أثارت صورة الأنبا يسطس رئيس دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، وهو يحتفل بعيد رسامته أسقفًا، بتقطيع تورتة تحمل صورته وهو حاملا الصليب، الجدل في الشارع القبطي، إذ اعتبرها البعض صورة لا تليق بهيكل الكنيسة المقدس.

 من جانبه، قال أيمن عريان الباحث في الشئون القبطية، إن صورة الأنبا يسطس وهو يقطع تورتة في الكنيسة وعقب صلاة القداس الإلهي، الذى يعد أقدس طقس لدى الأقباط تعكس خللا كبيرا يتمثل في كسر الضوابط الكنسية وانعدام الرقابة عليها.

وحلل عريان تلك الصورة على عدة مستويات، ففي البداية الصورة لمطران وأسقف أي لراهبين اختارا حياة الفقر الاختياري والموت عن العالم ومن ثم فإن الاحتفال بأعياد رهبنتهم وتذكار رسامتهم يعتبر كسرا لقواعد الرهبنة وبدع غريبة على الكنيسة الأرثوذكسية انتشرت في السنوات الأخيرة بين جيل من الأساقفة ولم تكن من التقاليد الكنسية المعمول بها في تاريخ الكنيسة سواء القديم أو المعاصر حتى قبل خمسين عامًا.

وضرب الباحث في الشئون الكنسية المثل بواقعة كان شاهدا عليها مع أحد الكهنة المساعدين للأنبا ميخائيل مطران أسيوط الراحل والذى كان ملقبا بشيخ مطارنة الصعيد حيث أخبره الكاهن أن الكنيسة ترغب في الاحتفال بالعيد الخمسين لرسامته أسقفًا، فما كان من الأسقف إلا أن رفض بشدة مؤكدا إن ما سينفق على الاحتفالية تلك هو حق لفقراء الكنيسة لأنها أموال تبرعات.

وأضاف عريان: تراجع الكاهن عن فكرة الاحتفال تلك ولكنه هنأ الأسقف في نهاية القداس بعيد رسامته، فما كان من الأسقف إلا أن قرر مقاطعته تماما طوال حياته لأن الكاهن قد بالغ في إكرامه وهو ما لا يليق بمبادئ وقيم الرهبنة مضيفًا: لا يمكن القبول باحتفالات كتلك بملابس الخدمة الكنيسة وداخل كنيسة الله المقدسة.

واستكمل عريان: هناك نماذج كثيرة لأساقفة زهدوا الإنفاق والبذخ وعاشوا حياة الفقر الاختياري فهناك الأنبا اثناسيوس مطران بني سويف الراحل الذى رفض شراء سيارة جديدة لأنها تكفي لإطعام آلاف الأسر المسيحية الفقيرة بينما صورة الأسقف والمطران تهز من وقار الكنيسة ومن مبادئ الأبوة الروحية والكنسية.

بينما لفت عريان إلى أن الاحتفاء بمناسبات مثل عيد ميلاد الأسقف أو ذكرى رسامته تجعل الأسقف في مكانة عظيمة يختل بعدها مبدأ المحاسبة الكنسية خاصة وإنه يشغل وظيفة إدارية في الهيراركي الكنسي.

صورة تورتة الأسقف تثير الجدل

أما مارك فليبس الباحث في اللاهوت الأرثوذكسي فقال إن تلك الصورة تعبر عن تعدي سافر على تقليد الكنيسة، فكونه راهبًا، لا ينبغي له الاحتفال بحدث يخص شخصه وهو الذي مات عن العالم وتُليت عليه صلاة الراقدين، مضيفا: وهو كراعي، لا يحق له الاحتفال بترسيمه بطريقة غير مقدسة كما لوكان يحتفل بعيد ميلاد أو ترقية، وهو كمسيحي قبل كل شيء، لا يحل له انتهاك هيبة هيكل الرب وقدسيته، ولكن الحدث يقول لنا شيئًا أعمق مما بدا.

مارك أشار إلى أن هذا المشهد يعبر عن ثلاثة اختلالات كبرى في ثلاثة مفاهيم أساسية، الأولى في مفهوم الكنيسة، فهي جسد المسيح ومستودع الحق وملكوت الرب، وهي أيضا المؤسسة الدينية، التي لها الطابع نفسه كغيرها من المؤسسات التي يحق لرؤسائها الاحتفال بأيامهم المميزة.

