ما تزال تونس تتعافى من أزماتها الاقتصادية والسياسية التي تقع تحت وطأتها. وقد بلغت ذروتها مع لحظة إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءاته الدستورية الاستثنائية، في 25 تموز (يوليو) الماضي. ومع افتتاح الرئيس التونسي أعمال المجلس الوزاري، مطلع الأسبوع، أعلنت الحكومة برئاسة نجلاء بودن تنفيذ حزمة إجراءات اقتصادية. من بينها إقرار قانون التصالح مع رجال الأعمال، فضلاً عن بدء المحادثات التقنية مع صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم.
بيد أن ثمة إشكاليات جمة ترافق الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يقودها سعيد وحكومة بودن. فالاتحاد التونسي للشغل في تونس يقف على النقيض من موقف الحكومة باتجاه الحصول على الدعم من صندوق النقد. إذ ترفض المنظمة النقابية اشتراطات الصندوق والمتمثلة في خفض كتلة الأجور ورفع الدعم.
وبحسب الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي فإن الاتحاد “لن يدعم أي خيارات تمس من قوت الشعب التونسي أو تضرب القطاع العام أو الاستحقاقات الوطنية”.
نهاية الأسبوع الماضي، أعلن الناطق الرسمي بلسان صندوق النقد الدولي جيري رايس، عن وصول رسالة رسمية من الحكومة تحثه على المساعدة. وبحث إمكانية إطلاق برنامج تمويل جديد. وتابع: “المباحثات سترتكز على تحديد الأولويات الاقتصادية والإصلاحات التي يجب تنفيذها لتجاوز الأزمة الحالية التي تشهدها تونس”.
ولفت الناطق بلسان صندوق النقد إلى أن توقف نشاط البرلمان إلى أجل غير مسمى وغموض المستقبل السياسي. وغياب برنامج اقتصادي واجتماعي أو خطة للتعامل مع عجز ميزانية الدولة ومع مشكل الأجور سيصعب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
محادثات صندوق النقد الدولي
واللافت أن البنك المركزي التونسي، أوضح، مطلع الأسبوع، أن الحكومة شرعت في استئناف محادثاتها التقنية مع صندوق النقد الدولي. للوصول إلى حزمة إجراءات اقتصادية إصلاحية بهدف “إنقاذ” الوضع المتداعي، مشدداً في بيان على أن الخطوة الإجرائية الأخيرة. إنما تأتي بتوصية من رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وتابع: “التقى وفد صندوق النقد الدولي التقى مع محافظه مروان العباسي مؤخرا لبحث الإصلاحات الاقتصادية والدعم الدولي”.
وفيما يتصل بالوضع السياسي المأزوم، والذي يتحرى الخروج من تداعيات حالة الاستقطاب القصوى التي تشكلت بفعل سياسة حركة النهضة وسيطرتها على البرلمان. بينما دخلت في خصومة مع مؤسسات الدولة، ومن بينها الرئاسة، يضغط الاتحاد التونسي بهدف الانتهاء من الإجراءات الاستثنائية الأخيرة. وصياغة رؤية تامة ونهائية بخصوص المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وقال الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل في تونس، محمد علي بوغديري، إن تونس تشهد فترة انتقالية استثنائية لكنها تنطبق مع الدستور. وأردف: “أن ما أقدم عليه الرئيس التونسي في 25 يوليو الماضي في إطار الدستور ويواصل فيه في ظل الخطر الذي يداهم الشعب والبلاد”.
كما أوضح الأمين العام المساعد للاتحاد أن “الفترة الانتقالية ستنتهي وسنجد أنفسنا في إطار المؤسسات الدستورية. وستكون هناك انتخابات قادمة وعودة للحياة الطبيعية ولكن لا عودة لما قبل 25 يوليو/تموز”.
انتخابات تشريعية مبكرة
وطالب الاتحاد إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، بعد تعديل القانون الانتخابي للخروج مما وصفه “بالأزمة السياسية”. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية في تونس عن المتحدث باسم الاتحاد التونسي للشغل سامي الطاهري قوله إن “الخروج من الأزمة السياسية الحالية يتطلب تعديل القانون الانتخابي والمرور إلى انتخابات تشريعية مبكرة”.
وأضاف: “المرحلة القادمة سوف تكون من أصعب المحن ليس فقط بالنسبة للاتحاد كمنظمة وطنية واجتماعية. ولكن بالنسبة لكافة الأطراف الفاعلة في البلاد في ظل ما تشهده من غياب للاستقرار السياسي وغموض على المستوى الاقتصادي والمالي”.
وعقّبت الحكومة التونسية على موقف الاتحاد ببيان أكدت فيه على أن “نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل أكد على دعم الاتحاد للحكومة في هذه المرحلة التاريخية”. ولفتت إلى أن الطبوبي قد شدد على “أهمية العمل التشاركي بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل في سبيل المصلحة الوطنية”.
وبدوره، كشف سعيد عن وضع جدول زمني لجهة إصلاح النظام السياسي، وتهدئة المعارضة المتزايدة لقراراته، لكن من دون ذكر موعد محدد.
إذاً، المطلوب من الحكومة الحالية ورئيس الدولة أن يشرع في إتخاذ إجراءات وقرارات اقتصادية استثنائية. وذلك على غرار القرارات السياسية الاستثنائية التي حدثت في 25 تموز (يوليو) الماضي، حسبما يرى زهير حمدي أمين عام التيار الشعبي في تونس، بهدف إنقاذ الاقتصاد المنهار والمالية العمومية للدولة.
إجراءات عاجلة
ويوضح حمدي في حديثه لـ”مصر 360″، أن على رأس هذه الإجراءات المطلوبة معالجة عجز الميزان التجاري. وذلك من خلال وقف التوريد العشوائي لبعض السلع غير الضرورية، خاصة من الاتحاد الأوروبي وتركيا، والتي نسجل معهما عجز هائل، يصل حوالي 21 مليار دينار. ولافتا إلى أن “اتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي في بنودها المتعلقة بالحماية، وخاصة اتفاقية المنظمة العالمية للتجارة، سيخفف من انزلاق الدينار وينعش الصناعات الوطنية التي تصحرت نتيجة التوريد غير الرشيد. كذلك بالإمكان مراجعة قانون البنك المركزي حتى يتسنى له تمويل خزينة الدولة عوض البنوك التجارية بنسب فاىدة مشطة”.
وعليه، فإن الإصلاح الضريبي مهم لتعبئة موارد مالية هامة لميزانية الدولة التي تعاني من عجز كبير نتيجة التهرب الضريبي والفساد المستشري. وفقا لأمين عام التيار الشعبي بتونس، مضيفا أن “تغيير العملة أحد الحلول لضخ كتلة النقد المتداولة في السوق الموازية في الجهاز البنكي بحوالي 17 مليار دينار”.
ويردف: “الأهم من كل هذا مراجعة علاقات تونس مع شركائها التقليديين خاصة الاتحاد الأوروبي الذي كلف الاقتصاد الوطني خسائر فادحة. نتيجة عدم تكافؤ المبادلات بين الطرفين وتدمير النسيج الصناعي الوطني وفقدان 400 ألف موطن شغل، وغلق 10 آلاف مؤسسة صناعية، فضلا عن خسارة 40 مليار دينار كرسوم جمركية منذ توقيع إتفاق الشراكة”.
تونس والبحث عن شركاء جدد
وفي المقابل، لابد من البحث عن شركاء جدد ضمن البلدان الصاعدة، لا سيما دول البريكس. وأساسا الصين لما توفره من إمكانيات هائلة خاصة في الاستثمار وكذا البنية التحتية دون شروط أو تبعية، بحسب المصدر ذاته. حيث تحتاج تونس إلى مشاريع كبرى تغير البنية الاقتصادية، وتحدث انتعاشة اقتصادية على غرار ما يحدث في مصر.
ويختتم: “فالقرارات الاقتصادية هي أهم ضمانة لنجاح المسار السياسي والحفاظ على الوضع الاجتماعي والاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية. كما أن الأفق السياسي يحتاج إلى رؤية وخارطة طريق واضحة المعالم تنتهي بانتخابات سابقة لأوانها. وتبدأ بالمحاسبة لكل رموز الفساد والإرهاب لتطوير الحياة السياسية وتنقيتها من مافيا الفساد والإرهاب من إخوان والمافيا المرتبطة بها سياسيا وماليا. فالمحاسبة تليها إصلاح المنظومة الانتخابية لقطع الطريق أمام عودة الفاسدين والارهابيين وإقامة حياة سياسية سليمة. ثم نحتاج إلى إصلاح النظام السياسي الذي عانى من نظام صيغ على مقاس مجاميع ما يسمى بالربيع العربي بتونس، فيها سلطة تنفيذية مشتتة ومقسمة ومشلولة ودولة عاجزة عن التقدم”.
القرارات الاقتصادية هي أهم ضمانة لنجاح المسار السياسي والحفاظ على الوضع الاجتماعي والاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية. كما أن الأفق السياسي يحتاج إلى رؤية وخارطة طريق واضحة المعالم تنتهي بانتخابات سابقة لأوانها
وإلى ذلك، طالبت الولايات المتحدة الحكومة التونسية بضرورة اتخاذ إجراءات حيال مجموعة الإصلاحات الهيكلية اللازمة. لوضع الاقتصاد التونسي والمالية العمومية على مسار مستدام. وخلال زيارة نائب مساعد وزير الخزانة المكلف بأفريقيا والشرق الأوسط إريك ماير، تونس، ولقاء الأخير بمسؤولين حكوميين. من بينهم وزيرة المالية سهام البوغديري، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، فقد طالب ماير بضرورة “اتخاذ تلك الإجراءات الإصلاحية بهدف تدشين أسس النمو وخلق مواطن شغل تتيح فرصا لجميع التونسيين”.
دعم الشركاء الدوليين
وبحسب بيان، نشرته السفارة الأمريكية في تونس، فإن تنفيذ هذه الإصلاحات يمثل أيضا الأساس. لاستمرار الدعم الاقتصادي القوي من قبل شركاء تونس الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ونقل بيان السفارة عن ماير أنه “من الضروري أن تتصدى تونس بشكل عاجل لهذه التحديات لتجنب المزيد من التدهور في ماليتها العمومية وفي اقتصادها”. كما أشار ماير إلى أهمية استمرار “الحوار الاقتصادي البناء ومشاركة الأطراف التونسية الفاعلة، والمؤسسات المالية الدولية، وشركاء تونس بما في ذلك الولايات المتحدة”.
كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، عن اتصال هاتقي بين أنتوني بلينكن والرئيس التونسي قيس سعيد. وأوضحت الخارجية الأمريكية، في بيان، أن “بلينكن دعا إلى عملية إصلاح تتسم بالشفافية والشمول. لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهائلة في تونس وتلبية طموحات شعبها في استمرار التقدم الديمقراطي”.
وقال سعيد إن الدستور التونسي “لم يعلق بل تم تجميد عضوية أعضاء المجلس النيابي إلى حين زوال الخطر”.
وأشار بيان الرئاسة التونسية إلى أن بلينكن، قد أبلغ الرئيس التونسي بأن واشنطن ستواصل دعمها لتونس عندما يتم الإعلان عن مواعيد للإصلاحات السياسية. وبالتبعية أكد سعيد على أنه بصدد وضع جدول زمني لتنظيم إدخال الإصلاحات على النظام السياسي بما يستجيب لمطالب التونسيين.