بعد تجربة مريرة عاشتها الناشطة ملك الكاشف العابرة جنسياً أثناء احتجازها في سجن الرجال خلال العام الماضي، أقامت الناشطة دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية لامتناعها عن إصدار قرار بإنشاء أماكن احتجاز مخصصة للمتحولين جنسيًا، ما يشكل قرارًا إداريًا سلبيًا مخالفًا للدستور والقانون.

والعبور الجنسي هو التحول من جنس لآخر بسبب اختلاف تعبير بعض الأشخاص عن هويتهم الجنسية والاجتماعية عن الجنس الذي يولدون به، ويطلق على هؤلاء الأشخاص لفظ العابرين أو المتحولين جنسيًا، وفي بعض الأحيان يرغب العابرون أو المتحولون في مساعدة طبية للعبور أو التحول من جنس لآخر.

وقررت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري اليوم الاثنين حجز الدعوى المقامة من محامي المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وكيلًا عن ملك الكاشف، لإلزام وزارة الداخلية بإنشاء أماكن احتجاز للمتحولين جنسيًا للحكم بجلسة 18 إبريل، واختصمت الكاشف في دعواها التي حملت رقم ١٠٣٩٩ لسنة ٧٤ قضائية، كلا من وزير الداخلية، ورئيس قطاع السجون.

ولا يوجد قانون واضح في مصر ينظم عملية التصحيح الجنسي التي يرغب بها البعض، وظل الأمر حبيس لجنة تصحيح وتحديد الجنس التابعة لنقابة الأطباء والتي شكلت عام 2003 بقرار من وزير الصحة، ثتم تشكيل اللجنة من سبعة أعضاء، منهم أساتذة علم نفس وأمراض ذكورة وعلم وراثة وغدد صماء، وعضو من نقابة الأطباء، وهو رئيس اللجنة بالإضافة إلى عضو من دار الإفتاء المصرية، لكن القرار لم يغير في الواقع شيء، ومرت اللجنة بمراحل توقف منذ عام 2014 وعادت للعمل مرة ثانية في 2017 لكن دون جديد.

لايوجد قانون واضح في مصر ينظم عملية التصحيح الجنسي التى يرغب فيها البعض

وهناك فارق كبير بين الهوية والميول الجنسية (المثلية الجنسية)، فالأولى تعنـي شــعور الشــخص اتجــاه نفســه وانتماءه لأي مــن الجنســين، ولــذا ســمى “اضــطراب الهوية الجنسية “، لكـن الميـول الجنسـية هـي الرغبـة أو شـعور الشـخص بالانجـذاب اتجاه الآخرين، ولـذلك لا تـؤثر عمليـة التحويـل فـي ذلـك الأمر فمـن الممكـن أن يكـون العابر جنسيًا “مغاير” أو ” مثلي” أو ينجذب لكل الجنسين.

عابرة في سجن الرجال:

وتمتلك ملك الكاشف، وهي أشهر عابرة جنسيًا في مصر، وتمتلك التقارير الطبية اللازمة لإثبات حالتها الصحية الصادرة عن مستشفى الحسين الجامعي، والتي كانت بحوزتها أثناء إلقاء القبض عليها.

 

وبدأت أزمة العابرون جنسيا في مصر في الظهور الإعلامي مع تسـعينات القـرن الماضـي، مــن خــلال قضــية الطالــب الأزهــري ســيد الــذي اشــتهرت قصــته بعــدما أجــرى عملية جراحية ليصـبح سـالي، الأمر الذي استنكره الرأي العام ما تسبب في حالة من الجدل مصحوبة بالرفض المجتمعي لمثل هذه القضايا، ولكن تغيـر الموقـف الـديني بعـد فتـوى لمحمـد طنطـاوي شـيخ الأزهـر تجيـز عمليـة تغييـر الجـنس وتـرك الأمـر لتحديـد الأطبـاء.

وفي 6 مارس 2019، ألقت قوات الأمن القبض على “ملك” على ذمة القضية رقم ١٧٣٩ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة، بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية، واستخدام حساب “فيسبوك” شبكة المعلومات الدولية، على خلفية تعبيرها عن أراءها عبر حسابها الشخصي على “فيسبوك” عن حادثة قطار محطة مصر.

وبحسب بيان المفوضية المصرية للحقوق والحريات، تعرضت ملك لظروف احتجاز قاسية، وجرى  إيداعها بسجن مخصص لاحتجاز الرجال، نتيجة لقيد نوعها الاجتماعي بالأوراق الثبوتية على أنها “ذكر”، في حين أن ذلك مخالف لهويتها  المحددة ذاتيا.