الاختلال الثاني، والكلام لمارك، هنا يأتي في رؤية هذا الأسقف لذاته ولأسقفيته ووجوده كراع، كحامل لموهبة الحق والمؤتمن على تدبير الكنيسة كما قال ق. إيرينيئوس، بل والحامل للوضع الكنسي الكامل، “حيثما الأسقف، توجد الكنيسة” كما قال ق. كبريانوس، إلى مجرد رئيس مؤسسة يحتفل بمنصبه.

واستكمل الباحث في اللاهوت: أما الأمر الثالث فقد كان في مفهوم الاحتفال ذاته، فوعي الاحتفال المتمركز حول مذبح المسيح، وهو احتفال شركة، احتفال الأعضاء كلهم، جسد الكنيسة العابر للزمان والمكان، بل وعناصر الخليقة كلها أيضًا، قد استُبدل هنا باحتفال نرجسي أحادي لفرد من الأعضاء بمكانته أو منصبه، فأمام أيقونات الباندوكراطور، الراعي بجلاله ووقاره، و يوحنا السابق، بخشونته وجلده، وأيقونة معمودية الرب باتضاعه، يقطع الأسقف التورتة، في رفاة، ليصنع – في مفارقة موحية – أيقونة مُغايرة عما توحي به تلك التي على حامل الأيقونات.

صورة أرشيفية لمراسم ترسيم الأساقفة في مصر

 كيف تتناقض صورة التورتة مع سمات الأساقفة والمطارنة؟

وفقا لقوانين الكنيسة القبطية، يعد الأسقف من أعلى الرتب الكهنوتية بالمسيحية، وهي كلمة مشتقة من السريانية “أَفِيسْقُوفُو” وباللغة اليونانية “إِپِيسْكُوپُوسْ” أي المُراقب.

والأسقف هو الكاهن المسؤول عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين ويترأس القسوس والقمامصة القائمين على تلك الكنائس. ويتخذ الأسقف عادة الكنيسة الكبرى في الإقليم مقرًا له وتعرف في هذه الحالة بالـ (كاتدرائية). لكل أسقف نطاق لخدمته وتسمى المناطق الواقعة ضمن نطاق خدمة الأسقف بـ الإيباراشية، وتعني (ولاية أو مقاطعة). ويكون الأسقف هو رئيس قساوسة وقمامصة الكنائس الواقعة داخل الإيباراشية التابعة له، أو يترأس ديرا ومجمع رهبانه.

ويوضع في جميع الكنائس كرسي خاص بالأسقف تقديرًا لقامته الدينية، ولأهمية تلك الرتبة الدينية فإنه يتم اختيار الأسقف من بين الرهبان سواء كانوا قساوسة أو قمامصة من المتبتلين بالأديرة. كذلك فإن الكنيسة وضعت الشروط اللازمة لاختيار الأسقف تطبيقا لتعاليم الكتاب المقدس لاختيار من يصلح لهذه الرتبة الكنسية، من بينها أن يكون “صالحًا للتعليم” “غير حديث الإيمان لئلا يتصلَّف”، “له شهادة حسنة من الذين هم من خارج” (1تي2:3-7).

ومن بين صفات الأسقف أيضا أن يكون “ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين” (تي9:1).

كما كان الأسقف في القديم يسمح له بالزواج عملاً بقول الكتاب “يكون بعل امرأة واحدة” (تي6:1)، “يدبر بيته حسنًا، له أولاد في الخضوع بكل وقار، وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته، فكيف يعتني بكنيسة الله؟!” (1تي5،4:3). ثم بالتدريج نمت مسألة البتولية في الأساقفة، حتى صارت عُرفًا متبعًا، حتى أقرتها الكنيسة رسميًا في القرن الرابع، في المجمع المسكوني الأول المنعقد في نيقية سنة 325م.

أما المطران فهو يختلف عن الأسقف في المهام الإدارية فقط “المطران” هي كلمة يونانية مكونة من مقطعين (ميترو) أي “الأم” (بوليتيس) أي “مدينة”، فيكون معناها (صاحب المدينة الأم أو الكبيرة – ميتروبولوتيس)، وهو أسقف ذو رتبة “إدارية” أعلى من مستوى الأسقف.

لكن لا فارق بينهم في المهام الروحية والرعوية المنسوبة للاثنين. المطران هو الأسقف الكبير ذو الأقدمية، وعادة ما يكون أسقف على إيباراشية مهمة، من حيث الحجم، أو التاريخ، أو كلاهما، وفي هذه الحالة يطلق على إيباراشيته لفظ “مطرانية”.