ربما هي خطوة أخيرة وأنبوب اختبار حاسم لإمكانية أن تلتقي الدولة والمجتمع المدني وفي الوسط منهما أحزاب المعارضة، إرساءً لمسار جديد يؤمن ملف حقوق الإنسان في مصر من مغبات فترات التضييق التي طالما عانى منها. وهو يستند في ذلك إلى استراتيجية وطنية أُطلقت في سبتمبر لتؤكد على حرية التعبير وإبداء الرأي. قبل أن يعقبها إلغاء لحالة طوارئ، مهده تحول مصر إلى واحة للأمن والاستقرار.
على هذا الأساس، عقدت أحزاب المعارضة -منضوية تحت رعاية الحركة المدنية الديمقراطية- اجتماعات استمرت لأسابيع، ناقشت خلالها ضرورة العودة للعمل المشترك، وبناء مجال للتفاعل بين القوى المدنية والسياسية المختلفة، تحت مظلة أوسع، لا تضغط على اختلاف الرؤى، وإنما تركز على مجال واحد فقط، هو حقوق الإنسان والحريات.
وقد أطلقت هذه الأحزاب (الدستور – الكرامة – العيش والحرية – التحالف الشعبي الاشتراكي) دعوة إلى تأسيس منتدى مدني للحريات وحقوق الإنسان. على أن يعمل على ضم أحزاب وشخصيات عامة وروافد العمل الديمقراطي بين تيارات المجتمع المدني. وذلك في سبيل تبني قضايا حقوق الإنسان وحرية الصحافة والإعلام والتوازن بين السلطات واستقلال القضاء ورفض المحاكمات الاستثنائية.
في سبيل العودة اللائقة لأحزاب المعارضة.. هل ينجح المنتدى المدني؟
لطالما عانت أحزاب المعارضة في مصر ضعفًا كبيرًا وانعدامًا للتوافق، أفشل كل محاولات العمل المشترك بينها. ما عزز انخفاض تمثيلها البرلماني إلى أقل حد، وغيّب قدرتها على إيصال رأي الشارع المصري. وهو أمر دفع بعضها أخيرًا إلى تلمس مثل هذا التوافق غير المتحقق في كيان جديد، يقوم على ما تطالب به الحركة المدنية ويؤكده الدستور ويعززه التزام الدولة الأخير بسياسة أقل حدة توفر مزيدًا من الحريات.
يقول مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن أحزاب الحركة المدنية تدارست خبرة العمل المشترك السابق بين الأحزاب السياسية، ورغبة بعض الأطراف في الاقتصار على التنسيق وحرية الاجتهاد والمواءمة. فرأت أهمية بناء مظلة أوسع، كمنتدى يوفر فرصة للتفاعلات مع المبادرات المطروحة من الدولة مثل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بما يوفر تعزيزًا للمشاركة مع المجتمع المدني.
وهو يرى ضرورة استغلال ما أكدت عليه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. إذ أن اللحظة الراهنة تستوجب أن تتخذ الأحزاب والمجتمع المدني قرارات تعمق المشاركة فيما يخص حقوق الإنسان والمواطنة.
اقرأ أيضًا: 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة
دعوة مفتوحة تنتظر الاستجابة
ويضيف الزاهد أن المنتدى هو دعوة مفتوحة ومبادرة مطروحة لمن يتبنى أهداف الدولة المدنية الحديثة، القائمة على حقوق المواطنة وتتوافق مع القوانين التي تصون روح الدستور. ومن لديه إيمان بضرورة مراجعة التشريعات القانونية والتدابير الاستثنائية التي زادت السنوات الماضية، بما يشمل تعديل قوانين الحبس الاحتياطي الذي بات عقوبة وليس إجراءً احترازيًا. مع التأكيد على استقلال القضاء، وحق المتهم في المثول أمام قاضية الطبيعي. وكذلك إطلاق حرية الفكر والتعبير. فضلاً عن حق الجمعيات العمومية للهيئات القضائية في اختيار ممثليها.
وفق الزاهد، فمن المقرر أن تشهد الفترة المقبلة مشاركة مزيد من الأحزاب والشخصيات العامة. إلى جانب شخصيات حقوقية ممثلة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان. وذلك لبلورة تصورات شاملة والعمل على خلق فضاء تفاعلي للحوار ولعقد الصلات وتوسيعها حول أطراف المجتمع وطرح البدائل.
بينما من المقرر -وفق ما هو مطروح- أن تشمل فعاليات المنتدى التأكيد على ضرورة استقلال وتوازن السلطات. وحق المتهم في المثول أمام قاضيه الطبيعي. إلى جانب حق الجمعيات العمومية للهيئات القضائية في اختيار ممثليها. وأيضًا حرية واستقلال الإعلام. بالإضافة إلى تعديل التشريعات التي تتناقض مع هذه القيم وتخلط حرية الرأي والمعارضة السلمية بالإرهاب. وعلى الأخص ما يتعلق بقوانين الحبس الاحتياطي والرقابة على النشر.
إلا أنه إلى الآن لا تزال هذه الدعوة مقتصرة على الأحزاب الأربعة التي أطلقتها، في انتظار ما ستسفر عنه المشاورات مع باقي القوى السياسية والأحزاب. بينما من المقرر أن تصدر وثيقة المبادئ الخاصة بمنتدى الحقوق والحريات خلال أيام، وفق الزاهد.
