يرى بعض المحللين أن السياسة الخارجية لمصر بعد ثورة 30 يونيو، تغيرت تمامًا، واختلفت عما سبقها خاصة فيما يتعلق بالمسائل الأمنية والمنافع المشتركة والتحالفات بشكل عام.

أوباما – ترامب

يرجع تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية إلى القرن التاسع عشر، إلا أنها شهدت تطوراً كبيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، من خلال التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وإضفاء صفة الاستمرارية على العلاقات الثنائية بين البلدين، بغض النظر عن التفاصيل اليومية لإدارة العلاقات.

لكن في أعقاب 30 يونيو، مرت علاقات البلدين بمراحل مختلفة، وصف الطابع العام لها بـ”التذبذب”، حيث مرت بمرحلة من الارتباك والتخوف في الفترة الأولى التي تلت “30 يونيو”، وهو ما تحول إلى التنفيذ على الأرض من خلال تعليق واشنطن المساعدات العسكرية لمصر، في 20 أغسطس 2013، وتم تخفيض المساعدات بقيمة 260 مليون دولار.

 ثم تغير في الفترة التي تلت ذلك موقف الإدارة الأمريكية تدريجيًا، بعد تفهمها للوضع الجديد في مصر، ومع انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، في يونيو 2014، رئيسًا للبلاد، أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصالاً هاتفياً معه لتهنئته على تنصيبه مؤكداً له التزامه بشراكة إستراتيجية بين البلدين واستمرار دعم الولايات المتحدة للطموحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري.

 

وفي سبتمبر 2014 وعلي هامش الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك التقى الرئيس السيسى بالرئيس الأمريكي أوباما، وعقدت جلسة مباحثات بين وفدي البلدين  لبحث عدد من القضايا محل الاهتمام المشترك، وجاء اللقاء وقتها بناء على طلب من الجانب الأمريكي لبحث سبل التعاون المشترك وبحث قضایا الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب.

ومع قدوم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اتخذت العلاقات المصرية الأمريكية شكلًا مختلفًا، حيث اجتمعت وتوافقت رؤى الرئيسان فيما يخص الأولويات التي يجب أن تتوحد من أجلها القوى العالمية، وعلى رأسها مواجهة الإرهاب والتحديات العالمية التي تمثل أخطارًا مختلفة على أمن واستقرار الدول سواء حول العالم أو في المنطقة العربية.

ويبدو أن العلاقات بين البلدين أشبه بـ لعبة “السلم والثعبان”، فبالرغم من قوة الاستثمارات التجارية الاقتصادية بين الجانبين، إلا أن الجانب السياسي دائماً ما يتعرض لنوع من الفتور، وهو ما جاء عقب تخفيض واشنطن، في أغسطس 2017، قيمة المساعدات الأمريكية لمصر لـ 337 مليون دولار.

مد وجذر

ويوضح “بشير عبد الفتاح”، الباحث في مركز الاهرام للدراسات الاستيراتيجية، أن دائما ما تتسم العلاقات بين القاهرة وواشنطن بـ “المد والجزر”، التي يتم تحديد قوتها أو ضعفها بحسب المواقف السياسية بين البلدين”.

 

اقرأ أيضًا: الأحزاب بعد 30 يونيو.. تمثيل كرتوني في فضاء ضيّق

 

ويشير “عبد الفتاح” لـ مصر 360، إلى أنه “قبل 30 يونيو كانت العلاقات الخارجية والدولية لمصر جميعها تتسم بالارتباك، مرجعًا ذلك إلى مخاوف دول العالم من توجهات القيادة المصرية في ذلك الوقت، إلا أنه مع 30 يونيو بدأت ملامح السياسية الخارجية المصرية  تتضح، وهي سياسة قائمة على اتباع منهج تنموي وسلمي وتصالحي مع الجميع”، وفق قوله.

