تكشف حركة الصادرات المصرية خلال السنوات الأخيرة الأهمية الكبرى للسوق المشتركة لدول شرق وجنوب القارة الأفريقية «الكوميسا». إذا ما وضعنا في الاعتبار مستهدفات الحكومة المصرية، لتحقيق خطة الـ 100 مليار دولار صادرات. خاصة في ظل الإعفاءات الكبيرة التي تجمع بين الدول الأعضاء والأفضلية السعرية للمنتج المصري.
تسلمت مصر، الثلاثاء، رئاسة قمة السوق المشتركة بعد غياب قرابة 20 عامًا. وأعلنت عن خطة العمل الاستراتيجية متوسطة المدى تمتد إلى عام 2025. وهي تهدف إلى تعميق الاندماج الاقتصادي والتكامل الإقليمي والتنمية المشتركة ما بين دول التجمع، الذي يناهز عدد سكانه نحو 583 مليون نسمة.
تاريخ الكوميسا
تمّ إنشاء «الكوميسا» ديسمبر عام 1994 خلفًا لمنطقة التجارة التفضيلية التي بدأت عام 1981. وتستضيف العاصمة الزامبية لوساكا مقر سكرتارية المنظمة التي تضم 21 دولة. هي: الكونغو الديمقراطية، وجزر القمر، وبوروندي، وإريتريا، ومصر، وجيبوتي، وكينيا، وإثيوبيا، وسوازيلاند، ومالاوي، ومدغشقر، وليبيا، وسيشيل، ورواندا، وموريشيوس، وتونس، والسودان، والصومال، وزيمبابوي، وزامبيا، وأوغندا.
وقد وقعت مصر على اتفاقية السوق المشتركة في يونيو 1998. وبدأت تطبيق الإعفاءات الجمركية على الواردات من باقي الدول الأعضاء اعتبارًا من فبراير 1999. وذلك على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، وللسلع التي يصاحبها شهادة منشأ معتمدة من الجهات المعنية بكل دولة.
وساهمت مصر بالنسبة الأكبر في التجارة البينية مع دول الكوميسا. ذلك بنسبة تصل إلى 24.1% خلال الفترة من 2004 وحتى 2013. إذ تبلغ قيمة صادراتها 16.4 مليار جنيه، تليها كينيا بنسبة 18.6% لتبلغ 12.6 مليار جنيه، ثم زامبيا ثالثًا بنسبة 18.2% بقيمة صادرات تنصل إلى 12.4 مليار جنيه. بينما تأتي الكونغو رابعًا بنسبة 17.5% لتبلغ 11.9 مليار جنيه.
وبالنسبة للدول المستوردة في منطقة الكوميسا، فتأتي زامبيا في المرتبة الأولى بنسبة 25.4% لتبلغ 19.3 مليار جنيه. وتليها الكونغو الديمقراطية بنسبة 18.2% لتصل إلى 13.8 مليار جنيه، ثم ليبيا بنسبة 12.7% لتصل إلى 9.7 مليار جنيه. وأخيرًا كينيا بنسبة 6.5% لتبلغ 4.9 مليار جنيه.
نمور الكوميسا الاقتصادية الصاعدة
يضم هذا التجمع التجاري في أفريقيا نمورًا اقتصادية صاعدة. خاصة كينيا التي يتوقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصادها خلال العام الحالي بمعدل 6.3% على المدى المتوسط. وهي تحتل ثالث أكبر اقتصاد في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. ذلك بعد كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا، بناتج محلي إجمالي يبلغ 66 مليار دولار.
وقد استغلت مصر دول التجمع وعقدت المجموعة الاقتصادية اجتماعات مكثفة مع الحضور لفتح مجالات أوسع أمام الصادرات المصرية. بينما أكد وزير التجارة الزامبي أن المستثمرين المصريين لديهم فرصة كبيرة لتلبية احتياجات السوق الزامبية. خاصة لما يتمتع به المنتج المصري من مزايا تنافسية كبيرة وقبول لدى المستهلكين في بلاده.
وتعتبر زامبيا ثاني أكبر منتج للنحاس والكوبالت في القارة، ومن الدول القوية اقتصاديًا بها. لكنها تأثرت بأزمة كورونا التي رفعت معها التضخم إلى 22%. ويمثل سعر المنتجات المصرية الرخيص نسبيًا فرصة جيدة للمستهلكين بها.
كيف استفادت مصر من الكوميسا؟
وتراهن مصر على تلك السوق في زيادة حجم صادراتها للخارج. خاصة أن لديها مستهدفات للوصول بها إلى 100 مليار دولار. فحجم تجارة تلك الدول في السلع مع العالم يصل إلى 324 مليار دولار، وإجمالي الناتج المحلي الإجمالي 805 مليارات دولار.
