وسط شركة “غزل المحلة” مازال تمثال طلعت حرب يقف شامخًا، متحديًا ظروف الجو والتعرية؛ شاهدًا علي مجد شركة، حولت عرق الفلاح المصري لنسيج فاخر، بأيد عمالة مهرة تضع فتلة بجوار أخرى، لصناعة منتج عالمي كتب عليه “صنع في مصر”.

وسط شركة “غزل المحلة” مازال تمثال طلعت حرب يقف شامخًا، متحديًا ظروف الجو والتعرية؛ شاهدًا علي مجد شركة، حولت عرق الفلاح المصري لنسيج فاخر، بأيد عمالة مهرة تضع فتلة بجوار أخرى، لصناعة منتج عالمي كتب عليه “صنع في مصر”.

فلم تستطيع الرياح الموسمية التي تهب بين الحين والأخر، أن تزحزح الشركة التي بنى جدرانها المصريون علي اكتافهم، وظلت صامدة لمدة  تزيد عن90 عامًا؛ واليوم تهب علي الشركة رياح التغير والتطوير، ببناء مصنع متطور جديد للغزل علي أحدث النظم العالمية، في محاولة لإعادة الشركة لسابق عهدها.

لم تكن مشاكل  شركة “غزل المحلة” وليدة اللحظة، فبعد أن كانت الشركة أحد عربات جر وتقدم الاقتصاد المصرية للأمام، أصبحت بما تحققه من خسائر عبء ثقيل، حاولت الحكومة خلال فترة الألفينيات خصخصتها؛ ولكنها لم تفلح بسبب الحركة العمالية والشعبية، التي تصدت بكل قوة لهذا الاتجاه، لتشتعل الشركة بالاحتجاجات والإضرابات.

تأسست الشركة في عام 1927 كإحدى الشركات التابعة لبنك مصر، وتقع الشركة في شارع “طلعت حرب” بمدينة المحلة.

وتتكون شركة غزل المحلة من – المبنى الإداري – إدارة البيع والمشتريات – شئون العاملين بالشركة – إدارة الإنتاج – الشئون القانونية – إدارة الأمن – المخازن العمومية – الإدارة الهندسية، وبها محطة توليد الكهرباء – قطاع الورش – إدارة الغزل وتشمل 8 مصانع – إدارة النسيج وتشمل 16 مصنعًا – إدارة الصوف والملابس الجاهزة وبها 10 مصانع – إدارة التجهيزات.

بلغت  أرباح شركات الغزل والنسيج في القطاع الخاص 11 مليار جنيه، طبقًا لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء في عام  2016، فيما وصلت خسائر شركات الغزل والنسيج التابعة للدولة لـ 30 مليار جنيه.

  رياح التطوير تهب علي “غزل المحلة” 

الزائر لشركة غزل المحلة الآن، سيجد معدات الإنشاء والبناء تنتشر في كل مكان، تسابق الزمن لبناء مصنع الغزل الجديد، الذي سيكون أكبر مصنع لإنتاج الغزل والنسيج على مستوى الشرق الأوسط، بالإضافة لعمليات الهدم والبناء لبعض المنشآت لتوسعة بعض المصانع، وإدخال تعديلات عليها لاستقبال معدات جديدة.

فقد وضعت الحكومة المصرية، خطة طموحة لتطوير قطاع الغزل والنسيج، وعلى رأسها شركة غزل المحلة، بدأت بطرح الشركة القابضة للغزل والنسيج مناقصة عالمية، لتطوير الشركات التابعة لها، فاز بها مكتب “وارنر الأمريكي” الذي يضم خبراء من مختلف العالم في الدراسات الفنية والمالية.

بدأت مهمة المكتب فى شهر يناير 2016 واستمرت حتى نهاية مارس 2017، أوصى المكتب إنشاء خطوط إنتاج جديدة فى شركات كفر الدوار وستيا والمحلة، وتحديث شامل لماكينات الإنتاج الحالية، تحتاج 8 مليارات جنية، وهو ما تم البدء فيه بالفعل، بخطة طموحة من الشركة القابضة لتطوير قطاع الغزل والنسيج.

