع ببلازما دمهم لمساعدة المصابين، لا سيما الحالات الحرِجة منهم؛ نظرًا لما تحتوي عليه بلازما المتعافين من أجسام مُضادَّة للفيروس قد تُسهِم بشكل كبير في تحسن تلك الحالات خاصّة مع الشواهد البحثية في العديد من دول العالم”.
وشددت الفتوى على “أن استجابة المُتعافين لهذه الدعوة “واجب كفائي” إن حصل ببعضهم الكفاية وبرأت ذمتهم، وإن لم تحصل الكفاية إلَا بهم جميعًا تعين التبرع بالدم على كل واحد منهم وصار في حقه واجبًا ما لم يمنعه عذر، وإن امتنع الجميع أثم الجميع شرعًا وذلك لما في التبرع من سعي في إحياء الأنفس”، وأضافت الفتوى أن: ” التبرع بالبلازما للمصابين نوع من الشكر العملي على نعمة العافية بعد البلاء، والشفاء من عضال الدّاء”.
وتابع المركز: “أما امتناع المتعافى عن التبرع مع قُدرته فشُحُّ نفسٍ، وضعف يقين، وأَثَرة وأنانية، ولا شك هي أمور مذمومة، مذموم من اتصف بها آثم ولا شك أن منع البلازما بغير عذر من منع الماعون.”
وأوضح الأزهر “الممتنع عن بذل ماء فائض عن حاجته لمن يحتاجه جازاه الله تعالى بأن منع عنه فضله ورحمته، والامتناع عن التبرع بالبلازما دون عذر أولى بالذمِّ من البخل بالماء؛ لأن الماء مهما عزَّ يمكن الوصول إليه؛ بينما بلازما المُتعافين لا يمكن الوصول إليها إلَّا من خلالهم”.
وأهاب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بالمتعافين أن يتنافسوا في أداء هذه الفريضة ونيل أجرها العظيم فقد اختصهم الله سبحانه بفضله وشملهم بلطفه وجزاء الإحسان عند الله إحسان”.
تحريم البيع
ومع تزايد الطلب على البلازما والبحث عن متبرعين، أصبح الأمر يُروج له وكأنه تجارة، وهو ما رفضه صالح عبد الحميد، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، رغم أن المركز العالمي للفتوى، أصدر فتوى بتحريم بيع بلازما الدم للمتعافين من فيروس كورونا، داعيًا للتبرع بالبلازما للمرضى المصابين، فقد استغل تجار الأزمات حاجة المرضى وأعلنوا عن وجود بلازما المتعافين مقابل مبالغ مالية كبيرة.
وعلى الرغم من إصدار العراق قبل يومين فتوى بحرمة بيع بلازما الدم والامتناع عن التبرع به، إلا أنه ارتفع سعر لتر بلازما الدم للمتعافين من فيروس “كورونا” إلى ألفي دولار، بحسب تقارير إعلامية محلية ودولية.
وأضاف “عبد الحميد”، فى تصريحات متلفزة: “أنه من المفترض أن الإنسان عندما ينعم عليه الله بالشفاء أن يقدم خدماته لإخوانه المرضى والمساعدة فى شفائهم، مشيرًا إلى أن مرض فيروس كورونا لم نره من قبل من انتشاره ووبائه وخطره على البشرية”.
وتابع عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف: “يجب عدم استغلال الظروف”، منوهًا بأن حكم بيع البلازما حرام شرعًا، كما يأثم المتخاذل عن التبرع فالمتعافى عليه التبرع طالما دعته الدولة للتبرع للمساعدة والمساهمة فى علاج المرضى، مضيفًا أن التبرع بالبلازما واجب شرعي ووطني وإنساني.