وعززت البنوك المصرية من فتح فروع تمثيل لها من أجل تقديم خدمات فتح الاعتمادات المستندية الخاصة بالاستيراد والتصدير. فالبنك التجاري الدولي أتم قبل عام الاستحواذ على نسبة حاكمة في أحد البنوك العاملة بكينيا. كما يعتزم بنك القاهرة فتح مكتبي تمثيل له في تنزانيا وكينيا، كما أعاد هيكلة فرع البنك بأوغندا.
اقرأ أيضًا: طموح ملتهب: عودة مصر إلى القيادة الإقليمية وكيف يجب أن تستجيب أوروبا
بحسب تصريحات نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة، الثلاثاء، فإن مصر ساهمت بالنصيب الأكبر في حجم تجارة التجمع البينية خلال عام 2020 بإجمالي 2.7 مليار دولار. واستحوذت أيضًا على نسبة 20% من حجم الصادرات داخل الكوميسا. ذلك بإجمالي 2 مليار دولار. في حين بلغت وارداتها من التجمع 700 مليون دولار.
وبلغ حجم تجارة الكوميسا مع العالم الخارجي خلال الفترة من 2004 حتى 2013 نحو 201 مليار دولار في المتوسط. لتبلغ 248.5 مليار دولار في 2013 مقارنة بنحو 86.7 مليار في 2004، بزيادة 201%، حسب دراسة المجلة العربية للإدارة في ديسمبر 2017.
وبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي للكوميسا 5.6% خلال عام 2019. إلا أن هذا المعدل شهد تراجعًا كبيرًا خلال عام 2020 بسبب تبعات جائحة كورونا على معظم اقتصادات الدول الأعضاء. ومع ذلك، فإن صندوق النقد الدولي يؤكد أن متوسط معدل النمو الاقتصادي في تجمع الكوميسا سينتعش ليصل إلى 4.3% خلال العام الجاري، وإلى 6% خلال عام 2022.
رؤية مصر لتحول الكوميسا للاقتصاد الرقمي
عُقدت القمة، التي استضافتها مصر، الثلاثاء، تحت شعار «تعزيز القدرة على الصمود من خلال التكامل الرقمي الاقتصادي الاستراتيجي». بهدف تشجيع استخدام أدوات الاقتصاد الرقمي لتيسير ممارسة الأعمال داخل التجمع. إلى جانب تعزيز قدرة الدول الأعضاء على الصمود لمواجهة التداعيات السلبية لجائحة كورونا على اقتصاداتها.
لدى مصر تجربة حاليًا في الشمول المالي، يمكن نقلها لدول إفريقيا في مواجهة الاقتصاد غير الرسمي ورقمنة المعاملات المالية وتعزيز التجارة الإلكترونية. ما يجعل الشركات المصرية العاملة في ذلك المجال أمام فرصة لتوسيع نشاطها في القارة. خاصة أن بعضها يمتلك بنية تحتية قوية ككينيا، التي تؤكد الدراسات أن 87.2% من سكانها متصلون بالإنترنت.
وقد قدمت مصر رؤيتها الخاصة لرئاسة المنظمة. وهي تتضمن تشجيع الأعمال بمفهومها الشامل للأعمال التجارية والاستثمارية والإنتاجية -سيسهم ذلك بشكل كبير في تسريع وتيرة التعافي بعد كورونا.
واقترحت القاهرة أيضًا وضع آلية لمراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء، بشكل دوري. وهو الأمر الذي يسهم في مشاركة الدول بفعالية لتطبيق الامتيازات الجمركية. إلى جانب تعزيز زيادة الإنتاجية والتعاون في القطاعات التصنيعية المختلفة. فضلاً عن الاستفادة من الموارد المتاحة لدول الإقليم وقدرتها التنافسية في زيادة الإنتاج الصناع.
وتريد مصر الحفاظ على مكانتها كلاعب أول في التصدير، بعدما نشطت الشركات المصرية بفتح فروع لها. خاصة شركات الألمونيوم والأدوات المنزلية والآلات الكهربائية. الأمر الذي أعطى السلع الصناعية المصرية مركزًا تنافسيًا أفضل في أسواق هذه الدول.
خطوات مصرية للحفاظ على الصدارة التصديرية
واستثمرت الشركات المصرية خبرتها في قطاع المقاولات لتصبح لاعبًا تطوير البنية الأساسية لمعظم دول المجموعة. حتى أن شركة المقاولون العرب المصرية العام الماضي فازت بلقب أفضل شركة مقاولات في أوغندا، بعدما تجاوز حجم أعمالها 200 مليون دولار في العديد من المشروعات. ومن بينها مشروعات الطرق، كطريق باليسا كامنكولى وطريق مساكا بوكاكاتا، و طريق باليسا كومى، وكذلك إنشاء وإعادة تأهيل مستشفى كايونجا.
ونفذت الشركة أيضًا مشروع إعادة تأهيل طريق آجريماريم – يابللو بأثيوبيا، والذي يبلغ طوله 95.5 كيلو متر ويربط بين مدينتي أديس أبابا عاصمة إثيوبيا، ومومباسا ثاني أكبر مدن كينيا وميناؤها الرئيسي. ويعد المشروع جزءًا من الطريق بين القاهرة وكيب تاون بجنوب أفريقيا. والذي تبلغ تكلفته حوالي 55 مليون دولار. إلى جانب مشروع سفارة مصر بلوساكا – زامبيا.
وتبدي دول التجمع رغبتها في شراكة مصرية لإقامة مزارع نموذجية، تتراوح مساحتها ما بين 2000 و20 ألف فدان، تتوافر بها البنية الأساسية للزراعة وموارد المياه. ويمكن لهذه المزارع أن تستوعب أعداد كبيرة من العمالة المصرية. كما يمكن أن تمثل مصدر رخيص لواردات مصر الزراعية، في ظل ضعف العملات الأفريقية.
وبحسب وزارة التجارة والصناعة في مصر، فإن أهم قائمة الصادرات المصرية تتضمن: مواد البناء مثل الحديد و الصلب، والإسمنت، المنتجات الكيماوية والدوائية. وأهمها الورق والأدوية البشرية، والصناعات الغذائية من السكر والزيوت و الشحوم. فضلاً عن الأرز والفواكه والخضراوات، وبعض المنتجات الهندسية، والأدوات المنزلية. بينما أهم الواردات المصرية من الكوميسا: البن والشاي، والتبغ، والثمار الزيتية مثل السمسم، والحيوانات الحية، والنحاس.
وتمكن اتفاقية الكوميسا من الاستفادة من الإعفاءات المتبادلة التي تصل إلى إعفاء تام، وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع باقي الدول الأعضاء. كما تمكن الاستفادة من المساعدات المالية التي يقدمها بنك التنمية الأفريقي وغيره من المؤسسات المالية الدولية في مجال تنمية الصادرات إلى دول أفريقيا. ما يشجع التعاون في مجالات الاستثمار وتصدير الخبرات الفنية. خاصة مع تفوق مصر بالتجارة في الخدمات وبالأخص أعمال المقاولات.
أذرع تمويلية
مول بنك مجموعة تنمية التنمية الأفريقي التي تضم البنك الأفريقي للتنمية، وصندوق التنمية الأفريقي، وصندوق نيجيريا الاستثماري، عام 2020 قرابة 16.4 مليون شخص من تمويلات في قطاع التجارة. و9.2 مليون شخص في توفير خدمات النقل، و8.3 مليون بإمدادات المياه. كما وفر البنك 2 مليار دولار لمواجهة تغيرات المناخ ونقل التقنية للزراعة في القارة.
ومصر ثاني أكبر دولة مساهمة في بنك التنمية الأفريقي على مستوى القارة. وقد مول الأخير حاليًا ما يقرب من 100 عملية بلغت قيمتها 5.7 مليار دولار أمريكي، وشملت المشروعات التي يمولها، مشروعات في مجالات البنية التحتية والطاقة والقطاع الاجتماعي، خصوصًا منح القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة. كما يشارك بكثافة في تنفيذ شبكات البنية التحتية الرقمية. وأنفق كذلك 235 مليون دولار في تعزيز البنية التحتية في تعزيز قدرة جمع البيانات وبناء شبكات الفايبر.
ويبلغ إجمالي محفظة التعاون مع بنك التنمية الأفريقي منذ نشأته حوالي 6.74 مليار دولار لتمويل 107 مشروعات في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. من بينها 1.1 مليار دولار لتمويل 19 عملية للقطاع الخاص. وقد تم توقيع اتفاقيات تمويل تنموي مع البنك من بينها اتفاقية بقيمة 109 ملايين يورو لتطوير الصرف الصحي بريف الأقصر، تستفيد منها وزارة الإسكان. كما شهد العام الجاري اتفاقية أخرى بقيمة 145 مليون يورو لتحسين عوامل الكفاءة والأمان بالسكك الحديدية تستفيد منها وزارة النقل.
ركزت القمة، في ختام أعمالها على تكثيف الجهود لمكافحة التغير المناخي وآثاره السلبية وقضايا تلوث المياه وزيادة الإنتاج الزراعي والقيمة المضافة والمبادرات الخاصة بهذا المجال. بما يعزِّز من مستوى الأمن الغذائي وتطوير الاقتصاد الأزرق من خلال تنمية مستدامة متوازنة وحماية للبيئة، وكلها مبادرات تسعى القاهرة لتنفيذها أخيرًا بما يفيد صادراتها ووارداتها أيضًا، على اعتبار أنها تستورد الكثير من السلع الغذائية الأساسية من الخارج.