أثارت مساعي شركة “حديد عز” لشراء حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة في “حديد المصريين” البالغة 18%. تساؤلات حول أسباب خروج الأخير من سوق واعدة في مصر والعالم، فالدولة تبني حاليا نحو 22 مدينة جديدة. مع مستهدف لبناء 45 أخرى الأمر الذي يخلق طلبا كبيرا على حديد التسليح بجميع أصنافه وأحجامه.
لم تتم الصفقة بعد لكن شركة “حديد عز” ألمحت إليها في خضم بيان للبورصة المصرية ترد خلاله. على أنباء عن إجرائها فحصا نافيا للجهالة لمصانع حديد المصريين الأربعة، بعدما قالت إن لديها استراتيجية تقوم على السعي الدائم للنمو كسبيل أساس للاستمرار في المنافسة محليا ودوليا. ودرء مخاطر الانكماش والتقزم وإضافة طاقات جديدة باستمرار من خلال الاستثمار الذاتي بمشروعاتها أو الاستثمار في شركات قائمة.
الفحص النافي للجهالة مصطلح يرتبط بعملياتِ الاستحواذ والشراء والاستثمار الجزئي أو المشاركة في مشروعات وتحالفات أعمال. وعبره يتأكد الراغب في الشراء من معدات وأصول ومنتجات المنشأة التي يريد شرائها أو المساهمة فيها بشكل دقيق.
تخارج أبو هشيمة من سوق الحديد يفجر تساؤلات، فعلى مستوى الإدارة حصل الشاب على عشرات الجوائز في الصناعة. بينها جائزة كأفضل رئيس تنفيذي بقطاع الحديد في العالم، ونتائج أعمال الشركة جيدة بحصة في الشرق تتراوح بين 11 و16% من منتجات الصلب المختلفة.
حققت شركة أبو هشيمة مبيعات خلال عام 2020 بنحو 1.150 مليون طن. وطاقتها الإنتاجية السنوية تصل إلى 830 ألف طن، وتدير 4 مصانع لإنتاج حديد التسليح والبليت في بورسعيد والإسكندرية وبني سويف والعين السخنة. واقترب من تحقيق خطتها باقتناص 20٪ من السوق المحلية، باكتمال بناء مصانعها الأربعة.
في الجهة الأخرى لا تقل الأسئلة حول أسباب رغبة “عز” في الشراء فالمجموعة، حاليا أكبر منتج للصلب في العالم العربي. بعدما وصلت قيمة صادراتها إلى 1.014 مليار دولار، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي. لتصبح أول شركة تحقق ذلك الرقم منذ دول مصر عصر الاستثمارات الصناعية الحديثة قبل قرن.
خيالات كثيرة
يبدو أن أبو هشيمة، الذي يملك حتى الآن 18% من شركة حديد المصريين، تداعبه خيالات أخرى بعيدة عن عالم الصناعة. فالرجل دخل لعالم السياسة من بوابة حزبية ويشغل حاليا منصب نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري. كما انتُخب عضوًا بمجلس الشيوخ، ويعد عدته حاليًا للترشح لانتخابات اتحاد الكرة المزمع عقدها مطلع يناير المقبل.
تحمل رحلة صعود أحمد عز وأحمد أبو هشيمة اختلافات وتقاربات، فأبو هشيمة ترك العمل في محاسبة البنوك للعمل بتجارة الحديد بالصدفة. قبل أن يدخل لحلبة التصنيع قبيل ثورة يناير بشراكة مع الشيخ القطري محمد بن سحيم. لإنشاء شركة حديد المصريين، بحصة تبلغ 50%، رفعها الأخير إلى 82% قبل أن يبيعها.
أحمد عز ورث تجارة الخردة والحديد عن والده وقبل عام 1996 لم يكن معروفًا عنه سوى أنه صاحب مصنعين صغيرين للحديد والسيراميك. وكان عازفا للدرامز كهواية في فرقة صغيرة بالفنادق والحفلات الخاصة، قبل أن يصعد بقوة الصاروخ مع علاقاته القوية برجال الحزب الوطني حينها. بحسب كتاب “الأيام الأخيرة” لنظام مبارك للكاتب عبداللطيف المناوي، الرئيس السابق لقطاع الأخبار بالتليفزيون المصري.
الارتباط أيضًا يتعلق برحلة الصعود المعكوسة لكل منهما فبينما كان أبو هشيمة يحبو في عالم صناعة درفلة الحديد عام 2010. عبر تكنولوجيا مجموعة دانييلي الإيطالية، انقلبت الآية بعد يناير 2011 فتراجع أحمد عز للوراء بالتخلي عن إدارة شركاته. ومواجهته كم هائل من الدعاوى القضايا بينما كان نجم أبو هشيمة يصعد في الحديد والاعلام وصناعة الاسمنت.
