تستعد مدينة الأقصر، خلال الساعات المُقبلة، لحدث سياحي ضخم. هو إعادة افتتاح طريق الكباش بعد عملية تطوير استغرقت سنوات. في تمهيد لإعادة المدينة إلى وضعها السابق، كواحدة من أفضل الوجهات السياحية العالمية.
ويهدف المشروع إلى تحويل مدينة الأقصر إلى أكبر متحف عالمي مفتوح، عن طريق ربط متحف الأقصر بمتحف الكرنك.
الاحتفالية، التي تُحاكي عيد “الأوبت” الفرعوني، ستشهد العديد من الفقرات التي “لا تقل عن روعة احتفالية موكب المومياوات الملكية”. وفق الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار.
تطوير شامل
بالتزامن مع تطوير المناطق الأثرية، تشهد مدينة الأقصر حالة من تحسين المرافق والمنشآت. تهدف إلى تطوير شامل في كل مناحي المدينة، لتصبح بصورة راقية تليق بالمخطط المُعّد لها.
وشملت أعمال التطوير رصف الطرق وزراعة الأشجار. مع الحفاظ على الهوية البصرية للمدينة، حيث تم طلاء واجهات 1500 منزل من أصل 2000 منزل بالمناطق المستهدفة باللون الأصفر، وهو لون المعابد القديمة.
وضمت الأعمال الجديدة، التي يتم تنفيذها، في إنشاء بوابة رئيسية لمعبد الكرنك. تحتوي على مدخل ومخرج للحافلات السياحية، وأماكن تمركز لأفراد الأمن والحراسة. وبرجولات خشبية أمام البازارات السياحية. وتغيير جميع الأرضيات المتهالكة بالساحة الخارجية للمعبد بعمل أرضيات من الخرسانة المطبوعة بالأشكال الحجرية مطعمة بشرائح البازلت الأسود.
وشمل التطوير كذلك إعادة زراعة وتأهيل أحواض الزراعة. وإضافة الزراعات والأشجار المزهرة بالساحة الداخلية المؤدية إلى بهو المعبد. وزراعة أشجار نخيل حول سور الساحة الخارجية لمعبد الكرنك. كما تم تحديد خمس طرق لتشجيرهم، وهم طريق المطار، والكباش، ومعبد الكرنك، والتماسيح، ومكتبة الأقصر، والكومنولث، وميدان الملك عبد الله.
كذلك تم تطوير ميدان النافورة وميدان مدخل المطار. وتنفيذ نافورة المطار ونافورة ميدان الملك عبد الله. كما تم إضافة إنشاء ميدانين آخرين بطريق المطار بالزراعات والإضاءة وطرق الري الحديثة. وتجميل وتزيين ميادين المدينة.
وتشمل عمليات التطوير إقامة معرض للصور النادرة من القرن التاسع عشر في أماكن محددة على طريق المواكب. والتي تروي تاريخ معابد الكرنك والأقصر والطريق الذي يربط بين المعابد، وأهم الاكتشافات الاثرية وصور ومناظر للأعياد والاحتفالات التي كانت تقام في العصور القديمة.
الأقصر
تعددت الأسماء التي أطلقت على الأقصر في تاريخها. أشهرها “مدينة المائة باب”، و”مدينة الشمس”، و”مدينة النور”، و”مدينة الصولجان”. أمّا اسم “الأقصر” -وهو جمع قصر- فقد أطلقه العرب مع بداية الفتح الإسلامي لمصر
ويلفت الباحث الأثري أحمد عامر إلى أن الأقصر مدينة فريدة. انطلقت خلال احتلال الهكسوس لمصر. وكانت مركزًا لقيادة المقاومة. فيما بعد، صارت عاصمة الدولة الحديثة، وشهدت الكثير من الأحداث التاريخية والملوك العِظام.
وتحتوي المدينة على ثلثي آثار العالم. ومن أهم آثارها “معبد الأقصر، مجمع معابد الكرنك، البحيرة المقدّسة، مقابر وادي الملوك والملكات”. وهناك معابد تخليد الذكرى “معبد الرمسيوم، ومعبد مدينة هايو، ومعبد الدير البحري”.
أمّا الكورنيش الجديد، والسوق السياحي، ومركز الاستعلامات السياحي، ومكتبة مصر العامة، ومركز الثقافة. وقاعة فرسان السماء، والمركز الحضاري للمرأة، والبيت النوبي، ونزل الشباب الدولي. ومركز إعداد القادة، ومدينة القرنة الجديدة. فهي من المعالم الحديثة للمدينة التي شملها التطوير الأخير.
ويوّضح عامر، أنه على عكس مباني الدولة القديمة، مثل الأهرام، والتي أغلبها كانت جنائزية أو مقابر. تترك الأقصر صورة حياة كاملة عن الدولة المصرية في عصر الأسرة الحديثة، بمعابدها والطرق التي تم اكتشافها. حيث تضم المدينة المقبرة الكاملة للفرعون الذهبي توت عنخ آمون، ومقابر وادي الملوك على البر الغربي.
ويُشير عامر إلى أن عودة الأقصر كوجهة سياحية عالمية لا ينقصه سوى تسليط الضوء على معالم التطوير التي ترشحها بقوة لأن تكون أكبر متحف مفتوح في العالم. حسب تأكيده.
