مع تزايد قضايا الحبس والاتهام بنشر أخبار كاذبة لعدد من الصحفيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، توالت المطالبات بضرورة إقرار قانون حرية تداول المعلومات، ذلك القانون الذي أصبح كالشبح تطل المطالبة به من وقت لآخر، دون نتائج حقيقة تتيح للصحفيين وغيرهم فرصة للحصول على معلومات صحيحة دون المساس بأمانهم الشخصي.

وكانت آخر الأخبار التي نشرت عن مصير قانون حرية تداول المعلومات ما نشر في سبتمبر من العام الماضي، حيث كشف الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن القانون سيرى النور قريبًا خلال دور الانعقاد المقبل لمجلس النواب.

اقرأ ايضًا: “السما أحلى من الأرض”.. سارة حجازي تستسلم لخيبات الأمل

حرية تداول المعلومات

والحق فــي تداول المعلومات من أهم الحقـوق التي ضمنتها تشريعات حقوق الإنسان، وتنص المادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: “لكـلِّ شـخص حـقُّ التمتُّـع بحرِّيـة الـرأي والتعبيـر، ويشـمل هـذا الحـقُّ حرِّيتـه فـي اعتنـــاق الآراء دون مضـــايقة، وفـــي التمـــاس الأنبـــاء والأفكـــار وتلقِّيهـــا ونقلهـــا إلـــى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.

وتم الاعتراف بالحق في حرية المعلومات باعتبارها حقًا أساسيًا في الجلسة الأولى للجمعية العمومية للأمم المتحدة من خلال القرار رقم59 لسنة 1946، الذي نص على أن حرية الوصول للمعلومات حق إنساني، أساسي، ومعيار كافة الحريات التي من أجلها تم تكريس الأمم المتحدة.

منذ هذا الاعتراف، وبدأ عدد من الدول في إصدار قانون حرية تداول المعلومات، وكانت أولى البلاد العربية إقرارًا لهذا لقانون والعمل به الأردن عام 2007 ومن ثم أقرته البحرين عام 2012.

القانون ورؤساء مصر

في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، طالب الصحفيين بضرورة وضع قانون يتيح المعلومات للصحفيين، خاصة مع تزايد أعداد الصحفيين المحبوسين في قضايا النشر، وبالفعل أعدت نقابة الصحفيين مسودة تحمل مجموعة من القوانين تنظم وتتيح المعلومات للصحافة والإعلام لكن دون جدوى.

ومع وجود الرئيس الراحل أنور السادات في سدة الحكم، زاد صدامه مع الصحفيين، الذي بدوره حول نقابة الصحفيين إلى ناد للصحافة، وهو ما اعترضت عليه النقابة برئاسة كامل الزهيري، لحماية دور النقابة المهني وانتصرت في الحفاظ على كيانها كنقابة وليس ناديًا.

ونص دستور 1971 على بعض النصوص التي تحمي حرية تداول المعلومات بطريقة غير مباشرة، من خلال الحماية المكفولة لحرية الرأي والتعبير في الدستور المصري حينها، والتي كان منصوص عليها في المادة 47، وأحيانا بطريقة مباشرة ولكن بتخصيص الحرية لطائفة معينة، كما كانت الحال بالنسبة للصحفيين الذين كفل لهم الحق في الحصول على المعلومات بموجب المادة 210.

ونص دستور 1971 في المادة 47 منه على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضامن لسلامة البناء الوطني”.

كذلك نصت المادة 210 من دستور 1971 على أن” للصحفيين حق الحصول على الأنباء والمعلومات طبقًا للأوضاع التي يحددها القانون ولا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون”.

ورغم مواد الدستور إلا أن قضايا النشر كانت تلاحق الصحفيين من وقت لآخر، وفي عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، أعلنت حكومة أحمد نظيف عام 2008 عن صياغة مشروع قانون الإفصاح وتداول المعلومات في مؤتمر كبير بمكتبة الإسكندرية نظمه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بالتعاون مع وزارة الدولة للتنمية الإدارية.

وبالفعل بدأ البرلمان في مناقشة مشروع القانون وأقر وقتئذ فكرة الإتاحة واعتبر الوصول إلى المعلومات حق أصيل للصحفي والمواطن، ففرض عقوبات متدرجة على الموظفين الممتنعين عن إنفاذ القانون وإتاحة المعلومات لطالبيها، فيما اعتبر الإفصاح والإفراج عن وثائق الأمن القومي عائدة لأجهزتها على أن تتاح الوثائق التاريخية والسياسية للباحثين بعد مرور 20 عاما كما هو معمول به في البلدان الديمقراطية.

لكن الأمر ظل دون تنفيذ واختفى تماماً حتى ثورة الـــ25 من يناير، التي من بعدها طالبت العديد من الجهات بضرورة إعداد قانون يتيح تداول المعلومات للمواطنين وخاصة للصحافة والإعلام.

 

اقرأ ايضًا: “البشرة السمراء” بالسينما المصرية.. الإبداع في خدمة العنصرية

 

 عقب ثورة يناير 

جاءت المحاولة الأولى لإصدار قانون تداول المعلومات بعد ثورة 25 يناير من جانب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ومجموعة من منظمات المجتمع المدني وبعض الأكاديميين والصحفيين.

وعقدت ما يطلق عليها “مجموعة عمل قانون حرية المعلومات” عدة اجتماعات في صيف 2011، وفي في النصف الأول من عام 2012، أعلن عن إصدار مسودة قانون تداول المعلومات باعتبار ذلك استكمالا لجهود هذه المجموعة في الإعداد لمشروع القانون، بينما كان هناك في نفس الفترة مشروع آخر توصلت له وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع وزارة العدل.

حاول البرلمان آنذاك مناقشة المشروعات المقدمة من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، ولكن لم تنجح المحاولة وتم حل البرلمان لاحقا في يونيو 2012.

وفي يناير 2013 أصدرت وزارة العدل مسودة أولية عن القانون، تم عرضها على مجموعة من الإعلاميين وأساتذة الجامعات وممثل عن المجلس الأعلى للصحافة ونقيب الصحفيين.

قامت وزارة العدل بعد ذلك بدعوة منظمات المجتمع المدني ومجموعة الأكاديميين الذين أعدوا مشروعا لقانون تداول المعلومات، وتم الخلاف عليه من قبل منظمات المجتمع المدني التي كانت معترضة على بعض المواد المطروحة.

وفي نوفمبر 2013، أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن مسودة أعدتها لقانون تداول المعلومات، وقالت إنها ستعرض على مجلس الوزراء، ثم ترسل لرئيس الجمهورية المؤقت ﻹقرارها، وفي يناير 2015، أعلنت لجنة الإصلاح التشريعي التي شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسي أنها تناقش مسودة لقانون تداول المعلومات.

وبالتزامن مع بدء الأعلى للإعلام في العمل على مشروع قانون لتداول المعلومات، شكلت لجنة عام 2017 ضمت أعضاء من المجلس الأعلى للإعلام، ووزير الثقافة حينها عماد أبو غازي، وأستاذة علم الاجتماع هدى زكريا (مقررة اللجنة)، وأعضاء من مجلس نقابة الصحفيين، وغيرهم من الممثلين في اللجنة.

اقرأ ايضًا: الشرطة واستهداف الأمريكيين الأفارقة.. من لم يمت خنقًا مات بالرصاص  

في عباءة البرلمان

“القانون الآن في عباءة البرلمان، منذ المسودة التي قدمتها اللجنة التي شكلها المجلس الأعلى للإعلام ولا نعلم مصيره”، هكذا وصفت الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع مصير قانون حرية تداول المعلومات.

وأضافت، “أن اللجنة عملت على وضع مجموعة من القوانين التي تتيح للمواطنين تداول المعلومات وخصوصًا للصحافة والإعلام مع الحفاظ على الأمن القومي، كل هذا طُرح بمواد القانون الذي شارك فيه عدد كبير من الشخصيات الهامة، وفي نهاية الأمر عرضت المسودة على البرلمان ومن وقتها لم نعلم مصيره”.

وأكدت أن إقرار القانون سينظم حالة الإعلام والصحافة في مصر ويقلل من الشائعات والفساد، وسيحفظ حق الصحفيين في الوصول إلى معلومات صحيحة ودقيقة.

إعداد مسودة

أما كارم محمود عضو لجنة التشريعات بمجلس نقابة الصحفيين السابق قال، “خلال وجود المجلس السابق قام بإعداد مسودة أرسلت مرتين للحكومة والبرلمان على أمل أن يظهر للنور”.

وأضاف “أن 4 سنوات كانت كفيلة للنظر في تلك المسودة، ومعرفة مصير القانون الذي لم يعلم أحد مصيره حتى الآن”، مؤكدًا على أنه في ظل التشريعات التي وضعت للصحافة والإعلام مؤخرًا، كان يجب أن يصدر قانون تداول حرية المعلومات لينظم المشهد الصحفي والإعلامي بمصر، ويضمن حق الصحفيين في الحصول على المعلومة الصحيحة والدقيقة.

فيما رأى المحامي الحقوقي طاهر أبو النصر ضرورة ملحة لخروج قانون حرية تداول المعلومات، وأكد على ضرورة وجود مواد قانونية تنظم وتتيح تداول المعلومات لا تحجمها أو تعوقها، كما أشار إلى أن تداول المعلومات لابد أن يكون حق يكفله القانون لكل المواطنين ولسي الصحفيين أو فئة بعينها فقط.

من جانبه أكد إيهاب الطماوي وكيل اللجنة التشريعية بمجلس النواب “أن القانون أصبح من مسؤولية لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومن جانبنا حاولنا التواصل مع أحمد بدوي رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات دون رد”.