أسفرت أحداث العنف الطائفي التي اندلعت في العاصمة الهندية دلهي الأسبوع الماضي، عن مقتل 42 شخصًا على الأقل، وإصابة 300 شخص بجروح خطيرة، في أسوأ أعمال عنف طائفية في العاصمة منذ عقود، ما يشير إلى تآكل الحريات في أكبر ديمقراطية في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، في ظل الحكم الاستبدادي المتزايد لرئيس الوزراء ناريندرا مودي.
متحدثاً في الهند إلى جانب رئيس الوزراء ناريندرا مودي الأسبوع الماضي، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بازدهار البلاد، قائلا إن مشروع الهند “أكثر إلهاما لأنها فعلت ذلك كدولة ديمقراطية، ومسالمة ومتسامحة، وكدولة حرة عظيمة”.
أعمال العنف التي تشهدها دلهي، وتأتي بعد شهور من تصاعد التوترات بين الطوائف، تسلط الضوء على الخطر الذي تتعرض لها القيم التي أشار إليها ترامب، بسبب قرارات الحكومة الهندية.
منذ فوزه بالأغلبية البرلمانية للمرة الثانية في العام الماضي على الرغم من تباطؤ النمو، صعود حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم من خططه لتنفيذ أجندته القومية الهندوسية، مما أثار قاعدته الهندوسية لكنه ترك الأقلية المسلمة في الهند تشعر بقلق متزايد.
تم انتخاب مودي لأول مرة في عام 2014 على وعد بتعزيز النمو الاقتصادي في الهند، لكن خططه لإصلاح الاقتصاد بائت بالفشل. فرغم الحاجة إلى نمو الاقتصاد الهندي بنسبة 9% أو 10% لتوفير فرص عمل كافية للشباب الهندي، حيث يبلغ عدد الهنود الذين يدخلون سوق العمل بـ 12 مليون كل عام، انخفض النمو إلى 5%، وهو أسوأ أداء في ست سنوات.
لم يصب مودي بأذى سياسي، فقد نجح في الانتخابات الأخيرة لأنه انتقل من تبني رسالة اقتصادية إلى رسالة قومية، فمثل غيره من الشعوبيين، يستغل مودي استياء الناخبين الفقراء بتوجيه غضبهم ضد النخب والأقليات.
في حالة الهند، هذا يعني أن النخب الناطقة بالإنجليزية المرتبطة بحزب المؤتمر، والهنود المسلمون الذين يمثلون 14% من سكان الهند، إلى جانب أعداد أقل من المسيحيين والسيخ والأقليات الأخرى، في بلد يشكل الهندوس 80% من سكانه.
في الحقيقة، كانت القومية الهندوسية دائمًا على أجندة مودي، ففي عام 2005، عندما كان رئيس وزراء ولاية جوجارات، مُنع مودي من دخول الولايات المتحدة لأنه وحزبه، اتُهما بالتحريض على أعمال شغب جماعية ضد المسلمين والتي خلفت أكثر من ألف قتيل.
واليوم، كرئيس وزراء للبلاد، لا يزال يغض الطرف إلى حد كبير عن جرائم الكراهية ضد المسلمين، التي ارتفعت بشكل كبير منذ توليه منصبه.
في 5 أغسطس الماضي، ألغى مودي الحكم الذاتي لولاية جامو وكشمير، الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند، قام نصف مليون من قوات الأمن الهندية بفض المظاهرات بوحشية، وحبسوا الزعماء المحليين، كما تم قطع خدمة الإنترنت والهاتف، ومنعت وسائل الإعلام من التغطية.
واستمرارا لموقف الحزب الحاكم من المسلمين، يأتي تعديل قانون المواطنة، الذي يمنح الجنسية إلى المهاجرين غير الشرعيين إلى الهند من باكستان وبنجلاديش وأفغانستان قبل عام 2014، إلا أنه ينطبق فقط على الهندوس والبوذيين والمسيحيين، وأتباع عدة ديانات أصغر، مستثنيا المسلمين.
يخشى ملايين المسلمين في الولايات الهندية المتاخمة لبنجلاديش من أن القانون الجديد سيجعلهم عديمي الجنسية، حيث أن العديد من هؤلاء الأشخاص يفتقرون إلى الوثائق التي تطلبها الحكومة، حتى إذا كانوا قد عاشوا في الهند لعقود من الزمن، أو وُلدوا هناك، وليسوا واثقين من أنهم سيسمح لهم بالبقاء حتى لو فعلوا ذلك.
كما أعلنت الحكومة عن خطط لتوسيع السجل الوطني للمواطنين، الذي يتم الاحتفاظ به حاليا فقط في ولاية “آسام” شمالي شرق الهند ووصفته لجنة الحرية الدينية الدولية الأمريكية بأنها “آلية تستهدف المجتمع الإسلامي البنجالي في ولاية أسام”، لتشمل جميع أنحاء الهند، مما زاد من تفاقم هذه المخاوف.
وشهدت الأشهر القليلة الماضية، محاولات لتجريد مليوني مسلم من جنسيتهم الهندية في ولاية آسام، المجاورة لبنجلاديش، على أساس مريب بأنهم مهاجرون لا يحملون وثائق، حيث قامت حكومة الولاية في آسام ببناء معسكرات اعتقال واسعة لاحتجاز آلاف الأشخاص الذين يُحتمل ترحيلهم.
القضاء، الذي كان حصنا للحرية في الهند، أصبح تحت سيطرة أنصار حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم، وهو ما ظهر واضحا في المحكمة العليا الهندية، الذي قضى بالسماح ببناء معبد هندوسي هائل في مدينة “أيوديا” على أنقاض مسجد من القرن السادس عشر دمره متعصبون هندوس في عام 1992.
وهو مشروع كان واحد من أهم المشاريع التي يتبناها القوميون الهندوس، الذين ينتمي إليهم مودي، والمصممون على تحويل الهند من ديمقراطية علمانية إلى ثيوقراطية هندوسية.
إن ما يحدث في الهند قد يكون بمثابة نموذج لكيفية قيام ترامب، وهو من المعجبين بمودي، بتقويض الديمقراطية الأمريكية، وسط تباطؤ النمو الاقتصادي، ليكون تصاعد النزعة القومية وكراهية الأجانب والعنصرية هي أفضل رهان لترامب للفوز بولاية ثانية.