طريق الكباش
أمّا طريق الكباش، الذي تستعد الدولة لإعادة افتتاحه بحدث ضخم. فيبلغ إجمالي أطواله 2700 مترًا. بين معبدي الكرنك والأقصر مرورًا بمعبد موت. ويتكون من رصيف من الحجر الرملي، الذي تتراص على جانبيه تماثيل لأحد الرموز المقدسة للإله آمون. وهي على هيئة أبو الهول برأس كبش.
تم تشييد هذا الجزء من الطريق في المسافة بين الصرح العاشر بالكرنك حتى بوابة معبد موت خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة. ثم قام الملك نختنبو الأول -من ملوك الأسرة الثلاثين- بتشييد الجزء المتبقي من الطريق، الذي تتراص على جانبيه تماثيل على هيئة أبو الهول برأس آدمية.
وتتخلل قواعد التماثيل أحواض زهور دائرية مزودة بقنوات صغيرة، استخدمت في توصيل مياه الري للأحواض. أضيف للطريف بعض الملحقات في عصور مختلفة. مثل استراحات للزوارق، ومقياس للنيل، ومعاصر للنبيذ المستخدم في الاحتفالات الكبرى التي كانت تقام على الطريق. وحمامات وأحواض اغتسال، ومنطقة تصنيع فخار، ومخازن لحفظ أواني النبيذ.
الوجهة المُفضّلة
لم تشهد الأقصر هذا الإقبال الكثيف من السائحين منذ 10 سنوات. فالفنادق تكاد تكون محجوزة بنسبة 100%، ويمتد الحجر لشهر ونصف تقريباً. حيث أثّر العقد السابق، بما شهده من أحداث، في تراجع الدور السياحي للمدينة. خاصة العامين الماضيين، اللذان شهدا تفشي فيروس كورونا، وتوقف الحركة في كافة دول العالم.
ويلفت النائب تامر عبد القادر، أمين سر لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب. إلى أن الفترة الماضية شهدت مجهودًا ضخمًا لتطوير المدينة والآثار الموجودة بها. قاده الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار، والدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار.
وقال لـ “مصر 360”: نتيجة لهذه الجهود وأعمال التطوير، أعلنت عدة دول أوروبية عن عزمها توجيه رحلاتها السياحية إلى مدينة الأقصر. بعد أن شهدت السياحة العالمية فترة توقف إجبارية بسبب انتشار فيروس كورونا.
يًضيف: إعلان هذه الدول، وعلى رأسها بريطانيا، أن الأقصر وجهة سياحية مُفضّلة، إنما هو اعتراف بحالة الأمن والاستقرار التي تشهدها البلاد. وكذلك اعتراف بالمجهود الكبير الذي تم بذله.
ولفت عبد القادر إلى أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى تعاون القائمين على هيئة تنشيط السياحة مع المجلس الأعلى للآثار “يجب إظهار المجهود الضخم الذي قام به الأثريون والعاملون بمحافظة الأقصر. لذلك يجب توجيه السياحة الداخلية إليها. مع إبراز أهم الاكتشافات الجديدة للدول العازمة على إرسال سائحيها إلينا”.
هناك المزيد
يُشير عبد الناصر أحمد، مدير عام ترميم آثار مصر العليا السابق، إلى أن الدولة تسعى لجعل الأقصر مدينة ذات طراز عالمي. يليق بما تحتويه من كنوز تم اكتشافها ولا زالت تحت الاكتشاف حتى الآن. حيث تسعى لجعل المدينة متحفا عالميا مفتوحا.
ويلفت عبد الناصر، المقيم بالمدينة، إلى أن شوارع الأقصر ومرافقها الحيوية شهدت تغيرات كبرى. تواكب الجهد الذي يتم بذله على المستوى الأثري “كنا نعمل في المعابد وطريق الكباش. بينما يتم إعداد المدينة لتُصبح في أبهى صورة عند انتهاء العمل”.
ويؤكد الأثري، الذي عمل في ترميم طريق الكباش منذ عام 1999. وكان واحدًا ممن أداروا عمليات الترميم الأخيرة حتى شهرين سابقين. أن عمليات التصوير والتوثيق التي تُصاحب عمليات الترميم والتطوير توضح الفارق الكبير الذي صارت إليه المدينة. رغم توقف أعمال التطوير التي بدأت منذ عام 2009 في السنوات التي تلت ثورة يناير 2011. ثم تم استئنافها مع تولي الدكتور خالد العناني حقيبة الآثار.
يقول: “في بداية العمل، وكنت وقتها أقود فريق الترميم. كانت أغلب القطع المكتشفة في حالة ضعيفة، ولجودها تحت الأرض لفترة طويلة. كانت المدينة وقتها تُعاني من عدم وجود نظام للصرف الصحي، مع تفشي المياه الجوفية في المناطق الأثرية. الآن تمت معالجة هذه الأمور كلها للحفاظ على الآثار التي لا نزلنا نكتشفها”.
تابع: لازالت الأقصر ستذهل العالم. لأن عمليات التطوير والترميم الجارية تكشف المزيد من الكنوز. مثلما اكتشفنا المدينة الذهبية ومقبرة صانع الذهب”.