في إطار البحث عن حلول استراتيجية تساهم في الخروج من مأزق سد النهضة والأزمة بين مصر وأثيوبيا، عقد الحزب المصي الديمقراطي حلقة نقاشية تفاعلية عبر الانترنت مساء أمس الأربعاء، بعنوان “أزمة سد النهضة بين الواقع والتحديات” تحدث فيها الدكتور ابراهيم نوار، الباحث المتخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية، وعضو الهيئة العليا للحزب.
“أزمة سد النهضة بين الواقع والتحديات”، تحت هذا العنوان عقد الحزب المصري الديمقراطي، حلقة نقاشية تفاعلية، مساء أمس الأربعاء، في محاولة للوصول إلى حلول استراتيجية للأزمة المطروحة بين مصر وأثيوبيا والسودان.
تحدث في الندوة، الدكتور إبراهيم نوار، الباحث المتخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية، وعضو الهيئة العليا للحزب.
وتناولت الحلقة النقاشية مجموعة من الموضوعات حول أزمة سد النهضة ومنها: “الخلفية التاريخية والعلاقة بين مصر وأثيوبيا، والحقائق العلمية المتعلقة بالأزمة، والاتفاقيات الدولية الحاكمة، والموقف الدولي والإقليمي، ودور الاتحاد الأفريقي، وورقة مجلس الأمن، وسبل الحل والمصالح المشتركة”.
الخلفية التاريخية والعلاقة بين مصر واثيوبيا
بدأ إبراهيم نوار، حديثه مؤكدًا أن هناك علاقة رومانسية وطيدة تربط المصريين مع النيل، إلا أن العالم تغير كثيرًا وهناك تطورات كبيرة تستحق أن ننظر لها بطريقة أكثر واقعية.
وأوضح نوار، أن الأزمة التي ظهرت مع أثيوبيا بسبب سد النهضة هي نوع من التصادم ما بين استراتيجيتين للتنمية الاقتصادية في قطاعين مختلفتين، فالأولى الاستراتيجية المصرية، والتي تخص الأمن المائي وتعتمد على حصتنا في النيل، والاستراتيجية الأثيوبية هي توليد الطاقة والتي يريد أن يعتمد فيها على مصادر المياه الموجودة.
الحقائق العلمية المتعلقة بالأزمة
وأضاف نوار: “نتعامل مع النيل دائمًا على أنه ملكية خاصة لمصر، ولكن في الحقيقة لنا شركاء في النيل وهم 11 دولة أفريقية منهم أثيوبيا والسودان، وعلى مر السنين وخلال علاقتنا بالنيل لم نهتم بشركائنا كما لم نهتم بالنيل نفسه وتسببنا في تلوثه والبناء عليه وإنشاء مصارف تصب في مياهه”.
وأضاف: “كما لم نهتم بمصالح شركائنا في النيل، واقتصرت نظرتنا له بأنه الحق المقدس المملوك وأن أي تحتاج له يجب تأخذ الإذن، على الرغم من أننا حين أقدمنا على بناء السد العالي لم نستأذن أحد وتعاملنا مع النيل من منظور قومي وليس إقليمي”.
وأوضح أن استراتيجية مصر لا تحقق الأمن المائي لها، فقد خصص لها حصة قدرها 55 مليار متر مكعب، ووقتها كان عدد السكان 29 مليون نسمة، فكان نصيب الفرد من المياه في مصر أكثر من 2000 متر مكعب.
وتابع: “عدد السكان يتزايد بنسبة 2 بالمئة سنويًا في حين أن حصة المياه ثابتة، وبالتالي انخفض نصيب الفرد في الماه بنسبة من 1 إلى 2 بالمئة سنويًا، وهو ما نتج عنه الفقر المائي الذي نعيشه.
اقرأ أيضًا:
الاتفاقيات الدولية الحاكمة
يرى الباحث المتخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية: أن مصر اخطأت عندما نظرت لحصتها في مياه النيل، وتجاهلت مياه الأمطار التي تسقط في منابع النيل سنويا، والتي تقدر بـ 7000 مليار متر مكعب في منطقة حوض النيل، ودولة أثيوبيا وحدها تسقط لديها أمطار تقدر من 920 إلى 960 مليار متر مكعب، أي أكثر من 10 أضعاف كمية المياه التي تصل مصر عن طريق أوغندا وأثيوبيا عبر السودان إلى مصر.
واستطرد: “كان من الممكن أن تستفيد مصر ودول النيل في تنمية مصادر المياه المتعددة عن طريق عدة أشياء منها إنشاء منظومة إدارة مياه مشتركة تنمي هذه المصادر، بالإضافة إلى إنشاء خزانات ومشاريع استصلاح أراضي مشتركة مع هذه الدول”.
وأكد أن اتفاقية 59 التي وقعت عليها مصر لا تحقق الأمن المائي لمصر، وكل ما تحققه فقط هو وجود أنظمة إقليمية بحيث تستطيع مصر بناء مشاريع لتنمية مصادر النيل، لافتًا إلى أن أقل عدد من المشاريع الإقليمية التي من الممكن أن تتم على مصادر مياه النيل، تعطي على الأقل ضعف كمية المياه التي تصل اليوم، وهذا لن يتم إلا بالتعاون مع الأخرين لتنمية مياه النيل باعتباره ملكية مشتركة وليس ملكية فردية”.
اتفاقية 59
يذكر أن اتفاقية 59 والتي تسمى باتفاقية تقاسم مياه النيل، هي اتفاقية وقعت بالقاهرة في نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 وليست لاغية لها، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان في ظل المتغيرات الجديدة التي ظهرت على الساحة آنذاك وهو الرغبة في إنشاء السد العالي ومشروعات أعالي النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات في أسوان.
وعقب نوار: “سيغرق الجميع داخل مركب واحدة، إذا ظلت كل دولة تتصرف في الجزء المخصص لها من النيل وكأنه ملكية خاصة”.
وأضاف: “في التسعينات بدأت ظاهرة التغيرات الحادة في المناخ بالإضافة إلى بوادر أزمة في المياه في العالم أجمع، ولذلك كلفت الأمم المتحدة مجموعة خبراء لبحث الأزمة لمحاولة الخروج باتفاق يضع قواعدًا للاستخدمات الخاصة بالأنهار المشتركة”.
وتابع: “تلك القواعد تم التواصل لها عام 1997 وتم صياغة قانون الأمم المتحدة لاستخدامات الأنهار أو المجاري المائية في غير أغراض الملاحة، وكانت مصر حينها على علم بالمفاوضات إلا أنها رفضت التوقيع على القانون كما فعلت باقي دول حوض النيل”.
واستطرد: “مصر رفضت التوقيع خوفا من ضياع الحقوق التاريخية في النيل، أما أثيوبيا رفضت التوقيع خوفا من الخطط المستقبلية كدولة”.
دور الاتحاد الافريقي، وورقة مجلس الأمن:
وأوضح نوار، أن الشكوى في مجلس الأمن كان من الممكن أن يكون لها جدوى في حالة أن مصر كانت موقعة على الاتفاقية، إلا أن مصر امتنعت عن التوقيع، ولذلك فوض مجلس الأمن الاتحاد الأفريقي في التعامل مع الأمر.
وتابع: “بعد ما تم الاتفاق على المستوى العالمي على التعامل مع الأنهار والمجاري المائية، دخلت دول حوض النيل في مفوضات مع بعضها عام 1997، لعمل إطار تعاون مشترك ووضع قواعد لاستخدام مياه النيل والمجاري المائية المرتبطة به، لكنها لم تنجح”.
اقرأ أيضًا:
وأضاف: “في عام 2010 تم صياغة اتفاقية عنتيبي لدول حوض النيل، لكن مصر رفضت التوقيع أيضَا على تلك الاتفاقية بسبب النظرة القومية للنيل، لكن أغلب الدول وقعت على الاتفاقية ما عدا ثلاث دول وهم مصر، والسودان، والكونغو، والاتفاقية سارية حتى اليوم”.
واتفاقية عنتيبي، هي الاتفاقية الإطارية التي وقعت عليها دول المنبع في حوض النيل، بينما اعترضت عليها دولتي المصب مصر والسودان، لأنها تنهي ما يسمى بالحصص التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل، وأثارت الاتفاقية جدلاً كبيراً وتسببت في خلافات بين دول حوض النيل التي وقف أغلبهم بجانب أثيوبيا التي تتبنى الاتفاقية، بدعوى أن حصة مصر التاريخية مجحفة لباقي دول حوض النيل ولابد من مراجعتها وإعادة تقسيم مياه النيل.
سُبل الحل والمصالح المشتركة
قال الباحث: “لو كانت مصر اتفقت مع دول حوض النيل على منظور مشترك للتنمية في الحقيقة كان هذا سيساهم كثيرا في حل المشكلة”، مشيرًا إلى أن الصراع الحالي بين مصر وأثيوبيا هو صراع إيرادات قومية، وكل بلد تريد فرض إرادتها، حيث بدأت أثيوبيا في حديثها عن إرادتها في ملء السد الذي تم الانتهاء من إنشائه بنسبة 75 بالمئة تقريبا، وخزان السد سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، وأثيوبيا تريد ملء السد في 3 سنوات أما مصر تريد أن يتم السد في 10 سنوات حتى لا تتأثر بقلة المياه.
ونوه إلى أن المشكلة التي تقابلها مفاوضات سد النهضة حاليًا هي تمسك مصر بالحق التاريخي وهو ادعاء مؤسس على قوانين واتفاقيات ومعاهدات منها اتفاقيات 20 و29 و59 والتي تنص بالحق التاريخي لمصر في النيل، إلا أن التمسك بالاتفاقيات دون الانخراط في الواقع هو ما يسبب الأزمة.
وتابع الباحث: “آن الأوان في أن يتخذ المفاوض المصري موقف مختلف يقوم على مبدأ التعاون الإقليمي بين كل دول حوض النيل، بحيث يتم اقتسام العروض التي تؤدي إلى زيادة توظيف نسبة المياه الموجودة”.
واختتم نوار حديثه، بأن قدرات مصر الحالية لا تسمح بالضغط المباشر ولكن يمكن استخدام الضغط غير المباشر، عن طريق بيع الكهرباء للأفارقة بنصف الثمن أو عمل كابلات بحرية أو أبراج ضغط عالي لتوصيل الكهرباء لهم، وبالتالي يمكن التوصل لاستراتيجية تعاون أفريقي بمقايضة الطاقة بالمياه وخلق مصلح مشتركة.