وبعد تدخل محاميها، قضت ملك فترة حبسها في زنزانة انفرادي نتيجة عدم وجود مكان مخصص للعابرين والعابرات جنسيا.

وحصلت ملك على قرار إخلاء سبيلها لعد قضاء ما يقرب من 5 أشهر داخل سجن الرجال، ووثقت ملك الكاشف ما مرت به من انتهاكات جسدية تعرضت لها خلال فترة حبسها عقب إخلاء سبيلها.

وحسب ما وثقته “الكاشف”  فإنها تعرضت إلى الفحص الشرجي الذي يتم داخل سجن الرجال كإجراء روتيني، بالإضافة إلى تعرضها للتحرش الجنسي على يد أحد أمناء الشرطة داخل سجن طرة.

 

رجل في سجن النساء:

لم تختلف قصة ملك الكاشف عن قصة العابر الجنسي حسام أحمد كثيراً، فكلاهما أصبحا رهينة الحبس الاحتياطي في سجون وفقا لهويتهم المختلفة عن انتمائهم الجندري وفقاَ للتقارير الطبية والأدوية الهرمونية التي يتلقونها.

 

“حسام “عابر جنسيا لازال في مرحلة العلاج الهرموني، الذي كان قد خضع له أثناء إلقاء القبض عليه خلال العام الماضي على ذمة التحقيق في القضية رقم 1739 لعام 2018 بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية والدعوة لمظاهرات 1 مارس.

وكانت المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية هدى نصر الله، قدمت طلبًا إلى نيابة أمن الدولة للسماح لحسام بالاستمرار في تلقي أدويته الهرمونية اللازمة لصحته، مع دعم الطلب بشهادة المستشفى العام الذي يقر بحالة حسام الطبية.

ووفقاً لمحامية المبادرة فإنه بالرغم من حصول نيابة أمن الدولة على الشهادة الطبية الصادرة عن مستشفى عام والتي تصف حالته وتؤهله طبيًّا لتلقي أشكال العلاج المرغوبة للعبور الجنسي والتي توضح عدم خضوعه لأي عمليات جراحية، إلا أنه أخضع لفحص خارجي كامل والكشف على أعضائه التناسلية دون أمر من النيابة خلال ترحيله إلى سجن النساء الذي يحتجز فيه الأن.

 

وحسب منظمة “هيومن رايتس” فإن المتحولين والمتحولات جنسيا خطوا في السنوات الأخيرة خطوات هائلة في العالم

تجارب دولية مع العابرين

ويقول المحامي بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات “عمرو محمد “إنه يأمل أن يتم الحكم لصالح الدعوى المقامة، بإنشاء أماكن احتجاز للعابرين والعابرات جنسيا، وخصوصاً أن هناك دول كثيرة سبقت في هذا الأمر.

وأشار المحامي الحقوقي إلى تجربة إيطاليا والتي أنشأت سجن مخصص للعابرين جنسيا، بالإضافة إلى تجربة المملكة المتحدة بأن أصدرت وزارة العدل قرار بتخصيص أماكن احتجاز للعابرين جنسيا.

ويرى المحامي الحقوقي أن هذا الأمر يكون حلا مناسبا لأنه لايوجد قانون في مصر يعترف بالعابرين جنسيا حتى الأن.

ووفقا لتقرير منظمة “هيومن رايتس” عام 2016 فإن المتحولين والمتحولات جنسيا قد خطوا في السنوات الأخيرة خطوات هائلة في جميع أنحاء العالم نحو الحصول على الاعتراف القانوني بهم.

ووضعت الأرجنتين، عام 2012، حجر الأساس مع قانون للاعتراف القانوني بتغيير النوع الاجتماعي و نص على تمكن كل من هو فوق سن 18 اختيار هويته الجنسانية وتغيير نوعه الاجتماعي وتعديل وثائقه الرسمية دون أي موافقة قضائية أو طبية مسبقة، كما يمكن للأطفال القيام بذلك بموافقة أوصيائهم أو من خلال عرضهم بشكل مستعجل أمام قاضٍ.

 

وتمكنت أربع بلدان هي “كولومبيا والدنمارك وإيرلندا ومالطا” من إزالة  حواجز كبيرة أمام الاعتراف القانوني بالهوية الجنسية، على الناحية الأخرى في الولايات المتحدة، توزع معظم المرافق الإصلاحية المعتقلين على الأقسام تبعا للجنس المعين لهم عند الولادة بدلا من هويتهم الجنسانية، وتشير البيانات أن من بين 1 إلى 3 معتقلين متحولين يُعتدي عليه جنسيا في السجون.