شكّل إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، بني جانتس، نهاية الشهر الماضي. بإدراج الحكومة الإسرائيلية ست منظمات أهلية. من العاملين في الضفة الغربية، في قائمة المنظمات الإرهابية. موجة واسعة من الانتقادات في دولة الاحتلال وخارجها، تتسع دائرتها يومًا بعد الآخر.
وجاء القرار بناءً على معلومات استخباراتية. قدمها جهاز الأمن العام للاحتلال -الشاباك- والهيئة القومية لمكافحة الإرهاب، وتم التصديق عليها من قبل جهات قضائية إسرائيلية.
وفي مطلع الأسبوع الماضي. وقّع قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، يهودا فوكس، بالتصديق على القرار. ليتبقى أمام تلك المنظمات الفلسطينية الست أسبوع واحد لتقديم الاستئناف.
ادعاء الإرهاب
المنظمات التي وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي بأنها “تزود الوقود للإرهاب”. هي: مؤسسة الحق، ومؤسسة الضمير، وجمعية المرأة، والحركة العالمية للدفاع عن الطفل، ومركز بيسان للأبحاث، واتحاد لجان العمل الزراعي.
وأثار زعم جانتس، أن هذه المنظمات تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي جزء من شبكة من المنظمات العاملة على الساحة الدولية. نيابة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. غضبًا واسعًا وسط العاملين في المجال الحقوقي والإنساني. حيث تعمل هذه المؤسسات في الأراضي المحتلة منذ عقود.
وأفاد البيان الإسرائيلي أن نشاط مشترك قام به جهاز الأمن العام -الشاباك- والمقر الوطني لمكافحة الإرهاب الاقتصادي. والذي بدأ في مطلع 2021 بموافقة الجهات القضائية. أسفر عن إعلان ست منظمات كمنظمات إرهابية “كونها جزءًا من شبكة منظمات تعمل تحت غطاء في الساحة الدولية بالنيابة عن الجبهة الشعبية من أجل دعم نشاطاتها وتحقيق أهدافها”.
وزعمت إسرائيل أن هذه المنظمات عملت تحت غطاء المجتمع المدني “وكأنها تعمل على تحقيق غايات إنسانية”. لكنها “تشكل أحد أذرع قيادة المنظمة، والتي تعمل أساسًا على تحرير فلسطين وتدمير إسرائيل. حيث يتحكم بالمنظمات المعلنة قياديو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
ادعاءات التمويل
قال البيان إن المنظمات الست “تقوم بتوظيف العديد من عناصر الجبهة الشعبية في مناصب ميدانية وإدارية، بما فيها العناصر التي تورطت في نشاطات إرهابية”.
وزعمت السلطات الإسرائيلية أن هذه المنظمات تشكل مصدرًا رئيسيًا لتمويل الجبهة الشعبية “وهي تؤدي دورًا هامًا في بناء قوة المنظمة وفي تعاظمها”. موضحًا أن المنظمات المعلنة تلقت مبالغ مالية كبيرة من الدول الأوروبية ومن منظمات دولية.
وأضافت: “حيث استخدِمت هذه الأموال من قبل الجبهة الشعبية لتسديد مستحقات عائلات السجناء الأمنيين والشهداء. ولدفع الرواتب للعناصر، ولتجنيد العناصر، ولارتكاب نشاطات. ولأغراض التعاظم، والترويج لنشاطات الجبهة الشعبية في القدس. وبث الرسائل والأيديولوجيا الخاصة بالمنظمة”.
في المقابل، قال المحامي مايكل سفارد، الموّكل من المؤسسات الست: “لم يقدم أحد أي دليل. ما تم الكشف عنه لم يقدم شيئًا يمكن أن يبرر التصنيف على الإطلاق”.
فيما علّق مراسل وكالة “فرانس برس” بأن تقرير الشاباك الذي اطلع عليه. والمكون من 74 صفحة “لا يحتوي أي إثبات على علاقة تجمع الفصيل الفلسطيني المحظور والمنظمات الست”.
أقوال واهنة
ويستند التقرير الإسرائيلي إلى مقابلات مع سعيد عبيدات. وهو عضو ناشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كان يعمل في اتحاد لجان العمل الصحي، وهي منظمة فلسطينية غير حكومية، ليست ضمن المنظمات التي صدر القرار الإسرائيلي في حقها.
وقال عبيدات للشرطة الإسرائيلية خلال التحقيق: إن “موظفي هذه المنظمات هم غالبًا متعاونون مع الجبهة الشعبية”.