القارة السمراء

“البوابة الجنوبية للأمن المصري”، هكذا يمثل الموقع الاستيراتيجي لأفريقيا أهمية بالنسبة لمصر، ورغم تجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي بعد 30 يونيو 2013، استطاعت القيادة السياسية في مصر أن تعيد الأمور لنصابها ولو بصورة جزئية؛ من خلال القيام بعدد من الزيارات الرسمية، وإرسال وفود مصرية رفيعة المستوى لتوضيح الصورة الحقيقية للواقع المصري، شملت هذه الزيارات العديد من الدول الإفريقية، كما تضمنت العلاقات المِصرية – الإفريقية في تلك الفترة عددًا من الزيارات المتبادلة على مستوى الرؤساء من وإلى كل من السودان، جنوب السودان، غينيا الاستوائية، تشاد، وغيرها.

وبحلول عام 2014، وإقرار الدستور الجديد، والذي يؤكد على الهوية الإفريقية لمصر؛ ومع تولي “السيسي”، حكم البلاد، بدأت العلاقات الثنائية تعود لنصابها مرة أخرى، إذ قام “السيسي” بزيارة ثلاث دول أفريقية، هي الجزائر وغينيا الاستوائية والسودان.

وفي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تقلد الرئيس السيسي رئاسة الاتحاد الأفريقي في 10 فبراير 2019، خلال فعاليات الدورة العادية الـ32 للقمة الأفريقية، مشددًا على استمرار الجهود المبذولة لإصلاح الاتحاد في إطار عملية إصلاح عميقة ودقيقة تقودها وتمتلكها الدول الأعضاء، لتحقيق آمال وتطلعات الشعوب الأفريقية.

“عادت الأمور إلى نصابها الصحيح”، هكذا وصف “بشير” علاقة مصر بإفريقيا، بعد الفترة التي تلت 30 يوينو، حيث تم ترميم العلاقات الافريقية وأعادت زخم هذه العلاقات مرة أخرى، واستعادت مصر دورها بالاتحاد الإفريقي، وفي نفس الوقت، استطاعت أن تقدم مبادرات إيجابية ساهمت في إعادة تنشيط العلاقات الإفريقية المصرية، بحسب قوله.

 

الخليج وعودة الدفء للعلاقات

وعلى عكس القارة الإفريقية، اتسمت العلاقات الثنائية بين مصر ودول الخليج بحالة من الفتور في أعقاب ثورة يناير، واستمر هذا الفتور إلى فترة حكم الإخوان، بل تدهورت العلاقات بشكل كبير عكس العرف التقليدي المتداول من وجود انسجام إخواني مع الواقع الخليجي منذ الستينيات.

ولكن بعد إزاحة “الإخوان” في 3 يوليو 2013، أعلنت دول الخليج دعمها لمصر ، وبلغ حجم الدعم المعلن ،12 مليار دولار، من قبل السعودية والإمارات والكويت، بحسب تقرير لـ”نيويورك تايمز” الأمريكية، الذي أكد أنه بعد 30 يونيو عاد الدفء إلى العلاقات المصرية الخليجية مرة أخرى.

 ولم يكن الدعم المالي هو الكاشف الوحيد لدعم دول الخليج لمصر، بل أيضًا رسائل التهنئة من جانب القيادات الخليجية للرئيس عدلي منصور، بجانب إصدار بيانات رسمية لدعم المرحلة الانتقالية بالبلاد، وصرح وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، بـ”أن جيش مصر العظيم يثبت من جديد أنه بالفعل سياج مصر وحاميها ودرعها القوي الذي يضمن لها أن تظل دولة المؤسسات والقانون التي تحتضن كل مكونات الشعب المصري الشقيق”.

وعقب ذلك، عاد التنسيق الثنائي بين مصر والدول الخليجية مرة أخرى في القضايا الإقليمية، كتعاون مصر والسعودية في حرب اليمن وإشراك القوات المصرية مع التحالف العربي، بقيادة الرياض، للقضاء على أنصار الله الحوثي.