قارب نجاة
مع تزايد الحالات ومع فشل الوصول إلى لقاح أو توافر أسرة بالمستشفيات ومع إعلان وزيرة الصحة والسكان المصرية، هالة زايد، نجاح تجربة حقن المصابين بفيروس كورونا المستجد ببلازما المتعافين من الفيروس وذلك لعلاج الحالات الحرجة، لم يبق للمصابين وذويهم سوى البحث عن كيس بلازما باعتباره قارب نجاة.
في وقت سابق كشفت وزيرة الصحة، في تصريحات على صفحة رئاسة مجلس الوزراء بموقع “فيسبوك”، أنه تم تطبيق تجربة حقن بلازما المتعافين لبعض مصابي فيروس كورونا من الحالات الحرجة بمستشفيات وزارة الصحة والسكان، موضحة أن تلك التجربة تم العمل بها في إطار جهود مصر لإيجاد خطوط علاجية، وتسابق دول العالم في إيجاد علاج للمرضى المصابين بالفيروس.
وأضافت زايد: “تم توفير البلازما لاثنين من المستشفيات الجامعية بعد طلبها، حيث أظهرت التجربة نتائج مبدئية مبشرة من خلال نسبة تعافي جيدة للمرضى وتقليل احتياج المرضى لأجهزة التنفس الصناعي مع زيادة نسب الشفاء وخروج المرضى من المستشفيات”.
وناشدت وزيرة الصحة المتعافين من فيروس كورونا، بعد مرور 14 يومًا على شفائهم، التوجه إلى أقرب مركز نقل دم تابع لخدمات نقل الدم القومية بوزارة الصحة والسكان، حيث تم تفعيل العمل بخمسة مراكز نقل دم على مستوى الجمهورية، لسحب بلازما المتعافين.
ولكن الوزيرة أعلنت فى تصريحات متلفزة أمس، أنه لا يمكن إلزام المتعافين من فيروس كورونا بالتبرع ببلازما الدم وذلك لتعارض ذلك مع أخلاقيات المهنة، مؤكدة أن التبرع يكون بكامل إرادة المتعافى دون إلزام، لافتة إلى أن الأفراد الذين تعافوا من كورونا بعد حقنهم ببلازما الدم شعروا بأهمية التبرع لإنقاذ حياة المرضى.
اتفاقية مع كوريا الجنوبية
وفي محاولة للخروج من الأزمة ، أعلنت وزيرة الصحة، أن مصر عقدت اتفاقية مع كوريا الجنوبية، لتصنيع مشتقات بلازما الدم خاصة وأنها صناعة دقيقة ولم ينجح فيها سوى خمس دول فقط على مستوى العالم.
وبحسب ما أعلنته الوزيرة فإن مصر بصدد إنشاء 12 مركزًا لبلازما الدم، تم الانتهاء بالفعل من 6 مراكز في 6 محافظات، تزامنًا مع إطلاق حملة قومية للتبرع بالبلازما خلال أشهر، خاصة وأن المصابين الذين تم وضعهم على جهاز التنفس الصناعي، وكانت حالتهم حرجة، تحسنت حالتهم بعد حقنهم بالبلازما.
مخالف للدستور
التصريحات الأخيرة للوزيرة جاءت بعد مطالب برلمانية للحكومة بإطلاق حملة توعوية موسعة تجوب محافظات الجمهورية للتوعية بأهمية التبرع ببلازما المتعافين ممن تم شفاؤهم من الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، والتأكيد على سلامة الإجراءات المتخذة في عملية نقل الدم وأنه لا تخوف منها.
تبقى المشكلة القانونية التي تواجه الحكومة والنواب في صعوبة إلزام على من تم شفائهم بالتبرع لأنه يعد مخالفًا للدستور، فضلًا عن أن التبرع بمقابل مادي لا يجوز دستوريًا أيضًا وسوف يفتح معه بابًا يصعب غلقه وما يتبعه من مشكلات، ليبقى الرهان على نحو 6 آلاف متعافٍ من الفيروس ليكونوا نواة للحملة التي ستطلقها الحكومة.