لكن أقوال عبيدات لا تتقاطع مع أقوال ثلاثة غيره تم استجوابهم في القضية.
وينص قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي لعام 2016. والذي تم إدراج المنظمات الست وفق بنوده، على أحكام بالسجن تتراوح بين 5 و25 عامًا للموظفين وأعضاء المنظمات. وكذلك مصادرة الأصول، وإغلاق المنظمة.
كما يجرم القانون نفسه تقديم الدعم -بما في ذلك المساعدة المالية. وكذلك نشر كلمات “المديح أو الدعم أو التعاطف”- بعقوبة تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.
معارضة إسرائيلية
لم يشهد القرار معارضة من المجتمع الدولي فحسب، بل من داخل سلطات الاحتلال كذلك. مثلما قالت وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية تمار زاندبرج، في تصريحات لقناة “كان” الرسمية إن ثلاثة من بين المنظمات هي منظمات حقوقية قديمة ومعروفة”.
ولفتت الوزيرة التي تنمتمي لحزب “ميرتس” اليساري. أنه في كثير من الأحيان يتم ربط حقوق الإنسان واليسار ومعارضة الاحتلال بالإرهاب “وهذا ليس هو الحال”. مشيرة إلى أن المعلومات التي قادت لاتخاذ القرار سرية “لكننا سنطالب بتوضيحات”.
أمّا وزير الصحة الإسرائيلي نيتسان هوروفيتس، وهو زعيم حزب “مبرتس”، فقد انتقد قرار الجيش في تغريدة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
وكتب هورفيتس: “كدولة ديمقراطية ذات سيادة وقوية، وفي حالة احتلال. يجب أن تكون إسرائيل شديدة الحذر في فرض قيود على منظمات المجتمع المدني الفلسطيني. القرار ينطوي على تداعيات في المجال السياسي والعلاقات الخارجية. والأهم من ذلك، في مجال حقوق الإنسان”.
إقرار الذنب
وفق صحيفة هآرتس، تعتزم الحكومة الإسرائيلية استخدام اتفاق “إقرار الذنب”، الذي توصلت إليه النيابة العسكرية مع الأسيرة خوانا رشماوي. والتي كانت أدينت بجمع أموال لصالح مؤسسة تابعة للجبهة الشعبية، باعتباره دليلًا يمكن تقديمه لتبرير القرار.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مصادر مطلعة، أن الحكومة قررت استغلال إقرار رشماوي -التي تحمل الجنسية الإسبانية- إلى جانب اعترافات أسرى فلسطينيين آخرين. لإقناع دول ومؤسسات دولية بوقف دعم المؤسسات الست.
ووصف المصادر المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها ضد تلك المؤسسات بأنها “لا لبس فيها”. لكن مع ذلك “هي مواد سرية، لا يمكن الكشف عنها للجمهور، أو السياسيين الأجانب الذين لا يحملون تصنيفًا أمنيًا”. موضحة أن المادة العلنية التي تم نشرها بشأن القضية “لم تقدم دليلًا مقنعًا. وإسرائيل تعي ذلك”.
وقال أفيجدور فيلدمان، محامي رشماوي، إن استخدام اعترافها كدليل على وجود مبرر لحظر مؤسسات فلسطينية “هو خدعة مطلقة”. مشيرًا إلى أن موكلته لم تعمل مع أي من هذه المنظمات.
لكن إسرائيل تتهمها بالعمل لجمع أموال لصالح “اتحاد اللجان الصحية الفلسطينية”. الذي أعلن عنه الاحتلال الإسرائيلي، بداية العام الماضي، منظمة غير قانونية في الضفة الغربية.
غضب فلسطيني
من جانبه دعا رئيس الوزراء محمد اشتية، المجتمع الدولي وجميع منظمات حقوق الإنسان في العالم. لإدانة القرار الذي اعتبره “مسًا خطيرًا بالقانون الدولي”.
وأوضح اشتية أن هذه المؤسسات تعمل وفق القانون الفلسطيني، وترتبط بشراكات مع مؤسسات دولية “ما يستدعي تدخلًا من تلك المؤسسات. لإدانة الإجراء الإسرائيلي والعمل على منع تنفيذه”.
وذكرت مؤسسات فلسطينية تعني بقضايا الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل. إن تصنيف المؤسسات الأهلية الستة منظمات إرهابية “استكمال للعدوان الذي يمارسه الاحتلال على الشعب الفلسطيني ومؤسساته”.
