أعادت حادثة مقتل المواطن الأمريكي، جورج فلويد، علي يد شرطي أبيض، قضايا التمييز والعنصرية إلى الواجهة مرة أخرى، التي وصفتها الأمم المتحدة بـ”الوباء المتربص بكل المجتمعات”، وهو ما دفع الدول للنظر لقضية العنصرية داخل حدودها.
يعتقد البعض أن العنصرية تقتصر على أوروبا وأمريكا، خاصة بعدما تضامن العديد من شعوب الدول الأوروبية مع حادثة “فلويد” بأمريكا، وكشف عن بعض أشكال التميز العنصري وعنف الشرطة في بلادهم، إلا أن قضايا العنصرية تمتد أيضًا إلي بعض الدول الأفريقية والعربية، وأبرزها المغرب، لكن الحديث عن هذه الأمور يفضل أن يناقش في “صمت”.
وتعرف المادة الأولى من الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري 1969، مفهوم “التمييز العنصري”، بأنه يعني أي تمييز أو استثناء يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان.
المغرب والتمييز
رغم تقديم المغرب، نفسه على أنه مجتمع متسامح ومتفتح، تبقى بعض السلوكيات والأفعال العنصرية جزء من نسيجه، وأحيانًا تكون لا واعية، فلا يزال ألفاظ كـ”الحرطاني” أي البربري، و”الخادم” مقابل “الشريف” و”الأبيض”، مستخدمة في الثقافة المغربية حتى وقتنا هذا، وهو ما أرجعه علماء الاجتماع إلى أن هذه الثقافة لها امتدادات عميقة في الماضي العبودي للمجتمع المغربي، حيث كانت أعداد العبيد تتجاوز مئات الآلاف، ويشتغلون في الجيش وفي مهن أخرى بسيطة.
ولا تزال هناك بعض التصرفات والسلوكيات التي تدل علي أن التمييز العنصري موجود بالمغرب، وإن كانت بعض القوانين والمنظمات الحقوقية تحارب ذلك، حيث يجري حرمان جزئي لذوي البشرة السوداء من التوظيف في البنوك والشركات الكبرى، كما أنهم لا يشغلون مناصب دبلوماسية، ويتم إقصائهم من تقديم البرامج في القنوات الإعلامية، بحسب صحيفة “مغرس” المغربية.
الأمازيغ
لا يزال إدماج الأمازيغ، وهم مجموعة إثنية من السكان الأصليين في شمال أفريقيا وتحديداً بلاد المغرب، في الحياة العامة بالمغرب تواجه بعض التعثرات، جزء منها يرجع إلى بطء عملية التشريع، فالقانون التنظيمي للأمازيغ لم يُصادق عليه إلا عام 2019، ما ترك قطاعات وزارية تتحجج منذ مدة بانتظار صدور هذا القانون.
وتعلق ابتسام عزاوي، نائبة عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، بأن الحكومة المغربية تخاذلت في إنصاف الأمازيغ بما أنها لا توفر لهم أطر قادرة على خلق تصورات لتنفيذ القانون التنظيمي في الحياة العامة.
وفي أواخر يونيو الماضي، أثار مشروع للبطاقة الوطنية الذي لا يتضمن أي إشارة إلى الأمازيغية، جدلاً واسعًا، فرغم مرور تسع سنوات تقريبًا بعد تصويت المغاربة على دستور نص على كون الأمازيغية لغة رسمية في المملكة، اتضح أن استخدام هذه اللغة لا يزال ضعيفًا في الكثير من نواحي الحياة اليومية بالمغرب، خاصةً فيما يتعلق بالوثائق الرسمية التي تعتمد فقط على الحرف العربي أو الحرف اللاتيني، وتحديدا اللغة الفرنسية.
ويعود تعديل البطاقة الوطنية لعام 2007، إلا أنه لم يتم المصادقة عليه من قبل الحكومة إلا عام 2020، دون استحضار وجود دستور جديد، وهو ما يرجع كأحد أسباب استمرار التمييز في المجتمع المغربي.
