أعادت العملية الإرهابية التي استهدفت سفارة الولايات المتحدة في تونس مؤخرًا، تاريخًا طويلًا من الاستهداف تعرضت خلاله البعثات الدبلوماسية لهجمات على مستوى العالم، حيث كانت هذه البعثات والسفارات، ومازالت، هدفًا مشروعًا بالنسبة لجماعات العنف والإرهاب، أو حتى الجماعات السياسية، منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، حيث تم منذ ذلك التاريخ استهداف عشرات السفارات، سواء بواسطة التفجيرات الإرهابية أو الانتحارية، أو باقتحام مقارها واحتجاز الدبلوماسيين كرهائن.

 

بعثات السعودية تحت لهيب الإرهاب

في عام 1972، استولى خمسة مسلحين ينتمون إلى إحدى المليشيات الفلسطينية على السفارة السعودية في باريس، واحتجزوا 13 رهينة داخل مبنى السفارة، وطالبوا بإطلاق سراح بعض القادة الفلسطينيين المعتقلين في الأردن، على خلفية أحدث العنف التي شهدتها المملكة الأردنية، وعُرفت باسم «أحداث أيلول الأسود».

 

وفي 1 مارس عام 1973، تعرضت السفارة السعودية في العاصمة السودانية الخرطوم لهجوم مفاجئ، وكان المهاجمون 8 من المسلحين الملثمين ينتمون لمنظمة «أيلول الأسود» الفلسطينية، وذلك خلال حفل دبلوماسي أقيم لوداع القائم بأعمال السفارة الأمريكية كيرتس مور، وقتها، واستقبال السفير الأمريكي الجديد كليو نويل، حيث احتجز هؤلاء المسلحين الدبلوماسيين الأمريكيين وغاي ايد القائم بأعمال السفارة البلجيكية، والسفير السعودي آنذاك عبد الله الملحوق، وزوجته وأطفاله الأربعة، بالإضافة إلى عدلي الناصر القائم بالأعمال الأردنية. وطلب المسلحون الثمانية الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وفلسطيني المهجر في الأردن.

البعثات والسفارات، مازالت، هدفًا مشروعًا بالنسبة لجماعات العنف والإرهاب، منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي.

وفي 17 يناير 1984 اختُطف القنصل السعودي في بيروت حسين عبد الله محمد فراش من قبل ستة أشخاص يتبعون جماعة «الجهاد الإسلامي» الشيعية، تدخلت وساطة سورية بقيادة حافظ الأسد وزار سعود الفيصل إيران قبيل إطلاق القنصل في 18 مايو 1985م بعد أسر دام لأكثر من عام.

وبعد حوالي ستة أشهر، وفي 25 أغسطس 1984 اقتحم نحو 150 من الشيعة اللبنانيين سفارة المملكة العربية السعودية، وحطموا النوافذ وأحرقوا الوثائق.

وفي عام 1987 اُقتحمت السفارة السعودية في طهران بسبب أحداث مكة التي وقعت أثناء موسم حج عام 1407هـ، حيث تم احتجاز الدبلوماسيين السعوديين بداخلها، واعتدوا عليهم مما أدى إلى وفاة الدبلوماسي مساعد الغامدي وإصابة عدة دبلوماسيين آخرين منهم رضا النزهة.

 

عمليات «انتقامية»

نفذت إحدى المنظمات المرتبطة بـ «حزب الله» اللبناني، في 17 مارس 1992، هجومًا انتحاريًا بسيارة مفخخة على مقر السفارة الإسرائيليّة في العاصمة الأرجنتينية بيونيس آيريس. وأسفر الهجوم عن سقوط ما يُقارب 29 قتيلًا، وجرح أكثر من 200 آخرين.

وتبنت جماعة «الجهاد الاسلامي» التي كان يقودها عماد مغنية، القيادي في «حزب الله»، العملية التي قالت إنها جاءت انتقامًا لاغتيال عباس الموسوي، القيادي الشيعي، على يد عناصر من جهاز «الموساد» الإسرائيلي، في فبراير من نفس العام.

 

اقرأ أيضًا: أمريكا اللاتينية في مرمى «الإرهاب العابر للقارات»

من جهة أخرى، استهدف تفجير انتحاري مزدوج السفارة الإيرانية في بيروت 19 نوفمبر 2013. وأدى التفجيران إلى مقتل 23 شخصًا وجرح 160 آخرين. ولقي الملحق الثقافي الإيراني في لبنان إبراهيم الأنصاري مصرعه في العملية.

“داعش” تتبنى تفجير إرهابي بسيارة مفخخة للقنصلية الإيطالية في وسط القاهرة

واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم، إسرائيل بالمسؤولية عن تنفيذ هذه العملية، واصفًا إياها بإنها «جريمة غير إنسانية وعمل خبيث من قبل الصهاينة ومرتزقتهم»، غير أن تل أبيب نفت في حينه علاقتها بالهجوم، الذي لم تعرف بارتكابه أي جماعة حتى الآن.

وفي إطار مختلف، تعرضت القنصلية الإيطالية في منطقة وسط القاهرة، 12 يوليو 2015، لتفجير إرهابي بسيارة مفخخة، أسفر عن مصرع شخص وإصابة 10 آخرين بجروح وكدمات، وتحطم واجهة القنصلية وجزء من السور المجاور، وأبواب ونوافذ العديد من العقارات والمباني المحيطة.

وتبنى تنظيم «داعش» الهجوم، وقال في بيان له على موقع التغريد المصغر «تويتر، وقتها: «تمكن جنود الدولة الإسلامية من تفجير سيارة مفخخة تحمل 450 كيلوجرامًا من المتفجرات، أمام مقر القنصلية الإيطالية في العاصمة المصرية القاهرة».

في 20 ديسمبر 2016، أثار حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف، علي يد ضابط شرطة تركي يدعى مولود آلطنطاش، تداعيات دولية غاضبة ترددت أصداؤها في العواصم العالمية. وتوالت ردود الأفعال على الحادث، حيث أغلقت كل من الولايات المتحدة وإيران على الفور مقرات بعثاتهما الدبلوماسية في تركيا، للاشتباه في احتمالية وقوع حوادث مشابهة ضد هذه البعثات.

 

تنوعت الجماعات أو الجهات التي استهدفت السفارات والبعثات الدبلوماسية، فشملت أيضا جماعات اليمين المتطرف، ففي يناير 2019، أعلنت السلطات الأسترالية أن الشرطة اعتقلت رجلًا ينتمي إلى جماعة يمينية، للاشتباه بإرساله عشرات الطرود المشبوهة إلى بعثات دبلوماسية في أنحاء مختلفة من البلاد. وأوضحت السلطات أن الموقوف مشتبه بإرساله 38 طردًا مشبوهًا إلى سفارات وقنصليات في العاصمة كانبيرا ومدينتي سيدني وملبورن. وضمت لائحة البلدان المستهدفة، بريطانيا والولايات المتحدة والصين وإيطاليا والهند واليابان وسويسرا وإسبانيا ومصر وباكستان.

6 هجمات على بعثات دبلوماسية بليبيا

توالت الهجمات على البعثات الدبلوماسية بليبيا منذ سقوط الرئيس الليبي الراحل، العقيد معمر القذافي في أكتوبر 2011، حيث وقع أول هجوم على بعثة أجنبية عقب ثورة 17 فبراير 2011، حيث ألقيت حينها قنبلة على قافلة تقل رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا البريطاني ايان مارتن، أثناء زيارته لبنغازي، وفي 22 مايو 2012، أطلقت قذيفة “أر بي جي” على مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بنغازي.

توالت الهجمات على البعثات الدبلوماسية بليبيا منذ سقوط الرئيس الليبي الراحل، العقيد معمر القذافي في أكتوبر 2011

في 6، و11 يونيو 2012، وقع هجومان متتاليان في مدينة بنغازي، حيث تم إلقاء شحنة ناسفة من سيارة أمام مقر البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي، ثم كان هجوم على قافلة للسفارة البريطانية في بنغازي، وهو ما لم يتسبب في وقوع إصابات.

وعقب ذلك بـ 3 أشهر، وبمدينة بنغازي اقتحم ملثمون القنصلية الأمريكية في 11 سبتمبر وشنوا عليها هجوما، أدى إلى مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز وثلاثة آخرين من طاقم السفارة.

وفي سادس هجوم على بعثات دبلوماسية بليبيا، تم استهداف السفارة الفرنسية في طرابلس، صباح يوم 23 أبريل 2013 بسيارة مفخخة ما أدى إلى إصابة اثنين من الحراس بجروح، وإلحاق أضرار مادية جسيمة بالمبنى.

البعثات الأمريكية.. الأكثر استهدافا

وقعت أولى حوادث استهداف السفارات الأمريكية في 4 نوفمبر 1979، بعد عدة أشهر من اندلاع الثورة التي قادها الزعيم الشيعي موسوي الخميني، عندما اقتحم عدد من الإيرانيين الغاضبين مقر السفارة الأمريكية في طهران، وذلك احتجاجا على الدعم الكبير الذي أبدته واشنطن للشاه السابق علي رضا بهلوي، واحتجزوا 52 رهينة لمدة 444 يوما.

اقرأ أيضًا: السفارات الأمريكية في المنطقة.. تاريخ من الاستهداف

 

استحوذت تلك الأزمة الكبرى على اهتمام العالم أجمع، وقتها، خاصة أنها هددت بوقوع حرب جديدة في الشرق الأوسط، لذلك خاضت أمريكا مفاوضات مريرة مع الجانب الإيراني من أجل إطلاق سراح الرهائن، لكنها فشلت في هذا المسعى، لذلك نفذت عملية عسكرية فاشلة لإنقاذهم في 24 أبريل 1980، وتسببت العملية في تدمير طائرتين ومقتل 8 جنود أمريكيين وإيراني مدني واحد. وانتهت تلك الأزمة التي أسست للعداء المستحكم حاليا بين إيران وأمريكا، بعد التوقيع على اتفاقية الجزائر في 19 يناير 1981.

 

بعد أزمة الرهائن بسنوات، وفي 18 أبريل 1983، شهدت السفارة الأمريكية في العاصمة اللبنانية بيروت، تفجيرًا انتحاريًا بسيارة مفخخة، راح ضحيته 64 شخصًا، واتهمت واشنطن جماعة «حزب الله» بالمسؤولية عن التفجير، متهمة إيران بالوقوف وراء العملية التي نُفذت بمساعدة من جهاز الاستخبارات السوري وقتها.

 

اقرأ أيضًا: بعد 9 سنوات من صعوده.. الإرهاب يضرب تونس مجددًا

في ديسمبر من العام نفسه، 1983، شهد محيط السفارة الأمريكية بالكويت، انفجارًا بشاحنة محملة بـ 45 أسطوانة من المتفجرات البلاستيكية، وهو ما أسفر عن تدمير النوافذ والأبواب في مقر السفارة وفي المنازل والمحلات المحيطة بها، ومقتل 5 أشخاص.

وفي سبتمبر 2008، انفجرت سيارة مفخخة تابعة لحركة «الجهاد الإسلامي» في اليمن التابع لتنظيم «القاعدة» الإرهابي، قرب السفارة الأمريكية في صنعاء، والذي تسبب في وفاة 18 شخصا وإصابة 16 آخرين.

وشهدت القنصلية الأمريكية في ليبيا، عشية ذكرى أحداث 11 سبتمبر عام 2012، هجمات عنيفة شنها عدد كبير من العناصر المتطرفة، قذفوا خلالها مبنى القنصلية بالصواريخ ما أدى اشتعال النيران فيه، وأسفر ذلك عن مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز، وجنديين من مشاة البحرية الأمريكية «المارينز»، وموظف أمريكي في السفارة، واتهمت واشنطن وقتها تنظيم «أنصار الشريعة» في ليبيا بالمسؤولية عن الهجوم.

 

وبعد يومين فقط من وقوع تلك الهجمات الدامية في ليبيا، اقتحم آلاف المتظاهرين اليمنيين مقر السفارة الأمريكية في العاصمة صنعاء، وحطموا مكاتب موظفي السفارة، وأحرقوا عشرات السيارات داخل المبنى وخارجه، وهو ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 15 آخرين.

في العام التالي، أكتوبر 2013، نفذ مسلحان تركيان هجومًا انتحاريًا على السفارة الأمريكية في أنقرة، ما أسفر عن مقتلهما وحارس أمن، بالإضافة لإصابة 3 أفراد آخرين. وأعلنت جماعة إرهابية تركية تسمي نفسها «جبهة التحرير الشعبية الثورية» المسؤولية عن هذا التفجير، متهمة في بيان لها صدر وقتها الولايات المتحدة بأنها «تقتل شعوب العالم، وتؤذي الشعب التركي بجعل بلاده وكرًا من أوكار الشر، للإغارة من خلاله على بلدان الشرق الأوسط المسلمة المجاورة».

 

اقرأ أيضًا: تونس.. 18 عامًا من مواجهة الإرهاب

ومن جديد، إثر مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، مطلع العام الحالي، تعرض مجمع السفارة الأمريكية في بغداد للاستهداف مجددا في 27 يناير الماضي، حيث ضربت 3 صواريخ «كاتيوشا» مجمع السفارة. وأصاب صاروخ منها قاعة الطعام، بينما سقط الآخران في منطقة قريبة. وأُصيب في الهجوم 3 من موظفي السفارة الأمريكيين. وكانت هذه أول مرة منذ سنوات يُصاب فيها موظفون بالسفارة في هجوم مماثل.

ـــــــــــــــــــــــــــ

المصادر: