يبدو أن المعاناة التي أصابت البشر في كل أنحاء العالم مع انتشار فيروس كورونا، لم تنته بعد، فهي لم تتوقف عند التباعد الاجتماعي وتوقف مجريات الحياة لشهور عدة، حيث أصابت أصحاب الأمراض المزمنة بمعاناة مكتملة الأركان، في العلاج والإصابة والعمل وأخيرا قرار التعايش، فتحمل السطور القادمة حكايات لأصحاب أمراض مزمنة أختلفت تفاصيلها إلا أن جميعا اجمعت على أن كورونا شبحًا يطارد هؤلاء المرضى.

متاهة المستشفيات

يبدو أن حالة الاضطراب وانشغال معظم مستشفيات القطاع الحكومي باستقبال مصابي كورونا، أو إغلاق بعضهم ممن يتخصصون في تقديم خدمة علاجية لأصحاب الأمراض المتوطنة مثل معهد الأورام، بسبب أكتشاف إصابات بين فريق العمل، قد أثرت بالسلب على صحة المرضى وتسببت في تراجع حالتهم الصحية بشكل كبير.

في قصة مأساوية، اكتشف صلاح بهجت، مواطن خمسيني، خبير تعليمي، إصابته بمرض سرطان الرئة، في مارس الماضي، وبدأ على الفور إجراءات الحصول على علاج في المعهد القومي للأورام.

بدأت رحلة علاج بهجت، في المعهد مع بداية تفشي فيروس كورونا في أبريل الماضي، وبالفعل وبعد محاولات بدأ مرحلة العلاج الكيماوي وما هي إلا جلسة واحدة وبدأت رحلة العذاب.

وتم الإعلان عن إصابة 17 طبيبا من العاملين بالمعهد بفيروس كورونا، وتم إغلاق المعهد مدة تزيد عن أسبوعين، مما أدى إلى توقف علاج مرضى الأورام ومنهم المذكور، وبعد استئناف العمل بالمعهد بدأت رحلة من نوع آخر، المعهد مفتوح لكن الجلسات غير منتظمة نتيجة التزاحم الشديد من المرضى المؤجل علاجهم بسبب كورونا.

تقول نجلة صلاح بهجت:”بسبب عدم انتظام الجلسات تطور حجم الورم المصاب به والدي في الشهر الأول من 7 سم إلى 10 سم، ما شكل خطورة بالغة على حياته وبعد أن كانت حالته تصنف من الدرجة الأولى فانتقل إلى الدرجة الثانية وبدأ الورم في التفشي والانتشار”.

 

 

وتضيف:” في إحدى الجلسات والتي يبكر المريض للذهاب إليها، ويواظب على الحضور أمام بوابات المعهد في السابعة صباح يوم الجلسة، فوجئ الجميع بقرار من وزارة الصحة باستقبال عدد محدود يوميا من الحالات يصل إلى أربعين حالة فقط بعد أن كان يستقبل مئات الحالات يوميا، بدون إخطار مسبق للمرضى، ولم يستطع أبي  تلقي علاجه بإنتظام لمدة أسبوعين كاملين بعد القرار لأن الدخول من بوابات المعهد أصبح بأسبقية الحضور على سلم المعهد”.

تتابع:” تدهورت حالته الصحية  تماما و أصبحت المعاناة تتضاعف حي أصبح يعاني من تورم في الأطراف الأربعة نتيجة مشاكل طبية. نتيجة عن نقص بروتين الألبومين، مع شكوك في إصابته بمياه عن الرئة أو الصدر”.

وتكشف نجلته:”أنه خلال الجلسة الأخيرة لاحظت توترا في غرفة الكشف، وبعد دخوله وجلوسه إلى الطبيب وملامسته لكافة الأماكن التي جلس إليها، كشفت الممرضة المساعدة عن إيجابية الحالة السابقة له، وما كان من المعهد إلا أن قاموا بتعقيم الكرسي الذي جلست أليه الحالة السابقة فقط دون النظر للمريض، الأمر الذي سهم في نقل العدوى له وإصابة بفيروس كورونا”.

عودة للعمل

رغم أن الأطباء ومنظمة الصحة العالمية، أكدوا مرارًا وتكرارأا على أن مدة الإصابة من الممكن أن تتخطى 14 يوما، ولابد من شفاء تام للمريض قبل العودة لممارسة انشطة حياته من جديد، لكن هناك بعض جهات العمل ومع قرارات التعايش، بدأت تتجه نحو عودة الموظفين حتى المصابين منهم قبل شفائهم التام بمجرد فقط مرور 14 يوما.

