استغربت من صورة رئيس مصر مع أمير قطر في مؤتمر تغير المناخ العالمي والتي انتشرت بشكل كبير خاصة بعدما نشرتها الصفحة الرسمية لمتحدث الرئاسة المصرية. الضحكة الواسعة والمصافحة بكلتا اليدين!.
ماذا حدث؟ ما هذا؟ نفس رأسي السلطة لنفس البلدين! كيف هذا؟ لحظات وسألت صديق أثق فيه، فقال لي: آه عزيزتي ألم تعرفي! آسف لقد كان هذا بفترة سجنك. لقد تصالحنا معهم الآن، قطر وتركيا. لم يعد هناك مشكلة.
لم أستغرب بعد شرحه، ففي عالم السياسة هذا وضع طبيعي غير الطبيعي كان وقف الطيران وقطع العلاقات فجرا هذا أمر يليق بقطع علاقة عاطفية في فترة تقلبات هرمونية لكن لا يليق بمشاكل بين دولتين خاصة حينما تكون إحداهما دولة بحجم مصر تاريخيا وجغرافيا.
لكن طالما أصبح لدينا سياسة أكثر نضجا تستطيع أن تتعامل مع خلافاتها مع دولة أخرى وتعيد الأمور لنصابها الصحيح في علاقاتها الخارجية لحد كبير. فماذا عن المصالحة الداخلية! لماذا مازالت تبدو معقدة لهذا الحد؟
لا أظن أني أحتاج لتذكير القارئ بحجم المقاطعة التي كانت بيننا وبين قطر أو تركيا، وكمية الاتهامات بالإرهاب وبمحاولة إشعال الفتن داخلياً. لا أظن أن أحدنا قد نسى وإن كنا -شعب نساي- لكن الأمر ليس فقط كان قريباً لكنه كان مستمر وضخما في حملات مطولة ضد كلتا الدولتين. وأن نصل لمرحلة التوافق والترحيب الحار بالعلاقات الثنائية هو أمر بلا شك احتاج لمجهود وإرادة والأكيد أن هذا هو جوهر العمل الدبلوماسي ومعنى السياسية.
لا أخفي عنكم، كان شعورا غريبا بعض الشيء أن يتم التصالح مع أردوغان رئيس تركيا وتميم رئيس قطر في الفترة التي كنت فيها أنا وزملائي وزميلاتي المعارضات مشغولين عن متابعة الأحداث في سجون مختلفة بسبب خلاف مع النظام الحالي على قضايا الحريات بشكل عام والعدالة وشكل الحكم. أمور خلافية بطبيعتها من جهة، وتحتاج للاختلاف لتعتدل من جهة أخرى. فإن كانت المصالح قادرة على خلق المصافحات الدبلوماسية والتعامل مع أكثر الدول اختلافا معنا وهو أمر ناضج وذكي لحد كبير، فلماذا لا نرى مصالح في مصالحة داخلية؟
إن كانت القيادة السياسية في مصر قادرة على الوصول لمصالحة وحل خلافات بحجم ما كان بيننا وبين تركيا وقطر وإعادة الأمور لنصابها الصحيح، فلما لا تتحرك القيادة نفسها صوب الداخل لحل الخلاف الداخلي وإطلاق سراح المسجونين سياسيا؟
أظن أن الموضوع هنا ليس خاصا بالاستطاعة- أي أنه بلا شك القيادة تستطيع حل الأزمة وفتح قنوات تواصل وتفاهم وخلق نقاط التقاء وتفريغ أي احتقان أو غضب متراكم. لكن المسألة ليست في الاستطاعة، لكن ربما في الإرادة. أو ربما تخوف عند بعض القيادات من إطلاق سراح المعارضة. أنا حقاً لا أتفهم جيداً العقلية الأمنية لكني أتفهم جيداً أن الظلم كفيل بإهلاك الدولة وضياع كافة مجهوداتها أرضاً طالما مازال المواطن المصري لا يشعر بكرامته وحريته داخلها بحد كبير وما ثورة يناير منا بهذا البعد.
وعلى كل إن كنت أنا قد خرجت كجزء من مشروع مصالحة واعد تحت راية “مجموعة الحوار الدولي” إلا أنه مازال يقبع هناك في السجون مئات السجناء على خلفية قضايا رأي وقضايا سياسية. لسنا بأي شكل في صدد الحديث عن أي قضايا “دم” فهي تحتاج بلا شك لوقت ومجهود وربما لوجيستيات مختلفة وأكثر تعقيدا وإن كنا في وقت أو أخر علينا أن نتعامل معها.