الآمال التي أطلقتها الاستراتيجية الوطنية
في سبتمبر الماضي، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. وقد تناولت فيما يخص الحق في الحرية الشخصية ظاهرة الحبس الاحتياطي. وذكرت أن هناك حاجة إلى «وضع الإطار اللازم لضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي الواردة في القوانين الوطنية».
كما أشارت وثيقة الاستراتيجية إلى عدم تضمين قانون الإجراءات الجنائية بدائل متطورة تكنولوجيًا للحبس الاحتياطي. ولفتت إلى ضرورة وضع نظام قانوني مغاير لمبررات الحبس الاحتياطي، إذا كان المتهم طفلاً جاوز خمسة عشر عامًا مثلاً. بما يشدد من الشروط الواجب توافرها للحبس. إلى تعميم مشروع النظر عن بعد في أوامر الحبس الاحتياطي. بما يتيح للقاضي الاتصال مباشرة بالمتهم المحبوس احتياطيًا في حضور محاميه، عبر دائرة تليفزيونية مغلقة ومؤمنة. وهو الأمر الذي يوفر للمتهم إبداء كل أوجه دفاعه عند النظر في أمر إخلاء سبيله أو استمرار حبسه، دون الانتقال إلى المحكمة.
اقرأ أيضًا: قراءة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
قبل يومين، عقد حزب المحافظين حلقة نقاشية ضمت عدد من ممثلي الأحزاب، من بينها الدستور والتحالف الشعبي الاشتراكي، والاشتراكي المصري، والإصلاح والتنمية، والكرامة حيث أكدت هذه الأحزاب على ضرورة تعديل مواد الحبس الاحتياطي كجزء من مسألة تطوير وتحسين وضع حقوق الإنسان والحريات في مصر.
ولفت رئيس حزب التحالف الشعبي إلى مقترحات بتعديل عدد من مواد قانون الإجراءات الجنائية. على أن تكون هناك صياغة مشددة على أن الحبس الاحتياطي لا يجب تضمينه بقضايا الرأي بالنسبة للمعارضة السلمية. ذلك لأن مثل هذه القضايا لا يرتبط بعمليات قتل أو اختلاس أو إشاعة فوضى.
وأشار إلى أن التصريح المباشر للرئيس بأن مصر تحولت إلى واحة للاستقرار والأمان، يوجب على مؤسسات الدولة وأجهرتها المختلفة، سواء التشريعية أو الأمنية، أن تُعيد النظر في أساسيتها، على ضوء الوقائع الجديد. إذ لن يليق بواحة الأمان والاستقرار أن تصدر أحكامًا بالسجن على متهمين في قضايا رأي.
مشروع قانون لتعديل الإجراءات الجنائية
كما طالب الحزب المصري الديمقراطي بتعديل القوانين المنظمة للحبس الاحتياطي. بحيث لا تطول فترة الحبس الاحتياطي بلا محاكمة لمدة تزيد عن 6 أشهر. مشيرًا إلى ضرورة بذل مزيد من الخطوات نحو تعديل القوانين المقيدة للحريات، والتي لا تزال عقبة على طريق الديمقراطية في مصر.
واقترح حزب الدستور طرح مشروع قانون، ينهي حالة التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي أو تلك ذات الطابع السياسي. داعيًا القوى السياسية للعمل عليه، تمهيدًا لتقديمه إلى البرلمان.
وقد تضمنت بنود هذا المشروع المقترح تقليص مدة الحبس الاحتياطي إلى 45 يومًا. وهي المدة الرئيسية في التحقيقات الأولى. على ألا تزيد عن 6 أشهر في كل الأحوال. كما طرح استبدال الحبس الاحتياطي بمجموعة أخرى من التدابير. وتشمل: إخلاء السبيل مع الإخضاع لمراقبة مستمرة أو بأيام محددة. أو المنع من ممارسة مهن محددة، ومنع التواجد في أماكن معينة. أو فرض «الأساور الإلكترونية» لمراقبة تحركات المتهم دون تقييد حريته بحبس طويل الأمد.
وقد سبقت هذه الدعوة لاستخدام المراقبة الإلكترونية مع المحكومين دعوات داخل البرلمان نفسه. إذ تقدمت النائبة سميرة الجزار، عضو لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، باقتراح للتخفيف من مشكلة اكتظاظ السجون، وإنهاء أزمة عقوبة الحبس الاحتياطي، والمحكوم عليهم بأحكام بسيطة والغارمات، بإلزامهم بالسوار الإلكتروني بديلاً لحبسهم. وهو مقترح ليس بجديد عالميًا وعربيًا. لكنه غير متداول في الحالة المصرية. وأيضًا في ديسمبر 2019، طالب النائب علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب السابق، باستبدال الحبس الاحتياطي بالمراقبة الإلكترونية حتى لا يؤثر ذلك بالسلب على المواطنين من الناحية الاجتماعية.
وتتواصل في مجلسي النواب والشيوخ حاليًا المناقشات حول تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، بما يزيل عن القانون ما يتعارض مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فيما يخص الحريات والحقوق.