فايدة عبد العال رئيسة شؤون المرضى في إحدى المستشفيات الحكومية 47 عاما، وتعانى الموظفة الأربعينية من مرض الضغط ومشاكل أخرى في القلب نتج عنها تصنيفها ضمن فئة الأمراض المزمنة. ورغم قرار رئيس الوزراء الصادر بشأن منح مرضى الأمراض المزمنة إجازة مدفوعة الأجر في ظل أزمة جائحة كورونا، إلا إن المستشفى التي تعمل بها لم توافق على منحها الإجازة، وظلت تعمل بدوام كامل، حتى تم تطبيق قرار داخلي بنصف قوة العمل فقط، لتعمل نصف الأيام المقررة فقط.

 

اقرأ أيضًأ:

تزامنًا مع إلغاء حظر التجوال.. الأطباء للحكومة: صحة الشعب أهم من الاقتصاد

 

تقول عبد العال:” أنتقلت لي العدوى أثنا عملي بالمستشفى، وأجريت فحوصات التي أكدت الإصابة وأوصاني الطبيب بالعزل المنزلي لمدة ١٤ يوما، وأضافت ومع انتهاء أيام العزل رفض التأمين الصحي تمديد الأجازة رغم استمرار الأعراض، وأن نتيجة الأشعة والتحاليل الثانية لازالت تشير إلى استمرارية الإصابة”.

رعب من العدوى

 لكن قرار التعايش الذي اتخذته مصر مؤخرًا حمل أيضًا معاناة جديدة للأمهات الحاضنات والحوامل، وعلى رأسهم أصحاب الأمراض المزمنة الذين أصبحوا فريسة سهلة لفيروس كورونا.وبين سندان لقمة العيش ومطرقة التعايش مع كورونا أصبح أصحاب الأمراض المزمنة يعيشون ويتعايشون.

وفاء توفيق، موظفة حكومية وتبلغ من العمر خمسون عاما، ظلت طوال الفترة الماضية تخشى الإصابة تحاول أن لا تترك منزلها إلا في أصعب الظروف خوفا من العدوى وخصوصا مع الاجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الدولة لمواجهة فيروس كورونا.

السيدة الخمسينية تعاني من بعض الأمراض المزمنة ” سكر وقلب”، ولكنها مع رفع تلك الإجراءات أصبحت مجبرة ان تعود إلى عملها مجددا خوفا من الجزاءات وخصوصا أن قرار العودة أصبح رسميا.

تقول توفيق: “خلال الفترة الماضية كنت متحفظة جدا في الخروج إلى الشارع أو زيارة أحد أو استقبال أي ضيوف في منزلي، فأنا أتابع الأخبار جيدا وأعلم أن هناك زحام في المستشفيات وانتشار للعدوى، ولهذا قررت أن أقوم ببعض الاجراءات الحازمة خوفا من العدوى وخصوصا انني من أصحاب الأمراض المزمنة، فدائما كنت متخوفة أن تنقل إلى العدوى وأحتاج الى المستشفى في هذا الوضع الصعب”.

وتضيف وفاء:” بدأت العودة للعمل مجددا، واستعين بكل الاجراءات الاحترازية التي اعرفها، لكني مازلت مرعوبة خصوصا مع ركوبي الموصلات وسط زحام أوقات خروج الموظفين، فأنا أخشى أن أصيب في أي وقت وخصوصا بسبب كبر سني والأراض التي أعاني بها”.

 

وكانت القرارات الأخيرة لرئيس مجلس الوزراء بشأن خطة التعايش مع فيروس كورونا تضمنت ترك الحرية لكل وزير أو مسؤول لتحديد حجم طاقة العمل في وزارته أو مؤسسته؛ ولكنها لن تنص صراحة بالنسبة إلى موقف الموظفين من أصحاب الإجازات الاستثنائية من ذوي الأمراض المزمنة؛ وهم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا- وفقا لمنظمة وزارة الصحة العالمية.

في البرلمان

فيما تقدم النائب محمد عبد الغني، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، بشأن موقف أصحاب الإجازات الاستثنائية للموظفين من الفئتين أصحاب الأمراض المزمنة والأمهات الحوامل واللاتي لديهن أطفال أقل من 12 عاما.

 

اقرأ أيضًأ:

متلازمة داون.. “سما” تهزم البله المنغولي والنمر الأبيض يتسلق جبل موسى

 

 وقال عبدالغني، إنّه كان يتوجب العمل على استمرار العمل بهذه القرارات الاحترازية وترك الحرية للوزير المسؤول في تحديد حجم طاقة العمل دون مخالفة قرارات الإجازات الاستثنائية، حماية لهؤلاء الذين قررت الحكومة في البداية مشكورة توفير الحماية لهم نظراً للظروف المرضية أو رعاية الأطفال.

 وطالب النائب، الحكومةَ بسرعة البت في هذا الأمر المهم الخطير الذي يمس حياة آلاف العاملين والذين قد تتعرض حياتهم للخطر؛ لا سيما ونحن في ذروة ارتفاع الإصابات والوفيات جراء هذا الفيروس، خصوصًا أن بعض الجهات قامت بإلغاء هذه الإجازات دون النظر إلى مخاطر ذلك على حياة هؤلاء المواطنين وأُسرهم.