وبالرغم من أن التحرك في ملف السجناء السياسيين كان يتسم بالبطء والانتقاء غير المعياري على الأقل بالنسبة لنا إلا أنه كان يتحرك على الأقل وهناك من يحصل على حريته بالفعل. إلا أنه وللأسف بعد آخر دفعة خرجت وفقا لهذه الاستراتيجية في 29 أغسطس -كنا ثلاثة أفراد، أنا وزياد أبو الفضل وشادي سرور- من بعدها لم يتم إطلاق سراح أي سجين رأي آخر، وبرغم الترحيب الضمني بمبادرة وضع استراتيجية لحقوق الإنسان كنقطة بداية تحتاج للعمل عليها بالطبع. ولحقتها خطوة أكثر جدية بإلغاء حالة الطوارئ لاقت بلا شك ترحيب في أصداء مختلفة خارجيا وداخليا، لكن يبدو كأننا نحضر لزفاف جميل بدون دعوة العريس والعروسة نفسهيما!
كل تلك الخطوات بلا قيمة إذا كنا لا نزال نقف عند الخطوة الأولى وهي إطلاق سراح سجناء الرأي، سواء المحبوسين احتياطياً بداية بمن تخطوا فترة الحبس الاحتياطي وبعدها إصدار عفو شامل لمن حصل على أحكام قضائية في قضايا نشر ورأي.
أنا أتحدث هنا عن قضايا “الرأي”، عن معارضين سياسيين مسالمين تماماً، الذين اختلفوا مع النظام بالكلمة. سواء صحافيين مثل أحمد شاكر وسيد عبد اللاه ومحمد صلاح وخالد غنيم أو محامين مثل محمد الباقر وعمرو إمام أو مدونين معروفين مثل نيرمين حسين وعلاء عبدالفتاح ومحمد أكسجين وهكذا غيرهم من عشرات السجناء السياسيين غير المعروف اسمهم لا محليا ولا دوليا لكن معروفين عند أسرهم الذين يعانون معهم آلام السجن وصعوبته ماديا ومعنويا على أطفالهم أو أمهاتهم أو أزواجهم، مواطنون مصريون يستحقون المصالحة وإن كانت بلا مصلحة.
وبالرغم من أن المصالحة الداخلية والعمل على حلحلة الأزمة السياسية وفتح المجال للمجتمع المدني للعمل الحر هو أمر لا يحتاج لمساومة لتنفيذه بل هو بديهية لإقامة دولة متوازنة ووطن آمن. إلا أنه في الوقت نفسه بلا شك عمل يحمل كثيرا من النفع للدولة سواء خارجياً أو داخلياً ويعود بلا شك على الجميع في الوطن بالراحة والأمن والسلام مما يزيد كفاءة أي مشروع سواء أمني أو اقتصادي، تلك البديهيات الدولة ورجالها يعلمونها جيداً ولا نحتاج لدافع من الغرب حتى نستطيع أن نقوم بعمل بعض الإجراءات البسيطة لحلحلة الأزمة وإطلاق سراح سجناء محبوسين احتياطياً أو حصلوا على أحكام من محاكم استثنائية قبل قرار وقف حالة الطوارئ، القرار المحترم الذي أشدنا به ونرجو أن يستمر النظام في خطوات عقلانية نحو مجتمع أكثر اتزانا ودولة ديمقراطية تتحمل كلمات مواطنيها.
ربما من كثرة تكرار الفكرة تصبح مبتذلة إلا أنها وإن أصبحت مبتذلة فإنني سأستمر في تكرارها، ألا وهي أن الحرية بلا شك أقوى سلاح ضد الإرهاب. فإن كنا حقاً وطن يبحث عن السلام والاستقرار ويكره الأفكار الظلامية والإرهاب أطلقوا الحريات. وكما استطاعت القيادة المصرية ببراعة حل خلافاتها مع النظام القطري والتركي الذي وصمناهم لسنوات بالإرهاب وبكثير من التهم المرعبة فإننا بلا شك قادرون على حل خلافاتنا الداخلية وإطلاق سراح مئات المواطنين ليعودوا لحياتهم ونعيد حقهم في الحرية لمئات المواطنين اهتموا بحال الوطن وكان لهم وجهة نظر مختلفة مع النظام السياسي.
وما أصعب العودة عن تجربة شخصية، “الدنيا متقلبتش علشان خرجوا شباب من السجن ليلملوا شتات حياتهم ويداووا جراحهم كما قال الكاتب “عبدالله السناوي” في لقائه الإعلامي منذ بضعة أسابيع مع “عمرو أديب”.
خلافات الرأي لا يجب أن تؤدي بأي شكل إلى السجن، مازالت على أمل انتصار العقل وخروج متتال للمحبوسين احتياطيا وقرارات عفو وعدم تصديق على الأحكام الصادرة من المحاكم الاستثنائية، حتى يتم العرس حقاً ونحتفي بإنجازات الدولة في ملف حقوق الإنسان، لابد من خروج العريس والعروسة أولاً من السجن!