 

ولكن بالرغم من هذا التعاون، فقد مرت العلاقات بين القاهرة والرياض ببعض الاختلافات، خاصة حول للملف السوري، حيث أثار التصويت المصري على المشروع الروسي والفرنسي في مجلس الأمن، في عام 2016، والمتعلق بوقف إطلاق النار في حلب وفصل المعارضة السورية المعتدلة عن “جبهة فتح الشام”، النصرة سابقاً والتي صنفت  كمنظمة إرهابية ، حفيظة الرياض باعتبار أن هذا لا يتوافق مع الموقف العربي الواحد تجاه الملف السوري .

واستمر هذا الجفاء عقب قيام شركة “أرامكو” السعودية بوقف إمدادات النفط لمصر، لكن سرعان ما خمد هذا التوتر بين الجانبين وعادت العلاقات إلى مسيرها الطبيعية، حيث عكست القمة العربية الإسلامية في الرياض، في مايو 2017، التفاف دول الخليج ومصر حول هدف واحد مشترك وهو مكافحة الإرهاب والتشديد على ملاحقة الدول التي تدعم الإرهاب في المنطقة.

بينما سارت العلاقات المصرية الإماراتية، على نهجها الصحيح منذ 30 يونيو، ويظهر ذلك عبر الزيارات والاتفاقيات المتبادلة، فقد بلغت الزيارات الإماراتية لمصر، في عام  2016 فقط، ثلاث زيارات.

 

اقرأ ايضًا: سيرة “مرسي” على موقع الرئاسة.. خبيران: ابتعاد عن التقييم ورصد للحقائق

 

ولفت الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستيراتيجية، والمختص بالشأن التركي، بأن “العلاقات بين مصر ودول الخليج، مرت قبيل 30 يونيو، بحالة من الاضطراب والقلق، باستثناء قطر، التي تربطها بالإخوان علاقات حميمة، أما بقية دول الخليج كانت تدعم مصر بشكل طفيف، نظرًا لتخوف الأنظمة في الخليجح من حكم الإخوان، وطريقة إدارة البلاد وقتها، لكن بعد 30 يونيو أدركت هذه الدول أن مصر استعادت نفسها من جديد، وبالتالي وقفت هذه الدول  بجانب مصر، وساعدت كثيرًا أمام المجتمع الدولي في تصحيح صورة البلاد بعد 30 يونيو، كما قدمت مساعدات ودعم مالي لمصر في مجالات عديدة”.

“أصدقاء الأمس.. أعداء اليوم”

يلخص هذا العنوان الفرعي، العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا عبر التاريخ، فلطالما شهدت العلاقات المصرية التركية شدا وجذبا خاصة منذ إعلان الجمهورية المصرية عام 1953، ومع حروب 1967 و 1973 وخلال اللحظات العصيبة التى مرت بها الأمة المصرية كانت العلاقات مع تركيا فاترة.

لكن نجاح ثورة يناير قد غير موازين العلاقات الثنائية، حيث شهدت العلاقات المصرية التركية انطلاقة جديدة مع رحيل حسني مبارك وتوافدت زيارات المسئولين الأتراك على القاهرة حيث كان من أوائل الرؤساء الزائرين لمصر ومرحبين بانتصار الثورة الرئيس التركي آنذاك، عبد الله جول، والذي زار القاهرة بعد شهر واحد فقط من رحيل مبارك والتقى برئيس المجلس العسكري الانتقالي آنذاك محمد حسين طنطاوي ومرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع وكان لافتا أن تركيا تتماهي مع مشروع جماعة الإخوان، ورغبتهم في ملء الفراغ السياسي في البلاد.

رغم ذلك لم تكتمل فرحة تركيا، إذ يعتبر عام 2013 هو العام الأسوأ في تاريخ العلاقات المصرية التركية خاصة في ظل المواقف التركية الحادة في أعقاب عزل “مرسي”، والتي انتقدت  ثورة “30 يونيو”، فقد وصل الأمر لخروج دعوات تطالب بمقاطعة السلع التركية، كما تردد حينها بأن السلطات التركية تهدد بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع مصر، التي تم توقعها في عام 2005، بهدف تشجيع التجارة بين البلدين، تضامنًا مع جماعة “الإخوان”.

