حدثت بعد ثورة 30 يونيو 2013، عدة تطورات على صعيد الحياة السياسية في مصر، بسبب بروز انقسامات وأطراف مختلفة، ولكن ما مدى تأثر المنظمات الحقوقية بهذا التطور، وهل ألقى بظلاله على أدائها كونها تلتزم بمعايير عالمية في تبني مواقفها وتقاريرها.
المجلس القومي لحقوق الإنسان، أكد في آخر تقرير له عن عام 2019/2018، أن وتيرة تفعيل الالتزامات بحقوق الإنسان المدنية والسياسية مازالت دون المأمول، بينما تُلقى تحديات الإرهاب وتداعيات الاضطراب الإقليمي بصعوبات متنوعة على مسيرة التقدم في تفعيل حقوق الإنسان بمختلف فئاتها.
ويرى رئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس، جورج إسحق، أنه بعد ثورة 30 يونيو أصدر المجلس تقارير وصفها بـ”الجيدة للغاية” من بينها تقرير فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة الذي أقامه الإخوان المسلمون، وتم انتقاد الشرطة فيه.
كما كان للمجلس وقتها تقارير خاصة بزيارات أعضاء المجلس للسجون، الأمر الذي بدأ يقل تدريجيًا، وانعكس على أداء التقارير وجودتها، بسبب التضييق على عمل المجلس وعدم السماح بزيارات السجون، أو الرد على ملاحظات المجلس من قبل الجهات التنفيذية، بحسب “إسحق”.
ويؤكد في تصريحاته لـ”مصر 360″ أن الأحداث السياسية لم تؤثر على عمل المجلس القومي وتبني مواقفه الحقوقية”، مضيفًا “حتى لو كان هناك انقسامات وتوجهات واختلافات بين أعضاء المجلس فإن مواقف المجلس متوازنة وترجع للمعايير الحقوقية”.
اقرأ أيضًا:
وتعليقًا على مواقف المنظمات الحقوقية حيال الانتهاكات يوضح “إسحق” “المفترض أن التقارير الحقوقية تكون حيادية، لكن الإرهاب كان عاملا دخيلا على الوضع العام في مصر، مما أربك بعض المنظمات، وجعلها متأثرة بالأحداث السياسية”.
المصرية لحقوق الإنسان
فيما تناولت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، تقريرًا حول جرائم التعذيب عقب ثورة 30 يونيو في الفترة من 2013/7/1 إلى 2013/10/13، رصدت فيه وفاة 37 من بينهم مواطن فرنسي أثناء احتجازه بقسم قصر النيل، و36 سجينًا في القضية المعروفة بـ”سيارة ترحيلات أبوزعبل”، فضلا عن حالات سوء معاملة بأماكن احتجاز.
من جهته، يقسم رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبوسعدة، المنظمات الحقوقية إلى فئتين، فئة تأثرت بالوضع السياسي بشكل كبير وتبنت وجهة نظر مؤيدة أو معارضة للسلطة في مصر، أو منظمات حقوقية طبقت المعايير الحقوقية في تقاريرها.
ويوضح أبوسعدة لـ”مصر 360″ “هناك منظمات سياسية تبنت مواقف لجماعة الإخوان المسلمين أغلبها خارج مصر، وهناك منظمات أيضا تبنت مواقف سياسية مؤيدة للنظام”، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن المنظمات العاملة في المجال الحقوقي سواء قبل ثورة 30 يونيو أو 25 يناير تراجع دورها في الفترة الأخيرة.
يرجع “أبوسعدة” تراجع دور المنظمات إلى ما وصفه بـ”التضييق” على عمل المنظمات وعدم الموافقة على مشاريع التمويل منذ 2011، فضلا عن تعديلات قانون الجمعيات التي أدت لتراجع نشاط الجمعيات، ومن بينها المنظمات الحقوقية.
المجموعة المتحدة للقانون
يوافقه الرأي رئيس المجموعة المتحدة للقانون، المحامي نجاد البرعي، بشأن حصار المنظمات الحقوقية ومنع حقوقيين من السفر ومصادرة أموالهم، فضلا عن تحريك قضية التمويل الأجنبي ضدهم، مما انعكس على أداء المنظمات الحقوقية حاليًا، وفق قوله.
يقول “البرعي”: “بعد 25 يناير حدث خلط بشكل أو بآخر بين العمل السياسي والعمل الحقوقي، فكل المجتمع انفتح على المجال السياسي، ومن بينها المنظمات الحقوقية لكن بعضها لم يخلط في تقاريره بين العمل السياسي والحقوقي”.
