في الوقت الذي أعلنت فيه الكنيسة القبطية الكاثوليكية قبول استقالة الأنبا كيرلس وليم مطران أسيوط بناء على طلبه وذلك بعد بلوغه السن القانونية أي سن المعاش. فإن قضية خروج الأساقفة على المعاش أو حتى قبول استقالتهم تشكل تابوها محرما في قوانين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وفقًا للقانون الكنسي المعمول به حاليًا، فإن الأسقف متزوج بإيبراشيته لا يتركها إلا ساعة الموت. فلا يجوز نقله من موقعه أو قبول استقالته أيا كانت الأسباب. فالخدمة الكنسية دعوة من الله وليست وظيفة يمكن تركها أو تقديم الاستقالة منها.
لاهوتيًا فإن الكنيسة القبطية تؤمن بأن سر الكهنوت نذر لله وهو ما ينطبق على جميع الرتب الكنسية. ومن ثم التراجع عن هذا النذر أو التكريس خطيئة لذلك لا تعيد الكنيسة راهباً تراجع عن رهبنته وترك الدير وعاد إلى العالم. مهما كان سبب تراجعه عن نذره ولا يمكن رسامته في أي درجة من درجات الشموسية أو الكهنوت في العالم.
رغم الالتزام بالقانون الكنسي، فإن قضية استمرار الأساقفة على مقاعدهم مدى الحياة تسببت في عدة أزمات للكنيسة القبطية. وأثرت على الخدمة الكنسية بشكل كبير مثلما يؤكد كمال زاخر الكاتب المتخصص في شئون الكنيسة.
أبرز الأزمات التي عاشتها الكنيسة القبطية
من أبرز الأزمات التي عاشتها الكنيسة القبطية مؤخرا بسبب هذا الشرط. قضية استقالة الأنبا سوريـال أسقف ملبورن باستراليا من الخدمة الكنسية عام 2019. حيث نشر استقالته على الفيسبوك بشكل مفاجئ دون إخطار القيادة الكنسية أو المجمع المقدس. فما كان من الكنيسة إلا أن أعلنت قبول استقالته ربما للمرة الأولى في عصر البابا تواضروس. الذي أكد أن إيبراشية ملبورن تخضع لإشرافه شخصيا لحين رسامة أسقف عام لها.
تلجأ الكنيسة القبطية في مثل تلك الحالات إلى تعيين أسقف مساعد أو أسقف عام يخدم في الإيبراشية الشاغرة. كمساعد للأسقف الغائب طالما كان على قيد الحياة حيث عمد البابا تواضروس في السنوات الأخيرة إلى رسامة (تكليف بالخدمة) عدد من الأساقفة العموم دون الالتزام بكرسي محدد في إيبراشية معينة. يحكمها نطاق جغرافي تجعل من الأسقف مكلفا بخدمتها مدى الحياة.
بعد تلك الاستقالة، ذهب الأنبا سوريـال للخدمة في أحد الكنائس القبطية بمدينة لوس انجلوس الأمريكية متحررا من أعباء الأسقفية التي عاش فيها 21 سنة على حد تعبيره. بينما مازالت الكنيسة حتى اليوم تعيش أزمة قضائية بسبب مخالفات مالية ارتكبها الأنبا دانييل أسقف سيدني. مما استلزم إيقافه عن العمل بقرار باباوي، بينما تم وضع إيبراشيته تحت إشراف الأنبا تادرس مطران بورسعيد دون أن يتم تعيين أسقف بديل لإدارتها.
ماذا تفعل الكنيسة الكاثوليكية في قضية استقالة الأساقفة؟
تفرق الكنيسة القبطية الكاثوليكية بين أمرين حين شرعت قبول استقالة الأساقفة أو بلوغهم السن القانوني للمعاش. الأول أن الخدمة الأسقفية دعوة من الله تتم من خلال طقس الرسامة وبالتالي لا يمكن الانفكاك منها أو تركها مدى الحياة. لأنها مرتبطة بسر الكهنوت المقدس، أما الأمر الثاني وهو أن منصب الأسقف يعني مدبر الإيبراشية أو مديرها الإداري. وهو الأمر الذي يجوز فيه قبول الاستقالة أو تحديد سن معين للمعاش. بينما يظل الأسقف بعد بلوغه تلك السن أسقفا يحمل لقب المطران الشرفي للإيبراشية يصلي في كنائسها ويتمم أسرارها المقدسة. ولكن لا يتدخل في شئونها الإدارية التي تتم إحالتها إلى مطران جديد ينتخبه السنودس الكاثوليكي.
بالنظر إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فإن متوسط أعمار آباء المجمع المقدس للكنيسة هو 70 عامًا. حتى أن بعضهم يعاني من أمراض مزمنة لا تمكنه من إدارة شؤون الكنيسة على الوجه الأمثل. بينما تأتي قضية تعيين أسقف مساعد بالتراضي بين البابا البطريرك وبين أسقف الايبراشية. إذ لا يمكن رسامة مساعد له في حالة رفضه ذلك أو اعتراضه، وهو ما حدث مع الأنبا موسى أسقف الشباب الذي رفض تعيين الأنبا بافلي كمساعد له. يخدم في أسقفية الشباب في الإسكندرية وأصيب بعدها بذبحة صدرية جراء انفعاله من هذا القرار. رغم أن الأنبا موسى يعاني من أوضاع صحية صعبة جعلت أسقفية الشباب تدار من خلال المكرسات.
تحديد سن للمعاش في النظام الكنسي
الكنيسة الكاثوليكية ليست الكنيسة الوحيدة في مصر التي وضعت سنا قانونية للمعاش لقياداتها. بل إن هذا العرف متبع في الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية التي احتفلت في يونيو الماضي بتقاعد رئيس أساقفتها الدكتور منير حنا. وتولي الدكتور سامي فوزي منصب رئيس أساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية. إذ تفرغ المطران الشرفي لتأسيس مركز للدراسات الإسلامية المسيحية يحمل اسمه مبتعدا عن الأعمال الإدارية في الكنيسة التي قضى في رئاستها ما يقرب من 21 عامًا.
يؤكد زاخر أن استقالة الأساقفة أو تحديد سن للمعاش لا يؤدي إلى خلل في النظام الكنسي مثلما يطرح مؤيدو تلك الفرضية وهو أمر يمكن تفنيده بالنظر إلى الكنيسة الكاثوليكية التي تعيش استقرارا كبيرا حتى إنها واجهت فترة استقالة البابا بندكتوس الذي طلب التقاعد وسلم كل شيء لمجمع الكرادلة دون عناء مشيرا إلى أن الكنيسة الكاثوليكية في مصر تتبع النهج نفسه فهي تسمح للمطارنة الشرفيين بالصلاة وتحدد لهم راتبا لا ينقطع مع كافة المزايا المالية والصحية.