“الكتابة على النقود” عادة منتشرة بين المصريين، حاولت الحكومة فى أكثر من مرة إصدار قرارات تحذيرية عبر البنك المركزي فى محاولة لمنعها، إلا أن الظاهرة مستمرة، ورغم وجود مواد قانونية ينص عليها قانون العقوبات لتجريم هذه الأفعال، إلا أن مجلس النواب، وافق خلال الجلسة العامة قبل أيام ، برئاسة الدكتور علي عبد العال، علي حظر قيام أي شخص بخلاف البنك المركزي إصدار أوراق أو مسكوكات لها مظهر النقد، وكذلك الكتابة على النقود بأي شكل، خلال مناقشة مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي.
وشهدت الجلسة حالة من الجدل بشأن كيفية إثبات جريمة الكتابة أو تشويه النقد، وهو ما عبر عنه الدكتور علي عبد العال، قائلا: ” كيف ستحاسبون من يكتب على العملة و كيف ستتعرفون عليه و تصلون له”.
قاعدة أخلاقية
واعتبر رئيس مجلس النواب، “أن هذه هي الجريمة الوحيدة التي يصعب أن أثبتها كما في مسألة البصق”، معتبرا أن الأمر يعتمد على قاعدة أخلاقية و ليس قاعدة قانونية لصعوبة التطبيق ، وقد يكون هناك خلط بين المجال القانوني و الأخلاقي.
ووجه “عبد العال” سؤاله إلى الحكومة قائلا: “كيف ستحاسبون من يكتب على العملة وكيف ستتعرفون عليه وتصلون له؟”.
وعلى الرغم من توافق الجميع بما فيها ممثل الحكومة على ما قاله “عبد العال” وتأكديهم بأن هناك صعوبة بالفعل في إثبات الجريمة لكن كانت الرؤية بأن الأفضل النص على حظر الفعل وعدم تركه على إطلاقه، وألا تكون صعوبة الإثبات مبررًا لإباحة الجرم.
ووافق المجلس علي نص المادة (59) من مشروع قانون مقدم من الحكومة بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي، والذي نص على أنه “يُحظر على أي شخص بخلاف البنك المركزي إصدار أي أوراق أو مسكوكات من أي نوع يكون لها مظهر النقد أو تُشبه النقد، كما يُحظر إهانة أو تشويه أو إتلاف أو الكتابة على النقد بأي صوره من الصور”.
في 4 مارس من العام الماضي، جدد البنك المركزي المصري، عبر وسائل إعلام رسمية، تعليماته السابقة بعدم قبول تداول أي عملات ورقية مكتوب عليها عبارات نصية.
20 مليار جنيه
ويقدر اقتصاديون بأن الاقتصاد المصري تكبّد خسائر كبيرة من حيث تجميع العملات المكتوب عليها، وفرمها وإعادة طباعة أخرى جديدة، حيث يبلغ متوسط حجم الطباعة السنوية للنقود الورقية بفئاتها المختلفة نحو 20 مليار جنيه، إضافة إلى أنها تزيد من صعوبات التفرقة بين النقود الأصلية والمزيفة، وتحديدًا على العلامة المائية التي تعد علامة تأمينية ضد التزييف والتقليد في العملات الورقية.
اقرأ أيضًا:
وتعتبر الكتابة على النقود هي من العادات التي يشتهر بها المصريون، الكتابة النصية على العملات الورقية سواء كانت للتهنئة في أعياد الميلاد، وحفلات المولود “السبوع” أو كنوع من المكافأة المالية التي يعطيها المدرس لطلابه، ويستخدمها العشاق من خلال كتابة عبارات الحب لتكون ذكرى.
وسادت موجة الكتابة على العملة الورقية في مطلع تسعينيات القرن الماضي عند مشاركة منتخب مصر في مباريات كأس العالم، ما دفع البنك المركزي المصري آنذاك لجمع هذه العملات لاستبدالها بعملات جديدة.
وعلى مدار السنوات الماضية، ويطالب مصرفيون بإصدار تعليمات فورية من البنك المركزى تقضى بالسماح لأى مواطن يحمل عملات مكتوب عليها عبارات مسيئة بتغييرها من أى بنك مع عدم تحميله أى مخاطر قانونية، إضافة إلي أنها تشكل ضررا على الاقتصاد الوطني، وتضعف من قيمة العملة فى السوق المحلية.
رحلة طويلة
“رحلة النقود في مصر”،هي رحلة طويلة قدرها 2500 سنة، تمتد من أول قطعة نقدية سكت في عهد الأخمينيين مرورًا بما أصدره البطالمة من دراخمات وستاترات، وما أصدره البيزنطيين والرومان من دنانير ذهبية وفلوس نحاسية، والساسانيين من دراهم فضية، وصولاً إلى العرب وحتى العصر الحديث، مما يبرز رسوخ فكرة تتابع وتداول النقود في مصر.
بحسب قانونون ، فأن قانون العقوبات تعرض فى أكثر من نص عقابى لعقوبة من يقوم بتخريب وتشوية العملات المعدينة والورقية الوطنية والخاصة معا وذلك فيما تضمنته المواد 202 و361 و204 مكرر من قانون العقوبات.
استغلال سياسي.
ويرى الدكتور علي الإدريسي، نائب المدير التنفيذي لمركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن الفترة الماضية شملت حملات ودعوات وجهتها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، عبر أنصارها فى الخارج بالترويج لرسائل سياسية هدفها زعزة الأمن والاستقرار الذي يشهده الشارع المصري، إضافة إلي أن مشكلة الكتابة على النقود هي ظاهرة سلبية منتشرة بين المصريين، وربما لا ينافسنا أحد فيها.
ويقول ” الإدريسي” لـ مصر 360 ” العملة لها احترامها، ووظيفتها التي صٌكت من أجلها هي المعاملات المالية، وليس الرسائل والتواصل بين الناس، متسائلا:” عند السفر إلى الخارج أنظر كيف يعامل الأجانب عملاتهم الأجنبية”.
وحول المسؤولية القانونية الواقعة على الشخص الذي يمتلك أموالًا مكتوب عليها، يوضح “الإدريسي”:” إذا كان شخص يمتلك 500 جنيه، من فئة مئة جنيه والخمس ورقات مكتوب عليها عبارات أية كانت مدلولها سياسي أو اجتماعي، فأنت بذلك ألحقت الضرر بنفسك لأنك سوف تجد صعوبة في صرف تلك الأموال لاحقا”. على حد قوله.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن البنك المركزي منذ سنوات، وهناك محاولات لطرح عملات بلاستيكية ومن المتوقع أن تظهر قريبًا فى فئة عشرة جنيهات، على أن تطبق على باقي الفئات من العملات المصرية وهو ما يحد من تلك الظاهرة بشكل كبير”.
اقرأ أيضًا:
ويرى “الإدريسي” أن الهدف من القانون رغم وجود مواد بالفعل بقانون العقوبات تحظر هذا الفعل، هو التوعية والتأكيد على أن هناك مسؤولية أخلاقية تجاه المواطنين للحد من تلك الظاهرة وبالتالي تلاشيها فى القريب العاجل، قائلا:”إن التحول الرقمي والشمول المالي الذي تسعى إليه الحكومة وبدأت فيه منذ سنوات سوف يحد أيضًا من تلك الظاهرة”.