تعمل مصانع الدرفلة على مرحلة واحدة فقط وهي تحويل البليت إلى حديد التسليح. فيما تعمل نظيرتها المتكاملة على جميع مراحل الإنتاج بدءاً من مكورات الصلب وتحويلها إلى حديد إسفنجى في مصانع الاختزال المباشر. ثم إلى صلب سائل مروراً بإنتاج البليت وانتهاءً بمرحلة الدرفلة، وهو ما بدا به مصنع حديد المصريين قبل أن تصبح مجموعة متكاملة.
هل يكرر أبو هشيمة أخطاء عز؟
ربما لا يريد أبو هشيمة، المنطلق سياسًيا واجتماعيا أن يكرر خطأ احمد عز بالجمع بين الاقتصاد والسياسة في حزمة واحدة. والدخول في تأويلات عن مدى الاستفادة من مشروعات قوانين يقدمها، ففضل بيع حصته. والتفرغ تماما للسياسية وكرة القدم، وهي تهمة لاصقت أحمد عز حينما تحول إلى الرجل القوي في الحزب الوطني المنحل وخسر كثيرا بسببها.
مثلما كان عز مغرما بالدرامز أبو هشيمة مغرم بكرة القدم، فلعب كناشئ في نادي المصري ونجله أحد ناشئي النادي الأهلي حاليا. كما يستعد لمعركة اتحاد الكرة بسداد مديونية فريق نادي بني سويف المستحقة لشركة استادات.
ساهم أبو هشيمة في تحمل جزء من راتب أحد المديرين الفنيين السابقين للأهلي، وتمويل صفقات للنادي. كما كان داعمًا للمنتخب الأولمبي مواليد 97 الذي فاز ببطولة الأمم الأفريقية للمنتخبات الأولمبية وحقق المركز الثامن في أولمبياد طوكيو.
يستفيد أبو هشيمة، حاليا، من تعديل بعض مواد لائحة النظام الأساسي الخاصة ببند أحقية أي شخص في الترشح في الانتخابات دون شرط ممارسة كرة القدم. على أن يكون المؤهل عاليا، ويتردد دخوله في تحالف يضم أسماء ثقيلة مثل محمد عبدالسلام وسميح ساويرس.
حزمة رجال الأعمال التي تريد تولي مسؤولية كرة القدم حاليا ومن بينهم أبو هشيمة تتسق مع خطة وزارة الرياضة. لتحويل الأندية الشعبية بمؤسسات لديها شركات مالية وهو أمر يديره حاليا شخصيات ثقيلة مثل رجال الأعمال ياسين منصور في النادي الأهلي.
نمبر وان في إنتاج الحديد
في المقابل، يقول البعض إن أحمد عز يريد العودة إلى “نمبر وان” في إنتاج الحديد. فقبل عقدين كانت مجموعته تسيطر على67% من السوق، وتراجعت النسبة إلى 42% حاليا.
صحيح أن حديد المصريين شركة ناجحة بكل المقاييس بعدما استطاعت خلال عمرها القصير احتلال المرتبة الخامسة أو الرابعة في غالبية المنتجات. لكن عز الذي يملك قدرات إدارية لديه تطلعات أخرى غير الاقتصاد.
تسطير حديد عز على الحصة الأكبر في السوق بمبيعات بلغت 49 مليار جنيه، ولديها تطلعات أكبر للتصدير. فرغم زيادة سعر بيع الغاز الطبيعي المورد للأنشطة الصناعية كمصانع الحديد والإسمنت من 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية إلى 5.75. إلا أنها الأقل مقارنة بأسعار الغاز الطبيعي في الدول المنافسة والتي بلغ متوسطها بتركيا نحو 15 دولار للمليون وحدة حرارية.
لكن يبدو أن عز يريد أيضا العودة وإعادة إثبات ذاته كرجل صناعة وطني، وأن يعود لسابق شهرته. فمنذ سقوط القضايا وخروجه من السجن، يتصل ببعض نواب محافظته “المنوفية”. ويساهم في جهود تطوير القرى، وتحسين أحوالها، دون أي رغبة في الوقت ذاته للعودة السياسة.
انزوى عز طوال السنوات الماضية، ولم يظهر إلا عام 2018، حينما كرمه الاتحاد العربي للحديد والصلب، ضمن فاعليات قمة الصلب العربي في الأردن. بعدما أصبح ثاني أكبر منتج لخام الحديد النقي على مستوى العالم في 2017. وهو حدث لم يلق أي اهتمام من غالبية وسائل الإعلام المصرية.