أكد المهندس أشرف عزت رئيس مجلس إدارة شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة، إن الشركة في طريقها للنهضة مرة، عن تنفيذ توصيات خطة التطوير التي وضعها مكتب “وارنر”.

 وأضاف رئيس الشركة في تصريحات صحفية، إنه يتم تطوير 6 مصانع للغزل بنمر خيوط تتراوح بين 30ـ 140، بالإضافة إلى إنشاء أكبر مصنع فى الشرق الأوسط بطاقة 182 ألف مردن، بإنتاج يومى 15 طن / يومى، بمتوسط خيط من 100ــ 118 بطاقة إنتاجيه للغزل 135 طنا / يوميا لجميع الغزول، والتى تحتاج إلى 200 طن قطن / يوميا.

 بالإضافة إلى تحديث ماكينات النسيج بعدد ماكينات يصل إلى 800 ماكينة بطاقه إنتاجيه 130 ألف متر / يومى، يتم استخدامها فى تصنيع أطقم الأسرة والملايات وغيره من المشغولات بقطن مصرى 100% للتصدير الخارجى.

كما هو معلن فمن المقرر أن يتم الإنتهاء من خطة التطوير بالمصنع في عام 2023، ودمج شركة النصر مع شركة غزل المحلة، وأسوة بذلك سيتم دمج الشركات التابعة للشركة القابضة، وعددها 23 شركة في 10 شركات فقط، وتقسيمها لأربعة قطاعات كبرى علي مستوى الجمهورية.

التطوير ينزع فتيل الغضب العمالي

يصل عدد عمال الشركة الآن 15700 عامل، تقلص للنصف تقريبًا عما كان عليه في بداية الألفنيات، الذي وصل فيها عدد عمال الشركة لـ 32 ألف عامل، وكانت أخر دفعة تعينات لعمال بالشركة في عام 2003.

يحمل العمال مسؤولية ما وصلت إليه الشركة، للحكومات المتتالية خلال فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك، التي أهملت الصناعة وأوقفت عمليات التطوير، في محاولة للتخسير المتعمد لبيع الشركة وخصخصتها، إلا أن عمليات التطوير التي تجري الأن، نزعت فتيل غضب العمال، الذين ينتظرون التطوير وانعكاسه علي أوضاعهم الاجماعية والمادية السيئة في ظل غلاء الأسعار وتدني رواتبهم.

قال السيد حسيب أحد القيادات العمالية بالشركة، إن أعمال التطوير تجري في الشركة علي قدم وساق، فيما يعمل المصنع الآن بطاقة إنتاجية تصل لـ 30% فقط، وهو ما يعني أن شركة تحقق خسائر حاليًأ، مشيرًا إلي أنه يتم استكمال قيمة أجور العاملين شهريًا من الشركة القابضة، وفي انتظار التطوير لتحسين أوضاع العمال.

وأضاف القيادي العمالي في تصريحات لـ “مصر 360 “، إن التطوير الذي يجري في الشركة، يعني الاستغناء عن عدد كبير من العمال، لأن معظم المكن الحديث يعمل بالكمبيوتر، ووفقًأ للخطة التطوير، فإن المصنع الجديد، الذي يتم بناؤه الآن علي أحدث النظم العالمية، سيعمل بعدد 30 عاملًا فقط، بالإضافة للتحديثات التي تجري في باقي مصانع الشركة، ببيع المكن القديم وتخريده، وتعويضه بمكن حديث يعمل بعدد أقل من العمال.

وأشار “حسيب” إلي إنه من المقرر فتح باب المعاش المبكر أمام العمال، لاسيما الذين تخطت أعمارهم الخمسين لأفساح المجال أمام عمالة شابة مدربة، تستطيع أن تواكب التطوير الذي تجريه الحكومة علي الشركة، باستخدام خطوط إنتاج تعمل بالكمبيوتر.

