وافق مجلس النواب المصري على تعديلات أحكام القانون رقم 94 لسنة 2015 ، المسمى بقانون مكافحة الإرهاب، وذلك بموجب أحكام القانون رقم 149 لسنة 2021 ، والذي تم نشره بالجريدة الرسمية، وبعيداً عن التطرق لكافة ما ورد بأحكام ذلك القانون المستحدث، إذ إننا سنتعرض لما ورد بأحكام المادة 53 في فقرتها الأولى، والتي تنص على أنه: “لرئيس الجمهورية، متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليها كوارث بيئية، أن يصدر قرارا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، علـى أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز ستة أشهر، وكـذا تحديـد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير”.
وبحسب ما جاء بتقرير لجنة الشؤون التشريعية والدستورية لهذا القانون بشأن فلسفة مشروع القانون إنه إزاء ما شهدته الدولة من جرائم العنف والإرهاب التي تمارسها جماعات ومنظمات تهدف إلى تدمير كيان المجتمع والعبث بأمنه واستقراره ومقدراته وإعاقة مسيرته نحو التقدم والازدهار، فجاء مشروع القانون مستهدفاً مواجهة أخطار الجرائم الإرهابية، وبما يكفل استيعاب النماذج المستحدثة في هذا المجال، مستهدفا بما أفرزته التجارب الدولية والإقليمية والمحلية من صور النشاط الإرهابي، كما أنه يهدف إلى حماية الوطن والمواطنين وكافة المقيمين على أرض الدولة، وذلك من خلال المرونة اللازمة في إصدار القرارات المنفذة للتدابير الواردة ومتابعاتها والتأكد من الالتزام بها.
وأول الملاحظات على تقرير اللجنة التشريعية والدستورية أنه قد جاء متصادما مع حديث رئيس الجمهورية وقت إلغاء حالة الطوارئ، والذي ورد به انه “باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء واحة للأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي يصبح ما جاء بتقرير اللجنة التشريعية والدستورية متناقضاً مع ما جاء بحديث رئيس الدولة.
أما إذا انتقلنا إلى النص محل الحديث نجد أنه من الوهلة الأولى أن ذلك النص الجديد قد وسع من اختصاصات السلطة التنفيذية متمثلة في رئيس الجمهورية، ومكمن الخطورة هو الاستخلاف التشريعي الواسع في هذه المادة، وذلك بقولها “أن يُصدر قراراً باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن على النحو الوارد بالمادة المستحدثة، وذلك تحت مظنة قيام خطر من أخطار الإرهاب أو الكوارث البيئية، وذلك بغرض المحافظة على الأمن العام. وأول الملاحظات على السياق اللغوي لهذه المادة هو الاتساع اللغوي في الألفاظ لتي بُنيت منها المادة، إذ تم استخدام ألفاظ تتسم بالعموم وهو ما يعني التوسع في التفسير وأهمها (التدابير المناسبة – أخطار – كوارث )، فهل أراد مجلس النواب أن يعوض سلطات رئيس الجمهورية التي كانت ممنوحة له بموجب قانون الطوارئ وينقلها بشكل قانوني إلى قانون مكافحة الإرهاب، هذا هو الواضح من الصلاحيات الواسعة الممنوحة بهذا النص، وهذا هو القول المختصر المفيد من جملة “أن يصدر قرارا باتخاذ التدابير المناسبة”، ويدعم ذلك ما ضربه النص من أمثلة لتلك التدابير “إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها”، إذ إنها ذات الصلاحيات التي كانت موجودة بالفعل في قانون الطوارئ دون تغيير.
أول الملاحظات على تقرير اللجنة التشريعية والدستورية أنه قد جاء متصادما مع حديث رئيس الجمهورية وقت إلغاء حالة الطوارئ، والذي ورد به انه “باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء واحة للأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي يصبح ما جاء بتقرير اللجنة التشريعية والدستورية متناقضاً مع ما جاء بحديث رئيس الدولة.
ومن الزاوية الدستورية من حيث أنها أجدر بالقبول والحماية والاحترام، فإن إقرار مثل هذه النوعية من القوانين تتعارض بشكل رئيسي مع ما أقره الدستور من حقوق وحريات عامة أو شخصية، وتمثل تعديا على تلك الحقوق والحريات، فيكفي لذلك مثلاً ما أقرته المادة 92 من الدستور من أن “الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها أو جوهرها”. كما أن الدستور قد اعتبر التعدي على تلك الحقوق والحريات جريمة لا تسقط الدعوى الناشئة عنها بالتقادم، علاوة على كون هذا التشريع يمثل توسيعا في سلطات رئيس الدولة، على الرغم من كون صلاحياته الدستورية تسمح له باتخاذ أية إجراءات حتى ولو في غياب البرلمان، إذ أن له سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون في مثل تلك الحالات العاجلة.
وهذا ما يدفعنا إلى قول أن مثل هذه القوانين التي تتجاوز في نطاقها حماية الحقوق والحريات المقررة دستوريا، إنما أصابه عيب الانحراف بسلطة التشريع، وهذا العيب على خطورته يتعلق أساساً بالغاية من التشريع والتي يجب ألا تخرج عن مفهوم المصلحة العامة دائما، ولا يتصور تحقق هذا العيب إلا حينما يمنح الدستور سلطة تقديرية للمشرع في مجال معين من التشريع، ذلك أن السلطة التقديرية هي التي تتيح للمشرع الخيار بين عدة حلول ووسائل، وعلى هذه الحال من سلطة التقدير ينبغي على المشرع أن يستهدف المصلحة العامة دون سواها، فإن انحرف عنها واستهدف غيرها مثل تحقيق مصلحة فردية أو مصلحة حزب من الأحزاب، أو اتجه إلى تبني رغبة السلطة التنفيذية والانصياع لأوامرها، فإن المشرع يكون قد انحرف بسلطته التشريعية. والانحراف بسلطة التشريع تجد صداه بينا في الانحراف عن الصالح العام، تجاوز الفرض المحدد دستوريا، أما الفرض الثالث فانه يتعلق بمسألة تنظيم المشرع للحريات العامة، ومن المبادئ المسلمة في خصوص الحريات والحقوق العامة التي نص الدستور على تنظيمها بقانون أنه إذا خول الدستور للمشرع سلطة تقديرية لتنظيم تلك الحقوق فيجب على المشرع ألا ينحرف عن الغرض الذي قصد إليه الدستور وهو كفالة ممارسة هذه الحقوق والحريات العامة في حدودها الموضوعية فإذا نقضها المشرع أو انتقص منها وهو في صدد تنظيمها كان تشريعه مشوباً بالانحراف.
وبمعنى إجمالي وعام فإن هذا التشريع الذي صدر في وقت ذهبت فيه الدولة إلى السعي نحو المزيد من الحريات، وأعلنت فيه إلغاء وعدم تمديد أو تجديد حالة الطوارئ الممتدة منذ سنوات طويلة، وفي وقت دشنت فيه السلطات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وأعلنت توسعها في مجال المجتمع المدني داعمة نموه وتطوره، وأن عامها المقبل سيكون هو عام المجتمع المدني، لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال إلا ردة على التوسع الديمقراطي، لأن هذا القانون يسمح بالممارسات التي كانت ممنوحة لرئيس الدلة في ظل أحكام قانون الطوارئ، وهو الأمر الذي لا يمكن تسميته بحال من الأحوال إلا طورئة لقانون مكافحة الإرهاب، واستنساخاً جديداً لأحكام قانون الطوارئ.