في صور التكريم، ظهر الشيب على “رجل صناعة الحديد” وتم تقديمه كرجل صناعة فقط وليس المسميات السابقة من شاكلة: قطب الصناعة ورجل الصلب والفولاذي. وهي ألقاب يقارعه فيها حاليا، أحمد أبو هشيمة الذي استحوذ على لقب “رجل الحديد الوسيم” وأفضل مدير في الصناعة.
تمهيد قوي
في مايو الماضي، بدأت تلك النية في الظهور حينما اشتري عز 9 ملايين شهادة إيداع دولية من شركته تعادل 27.1 مليون سهم. بقيمة إجمالية قدرها 18.9 مليون دولار لترتفع نسبته بعد العملية من 27.3% إلى 32.29% من إجمالي أسهم الشركة. بمتوسط سعر للسهم في الصفقة 2.1 دولار.
قبل أربع سنوات، أنفق رجل الأعمال على إنتاج الحديد المختزل نحو 550 مليون دولار لرفع الطاقة الإنتاجية إلى 5 ملايين طن سنوياً. ليصبح المُنتِج الأكبر له على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وثاني أكبر مُنتِج له على مستوى العالم لعام 2017.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية لحديد عز 7 ملايين طن من منتجات الصلب سنويا، ولم تعد الشركة معنية فقط بإنتاج حديد التسليح المستخدم في الإنشاءات. بعدما ركزت جهودها في إنتاج الصلب المسطح المستخدم في الصناعات الهندسية. وصناعة السيارات والمواسير الصلب والسلع المعمورة، بجانب الحديد المختزل الذي يدخل في عدة صناعات هامة.
أنتجت الشركة في التسعة أشهر الأولى من العام الحالي نحو 3.1 مليون طن. بينها 1.6 مليون طن من الصلب المسطح. ما يجعلها اللاعب الأبرز في ذلك المجال بالسوق المحلية.
بحسب بيانات غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية فإن سوق صناعة الحديد المصري يضم 32 شركة. 4 منها شركات متكاملة بينما المصانع الأخرى تقوم باستيراد البليت (حديد نصف مصنع). من أجل تشكيله سواء لإنتاج حديد تسليح، أو غيره.
تمتلك حديد عز حاليا نحو 42% من إنتاج الحديد في مصر تليها شركة السويس للصلب بكمية 2.4 مليون طن بنسبه 19%. ثم بشاي بكمية 2 مليون طن بنسبة 15% وبعدها يأتي حديد المصريين بنحو 1.6 مليون جنيه بنسبة 12%.
قوة إنتاجية
أما الحديد المختزل فيبلغ الإنتاج المصري منه 8.9 مليون طن تستحوذ عز على 56% منه. وبالنسبة لإنتاج البليت فيصل الإنتاج المحلي لـ 10.96 مليون طن منها 3.4 مليون طن لمجموعه شركات عز بنسبه 31%. تليها السويس للصلب بنحو 2.4 مليون طن بنسبة 22%، وبشاي 2 مليون طن بنسبة 18% وحديد المصريين 1.6 مليون طن بنسبة 15%.
الطاقة الإنتاجية للمنتجات الطولية “حديد التسليح ” فبلغ 15 مليون طن منها 4 ملايين طن لمجموعة شركات عز. بنسبة 27% وشركه السويس للصلب بكمية 2.2 مليون طن بنسبه 15% وشركة بشاي للصلب. بكمية 2 مليون طن بنسبة 13%، وشركة حديد المصريين 1.7 مليون طن بنسبة 11%.
في العشرين عاما الأخرى، ارتفع الإنتاج العالمي من الصلب بنسبة 120% من 850 مليون طن عام 2000 إلى 1.9 مليار طن عام 2020. وزاد إنتاج أكبر 20 شركة صلب على مستوى العالم بنسبة 170%. خلال الفترة ذاتها من 269 مليون طن إلى 724 مليون طن في الفترة ذاتها.
حملت صفقة “حديد المصريين” الكثير من التأويلات لارتباطه باثنين من أقطاب الحديد غير البعيدين عن السياسة أيضا. لكنها مرتبطة باثنين من المشاهير، أحدهما يريد العودة للأضواء كرجل صناعة وطني. والثاني يفكر في تحقيق تطلعات كروية قديمة وربما ينقلها إلى الاستثمار بشراء ناد مثل كثير من رجال الأعمال المعروفين محليا وعالميا. وفي مقدمتهم سميح ساويرس، الذي يستثمر في ناديي الجونة المصري وأستون فيلا الانجليزي.