ولفت إلي أنه ضمن خطة التطوير الذي تجريها شركة “وارنر” تدريب العمال، علي نماذج مصغرة للمكن الذي سيتم تشغيله في الشركة، موضحًا أن نسبة الشباب في الشركة كبيرة سيستفدون من خطة التطوير والتدريب بشكل كبير.

وطالب القيادي العمالي بتعويض العمال الذي سيخرجون علي المعاش من الشركة بشكل مناسب، يضمن حقوقهم كاملة، لافتًا إلي أن مرتبات عمال الشركة متوسطه 1200 جنيه فقط، وقضوا سنوات طويلة من العمل في ظروف صعبة، بسبب عدم تطوير الشركة، ومحاولات خصخصتها أو بيعها، ولكن كل هذه المحاولات تحطمت علي صخرة القوى العمالية.

وأكد كمال الفيومي، أحد القيادات العمالية بالشركة، التي تم فصلها بسبب المشاركة والتحريض علي الإضراب، إن تطوير الشركة وإعادتها مرة أخرى، كانت سبب إضرابات العمال المكررة، والتي نجحت في منع بيع الشركة أو خصخصتها.

وأضاف “الفيومي” في تصريحات لـ ” مصر 360 “،  إن شركة غزل المحلة تحديدًا، كانت تحقق أرباحًا حتى عام 2006، بسبب إهمال صناعة الغزل، وكانت تصدر قبل هذا التاريخ لأكثر من 192 دولة حول العالم، كان الرئيس الأسبق مبارك ورجاله ووزراؤه، يرتدون بدلهم من مصنع “الشتوي” بالشركة، الذي خصص فيه قسم خاص للتفصيل “المخصوص”. “

يعتبر العمال “الخصخصة” المتسبب الأول في وصلت إليه الشركة، والآن ينتظرون التطوير والدمج، وتوفير المواد الخام، مطالبين بالتوسع في زراعة القطن المصري طويل التيلة، لتلبية احتياجات المصنع بعد تطويره وتحديثه.

التطوير ينهي إضرابات “غزل المحلة”

 ارتبط اسم شركة “غزل المحلة” بالاجتجاجات والإضرابات، لاسيما أن الشركة العملاقة، تضم بين جدرانها قيادات ألهبت وألهمت الحركات العمالية في مصر، نجحت في التصدي لمحاولات خصخصة وبيع الشركة خلال فترة الألفنيات، أبان حكم الرئيس الأسبق مبارك؛ ولكن خطة التطوير التي وضعتها الشركة القابضة انهت هذه الإضرابات في انتظار جني الأرباح للعمال، وفي هذه السطور نستعرض أهم إضرابات الشركة.

إضراب الشهرين في 7/12/ 2006

أمام إجراءات الإدارة، وعجز الشركة عن دفع أرباح العمال، اضطر العمال للدخول في إضراب مفتوح، استمر لمدة 3 أيام فقط، بعد أن تدخلت القيادة السياسية، ولكن كشف الإضراب، عن وقوف النقابة بالشركة مع الإدارة، وهو ما جعل العمال يتحركون، لسحب الثقة من ممثلي النقابة، بجمع أكثر من 14 ألف توقيع، في يناير 2007، وهو ما أفرز قيادات عمالية، جديدة في أوساط العمال، مثل السيد حبيب، وفيصل لقوشة، ووداد الدمرداش، ومحمد العطار وغيرهم في جميع قطاعات الشركة.

إضراب ديون بنك الاستثمار العربي في 23/ 9/ 2007

أدت سياسة التخسير المتعمد للشركة، والديون المتراكمة عليها خلال هذه الفترة، لدفع العمال للإضراب، بعد أن وصلت مديونية الشركة لـ 950 مليون جنيه، دين ثابت لبنك الاستثمار العربي، بفوائد تصل لـ 115 مليون جنيه سنويًا.

استمر الإضراب لمدة 6 أيام، وفي النهاية انتصرت إرادة العمال، بإسقاط ديون الشركة، وإعادة هيكلة الإدارة والإفراج عن العمال المقبوض عليهم.