 

في نوفمبر2013، قررت مصر تخيفض تمثيلها الدبلوماسي لدى تركيا وأيضا طرد السفير التركي  من مصر خاصة أن العلاقات توترت أكثر بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، من جهته، صرح “اردوغان” بانه سيتنبي قرارات مماثلة.

بينما في مارس 2015، قررت وزارة النقل المصرية، عدم التجديد لاتفاقية “الرورو” مع تركيا، وهي اتفاقية خط ملاحي، ينقل صادرات تركيا من مواد غذائية، وأجهزة كهربائية ومنسوجات، وذات الصادرات من مصر، تم توقعيها خلال فترة حكم الإخوان .

ورسخ دخول تركيا على خط الأزمة الليبيية، في عام 2017، ودعم حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، عسكريًا وأمنيًا ودبلوماسيًا، سياسة المحاور الموجودة في المنطقة بين تركيا وقطر من جهة ومصر والإمارات من جهة أخرى مما زاد الهوة السياسية بين مصر وتركيا.

ويرى المراقبون أنه لا يبدو أي أمل لحدوث تطبيع سياسي بين الأنظمة الرئاسة في البلدين في ظل تمسك كل دولة بمواقفها السياسية تجاه الأخرى، وفي ظل احتضان تركيا لقيادات جماعة الإخوان المسلمين ومنحهم الجنسية التركية أيضًا.

بينما أكد “عبد الفتاح”، أن “العلاقات المصرية التركية شهدت حالة من الهدوء النسبي خلال الفترة الماضية رغم القطيعة الرسمية، لكن وفاة الرئيس المعزول محمد مرسي و ما تلاه من تصريحات تسئ لمصر من قبل “أردوغان”، وتدخله في الصراع الليبي بشكل سافر، جددا الخلافات بين البلدين، وهو ما يؤكد أن القطيعة بين مصر وتركيا لا رجعه فيها”.

ونفس الأمر ينطبق علي قطر، التي اتخذت موقف مختلف ومبكر عما اتخذته الدول المجاروة لها كالسعودية والإمارات والكويت تجاه ثورة “30 يونيو”، إذ أنها عارضت الدولة المصرية، وما وصف بدعم صريح لجماعة الإخوان، وهو ما أحدث توترًا وفتورًا في العلاقات الثنائية بين البلدين .

 

اقرأ أيضًا.. شباب 30 يونيو.. السجن يحاصر طيور الحرية

 

ومن ثم جاءت المقاطعة العربية لدولة قطر، في يونيو 2017، ترجمة لهذا التوتر، ففي يوليو من العام نفسه، استضافت مصر الاجتماع الرباعي العربي على مستوى وزراء الخارجية، المنامة والرياض وأبو ظبي والقاهرة في القاهرة، لبحث مستجدات المقاطعة والموقف العربي من دول داعمي الإرهاب.

الاتحاد الأوروبي

على جانب آخر، اختلفت  العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبى ودوله الـ 28، كثيرًا عن المشهد بعد ثورة 30 يونيو، حيث تخطت معظم الدول الموقف الذى اتُخذ بعدم تصدير السلاح لمصر بدعوى التخوف من استخدامه، وقامت عدة دول بتوريد معدات لمصر، على رأسها فرنسا وألمانيا وروسيا .

وانعكس تطور العلاقة السياسية والاقتصادية بين مصر والاتحاد الأوروبى فى الارتفاع الملحوظ فى عدد الزيارات الأوروبية لمصر فى السنتين الأخيرتين بالمقارنة بعامى 2013 و2014، حيث بلغ عدد الاتفاقيات مع الجانب الأوروبى 2660 اتفاقية.