وأشارت المؤسسات، في بيان مشترك، إلى أن إسرائيل تعمدت على مدار سنوات استهداف المؤسسات الفلسطينية عبر الاقتحامات ومصادرة المقتنيات. واعتقال العاملين فيها، وملاحقتهم بكافة الوسائل، والتضييق على عملهم الحقوقي والمدني.
ورفضت مؤسسة الضمير والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال. إحدى المنظمات الست التي صنفتها إسرائيل إرهابية. الاتهامات الإسرائيلية، ووصفتها بأنها “محاولة للقضاء على المجتمع المدني الفلسطيني”.
وقال كايد الغول، المسؤول في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن الجبهة “تحتفظ بعلاقات مع منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة”.
وأضاف الغول، في تصريحات بثتها رويترز، أنها “جزء من المعركة العنيفة التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وضد جماعات المجتمع المدني من أجل إنهاكهم”.
توضيح أمريكي
بالتزامن مع القرار، أبدت الولايات المتحدة انزعاجًا من القرار الإسرائيلي، حيث طالب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس “توضيحًا”، وأكد أن إسرائيل “لم تعط الولايات المتحدة إخطارًا مبكرًا بشأن هذه الخطوة”.
وقال: “نعتقد أن احترام حقوق الإنسان مبدأ مهم”.
لكن أوضحت وسائل إعلام إسرائيلية، نقلًا عن مسؤول رفيع. أن إسرائيل أطلعت واشنطن في اتصالات جرت بين الجانبين على الإعلان المتوقع للمنظمات الفلسطينية كمنظمات إرهابية”.
ولفت في التصريحات، التي نقلتها صحيفة يديعوت أحرونوت، أن ذلك جرى عبر القنوات الأمنية بين البلدين.
لكن يبدو أن المعلومات لم تصل إلى وزارة الخارجية الأمريكية عبر تلك القناة الأمنية.
رفض دولي
أمّا المفوضة السامية لحقوق الإنسان. التابعة للأمم المتحدة. فأوضحت، في بيان، لها أن القرارات الإسرائيلية تتعارض مع الحق في حرية تكوين الجمعيات للأفراد المتضررين. ولها تأثير رادع على المدافعين عن حقوق الانسان والفضاء المدني بشكل عام”.
وتابعت المفوضة، في بيان: “تسلط هذه التطورات الأخيرة الضوء على مدى إشكالية قانون مكافحة الارهاب الإسرائيلي. بما في ذلك تعريفه الفضفاض للإرهاب، ومشاكل الاجراءات القانونية، والسماح بالحفاظ على سرية الأدلة”.
ولفتت إلى أن ذلك القرار هو الأحدث في سلسلة طويلة ألأمد من الإجراءات “لتقويض وتقييد المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني العاملة من أجل حقوق الإنسان للفلسطينيين. بما في ذلك استخدام الأنظمة العسكرية، لإعلانها كمجموعات غير قانونية”.
وأضافت المنظمة الأورومتوسطية للحقوق أن ردود الفعل هذه “كانت متوقعة”. حسب بيان “لأن الإجراء الأخير للحكومة الإسرائيلية يعني ، على سبيل المثال، أن موظفي مؤسسة الحق وأعضاء مجلس الإدارة معرضون الآن لخطر الاعتقال. ويمكن تجميد الأصول المالية أو المادية للمنظمات أو مصادرتها. كما تواجه جميع هذه المنظمات خطر الإغلاق الدائم”.
قف مع الستة
وشهدت الأيام الماضية موجة دعم من المنظمات الدولية وجماعات التضامن والأمم المتحدة مع المنظمات المعنية ولحركة حقوق الإنسان الفلسطينية بشكل عام.
كذلك، تم إطلاق حملة # StandWithThe6 /قف مع الستة. على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الغضب من تجريم المجتمع المدني الفلسطيني.
وأوضحت المفوضة السامية: “تقييد المجال للأنشطة المشروعة بموجب القانون الدولي ليس خطأ فحسب، بل يأتي بنتائج عكسية. لأنه يخاطر بالحد من مساحة الحوار السلمي”.
وتعهدت أكثر من مائة شخصية عالمية بدعم المنظمات الموقوفة، من ضمنهم نجم أفلام أفينجرز مارك روفالو، والمغني بيتر جابرييل، والكاتب فيليب بولمان.