إضراب الحد الأدنى للأجور 6 /4/ 2008

 فاجأ العمال الجميع بالخروج للشارع في فبراير 2008، رافعين رغيف عيش، للمطالبة بزيادة الأجور، في ظل أزمة اقتصادية عالمية أدت لارتفاع الأسعار.

فشلت جهود تهدئة العمال، ليتحول احتجاج العمال لإضراب عام، في 6 إبريل من نفس العام، ومع تدخل بعض الحركات السياسية، التي استغلت الإضراب، ليتحول الإضراب لعصيان مدني، ويتم اعتقال 7 من القيادات العمالية، وهو ما أدي لحالة من الغضب في المدينة، ليصل الأمر للمواجهة مع الأجهزة الأمنية، استمرت لمدة يومين.

تدخلت القيادة السياسية مرة أخرى، وتم صرف شهر المكافأة للعمال، و30% علاوة اجتماعية.

وقفات احتجاجية بسبب خسارة الشركة في 30/ 10/2008

اشتعل مرة أخرى الغضب العمالي في نفس العام، بعد إعلان خسارة الشركة 144 مليون جنيه، وهو ما أشعل غضب العمال، الذين نظموا وقفة احتجاجية ضخمة للمطالبة بتغير الإدارة، وفي مواجهة ذلك استخدمت الدولة الحل الأمني، وتم نقل القيادات العمالية خارج الشركة، وتهديد بعضهم بالاعتقال.

استمرت الوقفات الاحتجاجية للعمال، لمدة عامين متتاليين، حتى عام 2011 وسقوط نظام مبارك.

إضراب للمطالبة بتغير الإدارة وهيكلة الشركة 16/ 2/2011

بعد سقوط نظام مبارك، نظم العمال إضرابًا مفتوحًا، للمطالبة بإقالة المفوض العام للشركة وقف نزيف الخسائر، ونجح العمال في تحقيق مطالبهم، بإقالة المفوض العام وإدارة الشركة.

وفي أكتوبر من نفس العام، هدد العمال بالإضراب، بسبب أوضاعهم المالية، وأوضاع الشركة، وانتهى الأمر بلقاء مع وزير القوى العاملة وقتها أحمد البرعى.

شهدت هذه الفترة عدة إضرابات، خلال شهر رمضان 2012، ولكن فشلت في تحقيق مطالب العمال.

إضراب صرف الأرباح يناير 2013

دخل العمال في إضراب مفتوح، للمطالبة بالأرباح وإقالة المفوض العام لشركة، ونجح الإضراب في الحصول علي الأرباح، وتم إقالة المفوض العام.

إضراب لتحسين أوضاع الشركة يناير 2014

امتنع العمال عن العمل، للمطالبة بتحسين أوضاع قطاع الشركة، وانتهي بعقد لقاء مع المفوض العام وقتها إبراهيم بدير، الذي وعد القيادات العمالية بتحسين الأوضاع وزيادة الإنتاج.

وزار رئيس الوزراء إبراهيم محلب وقتها الشركة، لبحث سبل تطويرها، وأمر بتوفير المواد الخام، ووعد بتطوير الشركة.

إضراب المستحقات المالية يناير 2015

دخل العمال في إضراب مفتوح، في شهر يناير 2015، لصرف العلاوة والإعلان الواضع والشفاف عن خططة التطوير، وجدول محدد لتنفيذها، وانتهي الإضراب بتحقيق مطالب العمال المالية.

إضراب الأرباح أكتوبر 2015

كان هذا الإضراب الأخير لعمال الشركة، قبل أن تضع الحكومة خطة للتطوير في عام 2016.

أكثر من عشرة إضرابات، خاضها عمال المحلة خلال 10 سنوات بداية من عام 2007، أخرها الإضراب المفتوح الذي يخوضونه الآن، والمطالب واحدة، تطوير الشركة والحصول على الحقوق المالية للعمال.