بعد مرور عام على «مذبحة نيوزيلاندا» التي وقعت في 15 مارس من العام الماضي، وأسفرت عن قتل 51 من المصلين في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش، وإصابة 50 آخرين، مازالت مشاعر الخوف وعدم الأمان تطارد المسلمين النيوزيلانديين، خشية تكرار مثل هذه المجزرة البشعة، خاصة أن الشرطة أحبطت مخططًا إرهابيًا لاستهداف أحد المساجد مؤخرًا.

قبل أيام من الذكرى السنوية الأولى للمذبحة، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في نيوزيلندا منشورًا يتضمن صورة ظهر فيها رجل يرتدي حزامًا ناسفًا، ويقف أمام أحد المسجدين اللذين تعرضا للهجوم العام الماضي، بتعبيرات وجه مخيفة ويحمل ورقة مكتوب عليها رموز تعبيرية تهدد بتكرار الحادث. وقال جون برايس، المسؤول في شرطة كانتربري، لإذاعة نيوزيلندا: «لدينا أدلة قوية نتابعها، وأنا واثق بأننا سنتمكن من تحديد هوية هذا الشخص. لقد اقتربنا كثيرا من ذلك»، وأنه تم رصد التهديد لمسجد النور في كرايستشيرش الذي نشر على تطبيق «تلجرام» للرسائل النصية المشفّرة.

 

الرجل الذي ظهر بمنشور «تلجرام» ينتمي لمجموعة قومية يمينية تسمى نفسها «أكشن زيلاندا»، تشكلت في يوليو 2019

وربطت تقارير وسائل الإعلام المحلية الرجل الذي ظهر بمنشور «تلجرام» بمجموعة قومية يمينية تسمى نفسها «أكشن زيلاندا»، تشكلت في يوليو 2019، بعد أشهر قليلة من هجوم كرايست تشيرش. وتقول المجموعة العنصرية التي تعتنق نظريات تفوق الجنس الأبيض، في موقعها على الإنترنت إنها «تركز على بناء مجتمع من أجل النيوزيلنديين الأوروبيين فقط، خالٍ تمامًا من المسلمين الملونين».

في ذكرى المذبحة، اتخذت نيوزيلندا احتياطات أمنية كبيرة لعدم تكرار حادث مشابه، حيث انتشرت قوات الأمن في كل أنحاء البلاد لحماية المسلمين في صلاة الجمعة الأخيرة، وتم إجراء عمليات تفتيش عشوائية للمارة ومستقلي السيارات لضمان عدم تنفيذ أي عمل إرهابي.

اقرأ أيضًا: «وثيقة تارانت».. البيان التأسيسي لمشروع الإرهاب الأبيض

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل التعاطي الأمني مع جماعات اليمين المتطرف في نيوزيلاندا، أو في غيرها من الدول الأوروبية، إجراء كاف للحد من خطر هذه الجماعات، وهو خطر متنام كما تؤكد كل المؤشرات؟ وكيف ينطر المسلمون في البلاد إلى تداعيات هذه المجزرة الدموية التي مازال بعض ضحاياها من المصابين يعانون منها حتى هذه اللحظة؟

التضامن.. جزء من الماضي

يؤكد الكثيرون من المسلمين في نيوزيلاندا أن حملة التضامن المحلي والدولي الهائلة معهم، عقب وقوع مجزرة العام الماضي باتت حاليًا جزءًا من الماضي، أو هي مجرد «حملة إعلامية» كلامية، بالتأكيد لن تكفيهم شرور الإرهاب الذي تعتنقه عناصر اليمين المتطرف في البلاد.

ويواجه مرتكب المذبحة برنتون تارانت، وهو مواطن أسترالي، 92 تهمة فيما يتعلق بالهجومين الذين شنهما على المسجدين، وارتكابه مجزرة دامية. ومن المقرر أن يمثل «تارانت» الذي بات أيقونة لليمين الأوروبي المتطرف، أمام المحاكمة في يونيو المقبل.

ورغم إلغاء مراسم التأبين الرسمية للضحايا التي كان من المفترض إقامتها في ملعب «هورن كاسل أرينا» ضمن التدابير المتخذة للحد من انتشار فيروس «كورونا، تدفق الآلاف إلى مسجدي «النور» و«لينوود»، اللذين كانا مسرحًا للمجزرة المروعة؛ حيث وضعوا الزهور وأقاموا الصلوات على أرواح الضحايا.

 

بهذه المناسبة، كتبت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، عبر حسابها على «“فيسبوك»، قائلة عن المجزرة: «في مثل هذا اليوم قبل عام تغيرت بلادنا إلى الأبد». وأعربت أرديرن عن رغبتها في أن يتحول سيل الدعم لبلادها في أعقاب 15 مارس 2019 إلى دعم دائم يعود بالفائدة على الجميع. ولفتت إلى أن إلغاء مراسم التأبين الرسمية على خلفية الإجراءات الاستثنائية المرافقة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، كان «أمرًا صعبًا ومؤثرًا».

وكان حوالي 30 ألف شخص قد وقعوا على عريضتين إلكترونيتين عقب المجزرة للمطالبة بمنح رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا آرديرن، جائزة نوبل للسلام على خلفية تعاملها مع “مجزرة المسجدين” في مدينة كرايست تشيرش.

وحصدت العريضة الأولى التي تم نشرها على موقع «change.org» الأمريكي حتى هذه اللحظة تقريبا 82.587 ألف توقيع، بينما حظيت العريضة الثانية والمنشورة على موقع «avaaz.com» الفرنسي بدعم من 3.820 آلاف شخص.