لم ينف “البرعي” “وجود منظمات تبنت وجهات نظر سياسية سواء مؤيدة للنظام في مصر أو معارضة له، ليس فقط بعد 30 يونيو ولكن منذ وجود محمد مرسي في الحكم، ظهرت منظمات تبرر انتهاكات نظام الإخوان المسلمين”.
ويشير إلى ظهور منظمات حقوقية إخوانية ظهرت بعد 30 يونيو تدافع عن الإخوان فقط أغلبها خارج مصر، فضلا عن منظمات تبرر للنظام الانتهاكات الموجودة في مصر، بالإضافة إلى منظمات وصفها البرعي بـ”المستقلة” جرى حصارها ولم يعد لها صوت حاليا، حسبما قال.
“البرعي” يؤكد “أن المنظمات التي انتهجت نهجًا سياسيًا، سينتهي عملها بمجرد إنهاء حالة الاستقطاب، وستستمر المنظمات المهنية التي تعي جيدًا ماهية العمل الحقوقي ومتمسكة بالمعايير الحقوقية الراسخة”.
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
في آخر بيان محلي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، كان بعنوان “الأعمال الانتقامية بحق الحقوقيين المصريين لن تثنيهم عن متابعة فضح الانتهاكات والممارسات الاستبدادية”، على خلفية دعم الحقوقي جمال عيد جراء مايتعرض له من انتهاكات، حسب البيان.
اقرأ أيضًا:
رئيس المركز محمد زارع، يرى “أن شكل المنظمات الحقوقية اختلف لوجود مناخ وصفه عدائي من قبل الدولة ضد المنظمات منذ فبراير 2014، لاسيما بعد إعلان وزارة التضامن قرارًا بتوفيق أوضاع المنظمات والمراكز الحقوقية قانونيًا، وإعادة فتح التمويل الأجنبي الذي ترجع لعام 2011، فضلا عن منع حقوقيين من السفر ومصادرة أموالهم”، وفق رأيه.
ويعتبر “زارع” أن المنظمات الحقوقية ليس من المفترض أن تبرر الانتهاكات أو تسيس القضايا، قائلا: “المنظمات عليها رصد الواقع، وعلى الدولة أن ترد على ملاحظات المنظمات وتفتح حوارًا ومناقشة لمعالجة تلك الانتهاكات”.
ويضيف زارع “إذا كان الإرهاب تبرير للانتهاكات، فحبس شخص مثل شادي أبوزيد احتياطيًا لمدة عامين دون ارتكاب جرائم عنف ما علاقته بالإرهاب؟”، مطالبًا بمعاملة الدولة مع منظمات المجتمع المدني على كونها “جرس انذار” ينبهها.
ويقول “زارع” إن “المنظمات لا تهوى الانتقاد ولا وظيفتها التبرير، لأنها تتحدث بمعايير دولية، تشير لمواطن الضعف والخلل لمعالجتها”.
ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان
في سياق متصل، أصدر برنامج حرية الرأي والتعبير بمؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان تقريره “صحفيون بلا حماية”، يرصد حالات القبض على الصحفيين خلال النصف الأول من عام 2020.
ورصد التقرير القبض على نحو 24 صحفيًا خلال هذه الفترة، وتنوعت الاتهامات بين تهم جنائية طبقًا لقانون العقوبات المصري، وتهم ذات صلة مباشرة بقضايا النشر وحرية الرأي والتعبير.
يقول رئيس الملتقى سعيد عبدالحافظ، “إن الحركة الحقوقية منذ تأسيسها تشهد تناقضات، وكانت المحطة الفاصلة في أداء المنظمات وأصبحت أكثر حدة قيام ثورة 30 يونيو، بسبب الاستقطاب السياسي بين منظمات مؤيدة ومعارضة”.
ويتفق “عبدالحافظ” مع الحقوقيين سابقيه، بشأن انقسامات المنظمات بين منظمات على يسار السلطة تصدر تقارير تنال منها، ومنظمات على يمين السلطة تؤيدها تأييدًا مطلقًا، ونوع ثالث من المنظمات في الوسط تجد صعوبة في ممارسة عملها، ويمارس عليها ضغوطات، حسب رأيه.
ويؤكد “عبدالحافظ” أن ذلك الانقسام انعكس على المواطن المصري سلبًا، وغابت المنظمات التي تسعى للدفاع عنه وعن حقه.