كما تحدثت تقارير أممية سابقة، عن وجود ممارسات تدل على تمييز مستمر ضد المجتمعات الأمازيغية، لا سيما النساء الأمازيغيات، حيث أنهم تعرضن للتمييز والإقصاء الهيكلي والقوالب النمطية العنصرية على أساس لغتهم وثقافتهم الأمازيغية.
المهاجرون والأفارقة
“مازالوا ينادوننا بالعبيد”، هكذا تحدث العديد من المهاجرين عن العنصرية المتزايدة تجاههم داخل المغرب، على سبيل المثال يتم النداء عليهم بكلمة “لعبيد”، أي العبد، وهي تستخدم أيضا ككلمة سب بين الشباب، أما “ليزأفريكانز” أو “الأفارقة”، هذا ما يقولونه في المغرب عندما يتحدثون عن المهاجرين.
في أواخر 2019، نشرت صحيفة “يا بلادي” المغربية، تقريرًا أميمًا للمتحدثة المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، تينداي أشيومي، وما يرتبط بذلك من تعصب، عن وجود تمييز في المغرب ممارس ضد الأمازيغ والمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما رد عليه المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان في المغرب معتبرا أن ما ورد في التقرير “مجانب للصواب”.
وفيما يخص حقوق المهاجرين،أشارت “أشيومي” إلى أن القانون والسياسة الوطنية في المغرب يضمنان مجموعة من الحقوق للمهاجرين واللاجئين على قدم المساواة، إلا أن “انتهاكات الحقوق لا تزال قائمة ولا يزال التمييز يشكل عائقا رئيسيا أمام الاندماج”، حسب تعبيرها.
وقالت: “بعض المهاجرين واللاجئين، خاصة من ذوي البشرة السمراء بجنوب الصحراء الكبرى، أبلغوا عن حوادث القوالب النمطية العنصرية وكراهية الأجانب عند الوصول إلى الرعاية الصحية والسكن والتعليم والعمل، وفي أماكن أخرى”.
وأعربت عن قلقها إزاء التقارير المتعلقة بترحيل المهاجرين قسرًا وعمليات الإخلاء والتمييز على أساس العرق وغير ذلك من أشكال التمييز ضد المهاجرين واللاجئين.
“الحراطون”
ومن بين الأقليات أو المجموعات الإثنية لسكان المغرب، يوجد “الحراطون”، وهم من أصحاب البشرة الداكنة، ويعيشون بشكل رئيسي في جنوب البلاد.
وكان قد كتب الفنان التشكيلي امبارك بوحشيشي، الذي ينحدر من بلدة أقا، بجهة سوس ماسة في جنوب المملكة على مقربة من الحدود مع الجزائر، مع فنانين آخرين كتابا حول معنى أن تتربى وتكبر كمغربي أسود وأن ينظر إليك على أنك غريب في بلدك.
يكاد المغاربة السود لا يظهرون في الخطاب العام، سواء في السياسة أو في المناصب القيادية أو حتى في وسائل الإعلام، ويقول الخبراء إن الكثيرين من سود المغرب موصومون مثل من يسمون بالحراطين .
وكلمة “الحراطون” هي تحوير عربي لكلمة حرطاني البربرية، والتي بدورها تعني ببساطة “أسود”، وتم استخدامها لوصف الأشخاص، الذين من المفترض أنهم أحفاد العبيد المحررين، ولكن بقيت الفكرة أن هؤلاء الناس قدموا من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وكانوا عبيدا في السابق، فيمكن معاملتهم كعبيد مرة أخرى.
هذا التوجه العنصري من الممكن رؤيته حتى اليوم في اللغة المستخدمة، ففي الخطاب المغربي، لا يوجد مصطلح صحيح سياسيًا للسود، ومعظم المصطلحات عنصرية.
ويقدر أن لون بشرة 10 في المئة من المجتمع المغربي سوداء، والوضع تغير في السنوات الأخيرة مع قدوم مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.