وأشادت العريضتان بـ«حكمة وشجاعة» رئيسة الوزراء النيوزيلندية في تعاملها مع «مجزرة المسجدين» التي أودت بحياة 51 شخصا، مشيرة إلى قولها على خلفية الهجوم عند وصفها ضحاياه: «إنهم نحن».

 

التهديد بعمليات «تسميم»

في الأشهر الأولى التي أعقبت الهجوم، شعر الكثير من أفراد المجتمع المسلم في نيوزيلاندا بإحساس عميق بالغضب إزاء ما حدث. الغضب من الخسائر الفادحة في الأرواح. والغضب من أن تحذيرات المجتمع المسلم من تزايد مستويات الكراهية والخوف من الإسلام، جرى تجاهلها على مدار سنوات. ولكن في المجال العام، كان الجميع يتحدثون عن التسامح والامتنان والوحدة، وشعر أولئك الذين حاولوا التحدث بصراحة برد فعل مضاد عنيف.

غير أنه رغم مرور عام على المذبحة، لازال التهديد الإرهابي اليميني ماثلًا أمام المسلمين، ومازالت تقطر قلوب أفراد المجتمع المسلم بالألم والفجيعة، فقد كانوا يعتقدون أنهم وجدوا في نيوزيلندا وطنًا بديلًا عن بلادهم التي خرجوا منها، لكنهم استيقظوا من الحلم على صدمة مهولة، ورسالةٍ مفزعة أراد البعض إيصالها لهم، مفادها: أنهم ليسوا موضع ترحيب ولا ينتمون إلى هذا الوطن.

وأطلق مركز «صوت الحكمة»، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، حملة عالمية لجمع التوقيعات الإلكترونية، لمطالبة منظمة الأمم المتحدة، باعتماد ذكرى المذبحة، يوم 15 مارس من كل عام، يومًا عالميًا للتضامن ضد «الإسلاموفوبيا»، وللتذكير بخطورة نشر الكراهية والعداء للمسلمين، وما يمكن أن تفضي إليه من جرائم إرهابية بشعة تودي بحياة الأبرياء.

 

علياء دانزيسن: بعد الهجوم مباشرة، شعرنا بأن شعب نيوزيلندا بكامله يساندنا، أما الآن، لا نشعر بالأمان

تقول علياء دانزيسن، المسؤولة في «المجلس الإسلامي للمرأة»، إنه «بعد الهجوم مباشرة، شعرنا بأن شعب نيوزيلندا بكامله يساندنا». أما الآن، فتقول دانزيسن «لا نشعر بالأمان أكثر من قبل»، متحدثة في الذكرى الأولى للمجزرة التي هزت هذا البلد الواقع في جنوب المحيط الهادئ والمعروف بهناء عيشه وبتقاليده المضيافة. وهي تؤكد أن القلق لا يزال منتشرًا بين المسلمين الذين ما زالوا يتعرضون لتهديدات وانتقادات.

وأضافت دانزيسن، أن «الدعم الذي حظي به المسلمون غداة المجزرة فاجأ الحركات اليمينية المنادية بتفوق العرق الأبيض، وأدى ذلك إلى جعلهم أكثر حذرًا وأكثر حدة، فقد رفعوا أصواتهم أكثر من ذي قبل»، مؤكدة أن «المجلس الإسلامي للمرأة» تلقى مؤخرًا عدة تهديدات، قائلة «أخبرنا بعض الأشخاص المنتمين لجماعة يمينية متطرفة، في رسالة عبر الإنترنت، أنهم يعرفون ما نفعل، ومن نحن ومن نلتقي، وإنهم يراقبوننا، وتحدثوا عن عمليات تسميم».

أنجم رحمان: لا يزال هناك خلفية أو خطاب كراهية، ليس تجاه مجموعتنا فحسب، بل نلاحظ الكثير من الكراهية على الإنترنت حيال الآسيويين، خصوصا بعد انتشار فيروس كورونا

من جانبها، تؤكد أنجم رحمان التي ساهمت في تأسيس «المجلس الإسلامي للمرأة» أنه «لا يزال هناك خلفية أو خطاب كراهية، ليس تجاه مجموعتنا فحسب، بل نلاحظ الكثير من الكراهية على الإنترنت حيال الآسيويين، خصوصا بعد انتشار فيروس كورونا، لا يمكنني القول إن الأمر يستهدفنا تحديدًا، لكننا مازلنا نشعر به»، مشيرة إلى «يتم استهداف المحجبات ظنًّا أنهنّ ضعيفات ولا يمكنهن الدفاع عن أنفسهنّ».

هذه الحقائق الدامغة بشأن مخاوف المسلمين في البلاد، تتوافق مع تصريحات لرئيسة وزراء نيوزيلندا، من مدينة كرايست تشيريش، أكدت فيها أن «البلاد تغيرت جذريا منذ حادث إطلاق النار الذي وقع داخل مسجدين بمدينة كرايس تشيرش العام الماضي».

وقالت أرديرن، إن «التواصل مع الجالية المسلمة تزايد منذ المذبحة التي وقعت في مسجدي النور ولينوود قبل عام، لكن البلاد بحاجة إلى الاستمرار في التصدي للعنصرية ومواجهة التهديد المتزايد من الجماعات اليمينية المتطرفة».

وقالت أرديرن «بعد مرور عام، أعتقد أن شعب نيوزيلندا تغير جذريا… إن التحدي الذي يواجهنا هو أن نتصدى كأمة، في كل مناحي حياتنا اليومية وفي كل فرصة تواتينا، للتنمر والعنصرية والتمييز».

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر: