أثارت محاولة اغتيال الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس وزراء السودان، علامات استفهام كبيرة على الساحتين الإقليمية والدولية، خاصة أنها جاءت بعد أيام من تلقي الحكومة السودانية، وعودًا من الإدارة الأمريكية بأن رفع البلاد من قائمة واشنطن لـ «الدول الراعية للإرهاب» بات مسألة وقت لا أكثر.

وتعرض رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، الاثنين الماضي، لمحاولة اغتيال، في هجوم بـ”عبوة ناسفة” استهدف موكبه في العاصمة الخرطوم، ولم تعلن أي جهة حتى الان مسئوليتها عن الحادث، ولم تتوصل التحقيقات للجناة.

والوعود التى تلقتها الحكومة السودانية، ربما تكون مكافأة لها للمجهودات الكبيرة التي بذلها رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مؤخرًا، والتي وصلت إلى حد الرضوخ لضغوط واشنطن، وعقد «لقاء سري» تم كشف النقاب عنه مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لتحقيق «المصلحة العليا للبلاد» ورفع اسم السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية.

ويسعى “حمدوك” الناجي من محاولة الاغتيال  لتنفيذ الوعد الذى قطعه على نفسه، نوفمبر الماضي،   أمام لجنتي الشؤون الخارجية والتنمية في البرلمان الأوروبي، في بروكسل، ، بأن بلاده رافعة شعار جديد “الآن يمكنكم دعم السودان”.

وجرى اختيار  حمدوك، رئيسًا للحكومة الانتقالية في السودان، بعد اتفاق بين قوى سياسية  والمجلس العسكري، في أغسطس الماضي.

 

 

محاولة الاغتيال الفاشلة مثلّت نقطة مفصلية في مسيرة السودان في اتجاه انتقال البلاد من «دعم الإرهاب» إلى مواجهته

ومحاولة الاغتيال الفاشلة مثلّت نقطة مفصلية في مسيرة السودان بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، في اتجاه انتقال البلاد من «دعم الإرهاب» إلى مواجهته، وشكل الحادث منعطفًا جديدًا في الحياة السودانية سيكون عنوانه الأبرز في المرحلة المقبلة هو «محاربة الإرهاب»، وفق تصريحات المسؤولين السودانيين.

وتخذ مجلس الأمن والدفاع السوداني، إجراءات عاجلة لتعزيز حماية قيادات البلاد والمواقع الإستراتيجية، ومراجعة لجميع التشريعات والقوانين الوطنية الخاصة بجرائم الإرهاب خلال أسبوعين.

وقال المجلس في بيان أصدره عقب اجتماع طارئ، على خلفية المحاولة الإرهابية الفاشلة «يجب اصطفاف مؤسسات البلاد في مواجهة العمليات والمخططات التي تستهدف في المقام الأول استقرار السودان وتسعى لإجهاض إرادة الشعب».

وأضاف المجلس أنه “سيتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز التأمين ووضع الخطط الكفيلة بضمان أمن وسلامة قيادات الدولة والمواقع الإستراتيجية»، مشددًا على ضرورة مراجعة عاجلة لجميع التشريعات والقوانين الوطنية الخاصة بجرائم الإرهاب خلال أسبوعين”.

 

السودان.. وكر المتطرفين

كان إيواء نظام عمر البشير للعناصر المتطرفة وقيادات التنظيمات الإرهابية، مثل أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم «القاعدة»، وأيمن الظواهري، وإليتش راميريز سانتشيز، المعروف بـ «كارلوس -ابن آوى»، وقد تم اعتقاله في السودان على يد المخابرات الفرنسية عام 1994، وكذلك عدد من المطلوبين دوليًّا والملاحقين المتورطين في عمليات إرهابية، سببًا لتصنيف البلاد ضمن قائمة أمريكية، ضمت أيضا كل من إيران وكوريا الشمالية تحت اسم «الدول الراعية للإرهاب» عام 1993.

 

«المراجعات الفكرية» تكشف عن تورط نظام البشير في دعم العمليات الإرهابية داخل مصر

كشفت الاتهامات المتبادلة بين الظواهري، وسيد إمام، أحد مؤسسي تنظيم «الجهاد» المصري، ما عُرف باسم «المراجعات الفكرية» في السجون المصرية، عن تورط نظام البشير في دعم العمليات الإرهابية داخل مصر.

وقال «إمام» في الفصل الأول من كتابه «التعرية لكتاب التبرئة»، عن أيمن الظواهري: «عندما اتهمته بالعمالة للمخابرات السودانية، فأُقسم بالله الذي لا إله غيره أنني سمعت هذا الكلام من فم الظواهري بأذني مباشرة دون واسطة في السودان آخر 1993، إذ قال لي إنه ملتزم أمام السودانيين بتنفيذ عشر عمليات في مصر وأنه استلم منهم مائة ألف دولار لهذا الغرض».

من العمليات الإرهابية الفاشلة التي أدت إلى مزيد من عزلة السودان عربيا ودوليا، آنذاك، محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995، وهي العملية التي كشف حسن الترابي، زعيم الجبهة القومية الإسلامية السودانية وحليف البشير، في حوار تلفزيوني مسجل بعد وفاته عام 2016، عن تورط نائبه الإخواني على عثمان محمد طه فيها بشكل مباشر، بمعاونة جهاز الأمن العام السوداني.

ونتيجة لإدراجه على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، عانى السودان خسائر مالية مباشرة وغير مباشرة قدرت بنحو 350 مليار دولار منذ عام 1993 وحتى 2019، حيث تراوحت الخسائر المباشرة بين 125 و135 مليار دولار، بما في ذلك توقف تدفق القروض والتسهيلات والمنح الدولية، إضافة إلى خسائر الصادرات.

كما فقد السودان نسبة كبيرة من أساطيله الجوية والبحرية بسبب نقص قطع الغيار، ووقف أعمال الصيانة، إضافة إلى فقدان حقب كاملة من التطورات التكنولوجية التي كان بالإمكان الاستفادة منها في عملية النمو الاقتصادي.

وفي أكتوبر 2017، رفعت الإدارة الأمريكية بعض العقوبات الاقتصادية على السودان، والتي استمرت نحو 20 عاما، وذلك من خلال خطة عمل من 5 محاور يتبعها السودان بالتعاون مع الولايات المتحدة، تضمنت تحسين جهود مكافحة الإرهاب، وقيام السودان بدوريات على الحدود السودانية الليبية لمكافحة تدفق الارهابيين، ومنع تهريب الأسلحة وغيرها من الأنشطة غير المشروعة.

الإرهاب.. عدو البلاد الأول

بعد إنهاء حكم البشير، الذي يواجه حاليا اتهامات بدعم الإرهاب أمام القضاء السوداني، تغيّر الوضع تماما، حيث بدأت الخرطوم صفحة جديدة مع العالم برمته، ومع «قائمة» الإدارة الأمريكية بوجه خاص، معتبرة أن الإرهاب هو عدو البلاد الأول، والعائق الأول أمام إنهاء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها حاليا.

 

وقال عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني أمام لجنتي الشؤون الخارجية والتنمية في البرلمان الأوروبي، في بروكسل، نوفمبر الماضي، إن بلاده «لا ترعى الإرهاب،  ومن خلال التعاون مع أوروبا يمكن رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية»، معتبراً أن «تحقيق هذا المطلب هو هدف أساسي للحكومة السودانية، وأنه يمكن أن يتحقق بتدخل ودعم أوروبيين لإقناع الولايات المتحدة برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما يعني إعادة إطلاق الاقتصاد السوداني»، خاصة أن رفع اسم السودان من قائمة واشنطن سيكون رسالة إلى المؤسسات المالية العالمية، وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين، مفادها «الآن يمكنكم دعم السودان».

عبد الله حمدوك أمام البرلمان الأوروبي: بلادنا لا ترعى الإرهاب، ومن خلال التعاون مع أوروبا يمكن رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية

وعلى المستوى الداخلي، بذلت السلطات السودانية جهودا مكثفة في محاصرة النشاط الإرهابي، ففي الشهر نفسه، فبراير الماضي، أُلقي القبض على خلية إرهابية تابعة لجماعة «الإخوان» في كل من مصر وتركيا، وفق ما جاء في بيان رسمي للنيابة العامة السودانية،  ووجه وكيل أعلى نيابة منطقة «الحاج يوسف» في الخرطوم بتقييد دعوى جنائية تحت رقم 65 من قانون مكافحة الإرهاب/ و26 من قانون الأسلحة والذخائر، في مواجهة أحد عناصر خلية إرهابية بمنطقة الحاج يوسف. وأصدر أمراً بإلقاء القبض على بقية أعضاء الشبكة.

وأقر المتهم الأول في القضية، الذي ينتمي لجماعة «الإخوان» في مصر، ويحمل جواز سفر سوري، بتلقيه دورات على صناعة وتركيب المتفجرات، وأنه تم إرساله وبقية أعضاء الشبكة للسودان عن طريق التهريب بجوازات سفر سورية مزورة، وسُجن في مصر عدة سنوات قبل صدور قرار بالإفراج عنه، ليأتي إلى السودان، كما كشف المتهم أنهم وصلوا البلاد قبل نحو ستة أشهر، وظلوا في حالة تنقل خلال هذه الفترة بمدن الخرطوم الثلاث.

وأكد أنهم يتعاملون مع رئاسة المجموعة الموجودة في تركيا أيضاً.

ومن جهة أخرى، أعلن السودان في فبراير الماضي، أنه وقع اتفاقا مع أقارب ضحايا هجوم نفذه تنظيم «القاعدة» سنة 2000 على المدمرة الأمريكية «كول» في اليمن، وهو ما اعتبر خطوة أولية لرفع اسم السودان من «قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب».

وبعثت الخارجية الأمريكية بخطاب إلى نظيرتها السودانية في 4 مارس الحالي، للتأكيد على أنها أنهت كافة أشكال العقوبات الاقتصادية بموجب الأمرين التنفيذيين الصادرين عام 2017 أثناء فترة حكم الرئيس باراك أوباما، وجدد مارشال بيلنغسلي، مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون الإرهاب، دعم واشنطن للفترة الانتقالية في السودان، في ظل التغيرات الإيجابية التي تشهدها البلاد.

ــــــــــــــــــــــ

المصادر: