عقب ثورة يناير، تشكل عدد من الأحزاب السياسية، لمع بعضها في هذه الفترة حتى عام 2013، وقدمت تجربة للحياة الحزبية في مصر مختلفة الأيدلوجيات، وضمت الكثير من الشباب الذي اهتم بالمشاركة في المجال العام حينها.
ويقُدر عدد الأحزاب في مصر في الوقت الراهن بحوالي 104 أحزاب سياسية رسمية معظمها تأسس بعد ثورة يناير، وكان أبرز تلك الأحزاب ( الدستور- التحالف الشعبي- المصري الديمقراطي- المصريين الأحرار… وغيرها).
جبهة الإنقاذ.. زخم لم يستمر
ومع تأزم الوضع السياسي في مصر بين المعارضة وجماعة الإخوان عام 2012 التي كانت قد اعتلت حكم مصر حينها، بدأت تلك الأحزاب في تشكيل ما عُرف بـ”جبهة الإنقاذ” التي ضمت عددًا من الأحزاب المدنية وشخصيات عامة، لكن رغم تصدر جبهة الإنقاذ المشهد على المستويين الجماهيري والإعلامي، إلا أنها فقدت أهم عوامل استمرارها كقوة معارضة منظمة، حيث فقدت تلك الجبهة تأييد أغلب شباب الحركة السياسية آنذاك، بسبب السياسية التي تبنتها تلك الجبهة، وخاصة مع إقرار الدولة لبعض القوانين التي ساهمت في إغلاق العمل السياسي، وعلى رأسها قانون التظاهر عام 2013 عقب ثورة 30 يونيو، دون تحريك ساكن.
وعقب 30 يونيو توالت الأحداث التي رسمت المشهد السياسي، وبدأت الإشارات التي دلت على أن هناك حالة من تهميش لتلك الجبهة، وتشتت تلك الأحزاب وانتهى دور جبهة الإنقاذ، وعادت الأحزاب للحياة الحزبية كل في مساره، لكن لم تعد كل الأحزاب كما بدأت أثناء وجود الجبهة، فهناك أحزاب تلقت عدة ضربات قاسية سواء على المستوى التنظيمي أو الأمني، أدت إلى ضعف الكيان بل وتدميره أحيانًا.
ملاحقة وتهديد
أشارت دراسة بعنوان “الأحزاب السياسية العلمانية في مصر: تنازع من أجل الهوية والاستقلال” للدكتور عمرو حمزاوي وميشيل دون، ونشرها مركز كارنيجي للشرق الأوسط، إلى أن بعض الأحزاب السياسية العلمانية في مصر، حاولت طرح تحدٍ سياسي قوي في بداية تشكُّلها، لكنها باتت ملاحقة جزئيًا أو مُهددة، كحزبي الوفد والمصريين الأحرار، حيث ضعفت من داخلهما، بحسب الدراسة، بفعل فضائح الفساد والصراع على القيادة الذي أثارت الدولة لهيبه.
اقرأ أيضًا:
فريق آخر من الأحزاب، أشارت إليه الدراسة يعمل في ظل ظروف صعبة للغاية منذ 2013، معظم هذه الأحزاب تقريبًا فازت بمقاعد في الانتخابات البرلمانية عام 2011، لكن معظمها أيضًا إما قاطع انتخابات 2015 أو تنافس من موقع بائس للغاية، ويعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي فاز بـ14 مقعداً في انتخابات 2011 و4 مقاعد في 2015، أشهر هذه الأحزاب.
الأحزاب الأخرى بحسب الدراسة على غرار حزبي الدستور ومصر القوية، اللذين أسسهما على التوالي المرشحان السابقان لمنصب الرئاسة محمد البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح فقد تأخّر تشكيلهما، مما أعاق قدرتهما على التنافس في 2011 وقاطعا الانتخابات في 2015.
3 أصناف
وقسمت الدراسة الأحزاب المصرية بعد 3 يوليو 2013 إلى ثلاثة أصناف، أحزاب جديدة موالية للدولة، مثل مستقبل وطن، ومصر بلدي، التي حصدت حفنة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وأحزاب أخرى حاولت الحفاظ على قدرٍ من الاستقلال مثل حزب الوفد، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب المصريين الأحرار، وأخيرًا أحزاب أخرى معارضة للدولة كأحزاب الدستور، الكرامة، مصر القوية، العيش والحرية والتحالف الشعبي.
