تشهد منطقة الساحل الغربي الإفريقي خلال الآونة الأخيرة، نشاطًا مكثفًا للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة “بوكو حرام” وجماعات أخرى مرتبطة بتنظيم “داعش”، حيث استغلت هذه التنظيمات المسلحة انشغال أجهزة الأمن بتطبيق التدابير الصحية الرامية للحد من تفشي وباء كورونا، وعادت لتضرب بقوة، خاصة في ظل فتور الحماس الأوروبي والأمريكي لمكافحتها، حيث باتت قضية مكافحة جماعات الإرهاب الدولي في المرتبة الثانية من الأهمية، بعد فيروس كورونا، الأمر الذي أدى إلى عودة تلك التنظيمات بشكل أكثر دموية وشراسة مما كانت عليه في السابق.
وشنت مجموعة مسلحة تابعة لجماعة تسمى “ولاية غرب أفريقيا”، موالية لـ “داعش”، أمس الأول، هجمات دامية على قرية “غوني أوسمانتي” الواقعة شمال شرقي نيجيريا، وقتلت 38 شخصًا على الأقل من سكان القرية بإطلاق النار عليهم، كما أضرمت المجموعة النيران في شاحنة، ما أسفر عن مقتل عدد غير معلوم من ركابها.
و”ولاية غرب أفريقيا” فصيل منشق عن “بوكو حرام”، انفصل أعضاؤه عن الأخيرة في 2016، بسبب خلافات مالية بين قادة الفصائل العاملة تحت مظلة الجماعة، وبايع هذا الفصيل الذي يضم عددًا من المسلحين يُقدر بنحو ثلاثمائة شخص، تنظيم “داعش” منذ ذلك الحين.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، شن مسلحون من التنظيم هجومًا، أمس الأول، استخدموا خلاله طريقة “الدهس بالمركبات”، التي عادة ما يلجأ إليها المتطرفون في أوروبا وأمريكا، واستهدف الهجوم قرية “فيلو” الواقعة في مقاطعه “غوبيو” بولايه “بورنو”، ما أسفر عن مقتل 69 شخصا وإصابة آخرين.
قُتل أكثر من 50 شخصًا، مطلع يونيو الحالي، في هجمات إرهابية متكررة شهدتها دولة بوركينا فاسو، المجاورة لنيجيريا
وقام “داعش غرب أفريقيا” بقتل 20 جنديا و40 مدنيًا في هجومين أحدهما دهسًا أيضًا بالمركبات، وقعا بمنطقتي “مونجونو” و”نجانزاي” بنفس الولاية، ما يعني لجوء التنظيم إلى تكتيكات إرهابية جديدة لم تكن تُستخدم من قبل في أفريقيا.
اقرأ أيضًا:
كما قُتل أكثر من 50 شخصا، مطلع يونيو الحالي، في هجمات إرهابية متكررة شهدتها دولة بوركينا فاسو، المجاورة لنيجيريا. وقد استهدفت هذه الهجمات سوقا محلية وقافلة تجار ومناطق في شمال وشرقي البلد الذي يعد ضمن بلدان الساحل الأفريقي؛ حيث ينشط تنظيما «داعش» و«القاعدة» بقوة هذه الأيام، للإعلان عن وجوده في هذه المنطقة المنكوبة من العالم.
القتل العشوائي
جاءت عمليات “القتل العشوائي” هذه في إطار تكثيف “ولاية غرب إفريقيا” هجماته، بعدما ارتكب عدد من عناصره مجزرة جديدة، يوم الثلاثاء الماضي، حيث قتلوا 81 شخصا في قرية نائية بالمنطقة نفسها بعد اشتباكات ضارية مع عناصر ميليشيا محلية مسلحة مدعومة من الحكومة النيجيرية.
ووزع مسلحون تابعون للفصيل نفسه (ولاية غرب أفريقيا) أمس الأول، رسائل على السكان المسلمين المحليين بلغة “الهوسا”، تحذرهم من العمل مع “الجيش (النيجيري) الكافر، أو الغربيين المسيحيين البيض، أو غيرهم من “الكفار”.
خبير بالشؤون الإفريقية: التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء هو نتاج تضافر العديد من العوامل، من أبرزها تردي الأحوال المعيشية في الدول الأفريقية
ويقول مادي كانتي، خبير الشؤون الأفريقية، والمدرس في جامعة باماكو في دولة مالي، إن انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء هو نتاج تضافر العديد من العوامل، من أبرزها تردي الأحوال المعيشية في الدول الإفريقية، والتدخل الأجنبي السافر في شؤون القارة، وانتشار الجماعات التبشيرية بشكل كثيف، وسهولة التنقل بين الدول وبعضها البعض، والاحتكاك بمجموعات “جهادية” كثيرة خارج الإقليم في أفغانستان والسودان وغيرهما.
وأشار كانتي، إلى أن “الشبكات الجهادية” تمتد من أقصى الساحل الأفريقي غربا، إلى أقصى الساحل الأفريقي في الشرق، حيث تنتشر هذه التنظيمات في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي، والتي كانت أولى المناطق التي شهدت تدخلات خارجية ودولية لمكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية.
وأوضح خبير الشؤون الإفريقية، أن الفصائل الموالية لـ “داعش” أو المبايعة له، بدأت تستخدم طريقة “الدهس” مؤخرًا، ما يشير إلى أنها بدأت تتبع تكتيكات جديدة لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، وترهيب المجتمعات الإفريقية المحلية، حتى لا يتعاون أحد من الأهالي مع الأجهزة الأمنية المتخصصة في محاربة الإرهاب.