بحسب الدراسة، لم يكن للمعارضة المتنامية، المؤلفة من هذه الأحزاب الصغيرة ذات التمويل الضعيف، دور فعّال في تغيير ترتيبات السلطة بعد عام 2013، حيث لم تكن الحكومة المصرية متسامحة إزاء دور العلمانيين المعارضين إلاّ حين كان يقتصر ذلك على عقد مؤتمرات صحفية وإصدار بيانات.
سبب اختفاء الأحزاب
فهناك الكثير من العوامل أدت إلى اختفاء الأحزاب التي ولدت من رحم الثورة، بل والقضاء على الحياة الحزبية في مصر، هذا ما أكده عبد الغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي سابقًا، ونائب المجلس القومي لحقوق الإنسان.
اقرأ أيضًا:
ويرى “شكر” أن بعد 30 يونيو مباشرة كان هناك شبه انقسام في المجتمع بسبب الأحداث التي توالت، بالإضافة إلى التظاهرات والمواجهات التي اندلعت بين التيار الإسلامي وقوات الأمن ما أدى إلى توتر الوضع السياسي للغاية في الفترة من عام 2014 حتى عام 2015.
في المقابل بدأ الدور الأمني ضد الأحزاب يظهر فلم يُسمح للأحزاب بممارسة نشاطها، بالإضافة إلى سن بعض القوانين المقيدة للحياة السياسية في مصر، على رأسها قانون التظاهر، الذي بموجبه صادر حق التظاهر حتى عن القوى المدنية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ووصل إلى مطاردة بعض أعضاء الأحزاب أمنيًا والقبض على بعضهم، وتتابعت تلك الأحداث حتى أدت إلى الإنهاء على الحياة الحزبية.
وتابع رئيس حزب التحالف الشعبي سابقا:” أن الحياة الحزبية لا تنضج ولا تستمر إلا من خلال التعامل والاحتكاك بالجماهير، ومحاصرة الأحزاب ومنعها من الاحتكاك بالشارع أدى بالتبعية إلى ضعف هذه الأحزاب، وهجر أعضائها لها، ما أدى أيضاً إلى هشاشتها وضعفها، فتراجعت تلك الأحزاب عن دورها بشكل كبير، في المقابل برز في المقدمة الأحزاب الموالية فقط “.
إحباطات سياسية
ولاتوجد أحزاب سياسية شُكلت عقب 30 يونيو إلا حزب واحد فقط استطاع حتى الآن أن يقدم نفسه كحزب يعبر عن صوت المعارضة، وتصدر المشهد السياسي كثيرًا، سواء في الانتخابات الرئاسية، أو قضية تيران وصنافير وغيرها من القضايا، على الرغم من عدم استكمال أوراقه، وهو حزب العيش والحرية بعد التأسيس، ذلك الحزب الذي أسس من المجموعة التي انشقت عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي نظرًا لاختلاف الرؤى السياسية.
يقول أكرم إسماعيل، عضو اللجنة التحضيرية بحزب العيش والحرية – تحت التأسيس: “إن الحزب الوحيد الذي بدأ يتشكل وحتى الآن لم يكتمل كان حزب العيش والحرية، وأرجع ذلك إلى الوضع السياسي في مصر والتضييق على الحياة الحزبية، خاصة مع غلق المجال العام وتقييد حركة الأحزاب واحتكاكها بالجماهير”.
ووتابع “هناك الكثير من الإحباطات السياسية التي لازمتنا منذ 30 يونيو، ما أثر بشكل كبير على الحزب، بدأت بالقبض على النشطاء في التظاهرات السلمية المختلفة، والتي بدأت مع رفض قانون التظاهر أمام مجلس الشورى، بالإضافة إلى القبض على النشطاء في قضية الأرض اتفاقية تيران وصنافير”.
ويضيف: “في كل مرة يتم ملاحقة النشطاء كان الأمر يطال كوادرنا الحزبية أيضاً ما أثر على أداء الحزب، وبالتالي لم نستطع حتى الآن الانتهاء من تأسيس الحزب”.
ويؤكد: “عمليًا لا مكان للمعارضة المدنية المستقلة، فقد تم التحالف معها في يونيو فقط لإدارة الصراع ضد الإخوان، وعقب الانتهاء من الأمر والنجاح في إزاحة الإخوان أصبح لا مكان للقوى المدنية المستقلة وتم إزاحتهم من البرلمان والوزارت وغيرها من المناصب، بالإضافة إلى تحجيم الحياة الحزبية”.